لن يكون سلطان بروناي دار السلام أخر منظري الإسلام السياسي الذين خرجوا إلى الواجهة بلا مقدمات , فقد أعلن عن نيته البدء بمشروع تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل تدريجي يمتد لثلاث سنوات يبدأ بالعقوبات والغرامات وينتهي بالرجم في الجرائم الجنسية ويتوسط تلك المرحلتين مرحلة بتر الأعضاء ! سلطان بروناي حسن بلقية من الباذخين وتلك عادة من لا يخضع للمراقبة والمحاسبة , فغرف نمومه تزيد عن 1700 غرفة وسياراته وطائراته وملابسه حديث للصحافة المصورة فلا يكاد تمر أشهر قليلة والإ ويقرأ العالم خبراً مصوراً عن هوس السلطان بالبذاخة والفخامة التي لا تكاد تٌقارن , بذخه وتبذيره لا حدود له ومع ذلك يصر على تطبيق الحدود الشرعية لأنها عادلة كما يقول جلالتة وتلك هي نبرة أشتهر بها من لا يفهم الإسلام الإ وفق حدود مايراها هو ! نبرات السلطان ورغبته الجامحة في تطبيق الحدود إمتداد طبيعي لخطاب الوعاظ والجماعات المتطرفة "الإسلام السياسي" فالدين وأحكامة تٌسخر للمصالح الشخصية وليس للمصالح العامة للناس , والإ أين الشريعة كمنظومة حافظة للحريات والحقوق وصائنة لكرامة وحرية المخالف أياً كان أين دعاة الإسلام السياسي ومستخدمي الدين في التضليل والصفقات السياسية عن وثيقة المدينة والوثيقة العمرية وغيرها من الوثائق التاريخية الإنسانية ؟ الحدود الشرعية سواءً طٌبقت أم لم تٌطبق لأي سبب كان لا تعني للمجتمعات شيئاً لأنها مسألة تخضع لقواعد وشروط فقهية معينة الذي يشغل المجتمعات وعبر التاريخ الإسلامي تساؤلات التنمية وتنوع المظالم وتساؤلات الشرعية والمشاركة الشعبية والحريات والحقوق هذا الذي يشغل المجتمعات . الحدود الشرعية لها تطبيقاتها الفقهية ولها أهميتها في الردع وأتت لمعالجة كثيرٌ من الإشكالات التي قد تحدث في أي مجتمع , لكنها تعد ثانوية لأن هناك ما هو أهم في أن يتحقق فلا يمكن قطع يد سارق سرق شيء زهيد ويترك من سرق الثروات , ولا يمكن قطع يد سارق سرق لسد رمقه ويترك من سرق ليزيد رصيده البنكي وهكذا وأهل الفقه أدرى بكل ذلك فلكل حكم شروطه وتطبيقاته التي غفل عنها المتحمسين والعازفين على أوتار الإسلام هو الحل ! لو كان للقانون سيادة وللعدالة مكانة لما تحول سلطان بروناي وغيره لوعاظ وخطباء , فالعدالة والمساواة وتوزيع الثروة بشكل عادل وسيادة القانون كفيل بإنهاء كل ماسيء المجتمعات التي تهرب من مشكلاتها بإتجاه الوعظ وتبني نماذج وأطروحات لا تفهم مقاصدها بشكل أوسع , فالهدف الرئيسي من تطبيق بعض الاحكام الشرعية هو قمع الحريات بشكل منظم وصرف الانظار عن مشاكل أعمق , بروناي ليست أول دولة تطبق الحدود، فقد سبقتها دول قديمة وحديثة وليست مفارقة أن تبقى تلك الدول ضمن التصنيف الأعلى في الفساد والإستبداد والتخلف وإنتهاك حقوق المرأة وحقوق الإنسان ويكفي للمتفحص النظر بتمعن في واقع تلك البلدان . المشكلة ليست في الشريعة الإسلامية بل فيمن يسعى لتطبيقها فالساعي للتطبيق أستخدمها للوصول إلى السلطة وأستخدمها لتبرير وجوده وتبرير قصورة في إدارة الحياة العامة . الإسلام السياسي وعبر تاريخه المرير لم يحقق تنمية ولم يصن حريات ولم يحقق تعددية وتعايش بل دموية وتوريث للسلطة وقمع للأفكار تحت بند الشريعة الإسلامية . الشريعة الإسلامية لا تبني دولة، والحدود لا تمنع ظلم ولا تعيد حق مغتصب بقوة جائرة , هناك قوانين شرعية لابد أن يقابلها قوانين وضعية تٌستمد من الشريعة خاصة في البلدان الإسلامية فكيف تصون الحريات والحقوق دون وجود دستور واضح ومكتوب وكيف تحقق المساواة دون وجود قوانين تجرم الكراهية والعنصرية وكيف تسعى لبناء الأرض دون وجود عدالة إجتماعية قائمة على الحب والتعايش والتعددية والحقوق والواجبات . مشكلة المسلمين ليست في تطبيق الشريعة بل في إدارة شؤون حياتهم العامة , فجماعات الإسلام السياسي تعزف على وتر الشريعة وبعض المتحمسين والسياسيين والجٌهال يتحمسون لذات الفكرة متناسين أن حياة البشر بحاجة لتنظيم لتستقيم والتنظيم يكون وفق دستور واضح يضع الأمور في نصابها الصحيح يحقق العدالة ويصون الحقوق والحريات يبعد الدين عن السلطة الحاكمة لكي لا تستخدمه في التغلب والقمع فالدين للأفراد ووظيفة الدولة التنظيم والإدارة فقط وتستمد تلك الإدارة وذلك التنظيم من مباديء الشريعة لتحقق العدالة بدلاً من أن تتبنى جزئيات لتبرر وجودها أو تشتت الإنتباه عن إخفاقاتها الكثيرة .
التعليقات (0)