إسرائيل تعيش أسوأ فترة في تاريخيها منذ ثلاثين عاماً
على مدار العام الماضي شهد العالم اجمع التقلبات التي إجتاحت العالم العربي، وهي التقلبات التي إشتهرت بمسمى ” الربيع العربي”، ذلك الربيع الذي تنظر إلية إسرائيل بإعتباره ” شتاء إسلامي”
ومن منطلق الوصف الإسرائيلي للوضع الراهن في العالم العربي، فمن الممكن القول ان هذا الشتاء قد جعل إسرائيل تعيش فترة عصيبة، وليست مبالغة عندما نقول أنها الأسوأ في تاريخها منذ ثلاثين عاماً، لأن هذا الوصف المحدد تم إستخدامه من قبل عدد غير قليل من مسئولي المنظومة الإسرائيلية وأولهم بنيامين نتنياهو
ما يجعل هذة الفترة عصيبة على إسرائيل هو حدوث العديد من التقلبات الأقليمية والإستراتيجية في وقت واحد، فإذا اردنا ان نجري نظرة تحليلية شاملة على الوضع العام حول إسرائيل فلابد من أن نشير إلى عدد من الجوانب الهامة والأساسية :
- التغير الجذري في مصر
- تحسن قدرات منظمة حزب الله القتالية وتحسن قدرتها الصاروخية والتهديد المنعكس على إسرائيل
- مصير مخازن أسلحة نظام الأسد البيولوجية والكميائية
- النووي الإيراني
- جمود المسيرة السياسية مع الجانب الفلسطيني
التغير الجذري في مصر :
منذ اللحظة التي تمكن فيها الشعب المصري من إسقاط نظام مبارك، علمت القيادة الإسرائيلية على الفور بكافة منظوماتها المختلفة انها سوف تتعامل مع وضع معقد، وذلك نظراً لإنهيار القيمة البالغة في الأهمية التي كان يمثلها نظام مبارك لإسرائيل على كافة الأصعدة الأقليمية والإستراتيجية المختلفة، سواء على صعيد تمكن إسرائيل من تعزيز مصالحها في مصر عبر إجراء صفقات مثل صفقة الغاز او عبر التحكم في مجريات الأمور في المسيرة السياسية او حتي في تمكنها من وضع قبضة من حديد فيما يتعلق بحصار قطاع غزة،وذلك بسبب إغلاق معبر رفح المستمر في عهد مبارك
وبجانب إنهيار هذة القيمة لإسرائيل، يجب الإشارة ايضا إلى الوقائع التي ادت لتدهور العلاقات بين مصر وإسرائيل بعد الثورة المصرية بداية من سلسلة تفجيرات خط الغاز، مروراً بمقتل الجنود المصريين برصاص الجيش الإسرائيلي عند المنطقة الحدودية وإنتهاءاً بإقتحام السفارة الإسرائيلية، بالإضافة تزايد الدعوات على الصعيد السياسي والشعبي لتغير بنود السلام مع إسرائيل او حتى و إلغاءه بصورة نهائية
وعلى الرغم من ان مسألة إلغاء السلام مع إسرائيل تعد مسألة صعبة التحقق، ولكن كثرة الحديث عن هذة المسالة مزعج في حد ذاته، وهو ما أكد علية وزير خارجية إسرائيل ” افيجدور ليبرمان” عندما ارسل خطابا شخصياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي قبل فترة بسيطة من وصول الاخوان المسلمين لحكم مصر، مؤكداً خلاله ان” ما يحدث في مصر مزعج ومقلق أكثر من الإشكالية النووية الإيرانية”
يجب الإشارة ايضا إلى وصول محمد مرسي وجماعة الأخوان المسلمين لحكم مصر، الأمر الذي طالما خشيته إسرائيل نظراً لتناقض حكم الاخوان مع كافة المصالح الإسترايجية الإسرائيلية ونظراً لحالة العداء بين الطرفين، وعلى الرغم من إستقرار الوضع بين مصر وإسرائيل حاليا ولكن يجب ان نضيف إلى ذلك ايضا حقيقة عدم إجراء اي نوع من المباحثات المباشرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي وبين الرئيس المصري منذ توليه منصبه
اما بالنسبة للوضع الأمني في سيناء، وعمليات الجيش المصري الحالية في شبة الجزيرة، فلقد اثارت هذة المسألة العديد من المخاوف الإسرائيلية، ولكن هذة المخاوف ليس بسبب دخول القوات المصرية لشبة الجزيرة بطريقة تتناقض مع بنود إتفاقية السلام، بل بسبب بعض التقديرات التي أشارت إلى إحتمالية أن تقوم السلطات في القاهرة بإستغلال هجوم رفح وعمليات الجيش في سيناء بغرض وضع إسرائيل في أمر واقع، وهو ما أكدت علية العناصر الأمنية المصرية بطريقة غير مباشرة في إشارتهم لعملية ” نسر”، مؤكدين ان هذة العملية قد تستمر طويلا وانة لن يتم سحب القوات المصرية من سيناء في الوقت الراهن، وبذلك تكون مصر قد “ضربت عصفورين بحجر واحد” وذلك عبر تعزيز سيادتها الأمنية في سيناء وعبر فتح ملف تغير بنود السلام الموقع مع إسرائيل، الأمر الذي سعت إلية الحركات السياسية المصرية نظراًً للقيود التي تفرضها كامب ديفيد بشأن إعتبار سيناء منطقة منزوعة السلاح
لا يوجد إختلاف على أهمية القيمة الإستراتيجية للسلام بين مصر وإسرائيل، ولذلك فإن جميع ما يحدث على الساحة المصرية من تغيرات جذرية وسريعة يسبب إنزعاج المنظومة الإسرائيلية التي تحاول إستيعاب كافة التقلبات التي تحدث من حولها
- تحسن قدرات منظمة حزب الله القتالية وتحسن قدرتها الصاروخية والتهديد المنعكس على إسرائيل :
بعد حرب لبنان الثانية والتي تلقت فيها إسرائيل ضربة قاسية بسبب تمكن حزب الله من الإضرار بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، مازالت التقارير الإستخبارية الإسرائيلية تشير حتى الأن وتحذر من مدي تضاعف قدرة حزب الله القتالية والصاروخية
اصبحت منظمة حزب الله تشكل معضلة أساسية لإسرائيل، وتحذيرات المنظومة العسكرية والإستخبارية لا تنتهي بشأن حزب الله القادرة على إطلاق عدد غير قليل من الصواريخ التي من الممكن ان تصل للعمق الإسرائيلي، وعلى ما يبدو ان مسالة التهديد الصاروخي على إسرائيل سواء من حزب الله او إيران أو حتي الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة قد اجبر المنظومة الإسرائيلية على الإسراع من وتيرة تطوير منظومات الإعتراض الصاروخية مثل ” القبة الحديدة” او ” منظومة ” حيتس” ومنظومة ” العصا السحرية”
وعلى الرغم من الآمال التي تعلقها القيادة الإسرائيلية على هذة المنظومات الصاروخية التي من المفترض ان تحمي سماء إسرائيل من شلال الصواريخ في حالة إندلاع مواجهة، ولكن يجب ان نضع في عين الإعتبار ان منظومة القبة الحديدية كانت خيبة امل ،وان هذة المنظومة لم تتمكن حتى الأن من إعطاء الرد الكافي على صواريخ الفصائل الفلسطينية
مصير مخازن أسلحة نظام الأسد البيولوجية :
إعتادت إسرائيل على مدار مراحل الثورة السورية بأن تتبع سياسية صمت ولامبالة،حيث لم تكن إسرائيل من اولى الدول التي تسرع في التعقيب على مجازر بشار الأسد في حق أبناء شعبه، ولكن مع تزايد حدة الصراع وحدة الأزمة السورية وجدت إسرائيل نفسها مجبرة على إدانة جرائم الأسد، وذلك ما حدث بالفعل في بداية تعقيب إسرائيل على الأزمة السورية، ولكن وبعد فترة وجيزة بدأ مسئولي المنظومة الإسرائيلية بالإشارة إلى ما هو أهم من الإدانات وبدأ مسئولي إسرائيل بتصعيد مسألة مخازن الأسلحة التي يمتلكها النظام السوري والتي تعد من أكبر مخازن الأسلحة البيولوجية في الشرق الأوسط
تزايدت المخاوف الدولية والإسرائيلية بشأن هذة الأسلحة وذلك نظراً لإستمرار تصاعد الأزمة السورية وإستمرار حالة التقاتل بين عناصر المعارضة السورية وبين النظام ، ومع تزايد تصاعد الأزمة تصاعدت ايضا المخاوف الإسرائيلية من إنزلاق هذة الأسلحة في ايدي عناصر ” معادية لإسرائيل”، الأمر الذي قد يشكل كارثة عظمى بالنسبة للمنظومة الإسرائيلية، ولكن ومع ذلك، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع ايهود بارك بشأن إستعداد إسرائيل التام لإتخاذ خطوة عسكرية لمنع تحقيق هذا السيناريو، ذلك بالإضافة إلى الجهود الإسرائيلية الحالية و المبذولة لمتابعة مجريات الأمور على الساحة السورية لتجنب حدوث اي واقعة قد تضع إسرائيل في أزمة حقيقية في فترة لا تحتاج فيها إسرائيل للمزيد من الأزمات
- النووي الإيراني
بغض النظر عن الخلاف المتعلق بجدية التهديدات الإسرائيلية- الإيرانية المتبادلة بشأن الهجوم والرد علية، ولكن لا يوجد شك بشأن تمكن المنظومة الإسرائيلية من تصعيد المسألة النووية الإيرانية على راس جدول اعمال المجتمع الدولي على حساب تهميش ملف القضية الفلسطينية، ولا يوجد خلاف حول تشكيل إيران النووية أزمة لإسرائيل، وهي الأزمة التي تسببت ومازالت تتسبب في إحداث خلافات وإنقسامات في صفوف مسئولي القيادة الإسرائيلية بسبب تداعياتها في حالة إتخاذ هذة الخطوة بالفعل
لن نتطرق في هذا المقال لتداعيات الهجوم على إيران، بقدر ما نريد التطرق للأسباب الحقيقة وراء إحتمالية إتخاذ إسرائيل لمثل هذة الخطوة على الرغم من كل المخاطر المنطوية عليها، فلقد تمكنت إسرائيل منذ 1967 من السيطرة على مجريات الأمور في الشرق الأوسط بفضل ترسانتها النووية، ولا يوجد شك بأن إعتبار إسرائيل الدولة النووية الوحيدة في المنطقة قد لعب دوراً هاماً في مساعدة إسرائيل على الحفاظ على ميزان القوي الإستراتيجية في صالحها
لا يوجد دولة نووية عاقلة في العالم قادرة على التجرأ لتكرار سيناريو هيروشيما مهما كانت الظروف، وإلا لكانت إسرائيل قادرة على محو إيران من على وجة الكرة الأرضية
الأزمة الحقيقة لا تكمن في إحتمالية إمتلاك إيران لقدرة نووية تنفيذية، بل تكمن في التهديد الإفتراضي الذي قد تشكله إيران على إسرائيل في حالة تمكنها من تحقيق القدرة النووية، فالأزمة تكمن في قدرة إيران على التهديد فى حد ذاته وهو ما يسبب قلق إسرائيل، لأن مجرد تحول إيران لدولة نووية من شأنة تغير ميزان القوى الإسترايجي في المنطقة وسوف تشعر إسرائيل بأنها مقيدة ولن تكون الدولة الوحيدة القادرة على التلويح بقدرتها النووية
سواء قامت إسرائيل بإتخاذ هذة الخطوة ام لا فإن الوضع في كلا الحالتين سينطوي عليه تداعيات من شأنها تغير وضع الشرق الأوسط بأكملة
جمود المسيرة السياسية مع الجانب الفلسطيني
اما بالنسة للجانب الأخير المتعلق بتهميش القضية الفلسطينية ووضعها على هامش جدول اعمال المجتمع الدولي ،فإن جميع المحللين ورجال السياسية يرون هذا التهميش خطأ إستراتيجي فادح من جانب القيادة السياسية الإسرائيلية، لأن جمود مسيرة السلام مع الجانب الفلسطيني قد تسبب في إضعاف الموقف الإسرائيلي على الصعيد الدولي خلال السنوات الماضية ذلك بالتوازي مع جهود المنظمات الحقوقية والغير حكومية في جهودها لتقويض شرعية إسرائيل
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الجمود يدفع بالسلطة الفلسطينية لإتخاذ إجراءات جادة في المنظمات الدولية للحصول على الإعتراف الدولي بفلسطين المستقلة بحدود 67، واذا كانت قد فشلت محاولة السلطة الفلسطينية الأولي في سبتمبر الماضي للحصول على الإعتراف بفضل الفيتو الأمريكي، يجب ان نضع في الإعتبار تمكن فلسطين من دخول منظمة اليونسكو بإعتبارها دولة مستقلة ويحب ان نضع في الإعتبار ايضا إحتمالية نجاح السلطة الفلسطينية إذا بالفعل قامت بالتوجة للجمعية العامة للأمم المتحدة لدخول المنظمة الدولية بإعتبارها “دولة غير كاملة العضوية”، وذلك نظراً للأغلبية التلقائية التي سيحظها عليها التوجة الفلسطيني في الجمعية العامة مع العلم ان الولايات المتحدة غير قادرة على إستخدام حقها في النقض في هذة الحالة، فلقد تحول الرئيس محمود عباس إلى نجم حقيقي في منظمة الأمم المتحدة- إذا جاز هذا التعبير- بينما تستمر تفاقم عزلة إسرائيل على الساحة الدولية
خلاصة القول، أن ما تمر به إسرائيل بسبب تداعيات ” الربيع العربي” الذي كان من شأنة تغير الخريطة السياسية في المنطقة قد ادي بإسرائيل للإستيقاظ على واقع جديد ومفاجئ تغيرت فية كافة المفاهيم والخطط الإسرائيلية، فبعد حالة من السبات الطويلة التي إعتمدت عليها إسرائيل في قلب كافة الموازين لصالحها، ولكن يبدو الأن ان كافة الموازين تنقلب في الإتجاة المعاكس
ومع زيادة حدة التغيرات الجذرية والسريعة ومع تزايد عزلة إسرائيل دولياً ومع تزايد تهديدات ايران وحزب الله، قد تجد إسرائيل نفسها مجبرة هي الأخرى على إتخاذ خطوات جذرية، الأمر الذي أكد علية وزير الدفاع الإسرائيلي ” ايهود باراك” مؤخراً عندما ذكر ان القيادة الإسرائيلة قد تتخذ في الفترة المقبلة قرارات تعتبر من أشد وأصعب القرارات التي أتخذتها إسرائيل على مدار سنوات وجودها وهنا يبادر الى الذهن كلمه لا اخشى ان اطلقها الى ذيول امريكا واسرائيل من العرب وغير العرب هو انهم مكروا بنا نحن العرب من اجل شرق اوسطهم الجديد ونسوا ان للعرب ربنا مطلع على الغيب سوف يحميهم فمكر الله بهم وهو خير الماكرين وانشاء اللع سوف تفتك الشعوب بالخونه والعملاء المؤيدين لشرق الاوسط الجديد من العرب ؟
التعليقات (0)