o الكاريكاتير السياسي
حديث في الانتساب للوطن وحبه ومرحلة الشريك المتقدم لتونس مع الاتحاد الأوروبي PDF طباعة إرسال إلى صديق
محمد مواعدة يكتب "إنها الخيانة بعينها"
العلاقة بين المواطن ووطنه علاقة معقدة جدا متداخلة العناصر متشابكة مما يجعلها ذات أبعاد وجودية ، ولا أدلّ على ذلك من التضحية بالنفس والنفيس من أجل الوطن وحريته واستقلاله ومناعته واستقراره.
فعندما يراهن المواطن ويقدم حياته ووجوده ذاته من أجل وطنه دون انتظار جزاء أو شكور فهذا يعني أن وجود الوطن متقدم عنده عن وجوده هو كإنسان.
الاعتزاز بالتضحية
والذين عايشوا مرحلة الكفاح الوطني ببلادنا لاشك أنهم لاحظوا أو سمعوا أو شاهدوا بصورة مباشرة -وهو ما عشته شخصيا- كيف أن الفدائي الذي يحمل السلاح لمواجهة الجندي الاستعماري، يكون عند الاستعداد لهذه المواجهة في حالة من الاعتزاز والنخوة والحماس وكأنه ذاهب إلى عرس أو محفل فرح.. لا إلى ساحة الوغى وهو يعلم جيدا أنه يقابل قوى استعمارية ضاربة تفوق بكثير عدّة وعددا قوى هذا الفدائي المقاوم مهما كان عدد فريقه ومهما كانت عدّته وعدده...
والذي جعل هذا الفدائي على هذه الحال هو شعوره بأنه يدافع عن وطنه.. بكامل الإيمان.. وأن قواه المعنوية والإيمانية تفوق بكثير القوى المادية المقابلة.
وهذه القوى الإيمانية هي التي تجعل ميزان القوى المتقابلة يتغلب لفائدة الطرف الإيماني.. وهو ما يجعل هذه القلّة القليلة من الفدائيين الوطنيين الصادقين تواجه وتتغلب وتهزم الكثرة الكثيرة من الجند الاستعماري.. عددًا وآليات عسكرية..
ولذلك جاء في الحديث الشريف: حب الوطن من الإيمان
كما أكدت النصوص الشعرية والأناشيد الوطنية التي حفظناها عن ظهر قلب ورددناها مئات بل آلاف المرات منذ الطفولة إلى اليوم مثل:
هوى وطني فوق كل هوى جرى في عروقي مجرى دمي
...وهل هنالك علاقة وجودية أعمق وأقوى من هذه العلاقة.. هوى الوطن للمواطن الوطني مثله مثل الدم في جسم الإنسان.. وهل يمكن لهذا الإنسان أن يعيش بدون دم يجري في عروقه؟
أو مثل: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
وكثيرة هي النصوص التي تؤكد على ضرورة الدفاع عن الوطن في جميع الحالات...
الانتساب الإداري.. والانتماء الوطني
وقد يتساءل القارئ الكريم: لماذا العودة إلى التذكير بهذه الحقائق بل البديهيات؟
إن ما دعانا إلى التذكير بها هو ما تقوم به بعض العناصر المنتسبة إلى تونسنا العزيزة.
وأؤكد على أنها منتسبة مجرد انتساب.. وهو انتساب إداري وورقي ببطاقة الميلاد وبطاقة التعريف..
ذلك أن الانتماء للوطن هو أعمق من ذلك وأقوى وأنبل.. إنه انتماء تدعمه المشاعر والتربية والمعاشرة منذ النشأة.. تدعمه العلاقة مع هذه الأرض وهذه الطبيعة بمائها وهوائها.. وتدعمه طبعا معايشة أهلنا على هذه الأرض بأفراحها وأتراحها والتاريخ والحضارة.
أما هؤلاء الذين ليس لهم علاقة مع تونسنا العزيزة ذات التاريخ العريق -تونس هذه التي كان لها- وما يزال- دور فاعل ومشرّف في إثراء الحضارة الإنسانية.. ليس لهم من علاقة روحية وفكرية وثقافية وإنسانية معها..
إنهم في بيوتهم ومع عائلاتهم يعيشون مع الفضائيات الأجنبية وخاصة الفرنسية.. ويتكلمون اللغة الفرنسية.. إنهم يسكنون هذه الأرض ولكنهم لا يعيشون مع أهلها وساكنتها.. إنهم غرباء.. أجسادهم هنا.. وعقولهم ومشاعرهم هناك.. في الغرب.. داخل حضارته وبين إعلامييه ومثقفيه وخاصة منهم الذين يحقدون على بلادنا.. وعلى حضارتنا العربية والإسلامية.. والذين لا يترددون أبدا في تشويهها وتزييف مكانتها ودورها.. وتجاهل ما لها من مكاسب وإنجازات مهما كانت ساطعة مثل الشمس.. بارزة يشهد بها الجميع من الصادقين في مختلف أنحاء العالم..
وفي مقابل هذا التجاهل المفضوح.. نلاحظ اهتماما وإبرازا لأية نقيصة مهما كانت صغيرة..
إذن. هؤلاء المنتسبون إداريا إلى تونس، لا يترددون باستمرار، وخاصة خلال هذه الأيام في التشهير ببلادنا.. سلطة وشعبا..
تونس والاتحاد الأوروبي
وهل هنالك أفضع وأنذل من قيام هذه العناصر.. وهم قلّة قليلة.. بتكثيف الاتصالات والزيارات للسفارات الأوروبية المتواجدة ببلادنا.. وبالخصوص المتواجدة في بلدان أوروبية..
وتزايدت كثافة هذه الاتصالات هذه الأيام بمناسبة اجتماعات الاتحاد الأوروبي في بروكسال للنظر في مشروع»الشراكة المتقدمة« بين تونس والاتحاد...
ومضمون هذه الاتصالات هو سعي هذه العناصر إلى إقناع الطرف الأوروبي برفض هذه الشراكة وعدم تمكين تونس من الامتيازات التي يحققها هذا الإطار »الشراكة المتقدمة« لفائدة الشعب التونسي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية..
أعداء الشعب
نعم. إن هذه العناصر التي لا تنتمي أبدا إلى المعارضة أيا كانت درجتها وأسلوبها..
وجهت الرسائل.. وكثفت اللقاءات والزيارات مع العديد من الأطراف الأوروبية.. واعتمدت مختلف الوسائل لتعطيل هذه »الشراكة« التي تعود بالفائدة والنفع على الشعب التونسي وخاصة المناطق التي تحتاج إلى مزيد من التنمية..
وبذلك يتأكد لجميع التونسيين أن هذه "العناصر" ليست معارضة للسلطة بل هي معارضة لمصالح شعبنا التونسي الذي يواجه شتى التحديات بجهود مثابرة وبإيمان وحماس متميز للتغلب على هذه التحديات..
ولا شك أن موقف هذه "العناصر" يطرح علينا جميعا سؤالا حاسما:
بماذا نصف "تونسي" يعمل جاهدا على عرقلة نمو تونس.. وتعطيل مصالحها التنموية؟
النموذج التونسي.. والنموذج العراقي
لا شك أن هذا النموذج من "الخصوم" حتى لا يقع المسّ من مفهوم المعارضة ودورها الوطني.. مهما كانت توجهاتها وانتماءاتها الفكرية.. هذا النموذج يذكرنا ولا شك بالنموذج العراقي الذي استعمل جميع الوسائل لإقناع الدول الغربية.. الأوروبية والأمريكية.. لضرب العراق وتدمير بنيته التحتية.. وهياكل دولته ومؤسساتها.. بل تدمير مآثره الحضارية ذات البعد التاريخي والإنساني المعروف..
والجميع يعلم أن "العناصر العراقية" انتهى بها المطاف إلى تشجيع القوى الغربية والأمريكية بالخصوص على احتلال العراق والسيطرة على مقدراته.. والجميع يذكر كيف دخلت بعض "العناصر العراقية" إلى البصرة.. ثم بغداد.. وكامل المدن العراقية على الدبابات الأمريكية الغازية والمدمّرة والمحتلة..
خيانة وطنية مفضوحة
كل ذلك قامت به "العناصر العراقية" تحت شعار الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية..
وهي الشعارات نفسها التي ترفعها "العناصر التونسية"...
فهل هنالك خيانة وطنية أوضح من هذا؟ وهل هنالك عمالة وتبعية وخدمة بعض المصالح الغربية أوضح من هذا وأكثر؟
ولهذه الاعتبارات.. بقدر ما نؤكد على صلابة مجتمعنا ووحدة صفوفه مع تعدد مشارب أبنائه.. التعدد الذي يدعم الوحدة الوطنية ويثريها ويغنيها ويصونها من النوائب والتدخلات الخارجية..
بقدر ما نؤكد على ذلك فإننا نؤكد على ضرورة فضح هذه العناصر وعزلها.. وكشف ما تقوم به بكامل الوضوح والمسؤولية.. كما حدث مع سابقيهم الذين تعاونوا مع الاستعمار الأجنبي ضد وطنهم..
إنها مسؤولية جميع الوطنيين المخلصين لتونسنا العزيزة.. الغيورين على مكاسبها وإنجازاتها.. ودورها الإقليمي والعالمي
التعليقات (0)