مواضيع اليوم

الشـق الحقوقـي آخـر أوراق إدارة الصـراع فـي الصحـراء المغربيـة

شريف هزاع

2010-08-06 01:09:43

0


عبـد الفتـاح الفاتحـي

استبعدت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام توصل المملكة المغربية وجبهة البوليساريو لأية تسوية لقضية الصحراء الغربية في "المستقبل المنظور"، وذلك لتباعد مواقف الجانبين بشأن هذا النزاع، حيث لم يبد الطرفان استعدادا لقبول الاقتراح الذي يقدمه الآخر ليكون أساسا وحيدا للمفاوضات في المستقبل.

وعليه اقتنعت الأمم المتحدة بأن لا حل قريب في الأفق للنزاع حول الصحراء، وتفهمت أن مسألة الوصول إلى عقد جول الخامسة من المفاوضات بين الجانبين بات يستدعي وقت أطول وحاجة لعمل متزايد.

وبناء على هذه القناعات ووفق ما كان متوقعا أيضا أوصى مجلس الأمن الدولي بتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) في الصحراء عاما آخر حتى 30 من أبريل/ نيسان 2011. وطالب بتجديد دعوة الطرفين إلى "إظهار إرادة سياسية للدخول في مناقشات جوهرية وضمان نجاح المفاوضات".

ويستشف عدد من المتتبعين أن الأمم المتحدة تحاول أن تلتف حول واقعية المقترح المغربي بمنح حكم ذاتي في الأقاليم الصحراوية، لأنها وضعت مقترحي الطرفين على قدم المساواة، بالرغم من أن المقترح المغربي حظي بتقدير أممي، بينما جبهة البوليساريو لم تقدم سوى ما ظلت متشبثة به من تقرير المصير، في حين يرى آخرون أن تصريحات كي مون لا تعدو أن تكون عامة تهادن كل طرف من الأطراف وهو ما يفسر تباين وجهات نظر أعضاء مجلس الأمن الدولي في الاقتناع بطروحات طرف دون الآخر ولذلك يحافظ على حياده في التعاطي مع الملف، ويؤشر ذلك أن أمد الصراع سيستمر لمدة أطول.

وتابع الملاحظون من إشارات بان كي مون إلى الجانب الإنساني والحقوقي وعكس ما كانت تريده الجزائر والبوليساريو أعرب "بان كي مون" عن "قلقه المتزايد" من استمرار انتهاك الاتفاق العسكري ومما وصفه بـ"البعد الإنساني للصراع بما في ذلك محنة لاجئي الصحراء الغربية".

وأضاف أن "كل جانب يتهم الآخر بارتكاب انتهاكات تتعلق بالصحراويين في الإقليم وفي مخيمات اللاجئين وكل منهما ينفي الاتهامات الموجهة إليه".

وهو ما يعني أن آخر أوراق الطرفين في إدارة الصراع بالصحراء الغربية سينصب على الورقة الحقوقية التي باتت مسموعة أمميا، وعن وضع المغرب التفاوضي في النزاع حول الصحراء يرى عدد من الدبلوماسيين بأن المملكة المغربية راكمت عدة نقط قوة لمشروعية سيادتها على الأراضي الصحراوية في حين سجلت عدة انكسارات وخيبات متوالية لخصومها في جبهة البوليساريو والجزائر فمن انتهاء مفاوضها أرمونك بنيورك الأمريكية بدون تحقيق أي اختراق، إلى تقوية الدور المغربي في شمال إفريقيا وكامل القارة الإفريقية حيث تكللت قمته مع الاتحاد الأوربي بنجاح كبير، وتعزز دوره أمريكيا بعد نجاحه في تدبير اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، مؤشرات أتت كضربات متوالية على جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر.

ولم تتوقف خيبات طرح البوليساريو عند هذا الحد فقط، ولكن توالت الفاجعة مرة أخرى بتحقيق المغرب لاختراق استراتيجي على مستوى القارة الإفريقية بعد إقناع جمهورية غينيا بيساو بسحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية، حيث تمكن المغرب من فهم الشفرة الدبلوماسية لجمهورية غينيا بيساو، حيث يسهم المغرب إلى جانب فرنسا من متابعة تطورات المشهد السياسي بهذه الجمهورية بعد الانقلاب الأخير.

وتعزز هذا الموقف بما أعلنته وكالة الأنباء البرتغالية "لوسا" بأن قرار غينيا بيساو إنهاء اعترافها بما يسمى"الجمهورية الصحراوية" يعكس التقلص الواضح في دائرة الدول الإفريقية التي تعترف بهذا الكيان، وهو مؤشر على أن بقية العواصم الإفريقية ستنحو نفس المنحى.

وتعضد الموقف المغربي وبشكل طردي أيضا بمبادرة أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مؤخرا بتوجيه رسالة إلى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون إلى إيجاد حل لنزاع الصحراء على أساس مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

وأشارت الرسالة، التي وقعها 54 سيناتورا من الذين أعربوا عن " قلقهم بشكل خاص إزاء الزيادة المضطردة لعدم الاستقرار في منطقة شمال إفريقيا" بسبب "تنامي الأنشطة الإرهابية". واعتبرت الأغلبية التي تقودها السيناتورة الديمقراطية ديان فينشتاين وزميلها الجمهوري كيت بوند، أن "دعم الولايات المتحدة، وبتعاون وثيق مع حلفائنا في أوروبا وبالمنطقة، يمكن من تحقيق استقرار الوضع وعكس هذه التوجهات المقلقة".

ونبهوا إلى التصريح الذي أدلت به هيلاري كلينتون بمراكش في نونبر من السنة الماضية، بأن المقترح الذي تقدم به المغرب في عام 2007 على أساس منح حكم ذاتي موسع للصحراء، "جاد وذو مصداقية"، مؤكدين أن الولايات المتحدة تدعو منذ عهد إدارة كلينتون إلى تسوية هذا الصراع على أساس هذه الصيغة.

وكانت أغلبية أعضاء مجلس النواب الأمريكي قد وجهت رسالة مماثلة، في أبريل من السنة الماضية، عبرت فيها للرئيس باراك أوباما عن انشغالها إزاء "تصاعد تهديدات تنظيم القاعدة ومجموعات إرهابية أخرى في إفريقيا الشمالية", ودعت إلى تقديم دعم قوي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي من أجل حل نزاع الصحراء.

وأكد النواب الأمريكيون ال229 المنتمون للحزبين الديمقراطي والجمهوري داخل مجلس النواب، حينها أن هذا المقترح "سيفتح الطريق أمام تعاون إقليمي أوسع لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المتنامية" في هذه المنطقة، وأضافوا في مناشدة وجهوها للرئيس الأمريكي بارك أوباما بالقول: "نشجعكم على مساندة هذه السياسة التي تعود إلى تاريخ بعيد، وعلى التوضيح، بالقول والفعل، أن الولايات المتحدة ستعمل من أجل ضمان استمرار المسلسل الأممي في دعم هذا الإطار من المفاوضات، باعتباره الخيار الواقعي الوحيد لحل توافقي بغية وضع حد لهذا النزاع المؤسف الذي طال أمده".

ونبه الموقعون مخاطر الاستقرار في شمال إفريقيا بسبب تزايد الأعمال الإرهابية، وتأكيدهم على أنه "من الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة دعم تسوية نزاع الصحراء على أساس مقترح الحكم الذاتي".

وتقوت فعالية الدبلوماسية الرسمية المغربية بعد القمة المغربية الأوربية في مدينة غرناطة، التي كللت بالنجاح حسب بيان مشترك للمغرب والاتحاد الأوربي، رغم ضغوط التحركات الدبلوماسيات الموالية للجزائر في النزاع حول الصحراء. ووجد التحرك الجزائري الدولي وتحرك جبهة البوليساريو الميداني باسبانيا تنبيه الاتحاد الأوربي إلى محاذير تقوية المغرب، رابطة ذلك باتهام المغرب بممارسة انتهاكات حقوقية في حق الصحراويين بالصحراء الغربية.

وتجسد فشل تحركات خصوم المغرب في توظيف الورقة الحقوقية خلال مؤتمر حقوق الإنسان بالعاصمة السويسرية جنيف حيث ظلت الجزائر والبوليساريو يمنان النفس لاستصدار توصيات ضد المغرب.

ومعلوم أن مواجهات عنيفة حدث خلال اجتماعات مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف بين المندوب الجزائري الذي حمل بشدة على المغرب، داعيا الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولية مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء، وذلك بتوسيع صلاحيات المينورسو أو بتشكيل لجن دائمة لمراقبة الوضع الحقوقي في مخيمات تندوف ومنطقة الصحراء الغربية المتنازع حولها. وهو ما رد عليه الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، معتبرا أن الاختلال الحقوقي لا تتم في الأقاليم الجنوبية المغربية لوجود مؤسسات وطنية تراقب الوضع، متهما ضلوع الجزائر في حرمان المحتجزين المغاربية في مخيمات تندوف من شروط الحياة الكريمة ومنها الحصار وحرمانهم من حق التنقل وحرية العودة إلى الصحراء، والمتاجرة بمأساتهم، ودعا من جهته الأمم المتحدة إلى إيجاد إطار قانوني للمحتجزين، إما بإدخالهم إلى المغرب أو حل مشكلهم القانوني على الأراضي الجزائرية أو ترحيلهم إلى بلد ثالث.

وعكفت الآلة الدبلوماسية المغربية اليوم، حيث توفقت في إعادة ضبط انفصالي الداخل وعزلهم عن جهور أبناء الصحراء الوحدويين، وهو ما أوضح أن أميناتو حيدر كانت تتزعم جمهورا انفصاليا من الوهم، حيث استطاع المغرب أن يمتص التعاطف الدولي مع أميناتو حيدر خلال اعتصامها بمطار "لانزاروتي"، وخفض من إجراءات منع السفر إلى الجزائر ومخيمات تندوف ومنه وإليها، بعدما كانت الجزائر والبوليساريو تعتقد أنها قد شكلت بؤر توتر انفصالية داخل الأراضي الصحراوي يمكنها التأثير من خلالها على المستوى الدولي وإجبار هذا الأخير على فرض خيار سياسي يفضي إلى إجبار المغرب على القبول بتمكين الصحراء من تقرير المصير، أو على الأقل لحمله على قبول إجراء الاستفتاء بالأقاليم الصحراوية.

وبعد كسب المغرب المعركة الداخلية بعزل انفصاليي الداخل أمام الرأي العام المحلي لتحجيم تأثيراتهم داخل الوسط الصحراوي، حيث تعبأ المجتمع المدني للتنديد وصد ما بات يسمى خونة الوحدة الوطنية، وحيث دلت التقارير أن فعالية الموالين لجبهة البوليساريو جد محدود، فإن الدبلوماسية المغربية شرعت في الكيل مكيالين لجبهة البوليساريو التي تعيش عمرها الأخير بحسب تقارير استخباراتية دولية.

ولذلك يسجل شروع المغرب فعليا في تصدير الثورة إلى شارع مخيمات تندوف، ويستفاد ذلك من ما أشار إليه رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية السيد خليهن ولد الرشيد أن "الغالبية العظمى" من السكان المحتجزين بمخيمات تندوف، تؤيد المبادرة المغربية للحكم الذاتي بالصحراء، وأن الصحراويين سئموا من وعود "البوليساريو" التي لا تتحقق.

وأضاف "إنهم يريدون أن يعيشوا في طمأنينة وسلام، وأن يتمتعوا بحياتهم، ولذلك فإنهم يساندون الحكم الذاتي مساندة قوية ويطالبون "جبهة البوليساريو" (..) بأن تدخل في مفاوضات تصل في النهاية إلى الحكم الذاتي".

ويتعزز هذا التحليل بتكثيف المغرب جهود دبلوماسيته للتنديد بما يقع في مخيمات تندوف، لتشتيت أخر ما تبقى من لحمة الترابط حول جبهة البوليساريو في أفق محو المخيمات من الأراضي الجزائر. ومعلوم أن المغرب سبق له أن دافع بقوة عن مطلب توطين الصحراويين بالجزائر أو نقلهم إلى المغرب أو إلى بلد ثالث.

وبناء عليه فإن الضغط المغربي لإخراج المارد في تندوف والالتحاق بالصحراء، وتدشين بداية نزيف جماعي كبير في الصف الداخلي لجبهة البوليساريو؛ أو على الأقل تزايد عمليات الفرار من مخيمات تندوف نحو الأقاليم الصحراوية في إطار شعار الراحل الحسن الثاني إن الوطن غفور رحيم، وهو ما بدت بوادره تظهر بشكلي قوي في التحاق 17 فردا مؤخرا بالأقاليم الصحراوية، وهم يصفون المخيمات بالجحيم، مؤكدين بأن غالبية المحتجزين يرغبون في الالتحاق ببلدهم غير أن الحصار المضروب عليهم يحول دون تمكنهم من ذلك، ونبهوا إلى الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها المحتجزون بمخيمات تندوف.

وتنضاف هذه المجموعة إلى 74 فردا، من بينهم ثمان نساء وخمسة أطفال، كانوا قد التحقوا في الشهرين الماضيين بالصحراء الغربية. ولعل هذا الخطر بدأت تحس به جبهة البوليساريو والجزائر، حيث عُلِم مؤخرا من مخيمات تندوف أن القوات العسكرية الجزائرية شرعت في بناء حواجز رملية حول المخيمات.

إنه والحالة هذه حيث برز الموقف المغربي جد قوي قبل أي وقت مضى، وبرز سريعا غداة استقبال العاهل المغربي محمد السادس للمبعوث الأممي كريستوفر روس في أخر زيارة له للمنطقة، حيث أبلغ الأخير أن المغرب يستبعد بشكل نهائي آلية الاستفتاء بخيارات متعددة، لأنها تظل نادرة في ممارسة الأمم المتحدة.

وأكد العاهل المغربي لروس أن المغرب على استعداد تام للتفاوض والتوصل إلى حل سياسي حقيقي ونهائي لهذا النزاع الإقليمي، على أساس قرار مجلس الأمن رقم 1871 لشهر أبريل 2009، الذي يدعو الأطراف إلى التحلي بالواقعية وبروح التوافق في مفاوضات مكثفة وجوهرية.

كما ذكر محمد السادس روس الذي بدأ زيارتها للمنطقة من المغرب بأن المبادرة المغربية بتخويل الصحراء حكما ذاتيا، في إطار الوحدة الترابية والوحدة الوطنية للمملكة، تستجيب استجابة كاملة لمحددات وتوجيهات قرارات مجلس الأمن.

بينما طالب روس من الجزائر التعاون التام وبجدية ووضوح وشفافية في حل نزاع الصحراء، وذلك عقب زيارته الأخيرة للمنطقة.

وبهذا يكون المغرب قد حسم نتائج تقرير روس أمام مجلس الأمن في اجتماعه المقبل قبل أن يستمع إلى كافة الأطراف الأخرى ما دامت لا تمتلك بديلا للتحاور.

وبناء على هذه التفاعلات يستبعد عدد من المتتبعين تسجيل أي تغيير في مواقف الدول بين عشية وضحاها وبالأخص غداة انعقاد دورة أبريل لمجلس الأمن الدولي حول فضية الصحراء، وأكدوا على استحالة الاستجابة للمطلب الجزائري المتعلق بمراقبة الوضع الحقوقي في الصحراء، نظرا لأن هذا المطلب سياسي يعقد المشكل بدل أن يسهم في حل النزاع، إلا أنهم توقعوا مزيدا من تمديد أمد النزاع، وترك العديد من حيثياته للوقت.

عدد من المهتمين أكدوا أن طروحات البوليساريو غدت في جزء من الماضي ولم يتبق لها سوى أن تتحول إلى حارس لمعبد حقوق الإنسان في أقاليم الصحراء، حيث أن هناك منظمات دولية ومحلية تقوم بهذا الدور، وأضاف عدد من رجالات الإعلام الدوليين أن تأثير الخطاب الإعلامي للبوليساريو قد انتهى، بحيث لم تعد تنشر وكالة أنباء ما يسمى "الصحراوية" سوى رسائل وخطابات عبد العزيز المراكشي التي بات يلقيها بدون موعد وفي المحافل الصغيرة، وكان أخر هذه الخطابات دعوته لمجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته إزاء تدهور أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.

محلل سياسي مهتم بالنزاع في الصحراء
elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات