الوعي الجديد الذي بدأ يتشكل لدى الشعوب العربية حاليا يتضمن العديد من الجوانب المشتركة مع الوعي الذي تشكل لدى تلك الشعوب أثناء الحقبة الاستعمارية الأولى التي كانت الدول الأوروبية تمثل فيها جانب المستعمر (بكسر اللام) بما يعزى إلى التشابه الكبير بين سياسات الحكومات في المرحلتان.على الرغم من أن الأنظمة التي تحكم تلك الشعوب حاليا ليست أجنبية عن شعوبها من حيث الأصول فإنها يمكن اعتبارها أجنبية عن الشعوب من حيث توجهاتها ومصالحها وسياساتها القائمة على تلك المصالح.
في بداية حقبة ما بعد الاستعمار الأوروبي وبداية مرحلة الاستعمار الوطني,إن صح لنا استخدام هذا المصطلح, حاولت الأنظمة الاستعمارية الجديدة تبرير عدم استجابتها لمطالبة الشعوب بثمار مرحلة الاستقلال الأولى من حريات وحقوق ورفاه اقتصادي عبر تبني شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" والادعاء بأن الأنظمة في حرب مستمرة أو التحضير للحرب ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية المحتلة.واكتشفت الشعوب في المراحل التالية أن تلك الأنظمة ليس لها مصلحة في انتهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية ولم يعد من الممكن الادعاء بأن أولوية الأنظمة تتمثل بالتخلص من الكيان الصهيوني الذي أصبح السلام معه خيارا استراتيجيا لدى تلك الأنظمة واستفاقت الشعوب على وعي جديد حول أولويات الأنظمة الاستعمارية الجديدة والتي تتمثل بالحفاظ على بقائها مما دفعها إلى التعامل مع السلام مع الدولة الصهيونية كخيار استراتيجي في تجاهل لإرادة الشعوب ومعتقداتها الدينية والأخلاقية .
رغم التشابهات الكبيرة بين السياسات التي طبقها كل من النظامين الاستعماريين فان ثورة الشعوب على الاستعمار الجديد كانت أكثر بطئا واقل زخما من ثورتها على الأنظمة الاستعمارية القديمة وذلك يعزى إلى مأسسة الهيئات الدينية والخطابة في المساجد وإصدار الفتاوى واحتكار تلك الأنشطة بما يشبه الوضع الذي كان سائدا في أوروبا في العصور الوسطى عندما كانت الأنظمة السياسية تحتكر الدين وتوظفه للمحافظة على مصالحها وبقائها .
من التشابهات الأخرى بين النظامين الاستعماريين عزل المواطنين العاديين عن المناصب العامة واحتكار تلك المناصب ضمن مجموعة من التجار الموالين للأنظمة الذين يتنقلون بين المناصب المختلفة ويورثونها لأبنائهم.بالإضافة إلى تزوير الانتخابات لإيجاد مجالس تشريعية أقرب إلى تلك الأنظمة من الشعوب التي تزعم تمثيلها.
بدأت الشعوب العربية مرحلة الاستقلال الثانية وبدأت الشعوب تقدم شهدائها كما شهدنا في تونس ومصر حيث سقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى ونأمل أن لا يتم إحباطها عبر التحالف القائم بين الأنظمة الاستعمارية الجديدة والسابقة ونأمل من الأنظمة الاستعمارية الجديدة الدخول في ميثاق وعهد جديد مع شعوبها إذ لم يعد هناك خيار أمام الأنظمة سوى التخلي عن قمعها والاقتراب من شعوبها وتلبية تطلعاتها أو مواجهة تلك التطلعات عبر المزيد من القمع الذي سيدفع الشعوب بالضرورة إلى محاولة تحقيق استقلالها عبر التخلص من تلك الأنظمة لتعمل بعد ذلك على تحقيق تطلعاتها .
التعليقات (0)