المرحلة القادمة ستشهد تحولات في منظور الشعوب العربية إلى حكامها من جانب ومنظور الحكام إلى شعوبهم من جانب آخر، ما لم يتم الالتفاف على الثورات الشعبية ووأدها أو إهدار الفرص التاريخية التي بدأت تقديمها.وستصبح الشعوب العربية مصدر الشرعية لحكامها بعد أن انتهت خرافة الشرعية القائمة على التاريخ النضالي المزعوم في مرحلة الاستعمار الأوروبي القديمة لدى بعض الأنظمة ووراثة الحكم القائمة على تميز الدم الملكي الأزرق في أنظمة أخرى.
حتى في الأنظمة الملكية، فقد تجلت العديد من المؤشرات التي تشير إلى أن الحراك والفعاليات الشعبية بدأت تطالب بإيجاد صيغة جديدة لنظام الحكم عبر تبني نظام الملكية الدستورية بشكل مشابه للنظام القائم في المملكة المتحدة أو بدائل أخرى تتضمن مساحة تمارس من خلالها الشعوب التعبير عن إرادتها وتطلعاتها كمصدر للسلطات كما تشير العديد من المواد الدستورية القائمة والتي لا تتجاوز كونها مجرد كلمات ليس لها أي اثر على الوضع القائم .
الثورات والانتفاضات الشعبية التي قادتها الشعوب العربية والتي نتوقع ونأمل انطلاقها في المرحلة القادمة (الثورات القائمة والكامنة) قد تكون ذات اثر على تحرير حكامها القادمين. الحكام العرب الحاليون يشعرون بالعبودية لقوى دولية أو إقليمية يعتبرون قبولها لهم مصدر الشرعية لأنظمتهم القائمة، بما يجعلهم لا يترددون في تجاهل مطالبات شعوبهم والتعامل مع الأراضي الخاضعة لحكمهم المنقوص بما يعزى إلى عبوديتهم المشار إليها كما لو أنها منحة أو اجر يحققونه عبر تلبية إرادة القوى الإقليمية والدولية التي يعتبرونها مصدر شرعية أنظمتهم القمعية والديكتاتورية ، كما تجعلهم تلك العبودية يتعاملون مع شعوبهم بقسوة وقمع شديدين ليثبتوا لأنفسهم أنهم يتمتعون بقوة كبيرة في محاولة للهروب من العقد النفسية التي تعزى إلى عبوديتهم وتبعيتهم إلى قوى إقليمية ودولية تتعامل معهم على هذا الأساس .
سيتحرر الحكام العرب إذا وصلوا إلى قناعة بان شعوبهم هي مصدر شرعيتهم، فكما تملك الشعوب القدرة على خلع حكامها، تملك أيضا القدرة على التمسك بحكامها، مما سيجبر القوى الإقليمية والدولية على التعامل مع هؤلاء الحكام على أنهم قادة أحرار يتوجب التعامل معهم على هذا الأساس من منطلق الشرعية الشعبية الذي أصبح من بديهيات السياسة في العصر الحديث وان كان قد بدأ يتحقق حديثا في الدول العربية.
استخدمت مصطلح الثورات الكامنة لان بوادر الانتفاضات والثورات الشعبية قد تجلت في غالبية الدول العربية ،إن لم يكن جميعها، والأسباب التي أشعلت الثورات في تونس ومصر قائمة في الدول العربية الأخرى ، وهذا السبب هو ما جعل القائمين على الأنظمة العربية التي تتصف بهدوء مصطنع حاليا يسارعون إلى تقديم تنازلات تتضمن بعض ما تتطلع الشعوب العربية إلى تحقيقه.وأشير هنا إلى انه في حالة ثورتي الشعب المصري والتونسي من قبله بدت ثورات الشعوب مفاجئة للأنظمة الحاكمة وأجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية مما يبرر استخدام مصطلح الثورات الكامنة في هذا السياق.
وأخيرا أشير هنا إلى أن هذا التحول في الوضع القائم قد يكون ايجابيا لجميع الأطراف ذات العلاقة المباشرة بالأحداث من شعوب وحاكمين، وقد يؤدي إلى تغيرات على الصعيد الدولي يتوجب التعامل معها بالاحترام الذي تم التعامل به مع الثورات الشعبية الأخرى في التاريخ القديم كالثورة الفرنسية والتاريخ الحديث كالثورات التي حدثت في أوروبا الشرقية وسواها من دول العالم ، فقد يكون من العار بقاء الأوضاع القائمة في الدول العربية على حالها أو الانقلاب على منجزات شعوبها.
التعليقات (0)