الشورى, تعريفها, أهميتها, مشروعيتها من الكتاب والسنة
الفصل الأول:
الشورى في اللغة
الشورى والمشورة والاستشارة, والإشارة, مصادر الفعل: شَور وهي الشورى والمشورة بضم الشين, وهي مصدر ونقول, شاورته في الأمر, أي طلبت رأيه, ونقول: فلانٌ خير شير, أي – يصلح للمشاورة, واستشارته, أي طلب منه المشورة. ونقول أشار الرجل – أي يشير إشارةً إذا أدما بيده (1). ويقال: شار العسلُ شورً, أو شيارةً ومشاراً أي استخرجه من الوقبةِ. ويقال: الشارة والشور والشيار والشوار, أي الحسن والجمال والهيئة واللباس والزينة (2).
قال بعض أهل اللغة في قولهم شورَ به, إذا أخجلة: إنما هو من الشوار, والشوار: فَرج الرجل. ومن ذلك قولهم: أبدى الله شوارة. قال: فكأن قوله: شور به, أراد أبدي شوارة حتى خجِل. قال: والشوار: متاع البيت أيضاً.
قال بعض أهل اللغة: من هذا الباب, شاورتُ فلاناً في أمري, قال: وهو مشتقٌ من شَور العسل, فكأن المستشير يأخذ الرأي من غيره. قالوا: ومما أشتُق من هذا قولهم في البعير: هو مستشير وهو البعير الذي يعرف الحائل من غير الحائل (3). وشارها يشورها شوراً وشِواراً وشورها وأشارها. عن ثعلب, قال: وهي قليلة, كل ذلك: راضها أو ركبها عند العرض على مُشتريها, وكذلك الأُمة, يقال: شُرت الدابة والأمة أشورُهُما شوراً إذا قلبتهما (4).
قال أهل اللغة, اسم المشاورة, تقول: شاورة في الأمر مشاورةً, طلب رأيه فيه وشار الشيء: عَرَضهُ ليُبدي ما فيه من محاسن, وأشار عليه بكذا نصحهُ أن يفعله مُبيناً ما فيه من صواب (5), المشُورة والمشَورة: الاستشارة وإدارة الرأي " من مصادر شار". والمُشاوِر والشير: أن يذهب الرجل ويعود في سفرٍ قريب, وهو مأخوذ من شار الدابة إذا ركبها عند عرضها على المشتري, فمشى بها وعاد لينظر كيف سيرها ومشيها (6). ويقال: إشتارت الإبل إذا لبَسِها شيء من السمَن وسَمِنَت بعض السَمَن. وفرس شَير وخيلٌ شيارٌ: مثل جيد وجياد, ويقال: جائت الإبل شياراً أي سِماناً خِساناً, وقال عمرو ابن مَعِد يكرُب: أعباسُ, لو كانت شياراً جيادُنا, بِتَشلبِثَ, مانا حَبتَ بعدي الأحامِسا.
وفي الحديث: كان يُشير في الصلاة, أي يومِئ باليد والرأس أي يأمُرُ ويَنهىَ بالإشارة, ومنه قوله الذي كان يُشير بأُصبعه في الدعاء: أحد أحد, ومنه الحديث: كان إذا أشار بكفهِ أشارَ بها كلها, أرادَ أن إشاراتهِ كلها مُختلفة, فما كان منها في ذِكر التوحيد والتشهُد فإنه كان يُشير بالمسبحة وحدها, وما كان في غير ذلك كان يُشير بكفهِ كلها ليكون بين الإشارتين فرق, ومنه: قال ابن الأثير: وجَبَ هُنا بمعنى حَل والمُشيرةُ: هي الإصبعُ التي يقال لها السبابة وهو منه. ويقال للسبابتين: المُشيرتان أشار عليه بأمر كذا: أمره به (7). فالشورى والمشورة في اللغة لفظان مترادفان يفيدان معنىً واحداً مشتركاً هو: إعطاء الرأي أو أخذه (8), إذن: الاستخراج والإظهار (9), وتستلزم حصول المناقشة في الأمر والحوار فيه وتبادل وجهات النظر حوله, والعناية به قبل الإقدام عليه, حتى تظهر المصلحة من خلال الحوار (10).
هكذا يتضح المعيار الشمولي للشورى من خلال وصفها باللغة العربية, فلولا اللغة لن تكون هناك شورى يمكن الوصول بها إلى خاصية مفهوم المجتمع الإسلامي بشكل متكامل بحيث تعتبر اللغة هي الوسيلة المطلقة لتبيان محاور الشورى في جميع مجالات الحياة الطبيعية والشرعية لإظهار التكامل ما بين الفرد والمجتمع من أجل التكيف الفقهي والسياسي في نظام الدولة وتبيان أهميتها (الشورى) عند الفرد والجماعات.
فإذا كانت الشورى تأخذ الاتجاه الذي يضمن أو يبحث عن الفضيلة والعدالة والحكمة, فإن اللغة هي التواصل الذهني والموضوعي لتكييف مصطلح الشورى رغم اختلافات المفاهيم الفكرية والنزعوية والتشريعية يمكن من خلاله التواصل والتفسير والتكيف بأمر الشورى وأهميتها. إضافة إلى أن اللغة العربية وكونها لغة القرآن الكريم, فلا جدال في موضوعيتها وانتشارها بين اللغات الأخرى. الباحث.
قائمة مصادر ومراجع الفصل الأول:
1- ابن منظور, لسان العرب, الجزء الرابع, ص 436-437.
2- الفيروز, آبادي, الفيروز المحيط, الجزء الثاني, ص67.
3- ابن الحسين أحمد بن فارس بن زكريا, معجم مقاييس اللغة, الجزء الثالث, ص 226-227.
4- ابن منظور, لسان العرب, الجزء الثالث, ص 379-380.
5- التميمي, عز الدين, الشورى بين الأصالة والمعاصرة, عمان – الأردن, دار البشير, 1985م, ص 15.
6- رضا, أحمد, معجم متن اللغة, المجلد الثالث, بيروت, 1959م, ص393-394.
7- لسان العرب, ابن منظور, أبي الفضل, جمال الدين محمد بن مكرم, ابن منظور الأفريقي المصري, دار صادر, الجزء الرابع, ص 435-437.
8- العوضي, أحمد, نظام الحكم في الإسلام, دار رند للنشر, 2004م, ص 121.
9- الأنصاري, عبد الحميد, الشورى وأثره في الديمقراطية, بيروت-لبنان, المكتبة العصرية, 1980م, ص 3.
10- عز الدين الخطيب, 1985م, ص15.
الفصل الثاني:
الشورى في الفلسفة
هي من مصطلحات الفلسفة الإسلامية, وطلب الرأي, والمستشار هو العليم الذي يؤخذ رأيه, وهو المشير الناصح, يُقال اشتور القوم أي تشاوروا, فالشورى مبدأ وأصل في الحكم, وفي القرآن: وأمرهم شورى بينهم (1), أي لا يبرمون أمراً حتى يتشاوروا فيه, وإذا اجتمع أهل الشورى على أمرٍ فإنما ليلتزم به الحاكم, والشورى في الآية سمةٌ لكل مجتمع مسلم وحيثما كان اجتماع المسلمين وجبت عليهم الشورى, وفي الشورى تختلف الآراء وتتباين, والحكم في كل الأحوال لأهل الحل والعقد وهم الصفوة الذين لديهم العلم, والعالِم الحق عندما يُدلي بعلمه يتعذر دوماً بالعبادة "ذلك مبلغي من العلم", ففوق كل ذي علم عليم. حتى يتبين أن تعريف الشورى قد يكون واحداً في كتب اللغة والتفسير والسياسة والفلسفة, وهو بمعنى استخلاص الرأي السديد – لها مصلحة الجماعة (2).
كانت الشورى هي المصطلح الذي أوجز أغلب المسلمين تحته فلسفة الحكم, كما رآها الإسلام وارتضاها المسلمون منذ ظهور الإسلام وقيام الدولة العربية الإسلامية الأولى ومنذ نشأة التيارات الفكرية السياسية الإسلامية. وليس لأحد أن يدعي أن الشورى كفلسفة للحكم هي اختراع عربي أو إسلامي, فمنذ عصور مُوغلة في القدم عُرف التراث الإنساني – في حضارات مختلفة وعصور متعاقبة الفكر السياسي المُحبذ للشورى, فالدين وضع الهي, نقبله ونتعبد بتكاليفه مسلمين الوجه لله, نأتمر معاً قضاياها, ونختار لنا الأمير القائد, ونسلك سبيل الشورى كفلسفة لنا في هذا الميدان (3), وفي الآية: وشاورهم في الأمر (4) إلزام بالأخذ بالشورى, حتى للنبي صلى الله عليه وسلم, فطالما الأمر متعلق بالناس ويُطبق عليهم, فلا بد أن يُستشاروا والشورى تطيب قلوب المحكومين, فيطمئنون للحكم, وهي أنشط لهم فيما يفعلونه, حتى النبي صلى الله عليه وسلم قد شاور في كل أمر وكانوا يجادلونه, وجادلته المرأة في زوجها, وجادله عُمر بن الخطاب, وشاور يوم أُحد, وفي بدر, وأشار جمهور المسلمين فأمر بما أشاروا (5).
وإذا كانت الفلسفة توحي بأن الدولة برجالها والأمة بنوابغها, فإن الشورى جاءت مُبادرة إلهيه وشريعة لا تتعلق بنوازع ورؤى الطروحات البشرية التي تخضع بقوانينها للعقل الإنساني, بينما الشورى كانت أمام الطروحات الفلسفية هدم التشريع والقانون والنظام البشري من أجل خير البشرية عامة.
فإذا كانت الفلسفة قد أظهرت الديمقراطية ضمن أسس ومعايير إنسانية خاضعة لعوامل البيئة والوراثة والظروف المجتمعية, فإن الشورى بالتالي أمرٌ الهيٌ قاطع يدعوا من أجل الحكمة المطلقة التي تبحث عن عدالة الإنسان ووجوده. الباحث.
قائمة مصادر ومراجع الفصل الثاني:
1- الشورى, ص38.
2- الحفني, عبد المنعم, المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة, القاهرة –مصر, مطبعة مدبولي, 2000م, ص449.
3- الكيالي, عبد الوهاب, الموسوعة السياسية, الجزء الثالث, ط 2, 1993م, 498-499.
4- القرآن الكريم, سورة آل عمران, الآية 159.
5- المعجم الشامل, مصدر سابق, ص449.
الفصل الثالث:
حكمة مشروعية الشورى
ثبتت مشروعية الشورى بِنص القرآن الكريم, والسنة النبوية, وإجماع الصحابة الكرام –رضوان الله عليهم, كما يلي: قال تعالى: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاةَ وأمرُهُم شورى بينهم) (1), قيل: نزلت في الأنصار, دعاهم الله تعالى على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم للإيمان به وطاعته سبحانه, فاستجابوا له فأثنى عليهم جل وعلى بما أثنى, وعليه فهو من ذِكرِ الخاص بعد العام لبيان شرفه لإيمانهم دون تردد وتلعثُم, والآية إن كانت مدنية فالأمر ظاهر وإذا كانت مكية, فالمراد بالأنصار من آمن بالمدينة قبل الهجرة, أو المراد بهم أصحاب العقبة (وأمرُهُم شُورى بينُهم), أي ذو شورى ومراجعة في الآراء بينهم بناء على أن الشورى مصدر كالبُشرى, فلا يصُح الإخبار لأن الأمر متشاور فيه إلا إذا قصد المبالغة (2).
قال عبد الرحمن ابن زيد: هم الأنصار بالمدينة, استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم لثنى عشر نقيباً منهم قبل الهجرة. (وأقاموا الصلاة). أي أدوها لمواقيتها بشروطها وهيئاتها. الثانية: قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) أي يتشاورون في الأمور, فكانت الأنصار قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم, إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه ثم عملوا عليه, فمَدَحَهُم الله تعالى به, قاله النقاش. وقال الحسن: أي إنهم لانقيادهم إلى الرأي في أمورهم متفقون لا يختلفون, فمدحوا بإتقان كلمتهم. قال الحسن: ما تشاور قوم قط إلا هُدوا لأرشد أمورهم. وقال الضحاك: هو تشاورُهُم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم, وورد النقباء إليهم حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له (3).
يجد الباحث أن مشروعية الشورى انحصرت في آيتين كريمتين الآية الأولى: (فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك, فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر, فإذا عزمت فتوكل على الله, إن الله يحب المتوكلين) (4), وبهذا النص الجازم: "وشاورهم في الأمر" يقدر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم – حتى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم – هو الذي يتولاه. وهو نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكاً في أن الشورى مبدأ أساسي, لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه. أما شكل الشورى, والوسيلة التي تتحقق بها, فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وِفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها, وكل شكل وكل وسيلة, تتم بها حقيقة الشورى – لا مظهرها – فهي من الإسلام. لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة, فقد كان من جرائها ظاهرياً وقوع خلل في وحدة الصف المسلم, اختلفت الآراء. فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة مجتمعين بها, حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة, وتحمست مجموعة أخرى فرأت الخروج للقاء المشركين, وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف, إذ عاد عبد الله ابن أُبي ابن سلول بثلث الجيش, والعدو على الأبواب وهو حدث ضخم وخلل مخيف (5).
والمقصود في " أُحُد" و "بدر", وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أُحُد سبعين وقَتَل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين, وقيل أن المسلمين هزموا المشركين يوم بدر وهزموهم في أول الأمر يوم أحد, فلما عصوا الله ورسوله هزمهم المشركين فحصل انهزام المشركين مرتين وانهزم المسلمين مرة واحدة وهو بسبب مخالفتهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك أنه صلى الله عليه وسلم اختار الإقامة في المدينة على الخروج إلى العدو, واختاروا هم الخروج إليه, وأيضاً أمَرَ الرُماةُ بالإقامة في الموضع الذي عينه لهم, فخالفوا وتركوا المركز لأجل الغنيمة, فكان ذلك سبب القتل والهزيمة (6).
ولم يكن الرسول عليه –الصلاة والسلام- يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج, فقد كان لديه الإرهاص من رؤياة الصادقة, التي رآها والتي يعرف مدى صدقها, والتي تأولها قتيلاً من أهل بيته, وقتلى من صحابته, وتأولُ المدينة درعاً حصينة. وكان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى, ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام والخسائر والتضحيات, لأن أقرار المبدأ, وتعليم الجماعة, وتربية الأمة أكبر من الخسائر الوقتية, ولقد كان من حق القيادة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة, أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف, ولكن الإسلام كان يُنشىء أمة, ويربيها, ويعدها لقيادة البشرية وكان الله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمم وإعدادها للقيادة الرشيدة أن تُربى بالشورى (7), فمدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك.
وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يشاور أصحابه في الآراء المتعلقة بمصالح الحروب, وذلك في الآراء كثير, ولم يكن يشاورهم في الأحكام, لأنها منزلة من عند الله على جميع الأقسام من الفرض والندب والمكروه والمباح والحرام (8), وفي الآية مدح للتشاور, لاسيما على القول بأن فيها الإخبار بالمصدر, وقد أخرج البيهقي في شُعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أراد أمراً فشاور فيه وقضى هدى لأرشد الأمور, كما يؤكد الالوسي في كتابه أن الشورى كانت بين النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه فيما يتعلق بمصالح الحروب, وكذا بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعده عليه الصلاة والسلام, وكانت بينهم أيضاً في الأحكام كقتال أهل الرِدة وميراث الجد وعدد حد الخمر وغير ذلك, وكيف يليق بالمسلم العدول عن حكم الله عز وجل إلى آراء الرجال, والله سبحانه وتعالى هو الحكيم الخبير.
ويؤيد ما قلنا ما أخرجه الخطيب عن "علي" كرم الله وجهه قال: قلت يا رسول الله, الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء, قال: اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد, وينبغي أن يكون المستشار عاقلاً كما ينبغي أن يكون عابداً, فقد أخرج الخطيب أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً "استرشدوا العاقل تُرشدوا ولا تعصوه فتندموا", ففي الحديث إذا كان أمراؤكم أشراركم وأغنياؤكم بخلائكم فبطن الأرض خيرُ لكم من ظهرها (9).
عن ابن عباس قال: لما نزلت (وشاورهم في الأمر), قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أن الله ورسوله لغنيان عنها, ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأُمتي, فمن استشار منهم لم يُعدم رشداً ومن تركها لم يُعدم غياً", وقيل: فائدة ذلك أن يمتحنهم فيتميز الناصح من الغاش, وليس بشيء وإدعى الجصاص: أن كون الأمر بالمشاورة على جهة تطييب النفوس مثلاً غير جائز لأنه لو كان معلوماً عندهم لأنهم إذا استفرغوا مجهودهم في استنباط الصواب عما سئلوا عنه ثم لم يكن معمولاً به لم يكن في ذلك تطييب نفوسهم بل فيه إيحاشهم بأن آراءهم غير مقبولة و لا معولٌ عليها, وجزم بأنه لا بد أن يكون لمشاورته صلى الله عليه وسلم إياهم فائدةٌ هي الاستظهار بما عندهم (10).
إن القرآن الكريم هو أصل الدين وأساسه, فقد قال الله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء), وقال: (تبياناً لكل شيء), ونقول: لا يتجه الخلاف إلا في الأحكام الدينية المحضة, وأما في المصالح المدنية والسياسية والحربية فقد أمر بالمشاورة فيها, فكان يرى الرأي فيرجع عنه لرأي الصحابة, وعاتبه الله تعالى على بعض الأعمال التي عملها برأيه صلى الله عليه وسلم, كما ثبت في غزوة بدر وأُحد وتبوك, ولا يتأتى شيء من ذلك فيما كان يوحي (11), إنما من باب حكمة مشروعيتها: هل هي فرض على الحاكم لا يحل له إبرام أمر من أمور المسلمين إلا بعد أن يعود الى الأمة يطلب منها الرأي, أم أنها مندوبة يُثاب على فعلها رئيس الدولة ولا يأثم إن تركها؟, فإن الراجح وجوب الشورى إذ لم تصرفه قرينة, ولا قرينة صارفة هنا, بل أن سبب نزول الآية يؤكد الوجوب, فقد نزلت بعد هزيمة المسلمين في أُحد (12), لذا يتضح لنا من أن الشورى مبدأ إسلامي وشرعي يلتزم فيه الحاكم أما رعيته.
قائمة مصادر ومراجع الفصل الثالث:
1- الشورى, 36- 38.
2- البغدادي, الالوسي, روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني, بيروت – لبنان, دار إحياء التراث العربي, ص 46.
3- القرطبي, الجامع لأحكام القرآن, المجلد الثامن, ص37.
4- القرآن الكريم, سورة آل عمران, الآية 159.
5- قطب, سيد, في ظلال القرآن, الجزء الرابع, بيروت- لبنان, ط7, 1971م, 118-119.
6- تفسير الخازن, المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل, الجزء الأول, دار الفكر, ص293.
7- قطب, سيد, في ظلال القرآن, الجزء الرابع, بيروت-لبنان, ط7, 1971م, ص119.
8- القرطبي, الجامع لأحكام القرآن, المجلد الثامن, ص37.
9- البغدادي, روح المعاني, مصدر سابق, ص 46- 47.
10- البغدادي, روح المعاني, مصدر سابق, ص106 -107.
11- رضا, محمد رشيد, تفسير القرآن الحكيم, ص 139- 140.
12- لقد اختلف الفقهاء هل كانت واجبةٌ على الحاكم أم من باب الندب تطبيقاً لقلوبهم, على قولين: أنظر تفسير ابن كثير, الجزء2, ص 129.
الفصل الرابع:
موضوعات الشورى
يرى بعض الباحثين المعاصرين أن موضوعات الشورى لم تحدد, والصواب أنها حُددت ولكن لعله لم يكن تحديداً دقيقاً. ومن خلال ما سيأتي من ذكر اختلاف العلماء في موضوعات الشورى سيتبين أن المفسرين والفقهاء وعلماء الشريعة قد حددوا موضوعات الشورى وإن كانوا قد اختلفوا في تحديدها.
إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يثبت أنه شاور أو اجتهد في مسألة ورد فيها نص, بل أنه صلى الله عليه وسلم كان يُشاور في سائر الحوادث عند عدم النص (1) لأن في التشاور مع وجود النص معارضة له ومناقضة, والمشاورة لم تُشرع لمناقشة النصوص, وإنما شُرعت لاستخراج الآراء, وقد أدرك الصحابة عدم جواز التشاور فيما هو محل نص, ولذلك كانوا رضوان الله عليهم لا يسألون النبي في مسألة يعلمون فيها وحياً, وكانوا إذا كانوا مأمورين من قبل الوحي أو أنه رأي رآه النبي واجتهاد من عند نفسه لهم الخيار في قبوله أو رده (2).
اختلف العلماء في ذلك ودار خلافهم فيما نزل فيه الوحي أو لم ينزل وخرج بعضهم ليزعم أن هذه المسألة لم يأت الشرع ببيانها. وأصل الخلاف في المسألة هو المعنى المراد من قوله تعالى (وشاورهم في الأمر) مما هذا الأمر؟ (3) هل هو جميع شؤون المسلمين؟ أم هو ما كان في تدبير الحروب؟ أم ما كان في النظام الإداري للدولة (4) حيث استخلص الأنصاري (5) بأن الشورى لا تكون فيما نزل فيه وحي, حيث اتفق العلماء على تخصيص عموم كلمة "الأمر" في قوله تعالى (وشاورهم في الأمر). وفي: (وأمرهم شورى بينهم) –بما لم ينزل فيه وحي. ويقول: الأول: أنها خاصة بالأمور الدنيوية كالحروب وما يتعلق بها. الثاني: أنها في الأمور الدنيوية, وكذلك في الأمور الدينية التي لا وحي فيها (6).
إن كلمة الأمر أسم جنس مُحلى, بأل, فهو – لفظ عام, فيشمل كل أمر لا نص قطعي الدلالة فيه, وجاءت السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين تدل عل ذلك (7), فمجالات الشورى ثلاثة, هي: الأول: فيما لا نص فيه, ويشمل جميع الأمور العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والتشريعية أو ما يُسمى بميادين السياسة الشرعية, وذلك في إطار من القواعد الشرعية والمبادئ والقيم الحاكمة. أما الثاني: فيما فيه نص ظني الدلالة, ودور الشورى هنا ترجيح رأي على رأي أو فهم على فهم. أما الثالث: فيما فيه نص قطعي الدلالة, كتحريم الربا والزنا, ودور الشورى هنا اختيار الوسيلة المثلى لتطبيق الحكم الشرعي, ولا يتعارض مع عمومية الشورى أن هناك أموراً لا تخضع للمشاورة هي من اختصاصات ولي الأمر بموجب تحديد الدستور لها (8).
ليست كل الموضوعات محلاً للشورى, فهناك أمور قد ورد فيها نص من الكتاب أو السنة, وهذه الأمور لا يُستشار فيها, لأن آراء الرجال لا تقدم على الوحي, والشورى كما هو معلوم اجتهاد, و اجتهاد في ورود النص. وأما الأمور التي لا وحي فيها فهي تقع تحت دائرة الاجتهاد, والشورى, لاستخلاص الرأي الذي يؤدي إلى رعاية شؤون المسلمين على وجه الخير والصلاح والسداد (9). ودليل ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم, قبل أن يعرضوا رأيهم على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم, يسألونه هل الأمر موحى به من عند الله أو اجتهاد منه عليه الصلاة والسلام, فإن كانت الثانية أبدوا رأيهم, وإلا فلا, ففي غزوة بدر (10) حين نزل رسول الله إلى أدني ماء في بدر, قال له الحباب بن المنذر: يا رسول الله, أرأيت هذا المنزل, أمنزلاً أنزلك الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه, أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب, قال: يا رسول الله هذا ليس بمنزل, ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء, ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون, فقال رسول الله: أشرت بالرأي.
فالشورى إذاً تكون في الأمور الدنيوية, وكذلك في الأمور الدينية التي لا وحي فيها, ولكنه غير قطعي الدلالة (11), وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه "ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم" ورجاله ثُقات إلا أنه منقطع, وقد أشار إليه الترمذي في الجهاد فقال: اشيروا عليَ في هؤلاء القوم وفيه: جواب أبي بكر وعمر وعمله صلى الله عليه وسلم بما أشارا به, وهو في الحديث الطويل في صلح الحديبية, قوله (وأن المشاورة قبل العزم والتبيين لقوله تعالى: (فإذا عزمت فتوكل على الله), وجه الدلالة إنما تُشرع عند عدم العزم وهو واضح, وقد اختلف في متعلق المشاورة فقيل في كل شيء ليس فيه نص, وقيل في الأمر الدنيوي فقط, وقال الداوودي إنما كان يُشاورهم في أمر الحرب مما ليس فيه حكم, وقال: ومن زعم أنه كان يشاورهم في الأحكام, فقد غفل غفلة عظيمة (12).
إن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه عندما تولى الخلافة وجد الوُلاة الذين كانوا في عهد عثمان رضي الله عنه – وكان الناس يتذمرون منهم, ويطالبون بعزلهم, وما كانت فتنة عثمان إلا بسببهم, فأراد رضي الله عنه أن يعزلهم, فعارضه بعض الصحابة بذلك وأشاروا عليه ألا يتعجل في الأمر, ولا يعزلهم حتى يستتب الأمر له ويسود الأمن بعد الفتنة, ولكنه عزلهم فهذه الحادثة تبين أن الشورى ليست معلمه وليست مُلزمة إذ القرار الذي اتخذه رأس الدولة رضوان الله عنه لا يقع ضمن دائرة الشورى, بينما يقع ضمن اختصاص رئيس الدولة, ولا يُطلب منه أن يستشير في مثل هذه الأمور (13).
ومن موضوعات الشورى يرى الباحث ما يراه الدكتور أحمد العوضي في كتابه "نظام الحكم في الإسلام" 2004م, حيث استخلص (14) الكثير ودونه في 18 بنداً على النحو التالي:
1- قال ابن حجر العسقلاني: (وباتفاق لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يشاور في فرائض الأحكام).
2- وشاور الرسول زوجه أم سلمة فيما يصنع الصحابة عندما أمرهم بعد صلح الحديبية بأن يقوموا ويحلقوا وينحروا فلم يقوموا.
3- (وشاور أصحابه يوم أحد في المقام والخروج فرأوا له الخروج).
4- وشاور الرسول علياً في كيفية تطبيق الحكم الشرعي في الآية القرآنية: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) المجادلة آية 12. فقال: (ما ترى دينار؟) قلت: لا يطيقون. قال: (نصف دينار؟) قلت: لا يطيقون. قال: (فكم؟). قلت: شعيرة. قال: (إنك لزهيد). فنزلت: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) المجادلة آية 13.
5- (كانت الأئمة بعد النبي يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها. فإذا وضع الكتاب والسنة لم يتعدوه الى غيره اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم).
6- ( وقد كان أبو بكر إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله فإذا وجد ما يقضي به قضى بينهم وإذا علمه من سنة رسول الله قضى به, وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم).
7- (وشاور أبو بكر في المرتدين).
8- (وشاور أبو بكر الصحابة فيمن يستخلف, فقال علي: والله لا نرضى إلا عمر).
9- وتشاور أبو بكر مع الصحابة في عقوبة اللواط فأشار علي بأن يحرق بالنار فأخذ أبو بكر برأيه.
10- وكان أبو بكر إذا أراد أن يغزو شاور, فشاور في غزو الرومان.
11- ولما اشتد مرض أبي بكر دعا كبار مستشاريه واستشارهم في تولية عمر فلما زكاه كلهم عهد إليه بالخلافة. قلت: بل أكثرهم.
12- وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليس عنده فيها نص عن الله ولا عن رسوله جعلها شورى بينهم.
13- وشاور عمر الصحابة بما يؤرخ؟ فأشاروا عليه بالهجرة.
14- وشاور عمر في قتال الفرس.
15- وشاور عمر المرأة ابنته حفصة: كم تصبر المرأة عن زوجها لئلا ترهق النساء بطول غياب أزواجهن, فقالت: شهرين, ويقل صبرها في ثلاث, وينفذ في أربعة, فجعل عمر الغزو أربعة أشهر ثم يستردهم.
16- وقال عمر: (لا خلافة إلا عن مشورة).
17- ولما حاصر أبو عبيد القدس وأجابه أهلها الى الصلح بشرط قدوم عمر, شاور الصحابة في ذلك, فأشار عثمان أن لا يقدم عليهم ليكون في ذلك تحقيراً لهم وإرغاماً لأنوفهم, أما علي فأشار عليه بالسير إليهم لتقصير مدة الحصار, وفي ذلك رحمة بجيش المسلمين فأخذ عمر برأي علي وسار إلى القدس واستخلف على المدينة علياً.
18- رفع إلى عمر صك مكتوب لرجل على رجل بدين يحل عليه في شعبان, فقال عمر: أي شعبان, أمن السنة التي قبلها أم التي بعدها؟ ثم جمع الناس وقال: ضعوا شيئاً يعرفون فيه ديونهم, فقال القائلون: أرخو من مولد رسول الله. وقال آخرون: بل من مبعثه. وأشار آخرون ومنهم علي بأن يؤرخوا من هجرته من مكة لأنه أظهر من مولده ومبعثه فأستحسن عمر ذلك وأمر به.
فموضوعات الشورى ليست محصورة في نوع من الأمور دون نوع بل تشمل كل ما ليس فيه نص قطعي للدلالة, لا فرق في ذلك بين أمور الحرب وأمور الجهاد الاستنباطي للأحكام الشرعية والأمور السياسية والأمور الاقتصادية والأمور الاجتماعية وفي سائر الأمور (15).
قائمة مصادر ومراجع الفصل الرابع:
1- الأنصاري, مصدر سابق, 1980م, ص 206.
2- العوضي, أحمد, الحقوق السياسية للرعية في الشريعة الإسلامية, الكرك-الأردن, مؤسسة رام, ص 206.
3- الخالدي, محمود, الشورى, عمان – الأردن, دار الجيل, 1984م, ص 46.
4- أنظر الهامش رقم 2, محمود الخالدي, 1984م, ص 46 -47.
5- أنظر الهامش 1, والأنصاري, 1980م, ص8, وذلك بعد رجوعه لكتاب المصاحف للحافظ وتفسير القرطبي وتفسير الطبري.
6- الأنصاري, مصدر سابق, ص8.
7- العوضي, مصدر سابق, ص 131.
8- الأنصاري, عبد الحميد, العالم الإسلامي المعاصر بين الشورى والديمقراطية, القاهرة –مصر, دار الفكر العربي, 2001م, ص 10.
9- أبو عيد, عارف, نظام الحكم في الإسلام, عمان –الأردن, دار النفاس, 1996م, ص 239 -240.
10- أنظر هامش رقم 1 من نفس المرجع السابق لإبن هشام, دار الكنوز الأردنية, ص 620.
11- أبو عيد, مصدر سابق, ص 241.
12- العسقلاني, أحمد بن صجر, فتح الباري بشرح صحيح الإمام ابي عبد الله البخاري, جزء 13, ص 340.
13- أبو فارس, محمد, حكم الشورى في الإسلام, عمان – الأردن, الفرقان للنشر, 1988م, ص124 -125.
14- أنظر العوضي, الشورى, 2004م, ص 105.
15- العوضي, الشورى, 2004, ص 132- 133.
الفصل الخامس:
الشورى في الاصطلاح الشرعي السياسي الفقهي
أما الشورى في المفهوم السياسي الفقهي, فقد أخذت باباً واسعاً في التعريف, ذلك أنها دخلت في جميع أمور الدولة, فكان في تعريفها: أنها فلسفة يزكيها القرآن الكريم كي تكون السبيل إلى معالجة أمور الدنيا وسياستها سواءً في نطاق الأسرة أو المجتمع بين الناس, بعضهم ببعضٍ أو بين الحاكم والمحكومين, وقيل أنها السبيل لقيام رأس الدولة ومن ثم جهاز الدولة في المجتمع الإسلامي (1), "قال الشافعي: إنما يؤمر الحاكم بالمشورة لكون المشير ينبه على ما يغفل عنه, ويدله على ما يغفل عنه ويدله على ما لا يستحضرة من الدليل لا ليقلد المشير فيما يقوله" (2).
وهي أيضاً استطلاع رأي الأمة المسلمة أو من ينوب عنها في الأمور المتعلقة بها (الشؤون العامة), لمعرفة الرأي الصواب أو الحق فيها, لأن العقول إذا ما اجتمعت وتشاورت, وضح السبيل أمامها أو توضحت السُبُل أمامها أو توضحت السُبُل أمامها كالمصابيح التي باجتماعها يزداد النور (3).
فالشورى المتمثلة في المشاركة العامة تساعد جهاز الحكم في ايجاد الحلول الصحيحة لمعالجة مختلف القضايا السياسية والاجتماعية, فتجنب اجهزة الدولة الوقوع في أخطاء لا سبيل الى تداركها, نتيجة ردود فعل متسرعة أو قرارات غير مدروسة والشورى من ناحية أخرى, فضلاً عن مساهمتها في ايجاد الحلول الصحيحة وبدائلها, تُقدم لجهاز الحكم الأسلوب السليم لتنفيذ البرامج والسياسات المختلفة وذلك عن طريق متابعة تنفيذها في يسر خلال الاجهزة الادارية المختلفة وكشف أي انحرافات أو خلل أو تقصير وذلك لتوفير الرقابة الشعبية ممثلة في الصحف الحرة وهي بمثابة عيون الشعب تكتشف وتزود الرأي العام بحقائق الأمور وتُسلط الأضواء على مواطن الانحراف والاستغلال (4), أما في اصطلاح علماء التفسير, فإن الشورى: من شار يشور شوراً إذا عرض الأمر على أهل الخبرة حتى يعلم المراد منه (5).
يرى الباحث أن الشورى في الاصطلاح السياسي الفقهي تعتبر المعيار الأساسي في تكوين وتنمية كيان الدولة الإسلامية للابتعاد عن السلبيات التي تعمل على طُغيان المؤثرات الخارجية في خصوصيتها ومثاليتها التي أوحي بها القرآن الكريم والسنة النبوية من خلال الآيات والنصوص القرآنية والأحاديث التي دعمت جميعها إلى تفسير مبدأ الشورى ومدى تأثيره على المعطيات الاجتماعية الصالحة لتجسيد الشريعة الإسلامية كنظام ومبدأ يمكن التعامل بها بين هرم الدولة الممثل بالنظام والحكم الإسلامي وبين طبقات الأمة اللامتوازنة من أجل تحقيق الخير والصلاح والاستمرار دون التأثر بالمتغيرات السياسية والفلسفية البشرية التي يضعها البشر أنفسهم. الباحث.
قائمة مصادر ومراجع الفصل الخامس:
1- الكيالي, عبد الوهاب, موسوعة السياسة, 1984م, ص 499- 501.
2- العسقلاني: فتح الباري, مصدر سابق, ص 342.
3- فضل الله, مهدي, الشورى طبيعة الحاكمية في الإسلام, لبنان, دار الأندلس, 1984م, ص53.
4- الأنصاري, عبد الحميد, الشورى بين التأثير والتأثر, القاهرة – مصر, مطابع الشروق, 1982م, ص 11 -12.
5- ابن العربي, أحكام القرآن, المجلد الرابع, ص 91.
الفصل السادس:
أهمية الشورى
يتضح أن أهمية الشورى من خلال اعتبارها من أهم الأسس التي تقوم عليها نُظُم الحُكم سواء كان الحُكم إلهياً أو وضعياً, وإن اختلفت المُسميات, كمُسمى الشورى في نظام الحكم الإسلامي, أو مُسمى الديمقراطية في النُظُم الوضعية للحكم على اختلاف في آلية التطبيق وتقارب في الجوهر, ويتبين ذلك من خلال ما يذكره المفسرون عند تعرضهم لتفسير آيتي الشورى في بيان الآثار المُتوخاة من الشورى, فقال ابن العربي الشورى ألفة للجماعة, ومسارٌ للعقول وسببٌ إلى الصواب, وما تشاور قومٌ إلا هُدوا (1).
وتتضح أهمية الشورى فيما ذهب إليه "ابن عطية" حين قال: الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام, ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب (2), وقد دلل القرطبي على أهمية الشورى وذلك من خلال النقاط التالية: قوله تعالى (وشاورهم في الأمر) (3), يدل على عدم جواز الاجتهاد في الأمور والأخذ بالظنون مع امكان الوحي, فإن الله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يُشاور فيه أصحابه, فقالت طائفةٌ: ذلك في مكائد الحروب, وعند لقاء العدو, وتطييباً لنفوسهم ورفعاً لأقدارهم, وتأليفاً على دينهم, وإن كان الله تعالى قد أغناه من رأيهم بوحيه.
روي هذا عن قُتادة والربيع وابن إسحاق, وقال مقاتل وقتادة والربيع: كانت سادات العرب إذا لم يتشاوروا في الأمر, شُق عليهم, فأمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يُشاورهم في الأمر, فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لهم لأضفائهم-وأطيب لنفوسهم, فإذا شاورهم عرفوا إكرامه لهم, وقال آخرون: ذلك فيما لم يأتيه فيه وحيٌ, (4), وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قوم كانت لهم مشورةٌ فحضر معهم من اسمه أحمد, أو محمد, فأدخلوه في مشورتهم إلا خير لهم (5), حيث أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم (6), مما يدل ذلك على المشورة لذكره لها مع الإيمان وإقامة الصلاة, كما يدل على إنا مأمورون بها (7), والطريقة المُثلى لحفظ الحق وإقامة ميزان العدل, فهي وضع قواعد لبحكم على الأساس الذي شرعة الله تعالى للمسلمين بقوله: "وأمرهم شورى بينهم" (8), وقوله أيضاً: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" (9), فإذا نيط ذلك بأولي الأمر, (أي –أهل الحل والعقد) الذين يُنصبون الإمام (الخليفة), ويكونون أهل الشورى له, ويكون هو مقيداً بما يقرونه –فحينئذٍ لا يخشى من جعل مراعاة المصالح ذريعة للمفاسد ما يخشى منه في حال إقرار كل متغلب على الحكم مع التظييق في مسالك استنباط الأحكام, الذي جرى عليه جماهير الفقهاء, وإنما مثار المفاسد كلها أن يوسر الأمر إلى غير أهله, وأن يُقر على الملك كل متغلب, ويرضى بتقليده كل جائر جاهل, فهذا هو الذي أضاع على المسلمين دينهم ودُنياهم (10).
ومن أهمية الشورى: أن للعدالة في الإسلام أهمية بالغة باعتبارها مبدأ من المبادئ التي يقوم عليها نظام الحكم فيه, وحسبنا لتلك الأهمية أن نشير إلى بعض الدلائل, ومنها ما يُلاحظ من العديد من الآيات القرآنية التي وردت في الحث على الأخذ بالعدالة, لا باعتبارها مجرد فضلة من الفضائل, بل باعتبارها كما يقول الإمام "ابن القيم": جزءاً من الشرع أو الدين, يكون حيث تكون, نذكر من تلك الآيات, قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان (11), وقوله أيضاً: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط, شُهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين, ففي هذه الآية, يأمر الله بالمبالغة في القيام بالقسط, وهو العدل, فإن القوام (بتشديد الواو), صيغة مُبالغة كما هو معلوم, وقوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها, وإذا حكمتم أن تحكموا بالعدل, وقوله تعالى: وان حكمت فأحكم بينهم بالقسط, ان الله يحب المقسطين (12).
مما تقدم, فقد تبين للباحث في أن أهمية الشورى تكمن في أنها النقيض الأمثل لطروحات الفرد المطلق, وحكم الدولة البيروقراطي (13), الذي يتمثل بنظرة الحاكم السلطوية, ولا يأخذ بآراء الآخرين, بينما الشورى فيمكن لها أن تُمثل في حكمها وقراراتها حكم وحكمة طبقات وفئات المجتمع, وبالتالي فإن التناقض الذي يدعوا إليه الفرد من خلال نظامه وقوانين يكون أضعف من موضع الشورى العامة الذي يتمثل فيها التماثل القيادي والرضا العام وتكون بعيدة عن الاختلاف والخلاف لدى المجتمعات. الباحث.
قائمة مصادر ومراجع الفصل السادس:
1- ابن العربي: أحكام القرآن, ص91.
2- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن, ص 249.
3- القرآن الكريم, سورة آل عمران, الآية 159.
4- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن, ص250.
5- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن, ص251.
6- القرآن الكريم, سورة الشورى, الآية 38.
7- الجصاص, أحمد أبو بكر, أحكام القرآن, الجزء الثالث, بيروت- لبنان, دار الكتاب العربي, ص386.
8- القرآن الكريم, سورة الشورى, الآية 38.
9-
10- رضا, محمد رشيد, تفسير القرآن الكريم, الجزء السابع, بيروت –لبنان, دار المعرفة, ص198.
11- قرآن كريم, كما هو في المصدر, أنظر: عبد الحميد متولي, مبادئ نظام الحكم في الإسلام, الإسكندرية- مصر, دار المعارف, ص267- 268.
12- قرآن كريم, كما هو في المصدر, أنظر: عبد الحميد متولي, مبادئ نظام الحكم في الإسلام, الإسكندرية- مصر, دار المعارف, ص267- 268.
13- القوة والسلطة.
الفصل السابع:
أنواع الشورى
الشورى صفة إيمانية ملزمة, حيث تبين أن الله تعالى عندما عدد صفات الذين آمنوا ذكر فيها الشورى وجعلها مقررة بينهم لأن الصفات ما هي إلا لأوامر يلتزمون بها, ولا يستقيم أمر فيما إذا تخلوا عن واحد منها. فهي ملزمة للجميع ما داموا داخلين ضمن شمول النص القرآني, "وأمرهم شورى بينهم" (1), يجعل الشورى حقاً مقرراً للمسلمين جميعاً, حاكمهم ومحكومهم, فإن أخل به الحاكم كان للمحكوم أن يطالبه به. وكما أن على المحكوم ألا يبخل برأيه على الحاكم لأنه يشترك معه في تحمل المسؤولية, وذلك بمراقبة الحاكم في التزامه بالنصوص الشرعية وتقديم النُصح له إذا اقتضى الأمر ذلك (2).
إن الله مدح المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمثلون ذلك وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم, يشاور أصحابه في الآراء المتعلقة بمصالح الحروب وذلك في الآراء كثير ولم يكن يشاورهم في الأحكام لأنها منزلة من عند الله عز وجل على جميع الأقسام من الفرض والندب والمكروه والمباح والحرام, فأما الصحابة بعد استئثار الله تعالى به, علينا فكانوا يتشاورون بالأحكام ويستنبطونها من الكتاب والسنة, وأول ما يتشاور فيه الصحابة: الخلافة. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص عليها حتى كان فيها بين ابي بكر والأنصار ما سبق بيانه (3), فيما اختلف الفقهاء في أمر الشورى, هل تعد واجباً على الحكام, أي تعد فرضاً محتوماً عليهم ثم أنها تعد فحسب مندوبة, والمندوب في عرف علماء الأصول هو الفعل الذي يُحمد فاعلة ولا يُذم تاركه, أي أنه يعد أمراً مُستحسناً لا فرضاً لازماً, بالرغم من أن الرأي الراجح بين العلماء والقائل بأن الشورى تُعد واجباً مفروضاً, وأصحاب هذا الرأي يستندون على ما يلي: يقولون أن القرآن الكريم قد أشار إلى الشورى, وكما قدمنا في آيتين, ففي إحداهما نجده قد وضع الشورى إلى جانب ركنين هامين من أركان الإسلام وهما: الصلاة, والصلاة- حق لكأنه يعدها بالنسبة للمسلم المؤمن إحدى صفاته أو شرائطه الأساسية.
إن الله وصف المؤمنين أمرهم شورى, يفيد أن الشورى من خصائص الإسلام التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون سواء كانوا يشكلون جماعة لم تقم لها دولة بعد, وكان ذلك حال المسلمين في مكة, وكانوا يشكلون دولة قائمة بالفعل كما كان حال المسلمين في المدينة – فهي وصف ملازم للمؤمنين كالصلاة- فإذا لم يُسمح للمسلم أن يتخلى عن الصلاة, فكذلك لا يُسمح له بترك إقامة الشورى, خاصة في الأمور المتعلقة بالمصالح العامة. ولقد ذكر الله تعالى صفة الشورى بعد صفة الصلاة التي هي عماد الإسلام, وقبل صفة الزكاة, فوضع الشورى بين إقامة الصلاة – وأداء الزكاة من أكبر الأدلة على وجوبها (4).
والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الإسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية. ومن ثم أن طابع الشورى في الجماعة مبكراً, وكان مداولة أوسع وأعمق من محيط الدولة وشؤون الحكم فيها. إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية, وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية, وهي من ألزم صفات القيادة (5).
وهكذا يتبين للباحث بحكم التصرف المنهجي من أن الآيتين الكريمتين (وأمرهم شورى بينهم) و (شاورهم في الأمر), تدلان على أنهما صفة أمرية من الله عز وجل لرسولنا الكريم, حيث كان عليه الصلاة والسلام يشاورهم حتى في الحروب ونحوها استجابة لأوامر الله, وهكذا – لما حضر عمر ابن الخطاب رضي الله عنه, الوفاة حين طُعن, جعل الأمر بعده شورى (6), ويتبين للباحث قبل الانتهاء من هذا المبحث ومن خلال البحث والمعان في أمهات الكتب ما يلي: أن هناك آراء تقول بوجوب الشورى, وأن هناك آراء أخرى تُجيب على أن الشورى مُلزمة, أو غير مُلزمة –منها, لقوله تعالى: وشاورهم في الأمر (7), الأمر بالوجوب, ووجوب الشورى إنما يعني وجوبها كاملة, لأنها المُتبادر, والشورى الكاملة, وهي الشورى التي تشير إلى نهايتها الطبيعية, وهي التي تشير برأي فاصل, والرأي الفاصل إنما هو رأي الأغلبية لا غير, حيث لا دليل آخر لا عقلاً ولا شرعاً أن يكون رأي الأقلية هو الفاصل, مما يعني أن وجوب الشورى يتضمن الالتزام برأي أهل الشورى.
فهو واجب خاصة وأن هذه الآيات نزلت في أعقاب معركة أُحد, وهكذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُجد كيفية معينة أو محددة لممارسة الشورى بالطريقة التي سار, بل ترك الأمر للأُمة لتنظيم ذلك حسب اختلاف الأزمان وتغير الظروف والأماكن, وهذا من يُسر الشريعة الإسلامية السمحة ومرونتها (8), كما قال تعالى في كتابه الحكيم: يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العسر (9).
إن للشورى في الإسلام قاعدة من قواعد الحكم, ونظام صالح للجماعات وسيرة كريمة للأفراد, مما سيقدم الباحث بيان لهذا, الإجمال:
لقد دل الكتاب والسنة وأقوال الخلفاء الراشدين وأقوال السلف وعلماء العصر, أن الشريعة الإسلامية جاءت مُقررة لمبدأ الشورى, ومنها الأدلة التالية:
إن عامة السلف والفقهاء قالوا بأن أمر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالشورى كان للوجوب وليس للندب أو الاستحباب وخالف في ذلك الشافعي رحمه الله وقاس الأمر هنا على قوله صلى الله عليه وسلم: البِكرُ تستأذن, أي – عند الزواج, قال الشافعي: لو أجبرها أبوها على الزواج جاز ذلك, وقد رد هذا القول "الفخر الرازي" في تفسيره (83:5), بقوله: القياس في مواجهة البصر باطل, واعلم أن المقيس عليه عند الشافعي في هذه المسألة باطل أيضاً لأن الصحيح أنه لا يجوز للأب أن يجبر ابنته على الزواج لأن هذا مخالف لنص الحديث النبوي الآنف, لكن بعض السلف مع قولهم بالوجوب في حق الرسول صلى الله عليه وسلم نفوا أن يكون هذا الوجوب عن حاجة عند الرسول صلى الله عليه وسلم للمشاورة, بل قالوا لقد أغناه الله عن المشورة (10).
بينما هي أخذ الرأي أو إعطاؤه والتزم الخليفة برأي الأكثرية مطلقاً في مسائل الشورى المُلزمة, والتزامه بما يراه صواباً في مسائل الشورى غير المُلزمة. بينما يوضح الباحث الدكتور أحمد العوضي (11), أن العمل بالشورى الملزمة قد انتهى بانتهاء الخلافة الراشدة, فطال الأمر على ذلك فجهل الباحثون في وجود شورى ملزمة وشورى غير ملزمة, حيث أن القرآن الكريم لم يبين مسائل الشورى الملزمة ومسائل الشورى غير الملزمة. فقوله تعالى: وأمرهم شورى بينهم (12) –أفادت طلب الشورى دون تمييز بين مسألة ومسألة. وقوله تعالى: وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله (13), لذلك يرى الباحث أنها لم تبين أي نوع للرأي الذي يجب العزم عليه – هل هو رأي أهل الشورى أو رأي بعضهم أو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبالجمع بين هذه الآية والحديث (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما) (14), تُبين أن رئيس الدولة مُلزم في بعض المسائل بالعزم على رأي الأكثرية. ولكن ما يراه صواباً سواء أكان رأيه أم رأي غيره (15). والصحيح أن ما ذهب إليه القائلون بالالتزام مُطلقاً والقائلون بعدم الالتزام مُطلقاً, يبحثوا المسألة بحثاً مستنيراً لأنهم لو فعلوا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من رأي, لأن أول ما يقتضيه البحث هو معرفة واقع الرأي, الذي يتشاور فيه لاتخاذ قرار فيه من قبل رئيس الدولة, ثم ما طبيعة هذا الرأي؟, فالآراء مختلفة, منها ما يكون في الأمور الحربية ومنها ما يبحث في التعاريف والاصطلاحات, ولكن رأي من هذه الآراء خاصة معينة, فالوقوف على ذلك كله يضع عدة اعتبارات لمن يبحث مسألة حجية الشورى تجعله يسلك ما يأخذ به إلى الرأي الصواب في المسألة (16), فيتبين أن الفقهاء اختلفوا في أمر الشورى: هل تُعد واجباً على الحكام, أي تُعد فرضاً محتوماً عليهم أم أنها تُعد فحسب مندوبة, والمندوب في عرف عُلماء الأصول, هو الفعل الذي يُحمد فاعله ولا يُذم تاركه, أي أنه يُعد أمراً مُستحسناً لا فرضاً لازماً – على أن الرأي الراجح بين العلماء هو القائل بأن الشورى تُعد واجباً مفروضاً. وأصحاب هذا الرأي يستندون على ما يلي: يقولون أن القرآن الكريم قد أشار إلى الشورى بركنين هامين من أركان الإسلام وهما الصلاة والزكاة, حتى لكأنه يعدهما بالنسبة للمسلم المؤمن إحدى صفاته أو شرائطه الأساسية (17).
يقول العوضي (18): أنه وبالنظر للمسائل التي حصلت فيها مشاورة نجد مسائل الشورى الملزمة هي المسائل التي تكون المشاورة فيها من أجل معرفة رغبة المستشار دون طلب دليل, ويكون رأي الأغلبية أو الأكثرية فيها مُلزماً مطلقاً, ونجد مسائل الشورى غير الملزمة هي المسائل التي يراد فيها معرفة رأي المستشار ووجهة رأيه (يعني دليله), فأساس الاعتداد في مسائل الشورى غير الملزمة هو قوة الدليل وأصلحية الرأي, وأساس الاعتداد في مسائل الشورى الملزمة هو الرغبة المجردة. ويقول العوضي: لا تفترق الشورى غير الملزمة والملزمة من حيث الحكم ابتداء, إذ كل منهما أخذ رأي, وقد اختلف العلماء في حكم الشورى على رأيين (19):
الأول: الوجوب, وهو قول جمهور العلماء ومنهم: المالكية والحنفية والقول الصحيح في المذهب الشافعي.
الثاني: الندب, وهو منسوب للشافعي وقتاده والربيع واسحاق ورجحة ابن حجر, وهو قول ابن حزم زابن القيم (20).
وفي قوله تعالى: والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم, ومما رزقناهم ينفقون (21). فيه ثلاثة مسائل:
الأولى: قوله تعالى: والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة. قال عبد الرحمن بن زيد: هم الأنصار بالمدينة, استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثني عشر نقيباً منهم قبل الهجرة. وأقاموا الصلاة: أي أدوها لمواقيتها بشروطها وهيئاتها.
الثانية: قوله تعالى: وأمرهم شورى بينهم: أي يتشاورون في الأمور, والشورى مصدر شاورته. مثل: البُشرى والذكرى ونحوه. فكانت الأنصار قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه ثم عملوا عليه – فمدحهم الله تعالى به, وقال الضحاك: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وورد النقباء إليهم حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له. وقيل تشاورهم فيما يُعرض لهم فلا يستأثر بعضهم بخبر دون بعض. وكما قال ابن العربي: الشورى آلفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب الى الصواب. وقد قال الحكيم: إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي لبيبٍ أو مشورة حازم. وهكذا فقد مدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُشاور أصحابة في الآراء المتعلقة بمصالح الحروب, ولم يكن يشاورهم في الأحكام (22).
والتعبير يجعل أمرهم كله شورى, ليصبح الحياة كُلها بهذه الصبغة, والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية. ومن ثم فإن الشكل الذي تتم به الشورى فليس مصبوباً في قالب حديدي, فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان, لتحقيق ذلك الطابع في حياة الجماعة الإسلامية, والنظم الإسلامية كلها ليست أشكالاً جامدة وليست نصوصاً حرفية إنما هي قبل كل شيء روح ينشأ عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب (23).
هل يُعد رأي أهل الشورى مُلزماً للخليفة أو الحاكم, أم غير ملزم؟, والمقصود به مدى التزام ولي الأمر بالرأي المشور عليه, وهل يجب أن يتقيد بهذا الرأي, أم له أن يعدل عنه ويعمل برأي غيره, حيث استخدم الفقهاء عبارة: هل الشورى ملزمة أم معلمه؟, تتفرق الآراء في هذه المسألة إلى ثلاث (24):
1- رأي يقول: بأن الخليفة مُخير في قبول رأي أهل الشورى أو رفض ذلك, والحكم الأخير له ُ- مطلقاً - سواء وافق الناس أم خالفها, ويجب على الأمة – مع ذلك- السمع والطاعة له ما دام هذا اجتهاده ورأيه, بل لا يجوز له – في نظر هؤلاء – أن يذعن لآرائهم وأن يرضخ لجمهورهم.
2- رأي يقول: بل الإمام في الإسلام ملزم برأي أهل الشورى, ويجب عليه تنفيذ ما اتفقوا أو أجمعوا عليه ولا يجوز له أن يخالف جمهورهم, ولذلك يقولون الشورى ملزمة للأمير, لا معلمه له فقط.
3- ورأي يقول: بل الأمر في ذلك حسب رأي الأمة إن رأت أن تجعل الأمر للأمير مطلقاً فعلت, وإن رأت أن تقيدهم بآراء الأكثرية فعلت لأن الإمام نائب عن الأمة والأمر دائر على المصلحة, فإن وجدت الأمة أن مصلحتها في تفويض الحاكم لكفاءته وظروف الناس كان لها ذلك وإن رأت أنه يجب تقييد صلاحياته بإجماع أهل الشورى أو برأي أكثريتهم فلها ذلك أيضاً (25).
فقد جرت الشورى في وقائع لم يأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأي الأكثرية, بينما نجده صلى الله عليه وسلم أخذ برأي الأغلبية في وقائع أخرى, وقد أخذ بالرأي الصواب في بعض الوقائع, ولم يلتفت إلى أي أمر آخر, ثم نجد أنه صلى الله عليه وسلم انفرد برأيه وتمسك به دون التفات إلى أغلبية تؤيد أو تعترض, وبغض النظر عن كون الرأي الذي تمسك به صواباً أم خطأً.
فأخذ الرأي, وهو التشاور, ثابت بنص القرآن الكريم والحديث الشريف, إلا أن الذي يخفى على الكثيرين هو الأمر الذي يؤخذ فيه الرأي. ثم ما هو الحكم الشرعي لهذا الرأي, ولمعرفة الجواب على ذلك, يتحتم بيان فرعين شرعيين وهما:
أولاً: القرآن الكريم: إحداهما قوله تعلى: وشاورهم في الأمر (26), فإنه أمر من الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى المسلمين في أخذ رأيهم, غير أن الله تعالى جعل له عليه السلام حق اختيار الرأي, فقال متمماً الآية نفسها (فإذا عزمت فتوكل على الله) أي إذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى, فتوكل – إمضاء أمرك على الأرشد الأصلح, وقال: عزمت, ولم يقل عزمتم. وثانيهما, قوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم", ثناء من الله تعالى على المسلمين بأنهم لا يتفردون برأي حتى يتشاوروا فيه, وهو حثٌ على الشورى (27), ولا بد من الرجوع إلى السنة لنرى في أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله ما يُفصل هذا المجمل لكون السنة مُبينه ومُفسره وشارحة للقرآن الكريم ودليل ذلك قوله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتُبين للناس ما نُزل إليهم (28).
حيث كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كثير الرجوع إلى المسلمين لأخذ رأيهم في جميع الأمور ومثال ذلك: ما روي عن عبد الرحمن ابن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال له أبو بكر وعمر إن الناس ليزيدهم حرصاً على الإسلام, أن يروا عليك زياً حسناً من الدنيا, فقال: وأيم والله, لو أنكما تتفقان على أمرٍ واحدٍ ما عصيتكما في مشورة أبداً (29), ففي هذا المثال يلزم الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بعدم مخالفة أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما, حينما يتفقان عليه, إلا أنه قيد اتفاقهما في المشورة, فقال "لو أنكما تتفقان في مشورة", وكلمة مشورة, صفة تصلح قيداً, ويكون لها مفهوم مخالفة, ومعنى ذلك: لو اتفقا في غير المشورة لا يُلزم بعد مخالفتهما, فهنا بين الرسول صلى الله عليه وسلم عدم مخالفة رأي الأكثرية (30).
فمن مسائل الشورى التي أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم فيها برأي الأكثرية: المسير إلى بدر, والخروج إلى أُحد, لمقاتلة قريش خارج المدينة, والرحيل عن الطائف, والرجوع عن مصالحة زعماء غطفان على شطر تمرٍ في المدينة في غزوة الأحزاب. ومن مسائل الشورى التي أخذ الرسول فيها بما رآه صواباً بقطع النظر عن القلة والكثرة, قبول الفداء في أسرى "بدر" وقطع نخيل الطائف أثناء الحصار ثم الكف عن القطع. فالشورى ليست ملزمة على الإطلاق ولا معلمه على الإطلاق ولكن حسب نوع موضوعها هل يحتاج إلى دليل (حجة) أو لا يحتاج, فيما احتيج معه إلى حجة فليس ملزماً, إلا إذا كان هو الأصلح في رأي الخليفة, وما لا يحتاج إلى حجة فهو ملزم بالأكثرية مطلقاً. وقد يحتج لإلزامية الشورى مطلقاً بقول الله تعالى, وشاورهم في الأمر, فإذا عزمت فتوكل على الله (31), بقراءة الضم – في – "عزمت" ولكنها قراءة شاذة (32).
إن أولوا الأمر صنفان: الأمراء والعلماء, وهم الذين إذا صلحوا صلح الناس, فعلى كل منهما أن يتحرى ما يقوله ويفعله, طاعة الله ورسوله وإتباع كتاب الله, ومتى أدلت في الحوادث المُشكلة معرفة ما دل عليه الكتاب والسنة كان هو الواجب, وان لم يكن ذلك لضيق الوقت أو عجز الطالب, أو تكافؤ الأدلة عنده أو غير ذلك, فله أن يُقلد من يرتضي علمه ودينه, وكذلك ما يشترط في القضاة والولاة من الشروط يجب فعله بحسب الإمكان, فأما مع العجز فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها (33).
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم, كما أن الله تعالى لما حرم المطاعم الخبيثة قال: فمن اضطر غير باغ ولا عادٍ فلا إثم عليه (34), وقال تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج (35), وقال تعالى: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج (36), فلم يوجب ما لا يُستطاع, ولم يحرم ما يضطر إليه, إذا كانت الضرورة بغير معصيةٍ من العبد (37), إلا ما أشار إليه أحمد العوضي (38), وعبد الحميد متولي بما ذكره البيهقي (39): إن آية وشاورهم قد قرأها البعض على نحوٍ تفيد الندب لا الوجوب, بحيث قُصر الأمر الواقع عليه التشاور على بعض أفراده, ويشير أحمد العوضي هنا إلى أن العلماء لم يفرقوا بين الشورى الملزمة وغير الملزمة, فأثر ذلك على نتائج أبحاثهم في مسألة إلزامية الشورى ويؤكد أن العلماء قد اختلفوا في إلزامية الشورى ولم يذكروا المشورة على قولين: الأول: الإلزام, فعلى الحاكم أن يلتزم نتيجة الشورى. ومن أصحاب هذا القول: الزمخشري على ما نسبه إليه بعض المعاصرين (40), والقرطبي والموددري, وشلتوت – وليس للطبري رأي واضح في هذه المسألة, ويقول العوضي لستُ مع من ينسب إليه فيها رأي. الثاني: عدم الإلزام, فللحاكم أن يعمل بما يخالف آراء أهل الشورى جميعاً, وممن قال بهذا القول: ابن تيمية والجصاص وابن عطية (41).
يرى الباحث أن عدم وجوب الشورى لا يدل على إمكانية استبداد الحاكم, لأن هناك في الشريعة شيء يسمى محاسبة الحكام ثم أن طريق الاستبداد ممكن مع الشورى نفسها إذا أراد الحاكم ذلك فإنه قادر على المشاورة ثم مخالفتها حسب ما يجري وفق المصلحة, ويرجع الباحث حال هي واجبة على الحاكم بقوله تعالى وشاورهم: أمر للوجوب, وكون الله تعالى امتدح المتشاورين, لا يدل على الندب, وذلك لأنه وردت آيات كثيرة فيها ومن المدح وأنها تدل على الوجوب منها: أن الله امتدح المؤمنين بقوله جل وعلا: والذين هم لفروجهم حافظون ثم حددهم بقوله تعالى: الزانية والزاني..., كذلك مدحهم في قوله والذين هم للزكاة فاعلون وحددهم بقوله والذين يكنزون الذهب والفضة, فنقر له بين المدح والتهديد, مما يدل على وجوب هذا الأمر. وكون الله تعالى امتدح من حفظ فرجه وأدى الزكاة, فإن الوجوب هنا مستفاد من أدله أخرى فإنه يقال عقب آية حفظ الفرج ابتغى وراء ذلك, فأولئك هم العادون وهذا يدل على وجوب حفظ الفرج من نفس الآية, وكذلك وجوب الزكاة غير مستفاد من المدح بل مستفاد من قوله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة.
بينما يشير أيضاً إلى أن الإسلام لم يحدد أسلوباً معيناً للشورى ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد الجزئيات والتفصيلات الخاصة بهذا المبدأ ولم يُروى عنه أنه بين كيف تكون الشورى وكيف تقوم وكيف يكون نظامها. فالإسلام دين صالح لكل زمان ومكان, وإذا كان الإسلام في كتاب الله وسنة نبيه لم يضع نظاماً خاصاً للشورى يتعين على المسلمين أن يتقيدوا به فكيف يوضع هذا النظام. فإن الإسلام لا يعرف سوى أسلوب واحد للحكم: ألا وهو أسلوب الشورى, فإن القواعد الأساسية التي تحدد السلطات العامة في الدولة إنما تأتي في الدستور كقانون أساسي للبلاد الذي يوضع بموافقة الشعب وذلك بأغلبية الأصوات إن تعذر الإجماع فهذا وحدة هو الطريق إلى اعمال حكم الشورى (42).
وحول مدى إلزام الشورى للحاكم, يرى الباحث أن الشورى في النظام الإسلامي ملزمة للحاكم بأخذ رأي الأفراد وطبقات الأمة. أما في النُظم الوظيفية فهي غير ملزمة له. بينما على الحاكم أن يستمع لآراء طبقات الأمة وله الحق في عدم الأخذ بالتنفيذ إطلاقاً. بينما الرأي الذي يبحث بأن الشورى غير ملزمة للحاكم بأخذ رأي الأمة, وأنه مطلق في اتخاذ القرارات هو الأفضل لأن الراعي لا يأخذ بوجهة غنمه. وفي النظام الشرعي الإسلامي, فإن الحاكم مُلزم بالأخذ في رأي مجلس الشورى إذا كانت الشريعة الإسلامية تطبق النظام الإسلامي. الباحث.
قائمة مصادر ومراجع الفصل السابع:
1- القرآن الكريم, سورة آل عمران, الآية 159.
2- البابلي, مصدر سابق, ص 61.
3- القرطبي, 1990م, المجلد الثامن, جزء 15و16 , ص 37.
4- الأنصاري, مصدر سابق, ص 52- 53.
5- قطب, سيد, في ظلال القرآن, ص 3165.
6- الدمشقي, الجزء الرابع, ص48.
7- القرآن الكريم, سورة آل عمران, الآية 159.
8- أبو عيد, عارف, نظام الحكم في الإسلام, الدوحة- قطر, دار قطري, ص 238- 240.
9- القرآن الكريم, سورة البقرة, الآية 185.
10- عبد الخالق, عبد الرحمن, الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي, الكويت, الدار السلفية, 1988م, ص 39- 41.
11- عبد الخالق, مصدر سابق, ص 39- 41.
12- القرآن الكريم, سورة الشورى, الآية 38.
13- القرآن الكريم, سورة آل عمران, الآية 159.
14- العوضي, نظام الحكم في الإسلام, مصدر سابق, ص 127.
15- العوضي, مصدر سابق, ص 126- 127.
16- الخالدي, محمد, قواعد نظام الحكم في الإسلام, 1990م, ص 162.
17- متولي, مصدر سابق, ص 243.
18- العوضي, مصدر سابق, ص128 – 129.
19- العوضي, مصدر سابق, ص182.
20- القرآن الكريم, سورة الشورى, الآية 38.
21- القرطبي, أبي عبد الله, الأنصاري, محمد بن أحمد, الجامع لأحكام القرآن, المجلد الثامن, بيروت –لبنان, دار الكتب العلمية, ص25.
22- قطب, سيد, في ظلال القرآن, المجلد الخامس, الأجزاء 19- 25, ص 3165.
23- الأنصاري, مصدر سابق, ص 111.
24- الأنصاري, مصدر سابق, ص 111 -112.
25- الأنصاري, مصدر سابق, ص 111 -112.
26- القرآن الكريم, سورة آل عمران, الآية 159.
27- الخالدي, محمود, 1980م, قواعد نظام الحكم في الإسلام, دار البحوث العلمية, الكويت, ص163- 164, أنظر تفسير الآية: أحكام القرآن لإبن العربي, ج4, ص250.
28- القرآن الكريم, سورة النحل, الآية 44.
29- الخالدي, مصدر سابق, ص 165.
30- الخالدي, مصدر سابق, ص 165 -166.
31- القرآن الكريم, سورة آل عمران, الآية 159.
32- العوضي, مصدر سابق, ص 131.
33- الإمام شيخ الإسلام, تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية, السياسة الشرعية في اصلاح الداعي والدعية, بيروت- لبنان, دار الجيل, ط2, 1988م, ص 136 -137.
34- القرآن الكريم, سورة البقرة, الآية 173.
35- القرآن الكريم, سورة الحج, الآية 78.
36- القرآن الكريم, سورة المائدة, الآية 6.
37- ابن تيمية, مصدر سابق, ص138.
38- العوضي, مصدر سابق, ص 131.
39- السنن الكبرى, مصدر سابق, ص 10- 113.
40- العوضي, مصدر سابق, ص 192.
41- العوضي, مصدر سابق, ص 192 -193.
42- فهمي, مصطفى, فن الحكم في الإسلام, القاهرة –مصر, المكتب المصري الحديث, 1977م, ص 203 – 205. كل من يرغب المساعدة في اي بحث له عليه الاتصال على
00972592838491
الايميل
التعليقات (0)