مواضيع اليوم

الشخصيات الحدية

نزار يوسف

2010-01-05 18:33:37

0

الشخصيات الحدية


كنت أعيد ترتيب مكتبتي في المنزل تمهيداً لتصفية بعض الكتب القديمة و تنسيقها ، فعثرت في إحدى زواياها السفلية على مجلة قديمة اسمها النبأ .. تذكرت أنني قد قرأت هذه المجلة منذ زمن بعيد ، فلم أعد أتذكر محتوياتها . كان التعب قد نال مني بعض الشيء من جراء حمل الكتب و إعادة ترتيبها و تنسيقها . فجلست على الأريكة و بدأت أتصفح محتويات هذه المجلة .. حتى وصلت إلى مقال فيها يتحدث عن ( الشخصيات الحدية ) في صفحة علم النفس .. قرأت المقال كله فأعجبني مضمونه جداً .. كان يحتوي على معلومات هامة و مفيدة عن ( الشخصيات الحدية ) و تعريفها .


و نظراً لكوني قد وجدت تقاطعاً كبيراً بين تلك الشخصيات و صفاتها المذكورة في المقال ، و بين شخصيات نراها و نصادفها في حياتنا اليومية أو نسمع عنها ، و تقع بيننا و بينها مشاكل كثيرة ، فقد استهواني الأمر ، و قررت أن أتعمق أكثر في موضوع الشخصيات الحدية و بدأت أبحث عنها في المراجع و الكتب و النت ، و أسأل عنها أهل الخبرة و الاختصاص حتى خلصت إلى نتيجة كافية و وافية عن تلك الشخصيات . و ارتأيت أن أضع خلاصة ما قرأته في المجلة المذكورة و غيرها و ما سمعت عنه في الآتي ، كون الموضوع بنظري على درجة من الأهمية و الخطورة و الفائدة بآن معاً .


ما هي الشخصيات الحدية ؟؟


الشخصيات الحدية : هي الشخصيات التي تربك المحيطين بها بالمزيد من المعارك الدعائية و الكلامية و على أمور لا تستحق ذلك في الكثير من الأحيان . و تتسم بميلها الشديد لتحقيق الانتصارات و لو على حساب الآخرين ، لذا فهي هجومية في الغالب و منطقها هو منطق ( الهجوم أفضل من الدفاع ) و يصفها بعض علماء النفس بالعدوانية . و تنتمي في نظر البعض الآخر منهم ، إلى نطاق الشخصيات اللامتوازنة حيث تنحو في كثير من الأحيان إلى اللاعقلانية . إذ أن أصحاب هذه الشخصيات يزيدون المتعاملين معهم و المحيطين بهم توتراً و قلقاً و انزعاجاً . و يرى العلماء أن الحدية هي من أخطر الأمور التي تهدد العلاقات الإنسانية و تحولها إلى جحيم . و الخطير فيها أنها إذا لم تعالَج في بادئ الأمر ، فإن أمرها يستفحل و يتفاقم و تبدأ بالاقتران بنوازع الشر و الحقد و الغضب و الكره الشديدين ، و إذا تفجرت فإنها تصطبغ بصبغة العنف و العدوان .
في أحيان عدة ينجر أصحاب هذه الشخصيات إلى ما تحمد عقباه من الأمور . و قد حدد علماء النفس مجموعة من الخصائص التي تميز أصحاب هذه الشخصيات و منها :


1) ـ عندما يعرض رأيه أو فكرته ، يغلق أمامها احتمال الخطأ أو النقصان . و بالتالي لا يكتفي بطرح فكرته ، بل يطرحها على أنها الواقع الذي لا يقبل النقاش . و إذا أراد استنتاج فكرة من خطاب أو كلام يحادثه به الآخرون ، يتسرع في استنتاجه و يحسم الرأي بفكرة واحدة قاطعة لا تقبل الشك أو النقاش .


2) ـ يتسرع في الحط من الآخرين و يتعالى عليهم و على أفكارهم و قدراتهم . و في أوقات الأزمة و المشاكل ، يتسرع في إلقاء اللوم على الآخرين لكي ينزه نفسه من كل مسؤولية أو خطأ . و في الغالب لا تجده يشيد بفكرة أو موقف لأحد ما ، مهما كان هذا الموقف أو الفكرة يستحقان الإشادة بعين الإنصاف ، بل تراه يفتش عن العيوب في أفكار الآخرين و مواقفهم زاعماً أنه صريح و لا يجامل أو غير ذلك من المزاعم .


3) ـ إذا تحدث يكرر كلمة ( أنا ) و يشيد كثيراً بمواقفه و يحب التحدث عن آرائه و بطولاته و يستخدم الإيماءات اليدوية . و في الغالب يقدم النصح للآخرين حول الإنجاز أو التخطيط أو الممارسات .


4) ـ يصرخ حين يغضب و يتكلم بلغة التهديد و الإنذار و يقاطع كلام الآخرين إذا أراد إبداء رأيه و إذا قاطعه أحد يغضب .


5) ـ إذا لم يجد ما يرضيه من الآخرين كالاختلاف معهم بالرأي أو ما شابه ، فإن ردود أفعاله تتسم بالعدوانية أكثر مما تتسم بالعقلانية و في بعض الأحيان يشوبها العنف أو الإساءة المادية أو المعنوية كالتشهير و غيره .


6) ـ قليلاً ما يتسم صاحب الشخصية الحدية بالتسامح أو التغافل عن أخطاء الآخرين ، و غالباً ما تكون الاتهامات للغير ، جاهزة لديهم ومعدة سلفاً .


7) ـ إذا استجاب لآرائه و رغباته الآخرون ، كان به ، و إلا فإنه يلجأ إلى الأساليب غير النبيلة و المتنافية ربما مع أبسط قواعد و أصول الأخلاق .


8) ـ الأشخاص الطيبون من هذه الزمرة ، إذا أساؤوا لأحد فإنهم ربما يندمون بعد أن تهدأ ثائرتهم و لكنهم يلجأون للاعتذار بطريقة لا يتحملون فيها اللوم أمام غيرهم فيبدأون بإلقاء اللوم على الآخرين أو على الساعة التي كانوا فيها منزعجين و في أحسن الأحوال يحملون طرفاً ثالثاً ( يكون مختَلقاً عادة ) يحملونه السبب إذا كانوا لا يريدون لسبب ما أن يحملوا الطرف الآخر اللوم مباشرة .


9) ـ يحبذون التعامل مع من هم تحت سلطتهم أو سيطرتهم بطريقة القائد العسكري الذي لا يقبل كلامه نقاشاً أو اعتراض أو إبداء رأي .


10) ـ يرون أنفسهم فوق البشر و أنهم يمتلكون أفكار و عقول لا توجد لدى أقرانهم من الناس و يصل الأمر أحياناً إلى اعتبار أنفسهم في مصاف الآلهة أو بدرجة أدنى قليلاً . و يميلون إلى تمجيد أنفسهم بطرق مختلفة مثل الصور أو التماثيل و ما شابه و لا ينطبق هذا الأمر على رجال السياسة و الفكر الكبار و العظام ، كالأباطرة أو القادة الكبار أو الفلاسفة المشهورين المتعارف عليهم لدى الناس أو المفكرين المبدعين في مجال ما لأن الحالة هنا تأخذ أمر يتعلق بعوامل أخرى ليست نفسية .


11) ـ آخر أمر يقوم به مريض الشخصية الحدية ، هو الاعتراف بالخطأ . و إذا ما تصادف و أشارت كل الحوادث منطقياً إلى ارتكابه الخطأ و أحس هو بذلك و أن أمره انكشف أو قد ينكشف ، فإنه قد يلجأ إلى ارتكاب خطأ أكبر و أفظع لتغطية خطأه الأول الذي ارتكبه .


12) ـ العاطفة عند أصحاب هذه الشخصية تكون غالباً في أدنى مستوياتها و أحياناً تقارب الصفر ، حتى اتجاه أقرب المقربين منهم كالأولاد مثلاً و غيرهم . و عند إحساسهم بفقدان العاطفة تجاه شخص ما يتوجب عليهم عرفاً أن يكون لديهم عاطفة اتجاهه ، فإن المبرر لذلك هو تهمة جاهزة تُلصق بحق هذا الشخص . و قد اختلف علماء النفس حول ما إذا كان فقدان العاطفة هو بسبب مرض الحدية أم العكس هو الصحيح أي أن المرض هو بسبب فقدان العاطفة ، نتيجة لبيئة أو ظرف معين نشأ عليه المريض .


13) ـ يبحث صاحب الشخصية الحدية عن أي شخص ليلقي عليه اللوم ( في مراحل متقدمة من هذا المرض ) أو عن شخصية معينة يضع فيها كل عاهاته النفسية و يلقي عليها اللوم في أي تصرف من تصرفاتها و يعتبر صاحبها عدو لدود له و شخص متآمر يتربص به شراً ، و خطورة الأمر تصل إلى درجة يبدأ فيها مريض الحدية بإلحاق الأذى و الأضرار بهذا الشخص الذي أطلق عليه علم النفس اسم ( الضحية ) . و مهما حاول الضحية التعامل بكل أساليب الإيجابية ، فإن صاحب الشخصية الحدية لا يسمح له بالخروج من دائرة الذنب و يبقى هو الشخص المذنب بالنسبة له مهما فعل . و قد اعتبر بعض علماء النفس أن مريض الحدية يجد الملاذ و المبرر في الضحية لكي ينفس عن كبت أو تصرف معين لا يلام عليه كون حجر الأساس عنده ( أي صاحب الشخصية الحدية ) ألا يلام بأي شكل من الأشكال .


14) ـ في بعض الحالات و نتيجة لسبب معين يختار مريض الحدية شخصاً آخر و يغمره بعطفه و حنانه و يعتبره المفضل لديه . و فسر بعض العلماء هذه الحالة بكونه يريد أن يكون هذا الشخص في مواجهة الضحية و هو هنا بمثابة واجهة فقط لا غير ، كون العاطفة عند هذا الشخص مشكوك بأمرها .

 

إن الشخصية الحدية توجد في شرائح مختلفة من المجتمع و بالأخص أصحاب القرار كرب الأسرة أو العمل أو المدير أو القائد و ما إلى ذلك . و في هذه الحالة تتحول الشخصية الحدية إلى جحيم لا يطاق يؤثر بشكل سلبي و خطر في بعض الأحيان على الأشخاص المحيطين بها . و هي تبدأ مع الشخص من حالة واحدة من الحالات الآنفة الذكر لتتطور فيما بعد و تشتمل عليها كلها .





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !