كنت ولا زلت اعشق معرفة تفاصيل حياة الأعلام من رجال الدين السابقين كأئمة المذاهب والتابعين فضلا عن الصحابة رضي الله عنهم , كما أني أتتبع قصص العلماء الكبار الذين عاشوا في هذا العصر عن طريق رواية مريديهم وطلابهم , ويعود شغفي بمعرفة تفاصيل حياة هؤلاء لأسباب كثيرة.. من أهمها أنهم أتقياء والتقوى تستقر في القلوب الزكية ولا تغني عنها قشور العبادات , وتثبت قيمة العقل وتجعله اصل دينه ومعتقده الذي امن من خلاله بالله سبحانه وكتبه ورسله ,ولذلك تكون سيرهم صادقة معبرة , وهؤلاء لم تكن الدنيا اكبر همهم, وهم يطبقون ما استقر في ضمائرهم من تعاليم هذا الدين الحنيف وسماحته , بعيدا عن ما يمليه عليهم دور عالم الدين في ترجيح مسائل معينه لسد ذريعة أو جلب منفعة قد تكون خافية على العامة .. ولتحقيق هذا المبتغى استخدمت طريقة جميلة انصح بها الجميع , آلا وهي الاعتماد على المكتبات الإسلامية الصوتية مثل ( مكتبة قرطبة) في شراء مجموعة أشرطة عن أي ناحية دينية كانت او تاريخية , أو شخصية من الشخصيات وسماعها في المنزل أو في السيارة , فبذلك يحقق الهدف وفي أوقات كانت تعتبر ميتة من ساعات اليوم .. لقد تعلمت بهذه الطريقة الكثير والكثير عن تفاصيل حياة أمثال الإمام مالك وأبو حنيفة وابن حنبل والشافعي وابن تيمية وغيرهم , بالبومات صوتية للدكتور طارق السويدان وغيره , واستمعت الي حقب تاريخية مثل تاريخ الأندلس بطريقة مشوقة جدا .. أن معرفة حياة هؤلاء الأعلام الخاصة تجيب على كثير من التساؤلات, بل وتفتح الأفاق للتفكر والتدبر حول مسائل فقهيه خلافية.. فالقليل منا يعرف أن الإمام مالك كان يعزف البوص في شبابه , وانه كان جميل الخلقة , او انه كان يحب أن يلبس أفضل الحلل والملابس ويتطيب قبل الخروج من بيته , أو مثلا أن الإمام أبا حنيفة فارسي تاجر أقمشة ماهر والإمام احمد عاش طفولة بأسه بدون أب , حيث قتل والده في إحدى المعارك في بلاد فارس وربته أمه وانه كان يلتقط الحبوب التي تسقط من الحمالين ليعيد بيعها من الفقر , أنها تفاصيل حيتيه ولكنها مهمة لتكوين انطباع عن شخصية العالم وبالتالي علمه وتوجهه .
أعود ألان بعد هذه المقدمة الطويلة إلي عنوان المقال ( الشيخ بن عثيمين رحمه الله يستحي من هرة !) .. جميعنا يعرف الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله , فهو من أعلام هذا الزمان ولا شك , وقد كان له تقدير واحترام من المخالفين له قبل أتباعه , ومن ولاة الأمر , وقد دفعه امتيازه العلمي و المعنوي إلي اعتلاء القمة .. ولكن القليل منا يعرف تفاصيل حياة هذا العالم الجليل , وأنا من هؤلاء , ولكن لعل قصة صغيرة من حياته تعطي دلالات على شخصيته .. وهذا ما حدث بالنسبة لي , حيث أني وذات لليلة وأنا أشاهد قناة إسلامية "لا اذكر اسمها حقيقة " تحدث احد طلبة الشيخ عن حياته , وشدتني قصه صغيرة عنه رحمه الله جعلتني اغرق فيما يحمله ذاك الإنسان من إيمان وحب وعطف وتواضع .. القصة هي أن الشيخ محمد كان معتاد عند خروجه من بيته أن يأخذ شيء من الطعام لهرة تقف له عند باب البيت كل يوم , وقد اعتاد على هذا رحمه الله , وعودها بالتالي على ذلك .. وفي احد الأيام وقبل خروجه من المنزل بحث عن شيء يعطيه هذه الهرة , فلم يجد .. تخيلوا ماذا فعل ؟ .. أي إنسان سيقول انه لن يفعل شيء , وسيخرج ويتناسى الموضوع لعدم أهميته أصلا.. ولكن هنا يأتي الفرق الذي يميز الشموس عن بقية الكواكب.. إلا ترى كواكب السماء ونجومها ؟ أن بعضها اكبر من الأخر ألف ألف مرة , ودائما العظمة تكون امتداد لموهبة من مواهب النفس وصفاتها الإنسانية , وهذا ما ميز أمثال الشيخ رحمه الله , الذي اثر الخروج من باب خلفي حتى لا يلتقي تلك الهرة ويرى علامات الحزن والانكسار في عيونها .. استحى منها .. لم يستطع أن يكسر بخاطرها.. سبحان الله .. قد تكون القصة لا تعني شيء عند البعض , ولكن اقسم بالله أنها أجرت دموعي على وجنتي .. وهي في هذه اللحظة تسيل حين تصورت عظم الموقف وإنسانيته.. دعوني أكفكف دموعي وادعوا الله أن نكون على قدر بسيط من إنسانية ذلك الرجل العظيم,,
عبدا لعزيز بن عبدالله الرشيد
التعليقات (0)