السلام عليكم
الشك والشكذ
الشك: تساوي طرفين بين إثبان شيء معلوم ونفيه، حيث يمكن أنْ يَحْدُث في سكينة أو أثناء توتر، وهو في هذا يختلف عن الشكذ الذي هو: شك توتر أو روتي متعلق دائما بشيء يُعْتَقَد أو يُظَن أنَّه سيئ..
لمزيد من التوضيع إليكم ما يلي:
أقوال أهل العدل والتوحيد (المعتزلة) في الشك من كتاب الحيوان، الجزء السادس، باب الشك واليقين، من صفحة 13 - 14، من المكتبة الشاملة، من قسم كتب الأدب:
الشك واليقين
وبعد هذا فاعرف مواضع الشّكّ، وحالاتها الموجبة له، لتعرف بها مواضع اليقين والحالات الموجبة له، وتعلم الشَّكّ في المشكوك فيه تعلُّماً، فلو لم يكن في ذلك إلاّ تعرُّف التوقُّف ثمَّ التثبُّت، لقد كان ذلك ممَّا يحتاج إليه.
ثمّ اعلم أنّ الشكّ في طبقاتٍ عند جميعهم، ولم يُجْمعوا على أن اليقين طبقاتٌ في القوَّة والضعف.
أقوال لبعض المتكلمين في الشك ولمّا قال ابن الجهم للمَكِّيِّ: أنا لا أكاد أشكّ قال المكّيّ: وأنا لا أكاد أوقن ففخر عليه المكيّ بالشكّ في مواضع الشّك، كما فخر عليه ابنُ الجهم باليقين في مواضع اليقين.
وقال أبو إسحاق: نازعت من الملحدين الشاك والجاحد فوجدتُ الشُّكّاك أبصر بجوهر الكلام من أصحاب الجحود.
وقال أبو إسحاق: الشاك أقربُ إليك من الجاحِد، ولم يكنْ يقينٌ قط حتى كان قبله شكّ، ولم ينتقل أحدٌ عن اعتقادٍ إلى اعتقاد غيره حتّى يكون بينهما حالُ شكّ.
..
وقال عمرو بن عُبيد: تقرير لسانِ الجاحد أشدُّ من تعريفِ قلب الجاهل.
وقال أبو إسحاق: إذا أردت أن تعرِف مقدار الرجل العالِم، وفي أيِّ طبقةٍ هو، وأردت أن تدخِله الكورَ وتنفخ عليه، ليظهر لك فيه الصّحَّةُ من الفساد، أو مقدارُه من الصّحَّة والفساد، فكن عالماً في صورة متعلِّم، ثم اسأله سؤال من يطمع في بلوغ حاجتهِ منه.
.. العوامُّ أقلُّ شكوكاً من الخواص، لأنَّهم لا يتوقَّفون في التصديق والتكذيب ولا يرتابون بأنفسهم، فليس عندهم إلاّ الإقدامُ على التَّصديق المجرّد، أو على التكذيب المجرد، وألغوا الحال الثالثة من حال الشَّكّ التي تشتمل على طبقات الشك، وذلك على قدر سُوء الظنِّ وحُسن الظّن بأسباب ذلك، وعلى مقادير الأغلب." انتهى كلام الجاحظ. مكان النقطتان يوجد كلام قد حذفتُه.
جاء في كتاب: في علم الكلام، دراسات فلسفية لآراء الفرق الإسلامية في أصول الدين، "1" المعتزلة، تأليف الدكتور أحْمَد مَحْمُود صُبْحِي:"من أطرف مناظرات العلاف مع الشُّكَّاك ما حَدَثَ بينه وبين صالح بن عبد القدوس الذي مات له ابن فذهب إليه العلاف فرآه حزينا فلما واساه العلاف رد صالح: جزعت على ابني لأنه لم يقرأ كتاب (الشُّكُوك) قال العلاف: وما كتاب الشُّكُوك؟ قال: كتاب وضعته، من قرأه شك فيما كان حتى يتوهم أنه لم يكن، وفيما لم يكن حتى يظن أنه قد كان، فقال العلاف: فشك أنت في موت ابنك حتى كأنه لم يمت وإن كان قد مات، وشك أنه قد قرأ كتاب الشُّكُوك وإن كان لم يقرأه، (المنية والأمل ص 46 – 47)." على هامش صفحة 189.
كما نرى، لمَّا كان كتاب الشُّكُوك - لصالح بن عبد القدوس – يجعل الذي يقرأه يشك في الأشياء التي حدثت في الماضي، حتى يتوهم – القارئ – أنها لم تحدث، وكذلك يشك في الأشياء المستقبلية التي لم تحدث بعدُ، حتى يتوهم – القارئ - أنها حَدَثَت، ولمَّا كان الشك يبلغ من الإنسان هذا المبلغ، فقد كان عليه أنْ يشك في موت ابنه، حتى يتوهم أنَّه لم يمُتْ، رغم أنَّه مات، وكذلك أنْ يشك في أنَّ ابنه قد قرأ كتاب الشُّكُوك، وإنْ كان لم يقرأه، وقد صدق أبو الهُذَيْل العلَّاف – رحمه الله -..
مناظرة إبراهيم النَّظَّام مع المنانية، الذين يعتقدون أنَّ النور لا يُصْدِر إلا خيرا، وأنَّ الظلمة لا تُصْدِر إلا شرا:
لقد جاء في الكتاب نفسه (المعتزلة):"حدثونا عن إنسان قال قولا كذب فيه، من الكاذب؟ قالوا الظلمة، قال: فإنْ ندم بعد ذلك على قوله الكذب وقال قد كذبت وأسأت فمن القائل؟ فتحيروا ولم يدرون ما يقولون، فقال إبراهيم: إنْ زعمتم أنَّ النور هو القائل: "قد كذبت وقد أسأت" فقد كذب، لأنه لم يكن الكذب منه ولا قاله، والكذب شر فقد كان النور شر وهو هدم قولكم، وإنْ قلتم إنَّ الظلمة قالت:"قد كذبت وقد أسأت"، فقد صدقت والصدق خير، فقد كان من ظلمة صدق وكذب، وهما عندكم مختلفان، فقد كان من الشيء الواحد شيئان مختلفان: خير وشر على حكمكم، وهذا هدم قولكم بقدم الاثنين." من صفحة 222.
نرى في نقد إبراهيم النظَّام – رحمه الله – للمنانية تشكيكا لهم أولا في اعتقادهم، عندما سألهم عن ندم قائل الشر: هل يكون النور أم الظلمة؟ وبهذا السؤال أدخل إلى قلوبهم الشك، ثم أثبت أنَّ النور قد كَذَبَ عندما نسب إلى نفسه قول:"قد كذبت قد أسأت"؛ وبهذا فقد اقترف شرا بكذبه أنَّه القائل، ثم إنْ ردوا وقالوا: "بل الظلمة هي القائلة"، فهذا يعني أنْ الظلمة قالت خيرا؛ ولذلك فإنَّ كل من النور والظلمة يكون منهما خيرا وشرا؛ وهذا يعني أنَّ الشيء الواحد يمكن أن يصدر منه شيئان مختلفان: خير وشر على حكمهم؛ وبهذا يبطل مذهبهم..
شيئية المعدوم ودفع الشك عن إلزام قائليها بقدم المادة
من ألزمهم بقدم المادة؛ فإنما يلزمهم بما في نفسه لا ما في نفوسهم، وما تدل عليه أقوالهم:"هناك آيات تساند الموقف المعتزلي في مفهوم الشيئية، وأولها الآية المحكمة التي يستدل بها المعتزلة كثيرا، للدلالة على التنزيه المطلق لله:"ليس كمثله شيء" (الشورى:11) فهي لا تدل على أنه ليس كمثله موجود ما فحسب، بل كل ما يخطر على البال من تخيلات أو تصورات فالله بخلاف ذلك، وكذلك قوله تعالى:"وسع ربي كل شيء علما" (الأنعام: 80)، "وإن الله قد أحاط بكل شيء علما.." (الطلاق: 12)، فالشيئية لا تدل على الموجودات العينية فحسب، بل ما اصطلح على تسميته "بالمعدوم" أيضا، مثل يوم القيامة معدوم في الماضي والحاضر ولكنه معلوم لله، فعلم الله الأزلي يتعلق به تفصيلا مع كونه في الحال معدوما." المصدر نفسه صفحة 279 – 280.
مما سبق نستنتج أنَّ هناك تفرقة بين الوجود العيني للشيء، والوجود الذهني للشيء، فالوجود العيني يتعلق بشيء حدث في الماضي، أو شيء يحدث في الحاضر، أما الوجود الذهني فإنَّه يضيف المستقبل، بل يمكن صنع حمار برأس فأر في الوهم، أو كلب برأس خروف، وهذا الصنع يمكن أنْ يكون في الحاضر، وهي أشياء تتحقق في الأذهان لا الأعيان، على الأقل حتى الوقت الذي لم تكن متحققه فيه عينيا، هذا بشأن تركيب جزء من صورة شيء – كرأس الفأر مثلا – على جزء صورة شيء آخر – جسد الحمار بلا رأس مثلا -، وهكذا دواليك..
ولا مجال للقول بقدم المادة بناء على شيئية المعدوم، فلا يجوز إقحام مسائل عُولِجت خارج علم الكلام، في علم الكلام، فكلام الفلاسفة يلزمهم وحدهم، ولا يلزم المعتزلة، فالمادة القديمة التي تُمْنَح صورة لتخرج إلى الوجود، ليست من قول المعتزلة، ولا تلزم إلا قائليها من الفلاسفة، فشيئية المعدوم عُولجت لدى المعتزلة خارج إطار معالجة الفلاسفة لها، فهما موضوعات مستقلان، حتى وإنْ حصل تماثل في الأليات التي يتوسل بها كل منهما، وكذلك نوعية المواضيع المعالجة.
ثم على افتراض انهم قائلوها؛ فإنَّ المادة القديمة التي قال بها بعض الفلاسفة، ليست قديمة قدم الله، أي لا تتمتع بالأولية التي هي صفة لله، فوجودها لاحق، ووجوده سابق عليها – دون أنْ نتخيل الزمان بشأن الله، فالزمان شيء نسبي متعلق بالمادة في تحركها -؛ ولهذا فاستعمال كلمة الحدوث أوْلى من استعمال كلمة القدم، رغم أنَّه يمكن تقسيم كلمة القديم إلى قديم سابق، وقديم لاحق، كما سبق أنْ قلنا: فالقديم السابق هو الله، والقديم اللاحق هو المادة التي لا صُورَة لها، ثم أنَّ القديم اللاحق يمكن تقسيمه إلى قسمين: الأول: قديم غير مُصَوَّر، والثاني: قديم مُصَوَّر، ولا بأس لو قلت عن الأول: مُحْدَث غير مُصَوَّر، والثاني: مُحْدَث مُصَوَّر، لأوْلوية الحدوث كما سبق أنْ قلنا، ولكن تبقى مشكلتان متعلقة بهذا الموضوع، فلو زالت لَمَا وَجَب أنْ يُعَاب قائليها:
المشكلة الأولى: أنْ الوجود اللاحق، أقصد المادة غير المُصَوَّرَة، لم يَصْدُر عن الله مُخْتَارا، وهذا يُوجِب على الله النقص، ولمَّا لم يكن الله ناقصا؛ وَجَب رد هذا الجزء – صدور المادة غير المصوَّرة عن الله غير مختار لها – من النظرية؛ وبهذا تكون مقبولة عقلا، حتى وإنْ تركها المعتزلة، وتَبَنَّوا الحدوث التام.. كلمة تام غير موجودة عندهم، فقد وضعتها لتمييزها عن الحُدُوث غير التام، أي غير المُصَوَّر، فالحُدُوث بلا كلمة تام عند المعتزلة تعني خُرُوج شيء من العدم المطلق إلى الوجود الذي يمكن أنْ نرى منه بالعين في هذه الحياة أشياء غير قليلة؛ وبهذا فلا شيئية المعدوم تلزم المعتزلة بقدم المادة؛ لأنَّها (شيئية المعدوم) لا تتعلق بالوجود العيني عندهم، بل بالوجود الذهني، ولا المادة غير المُصَوَّرة تلزمهم بقدمها - على افتراض تَبَنِّيهم لها - بل تلزمهم بحُدُوثها، ولكنهم لم يَتَبَنُّوها.. في كتاب المعتزلة لنفس المؤلف شرح تفصيلي عن هذه المسألة، فمن يريد المزيد فاليقرأه..
المشكلة الثانية: إنَّ المعتزلة لا يقولون بصورة أرسطو وأتباعه (.. الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن ماجه، وابن طفيل، وابن رشد، وموسى بن ميمون..)، فإختلاف الأشياء عند المعتزلة سببه الأعراض، فالأعراض هي التي تشكل المادة؛ وبهذا فتقسيم الوجود التام إلى مادة وصورة غير موجود عند المعتزلة، فالمادة أوجدها الله كما هي، والاختلاف الذي يمكن أنْ يَحْدُث فيها سببه اختلاف الأعراض؛ ولهذا فالمادة التي بلا صورة غير موجودة إلا في ذهن أرسطو، فهذه المادة التي بلا صورة معدومة عن المعتزلة في الخارج، وموجودة في ذهن أرسطو؛ ومن هنا نعود إلى شيئية المعدوم..
الشك المنهجي والشك المذهبي
بناء على كل ما سبق، فإنَّ الشك ينقسم إلى قسمين:
شك منهجي: أي شك يستعمل لمعرفة ما إذا كان المشكوك فيه، كما يقال عنه، أو كما يبدو في الظاهر، أو لا، وليس بالضرورة أنْ يكون المشكوك فيه: شيئان متكافئان في الأدلة، بحيث لا يُرَجَّح أ على ب، أو العكس، فهذا مرتبة من مراتب الشك، وليست كل المراتب، فعندما يُشَك في تكافؤ الأدلة، وثبت في الوقت د أنَّ أ يرجح على ب بنسبة معينة، وفي وقت هـ زاد ترجيح أ، وفي وقت و زاد أكثر، وفي وقت ز تراجع مرتبه.. كما ترون فمراتب الشك كثيرة..
شك مذهبي: الشك المذهبي لا ينتهي، وذلك لقول أصحابه بتكافؤ الأدلة، فلا يمكن أنْ يرجح أ على ب، ويتميز اللاأدرية بهذا الشك في الطَّبْعُوَان (ما وراء الطبيعة)، لأنَّ الطَّبْعُوَانيات لا تقع تحت الحس، وما لا يقع تحته، ولا يمكن رصده، فالأدلة فيه تتكافأ، فنحن لا نعرف إلا ما هو حسي، وما ليس بحسي فلا يمكن ترجيح مركز على آخر، في المشكوك فيه، فأدلة وجود الله تساوي أدلة عدم وجوده، وكذلك الملائكة إلخ..
نحن نستعمل في كتابنا هذا وفي شؤون حياتنا الشك المنهجي، أما الشك المذهبي فننظر إليه على أنَّه عبث في الطَّبعوانيات..
مثال على الشك المنهجي: كانَ سامر يعاني من الحرق الممريوي، ولا يخرج إلى الناس إلا نادرا، ولكن ذات يوم جاءه أحد أصدقاءه القدماء، ولم يكن يعلم أنَّ سامرا مصاب بالتروات عموما، وطلب من سامر أنْ يذهب معه، فأبى، ولكن بعد تصرار حامد (صديق سامر القديم)، ذهب معه سامر، فركب سامر سيارة حامد الجديدة، وذهبا، فشم حامد رائحة حرق في السيارة، فشك شكا متكافئا أنَّ الحرق في محرك السيارة، فالسيارة جديدة، ولكنه توقف ونزل، وفتح نافذة المِحْرَاك، فوجد المحراك تمام، ولكن لمَّا ركب السيارة وجد الرائحة في داخل السيارة، فاعتذر من سامر ليذهب إلى مصلح السيارات، فأخذ سامر إلى بيته، ولمَّا ذهب، فتح النوافذ لتغيير رائحة السيارة، ثم أغلقها، وعلى مسافة خمس دقائق لم يشم رائحة الحرق، ولكن مع هذا ذهب إلى المصلح، ولمَّا فحصها المصلح، وجدها بلا مشاكل، فاطمئن حامد، وعاد إلى سامر، ليذهبا، فأبى سامر، فسامر عرف أنَّ رائحة الحرق منه، ولكن تصرار حامد جعله يذهب معه، ولكن يا للعجب فحامد بدأ يشم نفس الرائحة، فقال حامد في نفسه: ربما سامر لم يستحم منذ مدة طويلة، بدلالة قول صديقة: أنَّ سامر لا يستحم بدلالة رائحته.. فقال سامر في نفسه: إذا كان الأمر كذلك فسنذهب إلى البركة لنسبح ويتنظف سامر، ولكن لم يكن معهما ملابس سباحة، فاشتروا ملابس سباحة وبعض المُسَلِّيات من حانوت لا يَبْعُد كثيرا عن البركة التي أرادا الذهاب إليها، ولمَّا لبسا ملابس السباحة، ودخلا البركة، وسبحا خمس دقائق تقريبا، بدأ حامد يَشْعُر بأنَّ رائحة سامر بدأت تتغير فأيقن أنَّ سامر سيتنظف اليوم في البركة، ولكن آنَما ذهبا للغداء شعر حامد برائحة دخان، فشك، وقال أكيد ليست من سامر، وقد قام ليرى ما إذا كان بالقرب من المكان الذي يجلسا فيه سيارة تعمل، فلمَّا ابتعد عن سامر لم يشم رائحة الحرق، فقال: ربما في بقية الإتجاهات، فدار عليها كلها ولم يشم فيها رائحة حرق، فلمَّا عاد واقترب من سامر وجد رائحة الحرق نشطة، فقال حامد لسامر: سأذهب لأليِّف نفسي، فلدى هذه البركة حمامات ممتازة، فما رأيك أنْ ترافقني؟ فدخلوا الحَمَّام، وبدأ حامد يتليف، وأشْعَرَ سامر أنَّ التليف ماتع، وطلبه أنْ يجرب، فخاض سامر التجربة وبقوا يتليفوا أكثر من ساعة، فحامد لم يدخل ليتليف، فهو في غنى عن التليف، ولكنه فعلها لكي يفعلها سامر، فيتنظف من دخانه، ولمَّا انتهياء، شَعَرَ حامد برائحة سامر الجميلة وقد كانت من الصابون الجميل، ولكن بعد نصف ساعة، شمَّ حامد رائحة دخان، ولكن حامد لا يفتر يشك في أنَّ الدخان ليس من سامر بل من مكان آخر، فسامر الآن استحم ولم يبقَِ على جلده دخانا، ولكن بعد الملاحظة تأكد أنَّ الدخان من سامر، فذهب واشترى عبوة عطر من أجود العطور، فوضع حامد على جلده منها، لكي لا يُحْرِج سامر، رغم أنَّ سامر شَبِعَ حرجا، ولكن لا يمكن لسامر أنْ يقضي على الرائحة الدخانية، فهي من التروات التحمامي الذي يأبى أنْ يزول، وطلب حامد من سامر أنْ يَضَع عطرا على جلده، فهو ذو رائحة جميلة، فوضع سامر عطر على جلده، ولم يُكْثِر، فإذا بحامد يُكْثِر من وضع عطر على جلده، لكي يُشَجِّع سامر على وضع المزيد على جلدة، فوضع سامر الكثير من العطر، فأيقن حامد أنَّ سامر حصل على يوم العمر، فلم يَعُد جسده يُدَخِّن، ولكن بعد ربع ساعة أصيب سامر بتوتار لمدة خمس دقائق تقريبا، فإذا بحامد يَشْعُر برائحة غريبة جدا من عند سامر، وهي رائحة دخان مخلوط بعطر، حيث لا يمكن احتماله اطلاقا، فتحيَّر حامد بشأن سامر، فقال حامد: سأدخل لأسبح ودخل، ولم يدخل سامر، فهو يريد أنْ يبتعد عن حامد لئلا يشم رائحة أكثر، فما شمه يكفي الإنس والجان، ولكن حامد طلب منه أنْ يتسابقا في السباحة، فدخل بعد تصرار حامد، فأيقن حامد أنَّ رائحة العطر يمكن أنْ تزول، فهي قد زادت الرائحة شينا، وقد صدق فبعضا من رائحة العطر قد زالت، ولكن حامد قال في نفسه: زوالها مرهون بتليف، وذهبوا ليتليفوا، فذهب الكثير من رائحة العطر بعد التليف، فقال حامد في نفسه: أنا أقدر على احتمال دخان بلا عطر، أما دخان بعطر فهذه طامة الطامات، ولمَّا خرجوا من الحمام، جلسوا على تلة تطل على البركة حيث الريح الجميل، ولكن دخان جسد سامر كان يتداخل مع الريح فيلوثه، وهذا ما نغص على حامد سياحته، فقد قال في نفسه: يبدو أنَّ سامر سيارة قديمة ولكن بلا مِدْخَان مرئي.. هذه القصة تظهر الشك المنهجي، وقد ألبسناها أحد مواضيع كتابنا..
الشك في قدرة الآلات على الكشف
عندما يَذْهَب الرواتي أو الترواتي إلى طبيب، لا يَجِد لدى الطبيب إجابة إلا إنَّه لا يعاني مرضا – نحن نتكلم عن الروات والتروات فلا تخلطوا -، ولكن قد يوجهه إلى ما يُسَمَّى طبيب نفسي – حسب التعريف المُتَدَاول -، إنْ وجهه إلى ما يُسَمَّى طبيب نفسي، فقد يقول له: اعمل فحص شامل..
إنْ قال له: اعمل فحص شامل، ولَبَّى الرواتي أو الترواتي الطلب، وعاد بها، حيث تُثْبِت أنَّ المريض بصحة جيدة، ومن ثم يلجأ إلى ما يُسَمَّى العلاج النفسي بالعقاقير..
لا تتعجبوا من جماعة النفس المستقلة أنْ يُعَالجوا النفس المستقلة بالعقاقير، كما لا تتعجبوا أنْ يعترض أحد الخبراء في هذا الشأن ممَّن لديهم فطنة، ويقول: نحن لا نعالج النفس المستقلة، بل نعالج تأثيراتها على الجسد،
وقد يكون هناك خبير أفْطَن من الخبير السابق، فيقول: نحن لا نُقر بوجود نفس مستقلة عن الجسد، فالنفس هي الجسد، والجسد هو النفس، أو أنَّ النفس في الجسد، ولا انفصال بينهما، ومن فصلهما فعلمه قليل، ولكن بشأن المرض نقول: أنَّ الخلل يوجد في المِهَاد أو المُهَيْد، أو كلاهما معًا، أو عموما الخلل موجود في المُخ..
نَرُدُّ عليهم وعلى من آمَنَ بما عندهم بما يلي:
ذات يوم قال مُلْحِد أنَّ الحياة تَنْشَأ من العدم، حيث وَضَع لَحْما في مكان مُحْكَم الإغلاق، وبعد وقت عاد إليه فوجد فيه كائنات حية صغيرة، مثل التي تُرَى على الرمم، وكان هذا دليله على نشأة الحياة من العدم!.
ولكن عندما أُكْتُشِفَت المِجْهرات؛ ثُبِت أنَّ اللحم يحتوى في داخله على كائنات حية، منها ما يُحَلِّل الأجساد الميتة، وهذه الكائنات التي كانت دليل الملحد على نشأت الحياة من العدم ما هي إلا كائنات مِجْهَرية، تَكْبُر عندما تَتَغَذَّى على لحم ميت؛ وبهذا بطل دليل الملحد صاحب التجربة.
وعليه، اثبتوا لنا أنَّ حُكْمَكُم – من حيث هو حُكم لا من حيث فرع الحُكم - ليس مثل حُكم الملحد السابق!، بمعنى آخر لماذا لا تَشُكُوا في ما عندكم من معلومات، علما أنْ حالات المرضى تَحُثكم على الشك الذي نحثكم عليه، ولكنكم للأسف متمسكون على أنَّ ما يعاني منه المريض موجود ذهنيا لا عينيا؛ وبهذا فأنتم جدليون لا برهانيون، فلا يوجد لديكم برهان تقنعوا به خصمكم.
نحن لدينا برهان على أنَّ الآلات المستخدمة في فحص المرضى، لا تُوَصَّل إلى المواطن الصحيحة، بل هي موجهة جهلا إلى المواطن غير الصحيحة، فهي توجه:
أولا: إلى الدم، وهو لا يوجد فيه شيء بعد حالات التوتر؛ وبهذا فإنَّ عقاقيرهم لا تنفع إلا في حالات التوتر، فهي تسري في الدم؛ وبهذا فإنَّها لا تُفْضِي إلا إلى شفاء الحالات التي لم تتوغَل في المرض، عبر التقليل من الترو - بما في ذلك الدرل –..
وثانيا: إلى المخ، وهو إنْ ظهر فيه شيء فربما يكون سببه تألم المريض من مرضه، أو انخضاع المريض إلى المرض حيث يتجه إلى أنْ يَفْقِد عقله الموسَّع..
وثالثا: إلى الهيكل العظمي، وهو في الحقيقة ليس موطن المرض، ولكن يمكن أنْ يَحْدُث انعكاس من المرض عليه، دوث أنْ يعلم الاطباء أنَّه انعكاس من المرض، فيتعاملوا معه على أنَّه موجود فقط.
وعلى ما سبق، لا يمكن أنْ يَصِلوا إلى مكان المرض، ما داموا يتعاملون مع المريض بطريقتهم التي ذكرناها في السطور السابقة..
نحن نوجههم إلى الأعصاب في أي موطن في الجسد فالمرض يَحْدُث فيها، وهو الروات والتروات..
ختاما، الآلات التي يفحصون بها المرضى موجهة فقط لما صُنِعَت له، وليس لشيء آخر، فمقياس القلب للقلب، ومقياس النظر للنظر، إلخ؛ ولهذا نقول مقياس الأعصاب الذي سيُرينا الروت وأخواته لم يُكْتَشَف بعد هو للأعصاب وليس لغيره، ونحن نمهد لإكتشافه بكتابنا هذا..
الشيطان والروات والجن وإخضاعها للشك المنهجي
سأل قاسمٌ سامرا عن الفرق الجن والشيطان وبإبليس، ولكن قاسم قال لسامر: دعني أقول له ما فهمته بشأن هؤلاء: الجن كائنات عاقلة حُرَّة، خُلقت قبل الإنسان، بدلالة قوله تعالى:"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)" النحل. حسب الآية إبليس كان من الجن، ولا أدري ما إذا كان إسم ابليس يطلق على شخص واحد، أو جماعة، كما لا أدري ما إذا كان هذا اسمه قبل أنْ أبى السُّجُود لآدم، أو لا، ولكن الذي أعرفه أنَّه سُمِّيَ شيطانا بعد أنْ أبى السجود، فما رأيك فيما فهمي للفرق بينهما؟
سامر لقاسم: أحسنت، ولكن الجن ليسوا بالضرورة أنْ يكونوا كائنات عاقلة حرة، فقد لا تكون حُرَّة، ولهذا فمن الممكن أنْ يكون الجن اسم مكان، ألم تسمع بقوله تعالى:"وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)" البقرة.
ألا تدل هذه الآية على أنَّ الْجَنَّةَ مكانا؟
قال قاسم لسامر: هذا صحيح، وأنا أذكر آية أخرى بهذا الشأن، وهي قوله تعالى:"لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)" آل عمران. هذه الآية ورد فيها كلمة جنات، وهي جمع جَنَّة.
سأل سامرٌ قاسما: هل الذين اتقوا رأوا الجَّنَّات؟
قال قاسم: وُعِدُوا بها، ولم يرُوها بعدُ.
قال سامر لقاسم: إذن هي مخفية عنهم الآن، فَتَذَكَّر كلمة مخفية!.
وقال سامر لقاسم: الآيات التي فيها كلمة جنات كثيرة، ولكن سأجيء لك بكلمة جارج سياق الجَّنة، وهي قوله تعالى:"أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)" المؤمنون.
جاء في تفسير الكشاف تفسيرا لكلمة جِنَّةٌ:" الجِّنَّة: الجنون وكانوا يعلمون أنه بريء منها وأنه أرجحهم عقلاً وأثقبهم ذهناً ، ولكنه جاءهم بما خالف شهواتهم وأهواءهم ، ولم يوافق ما نشأوا عليه."
سأل سامرٌ قاسما: ماذا تفهم من كلمة جنون؟
قال قاسم مجيبا: ذهاب العقل!.
قال سامرٌ لقاسم: ما رأيك أنْ نستبدل كلمة ذهاب العقل بخفاء العقل؟
قال قاسم: شكرا لك، فهذا ما أريده – أنا – أيضا!، ولكن ما الذي تريد أنْ تصل إليه يا سامر، فقد طلبت مني أنْ أتَذَكَّر كلمة مخفية سابقا، والآن استبدلت ذهاب العقل، بخفاء العقل - ليس المِعْقال -؟
وقال قاسم لسامر: لقد تذكرت آية بها كلمة مشتقة من كلمة جن، وهي قوله تعالى:" اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)" المنافقون.
سأل سامرٌ قاسما: ما تفسير كلمة جُنَّة؟
قال قاسم: جاء في تفسير ابن كثير للآية:"وقوله: { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } أي: اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة والحَلْفات الآثمة، ليصدقوا فيما يقولون، فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم، فاعتقدوا أنهم مسلمون."
سأل سامرٌ قاسما: ماذا تعني اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة؟
قال قاسم: تعني أنَّ المنافقين أخْفَوا كفرهم، وهم مؤمنون من الظاهر فقط، ليصدقهم المؤمنون، فيصدوا عن سبيل الله!.
قال سامرٌ لقاسم: تذكرت أية بها كلمة مشتقة من كلمة جن، وهي قوله تعالى:".. هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)" النجم.
قال قاسمٌ: آآآآه، فهمت ما الذي تريده، أنت تريد أنْ تقول: أنَّه يوجد معنى مشترك بين الكلمات:" الْجِنِّ، والْجَنَّةَ، وجَنَّاتٌ، وجِنَّةٌ، وجُنَّةً"، وهو موجود في اللأصل الذي أُشْتُقَّت منه الكلمات السابقة، وهو كلمة: جنن، التي عنها في لسان العرب:"جَنَّ الشيءَ يَجُنُّه جَنّاً سَتَره وكلُّ شيء سُتر عنك فقد جُنَّ عنك وجَنَّه الليلُ يَجُنُّه جَنّاً وجُنوناً وجَنَّ عليه يَجُنُّ بالضم جُنوناً وأَجَنَّه سَتَره."
قال سامرٌ لقاسم: إذًا وصلك معنى كلمة "جن"، وهو الخفاء والستر والتواري.
قال قاسم: إذُا كلمة جن لا تعني الكائتات التي خلقها الله قبل آدم – عليه السلام -، والتي منها ابليس، الذي أبى أنْ يسجد لآدم سجود تحية، لا سجود عبادة، لقد حاول شخص قبلك أنْ يُوصِل لي نفس المعنى، ولكنه شككني فقط، دون أنْ يوضح المسألة جيدا.. وعلى كل حال، فقد كان تشكيكه إياي في هذه المسألة، بابا لفهم المسألة على الوجه الصحيح، وقد كان هذا بالقرآن، الذي يفسر هذه الكلمات على الوجه الأتم.
لقد حاول الشخص الذي شككني في معنى كلمة جن، أنْ يشككني في معنى كلمة شيطان، فماذا عندك بهذا الشأن؟
والجن الروت وأخواته
قال سامر: قبل أنْ نذهب لموضوع الشيطان، لنفتح موضوع الروات، بناء على ما أسلفنا في موضوع الجن.. ألم نصل إلى أنَّ معنى الجن هو الخفاء والستر..؟
قال قاسم: بلى.
قال سامر: الروت وأخواته (الروات، والتروات) مواد مكان سيرها وإقامتها هو الأعصاب.. هل يُرَى بالعين المجردة كيف يتحرك ويقوم الروت وأخواته في الأعصاب؟
قال قاسم: لا، ولكن يبدو أنَّك تريد أنْ تقول أنَّ "الروت جني"، وهو بناء على ما دار بيننا في الحوار سابقا، صحيح، ولا يمكن أنْ ينقدح في قلبي شك في هذا، فقد وصلني اليقين بشأنه؛ وذلك لأنَّه حيث وقع الخفاء والستر والتورية جاز وصف المخفي، أو المستور، أو المتواري، بإنَّه جني.
قال سامر: أحسنت، أما الآن فلننتقل إلى موضوح الشيطان:
وقال سامٌر: لنذهب إلى القرآن لنعرف ماذا تعني كلمة شيطان، وهل يوجد فرق بينها وكلمة إبليس..
موضوع الشيطان بعكس موضوع الجن من حيث سهولة تناوله، فموضوع الشيطان أكثر تعقيدا، ولهذا سنتاوله تناولا مختصرا، غير مخل بما نريد، وهو التفريق بين الشيطان، وإبليس، مستحضرين في قلوبنا ما توصلنا إليه في موضوع الجن، والروت الجني:
إبليس يعلن شيطنته إذ تمرد
لنبدأ بقوله تعالى:"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)" الحجر.
القتل والأسباب التي تدعو إليه، أعمال شيطانية
"وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)" القصص
يقصد موسى – عليه الصلاة والسلام – بـ"هذا من عمل الشيطان"، الأسباب التي جعلت العمل الشيطاني يقع.. من الأسباب التي جعلته يقع: أنَّه وجد رجلان يقتتلان، واحد من شيعته، والثاني من المصريين، فمال للذي هو من شيعته وقد كان غضانا؛ فقتل المصري، ونسب العمل إلى نفسه عندما قال: "فلن أكون ظهيرا للمجرمين"؛ لأنَّ الذي يكون للمجرمين ظهيرا؛ يَظْهَر إذا إجتمعت أسباب شيطانية، تُفْضِي إلى قتل إنسان ظلما، وقد قتل المصري ظلما؛ وذلك لأنَّ الذي هو من شيعة موسى – عليه الصلاة والسلام – "غوي مبين"، كما جاء على لسان موسى – عليه الصلاة والسلام -؛ لأنَّه استصرخه، وباستصراخه؛ تجمعت أسباب شيطانية لإرتكاب عمل لا يريده النبي موسى..
الداء في الجسد شيطان
قال قاسمٌ لسامر: هل يمكن أنْ يقال عن مرض يُصيب الجسد بإنَّه شيطان؟
قال سامر: بلى، واقرأ قوله تعالى: "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)" ص
الشيطان أصاب أيوب - عليه الصلاة والسلام -، وكان الدواء الذي يزيل الشيطان هو: مغتسل بارد، وشراب؛ ولهذا فالشيطان كان داء في جسده..
المنافق شيطان
قال قاسم: أنا أحفظ آية، يُوصَف الإنسان فيها بأنَّه شيطان، واقرأ قوله تعالى:"وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)" البقرة.
هنا يُوصف الإنسان بالشيطان، إذ كان منافقا، فالمنافق عندما يكون بين مؤمنين يقول: أنا مؤمن، ولكن عندما يذهب إلى مشركين أو كفار ويقول:"أنا معكم، فأنا أستهزئ بالمؤمن"؛ فهو شيطان، بل شيطان إنسي مارد.
أعداء الأنبياء الإنسيين شياطين
قال سامر: أنا أحفظ أية يُوصف الإنسان فيها بالشيطان بوضوح بالغ، وهي قوله تعالى:"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)" الأنعام.
قال قاسم: صَدَقْتَ، ففي الآية التي ذَكَرْتَها يوجد "شَيَاطِينَ الْإِنْسِ"، "شَيَاطِينَ الْجِنِّ"، رغم أنَّه يمكن الفصل بين كلمة الْإِنْسِ، وَالْجِنِّ؛ فتكون قراءة أخرى..
وقال قاسم: ما رأيك أنْ ننظر في مسؤلية الإنسان من خلال الآيات التي ذُكِرَ فيها إبليس والشيطان؟
قال سامر: هذا موضوع تشواكي، فلو ركزتُ فيه سيبعدني عن موضوعي، فأنا أحوج إلى التركيز في موضوعي، ولكن بالجملة أنا أقدم كلمة شيطان على إبليس، فالشيطنة عمل من الإنسان فيما يخص مسؤليته عن أفعاله، وليس لإبليس سلطان على عباد الله، ثم أنَّ الذي اتَّبَعَ إبليس، قد اتَّبَعه لأنَّه شيطان مارد من الإنس، ولولا شيطنته المتمردة على الحق، لمَا اتبع ابليس، كما أنَّه في الإنس شياطين أمْرَد من شياطين الجن الأبالسة، وربما يتمنى إبليس الجني أنْ يعمل تحت إمرتهم..
وعلى كل حال، فالاستطاعة الإنسانية تسبق "لحظة يفعل"، وليس الاستطاعة مقرونة بـ"لحظة يفعل" غير سابقة عليها، ففي "لحظة يفعل" يكون الفعل إحْدَاثا من الفاعل الإنساني، وفي "لحظة فَعَلَ" يكون المَقْدُور الذي فُعِل، لفاعل واحد، وليس لفاعلين: يكون الأول خالقا، والثاني مكتسبا، بل المقدور لفاعل واحد، فالإنسان ليس مجبرا في صورة مختار، بل مختار في صورة مختار، وهذا قول أهل العدل، ولكن الذي يقول بمقدور لفاعلين، ليس جبريا خالصا، بل جبريا معتدلا، والجبري المعتدل، معتدلا من حيث قوله بالكسب، وجبري من حيث يقابل الكسب فاعل، وهو الله..
قال قاسم: لا بأس، ولكن ما علاقة الروت بالشيطان؟
قال سامر: ألم تصلك الرسالة من إحدى الآيات السابقة؟
قال قاسم: وهل هناك أية فيها كلمة روت، واستدرك قائلا: آآآآآه، الآن فهمت: تقصد أنَّ المرض الذي يُحْدُث في الجسد شيطانا، لأنَّه يُخْرِج صاحبه عن الاعتدال؛ ولمَّا كان الروت يَحْدُث في الجسد؛ فإنَّ الروت يكون شيطانا..
قال سامر: أحسنت، ولكن لا تنسى أنَّه جني أيضا..
قال قاسم: لو لم تسبقني بالكلام، لذكرت أنَّه جنِّي، فشكرا لك على كل حال.
الشك والتوتر
الشاك يمكن أنْ يكون من جميع الفئات باستثناء الذي ذهب عقله الموسَّع، بل حتى الذي ذهب علقه الموسَّع لم يُقْضَى على جزء لا بأس به من جهاز الشك..
وعليه، فالشاك يمكن أنْ يكون متوترا، وممكن ألا يكون، ثم أنَّ الذي لديه شكذ يكون لديه شك في مواطن غير موطن الشكذ؛ ولذلك لا أحد يُعْدَم من الشك، ولكن يوجد من يستعمله (الشك) في مراتبه الدنيا، ويوجد من يستعمله في جمع مراتبه؛ ولهذا فلا يوجد شك مقديفي فما فوق، إلا من باب الذم، وهو ليس من شأننا، من حيث هو مصطلح فقط، أما من حيث ما يحدثه من توتر، فـ"روات" فهو شأننا؛ فالشك الذي يحدث مع توتر، يوجد فقط في فئة التوتر البدئي، فإذا رام الذي ينتمي إلى فئة التوتر الكربي استخدام الشك، فإنَّه يستخدمه كما لو كان من فئة التوتر البدئي، فمرضه لا يؤثر على شكه، إلا بقدر ما يؤثر توتر الفوبلي على شكه، بل إنَّ الذي ينتمي إلى الفوكليين لا يستخدم الشك عندما يكون توتاري، لعلمه أنَّ التوتر يقلل التركيز كثيرا؛ ولهذا فالفوكلي يستعمل الشك وهو ترواتي وليس توتاري، والفرق واضح تماما؛ وإذا كان هذا شأن الترواتي فمن باب أولى أنْ يكون عند الرُواتي..
لنعطي بعض المعلومات عن موضوع الـ"شكذ”:
الشكذ
مثال على: مَشْكَذَة أبْجُوطية:..
أ- مُغَنِّية دُعِيت للقاء تلفازي، يتخلله تقديم أغانيها الجديدة – مثلا -.. تقدمت المغنية، فجلست، وبعد الترحيب وبعض الأسئلة، تقدمت المغنية، فأصبح مقدمي البرنامج، وكذلك الحضور خلفها لا أمامها.. بدأت أنغام الموسيقى الجميلة تعم المكان، ولكنها طالت، حتى غدت المغنية تُكْثِر من التبتم، وقد أزعجها التبتم؛ فزاد توترها قليلا؛ فَشَكذت أنَّ الذين خلفها يضحكوا على حالها، أو يستهزئوا بها، إلخ؛ فَدَرَات – بعد أن كان وجهها في زاوية 130 إلى 220 درجة بالنسبة إلى الذين خلفها تقريبا – دائرة 360 درجة، بهدف امتحان هذا الشكذ، فَعَلِمَت أنَّ شَكذها من المَشَكذة الإبُدوانية التي تنتج فكرا لا تتوائم والحق، ولكن يمكن بالصفة أن تتوائم، وهو استثناء..
هذا نموذج عن المَشَكذة الإبُدوانية وامتحانها، وقد كان الامتحان متقن، حيث الدائرة كانت كاملة غير منقوصة، وكأنها تقوم برقصة؛ وبهذا فإن شكذها زال عندما تأكدت أنَّ الباعثَ هو المَشَكذة الإبُدوانية، وأعتقدت أنهم اعتقدوا أن دائرتها هذه رقصة جميلة مطلوبة.. هذا الاعتقاد مهم، بالنسبة لها، حتى ولو لم يكن صحيحًا؛ فهو يقيد الإشْكُذانيات..
مثال ثانٍ ولكن عن الشك وليس الشكذ، بهدف التمييز:
أ- سارق سرق سيارة، مر من أمام بيت صديقه الذي سرق معه السيارة، فرأى الشرطة هناك، فشك في أنهم هناك بشأن السيارة المسروقة، ومع هذا لم يهرب بل ذهب إلى بيته، فجاءت الشرطة - الذين رآهم عند بيت صديقه - إلى بيته، فزاد شَكذه في أنهم جاءوا بشأن سيارة مسروقة، وهو أحد المتهمين في سرقتها.. هذا الشك المُعَزَّز من مَعْزَزَة شك..
وعليه، فإنَّ ما وقع فيه سارق السيارة، هو إشْكُكان، وليس إشْكُذَان..
مَشْكَذَة إبْدُوانية: هي الروت حيث الأعصاب، والترو حيث الدم، فبإجتماع الروت والترو، يكون صاحبها متوتر، أي أنَّ المشكذة الإبْدُوانية، لا تسمى كذلك إلا في حال توتري، حيث يسير الروت في الأعصاب والترو في الدم.. راجع المثال السابق عن المغنية..
شَكَذ إبْدُواني: هو فعل تُوجِبه المشكذة الإبْدُوانية، ويكون أمَّا ظاهرا، كأن يكون على فكر شكي روتي مقرون بحَرَكات الجسد عموما، والوجه والعيون خصوصا، أو مخفي، فيكون صاحبه أمَّا مُخَفِذا للحَركات، أو لا يكون الشكذ يُوجِب حركات، بل شكذ ذهني، ولا يتجاوز الذهن إلى الحركات، ولكن تؤثر كثيرا على التركيز في الموضوع الذي كان مُرَكَّز فيه قبل حُدُوث الشكذ..
وعليه، فإنَّ الشكذ أما أن يكون ذنف (شكذ مقرون بفحص)، أو فنذ (شكذ غير مقرون بفحص)، أي أنَّ صاحبه يحاصر الشكذ، فيكون في طور الذهن بالإضافة إلى ما يُحْدِثه من روت وترو، ولا يتجاوزه إلى طور الفحص، وهو يمكن أنْ يدخل صاحبه المرض إذا كان حادا، ويتعرض له كثيرا، فعندما يتعرض صاحبه كثيرا لها، فإنَّ احتمال حُدُوث مشكذة مبديوية تفضي إلى مشكذة مبديحية مرتفعا، ثم أنْ حدثت كثيرا هذه الأخيرة؛ فإنَّها تفضي إلى الروات، فيتوسع المرض أولا، ويتشعب ثانيا..
مَشْكَذَة مُبْدِيوية: هي الروت المتعلق بفكرة شكذية ليست بالخفيفة ولا الحادة، كما أنَّ صاحبها لا يعاني من شكاذ أو تشكاذ، وإنْ كان يعاني منهما فمعاناته قليلة، وبالجملة الذي يغلب على هذا الفرع من الفوبليين، ولكن من الممكن أنْ يكون الذي يعاني من هذه المشكذة من المرضى بأعراض رواتية، أو ترواتية كثيرة..
شَكَذ مُبْدِيوي: هو شك روتي يثقل الجسد ثقلا وسطيا غير حاد، حيث يتعلق الفكر بآفكار مثل: يستهزئ بي، يضحك عليَّ، ينظر إليَّ نظرة دونية، وهكذا دواليك، وهو بعكس الشك الذي يُحْدِث روتا وسطيا عندما يَحْدُث، فهذا الشك لا يثقل الجسد، بعكس الشكذ..
التعليقات (0)