الحياة الحب ... والحب الحياة
بقلم : حسن توفيق
8 - الشرطة تؤكد أن المدعو مظفر النواب
رجل مفتري وكذاب
جلس الضابط الكبير على مقعده الجلدي الفاخر في قسم الشرطة، ومدد ساقيه فوق المكتب، ربما لكي يريح قدميه من عناء حمل الحذاء الرسمي الثقيل، وشرع في قراءة المحضر الذي يؤكد أن المظاهرة النسائية قد انفضت من تلقاء نفسها دون أن تتدخل الشرطة لفضها، وضحك الضابط فجأة، وهو يتابع كل ما قاله المدعو إيليا أبوماضي من أقوال توحي بحيرته وبحسرته لأنه ليس يدري ثم تجهم وجهه، وهو يتابع ما قاله المدعو محمد صالح بحر العلوم والذي كان يصرخ باستمرار أين حقي؟
للحفظ في الأرشيف ...
هذا ما كتبه الضابط الكبير على الصفحة الأولى من المحضر، وجاء أحد الضباط الصغار ليحمل المحضر، وينفذ التعليمات، وبينما كان يضع المحضر داخل دوسيه ضخم فوق الرف العالي المتخم بعشرات الملفات والدوسيهات، قفزت قطة مذعورة من فوق الرف، وانطلقت إلى الخارج، بعد أن كانت تستريح من عناء يوم طويل، حافل بالصراعات مع كلب ضخم حاول أن يطاردها، وفأر صغير كانت تحاول الإمساك به بعد أن تتلهى بتعذيبه
سقط الملف من يد الضابط الصغير، بعد أن فوجىء بالقطة تقفز أمامه وتتسلل خارجة من قسم الشرطة، وسرعان ما ضحك هذا الضابط بشكل عصبي، وهو يقول إن وجود قطة في القسم وخروجها سالمة آمنة يؤكدان أن المدعو مظفر النواب كان يفتري علينا، لكي يصفق له الناس الذين لا يحبون أفراد الشرطة لقد افترى علينا مظفر النواب حين أخذ يقول بأعلى صوته:
ريح سوداء تزمجر بالويل
قطة عشق في الشارع تنتظر الليل
تكشف عن فخذ وتغطي
ستر الله علينا .. وعلى القطة بالذيل
تُستدعى للمخفر.. ينكحها القسم المختص
بتدعيم بُنانا التحتية
شاهدت القطة من شقِ الحائطِ
قطاً وطنياً ينفخ بالغاز الوطني ويخصىَ
رفعت يدها لتحيي المنفوخَ وغنتْ
وطني حبيبي .. وطني الأكبر
استغرق الضابط في قراءة أوراق قديمة كانت قد تناثرت على الأرض، فاكتشف أن مظاهرة نسائية جادة قد وقعت بالفعل منذ زمن طويل، وبالتحديد أثناء الثورة الشعبية ضد الاحتلال البريطاني لمصر سنة 1919 ، وأخذ الضابط يقرأ بتمعن ما كتبه أحد شهود العيان وقتها وهو المدعو حافظ إبراهيم الشهير بأنه شاعر النيل
خرج الغواني يحتججن
ورحت أرقب جمعهنه
فإذا بهن تخذن من
سود الثياب شعارهنه
فطلعن مثل كواكب
يسطعن في وسط الدجنه
وأخذن يجتزن الطريق
ودار سعد قصدهنه
يمشين في كنف الوقار
وقد ابنَّ شعورهنه
وإذا بجيش مقبل
والخيل مطلقة الأعنه
وإذا الجنود سيوفها
قد صُوبت لنحورهنه
وإذا المدافع والبنا
دق والصوارم والأسنه
والخيل والفرسان قد
ضربت نطاقاً حولهنه
والورد والريحان في
ذاك النهار سلاحهنه
فتطاحن الجيشان ساعاتٍ
تشيب لها الأجنه
أخذ الضابط الصغير يقرأ ما كتبه المدعو حافظ إبراهيم إلى أن توقف فجأة أمام عدة أوراق أخرى، تحكي كيف احتشدت نساء كثيرات، بيضاوات وسمراوات، ورشيقات وبدينات، لكي يحتفلن باليوم العالمي للمرأة في مدينة براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا سنة 1960 ، حيث قال الضابط لنفسه هل نحن أمام جريمة سرقة، يمكننا أن نحقق فيها، رغم أننا لسنا من ذوي الاختصاص، أم أن الأمر هو مجرد توارد خواطر؟ إن المدعو محمد مهدي الجواهري الشهير بأنه أبوفرات قد استخدم نفس الموسيقى التي استخدمها حافظ إبراهيم الذي سبقه سنة 1919، لابد لنا هنا أن نـجري تحقيقا في الأمر، فكلام الجواهري أمامنا وكذلك كلام من سبقه تساءل ضابط آخر هل من حقنا أن نـجري مثل هذا التحقيق؟ ولم يجب زميله وإنما طلب منه أن يستمع لكلام الجواهري:
حييتهن بعيدهنه
من بيضهن وسودهنه
وحمدتُ شعري أن يروح
قلائداً لعقودهنه
إنَّا وكل جهودنا
للخير رهنُ جهودهنه
وحدودُ طاقات الرجال
لصيقةٌ بحدودهنه
... والآن .. ما راي أبناء الشعب من أمثالي ؟ محمد صالح بحر العلوم استخدم نفس الوزن الذي استخدمه إيليا أبو ماضي لكنه نظر إلى الواقع الغارق في المتناقضات بينما ظل أبو ماضي ينظر إلى النجوم والغيوم في السماء ، ومحمد مهدي الجواهري استخدم نفس الوزن الذي استخدمه حافظ إبراهيم لكن الموضوع واحد ، فهل القضية قضية توارد خواطر أم أمر آخر يقود لحبل المشنقة الأدبية ؟
التعليقات (0)