(الغرب محکوم بدکتاتورية فردية بمعنى الکلمة، وان هذه الدکتاتورية مدعومة بالطبقة الرأسمالية التي تتحکم في الاعلام و في السياسة و تخلق السياسيين و أداة الحکم أيضا)، بهذه الصورة طرح الرئيس الليبي معمر القذافي رؤيته الخاصة عن الاعلام و کذلك السياسة في العالم الرأسمالي وانتقد واحد من أشهر وجوه الاستبداد في العالم العربي بشکل خاص و العالم برمته بشکل عام، النظام الديمقراطي ملمحا الى أن هذا النظام يعاني من ظاهرة تدهور الاخلاق و الاداب العامة لأنه يملك کل شئ"يملك الجيش و يملك الرئيس و يملك الاعلام و يملك الثروة".
الرئيس الليبي الذي طالما عود العالم بإنتقاداته اللاذعة و غير العادية للغرب و نظامه السياسي، دعى في کلامه"المطول کالمعتاد"أثناء حضوره للجلسة الصباحية لما يسمى في ليبيا"مؤتمر الشعب العام"بمدينة سرت، الى أن تکون السلطات بيد المؤتمرات الشعبية، لکن وفي نفس الجلسة أشار الى"إن ما يحصل في الشارع الليبي " مخز جدا ومشين لنا، ولا يمكن السماح به، ولابد من جلسة عليه في المؤتمرات الشعبية لإصدار قوانين لحماية الآداب العامة".
القذافي الذي يتشوق الکثيرون لتصريحاته"الکاريکاتيرية"و المليئة بدعابات"فنطازية"، يشذ بعض الاحيان عن اسلوبه المشار إليه و يطرح تصوراته و رؤيته للأمور بجدية بالغة يقرأها المتابع بين کلماته"المتنافرة و المتضاربة و المناقضة لبعضها البعض"، وهو في خطبته بهذا المحفل الممجد لجمهوريته العظمى"في خياله فقط"، يسعى مرة أخرى للمزيد من الإيغال في عملية خداع الشعب بزيف النظام الديمقراطي الغربي مؤکدا بأن نظامه السياسي"المسخ"و"القمعي"هو الافضل بل وانه البديل للنظام العالمي برمته وهو وکما أشرنا في البداية يشكك في حيادية الاعلام في العالم الرأسمالي لکونه بيد الطبقة الرأسمالية وهو بکلامه هذا يجزم لنا بأن الاعلام في ليبيا فقط من دون العالم کله يحظى بالحيادية و الاستقلالية و يعبر عن واقع و هموم و تطلعات الشعب، هذا الکلام الذي يدرك القذافي بنفسه وقبل أبسط إنسان ليبي آخر کذبه و زيفه و سماجته، لکنه لايملك بدا من الايمان بکذبة يطلقها منذ الاول من أيلول عام 1969 ورغم أن النجاح قد حالفه لأسباب و عوامل کثيرة لسنا في صدد الخوض فيها هنا، لکن السياق السئ الذي سارت عليه الامور و بشاعة و قسوة النظام السياسي القمعي الدموي الذي فرضه معمر القذافي على شعبه نزعت منه ومن نظامه ورقة التوت التي يتخفى خلفها عبثا ودفعت الشارع الليبي لإبداء التبرم و السخط من حکم لم يجلب لليبيا و شعبها سوى المشاکل و الازمات و القلاقل سيما وان تلك الزمن بات يکشف رويدا رويدا کيف أن هذا الدکتاتور قد أهدر مليارات الدولارات من أموال الشعب الليبي على مشاريع کان الفشل الذريع نصيب معظمها مثلما ان مشاريعه و خططه السياسية و الفکرية هي الاخرى لم تنل سوى الاخفاق بأوضح صوره. مشروع النهر الاخضر، بعد کل ذلك التطبيل و التزمير الاستثنائيين له، إتضح بأنه ليس في واقع أمره سوى مشروع فاشل من أساسه وان کلفته العالية جدا والتي يسعى(الاعلام الحر جدا)لجماهيرية الدکتاتور الاوحد بإخفائها او التمويه عليها تکاد ان تبلغ مستوى خيالي حتى ان هناك خبراء يجزمون بأن سعر اللتر الواحد من ماء النهر الاخضر يکاد يعادل وزنه ذهبا. کما ان البرنامج النووي الليبي الذي سلمه(الاخ القائد)بکافة متعلقاته و تفاصيله للغرب مضافا إليه فضيحة لوکربي، تمثلان معا صورتان ناصعتان للتلاعب الفردي الساذج و غير المسؤول بمقدرات شعب مغلوب على أمره، لکن هل سمع أحد ما يوما بأن تبادر أحدى(اللجان الشعبية الليبية)، او أية وسيلة إعلام ليبية لوضع هذه المشاريع الفاشلة جدا جدا تحت دائرة الضوء و المسائلة؟ ماذا فعلت هذه اللجان و ذلك الاعلام الليبي المؤدلج في سبيل الانسان و حرياته الاساسية لکي يقتدي العالم بها؟ الاعلام الرأسمالي اسقط رؤساء و وزراء و شخصيات سياسية هامة من مناصبها وساهم وبشکل فعال و حيوي في تغيير الکثير من البرامج و المسارات و الخطط السياسية و الاقتصادية وهو کسيف ديموقليس مسلط دوما على رقاب المسؤوليين من مختلف المستويات، لکن هل لذلك الاعلام الذي يشيد به القذافي دورا بهذا الحجم و المستوى؟ وهل أن الشعب الليبي هو حقا صاحب کل شئ؟ وإذا کان کذلك فهل هنالك شعب في العالم يحرق مليارات الدولارات عبثا ومن دون أن يرمش له جفن؟ الحقيقة هي ان العقيد القذافي لو کان قد تحدث عن أي شئ سوى عن ملکية الشعب لکل الاشياء فإن حديثه کان بالامکان ان يلاقي نوعا من القبول و التفهم لکن تصديه لهذا الموضوع تحديدا و ترکيزه عليه بهذا الشکل يثير أکثر من السخرية و التهکم ونجزم بأن نظام حکم العقيد معمر القذافي لو سقط يوما أو تم تغييره لأي سبب کان، فإن مسائلة القذافي بذاته عن إهدار تلك المليارات ستکون من أهم الاولويات.
وعندما يؤکد العقيد الليبي و بمنتهى الصراحة"إن ما يحصل في الشارع الليبي " مخز جدا ومشين لنا"، فإن الذي حصل و يحصل في الشارع الليبي هو إنعکاس طبيعي و واقعي لمجريات الواقع السياسي الليبي منذ الاول من أيلول/سبتمبر عام 1969، خصوصا بعد تفاقم المشاکل و الازمات السياسية و الاقتصادية للنظام الليبي واذا ماکان هنالك شعب في العالم لايملك من مقدراته و ثرواته و إمکانياته الطبيعية شيئا فليس هناك شعبا في العالم يستحق ذلك غير الشعب الليبي!
التعليقات (0)