مواضيع اليوم

الشجاعة المحمدية

محمد المبارك

2011-02-05 00:29:39

0

                                                                                                                        الشجاعة المحمدية
لو استعرضنا الشجاعة في معناها اللغوي لوجدناه انه هو الجريء أو المقدام(1) ، وطبعا هذا بالمعنى والمفهوم العام فكل جريء ومقدام شجاع سواء في الميدان الحربي أو العسكري أو الفكري ..الخ.
وإن كنّا سنركّز الحديث عن المفهوم الذي يذهب الذهن إليه عندما تذكر مفردة الشجاعة وهو المفهوم الجسماني وما يتبعه من إقبال نفسي الذي عادةً ما يتلازم مع متطلبات الشجاعة في المعارك والحروب.
وننتقل من المعنى إلى الغور والحديث في الشجاعة والشجّعان ولاسيما في عالمنا وتاريخنا العربي والإسلامي فإنه قد حفل بالشخصيات التي عرفت وتّسمت بالشجاعة والإقدام .
فكثير هم الذين برزوا في هذا الجانب وعرفوا بشجاعتهم من أمثال عنترة بن شداد العبسي الفارس العربي الجاهلي المعروف.
وكذلك منهم عمرو بن معدي يكرب الذي هو الآخر عرف ببطولته وشجاعته وقوته البدنية حتى أشتهر عنه ذلك.
ولا ننسى أن نذكر القعقاع بن عمرو التميمي أن ذكرنا الشجعان فهو لايتعداهم وواحد من أبرزهم حيث شارك في العديد من المعارك والفتوحات الإسلامية.
وفوق هؤلاء المذكورين يأتي أهل بيت الرحمة (صلوات الله عليه أجمعين)، حيث أبو الأحرار سيدي أبي عبدا لله الحسين ( عليه السلام) فهو أبو الشهداء وهو أبو الشجعان وهو من أصّل معنى الشجاعة ومثّله خير تمثيل في كربلاء الإباء.
ويعتبر معنى الشجاعة ناقصا أو مبتورا إذا لم نمر على رحاب كمال الشجاعة إلا وهو أبو الحسنين علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلم تعرف المعارك الإسلامية في ذلك العهد له شبيه في شجاعته وجرأته وإقدامه إلا واحدا وهو نفسه وأخوه وابن عمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) فرسول الله أكمل وأفضل الناس في كل شيء فعليه ينبغي أن يكون بلا شك أشجع من عرفه الوجود.
ولكن قبل الحديث عن شجاعته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نمر مرورا سريعا على فضله وكماله ، ونبدأ بتكريم المولى تبارك وتعالى له ( صلوات الله عليه) ومدحه ، حيث قال (( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا))(2).
فمن الآية الكريمة تنبعث إليك رائحة القيادة الكاملة للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للمجتمع المسلم ، وفي حديث له ( عليه الصلاة والسلام) يقول ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر)(3).
وهل بعد هذا الحديث يطلب فضل أكثر من هذا الفضل فمن لسانه صلوات الله عليه نعرف أنه سيد ولد آدم في كل ما هو كريم من الخلق سواء الكرم أو الجود أو الفصاحة أو البلاغة أو الشجاعة ..الخ.
ولنرجع إلى شجاعته ( صلى الله عليه وآله وسلم)، لنعرف بأن الشجاعة أنواع وأصناف ولنعرف أيضا بأنه ( عليه السلام) في كلها شجاع إلا أننا قلنا سابقا بأننا سنركّز على شجاعة الأبدان في الحروب والمعارك ، فقد ورد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام) بأنه رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر بأنه أقربهم إلى العدو وكان من أشد الناس بأسا)(4).
ومما يدلل على شجاعته ( صلوات الله عليه) وقربه من العدو أصابته يوم أحد حيث ( كسرت رباعيته السفلى وشقّت شفته وجرح في وجنته وجبهته)(5).
ويروي العباس بن عبدا لمطلب في شجاعة رسول الله ،فيقول ( لما التقى المسلمون والكفّار يوم حنين ولّى المسلمون مدبرين ، فطفق رسول الله يركض ببغلته نحو الكفّار وأنا آخذ بلجامها أكفها لا تسرع)(6).
ومما بيّن شكيمة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم) وجلده وإقدامه ما حدث في غزوة حنين من أن العدو باغت المسلمين بمجرد دخولهم وادي حنين بالسهام والهجمة الواحدة فتراجع معظم المسلمين ولم يبقى مع رسول الله ( عليه الصلاة والسلام) إلا النفر القليل ومع ذلك ثبت مع هؤلاء النفر، فنادى في العباس إن أصرخ يامعشر الأنصار يا أصحاب السمرة فأجابوه بالتلبية وكان ما كان من غلبة للمسلمين (7).
وأما على المستوى الفردي فتبقى شجاعته وثقته بربه ونفسه كما تفضل الله بها عليه في مواطن الجلبة وحدة القتال في المعارك ، فمن ذلك أنه كان نائما فاستيقظ فرأى رجلا واقفا وقد شهر سيفه عليه يريد قتله ، فقال الرجل : ما الذي يمنعك مني ؟ فأجاب ( صلى الله عليه وآله وسلم) بثقة واطمئنان الله ، واضطرب الرجل فسقط السيف من يده ، فأخذه النبي ، وقال له مثل ما قال ، فقال الرجل بخشوع ( كن خير آخذ) يعني السيف ، فعفا عنه النبي (عليه السلام)(8).
فهذا يدلل على أن النبي ( عليه الصلاة والسلام) كما قلنا يحمل في نفسه الكريمة ليس شجاعة الجسد والقتال فقط بل كل أنواع الشجاعة ومنها شجاعة الثقة بالنفس والشجاعة الأدبية الرحيمة وقصته مع سوادة بن قيس خير شاهد على ذلك في قصة مطولة فيها معنى الشجاعة الأدبية والتسامح والحلم والعفو (9).
فتبيّن لدينا كيف كان رسول الله في كل جوانب حياته يتصف بكل صفات الكمال من جود وكرم وحلم وشجاعة ولاسيما الأخيرة التي يشهد له فيها أشجع الشجعان من بعده أمير المؤمنين ( عليه السلام) حيث يقول ( كنّا إذا اشتد الوطيس أو البأس (( في رواية أخرى)) لذنا برسول الله) وخلاصة القول الذي نخاطب به أمة هذا النبي الشجاع بأن يمثلوا ويمتثلوا جوانب حياة نبيهم في كل أموره وأن يكونوا كما كان شجّعان في الحق وإثباته قويي الإرادة وأهل عزة وجهاد.


1- المعجم الوسيط ، ج1 ص492 - مجمع اللغة العربية بالقاهرة – ط 3 .
2- سورة الفتح آية ( 29).
3- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ، ج8ص47- الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي – ط، 2 1417، 1996م – دار الكتب العلمية ، بيروت.
4- حياة المحرر الأعظم الرسول الأكرم ، ج1ص110-111- سماحة الشيخ العلامة باقر شريف القرشي – ط،2 1427هـ ، 2006م.
5- الكامل في التاريخ ، ج2 ص49- أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني ( ابن الأثير) – ت أبي الفداء عبدا لله القاضي – ط، 2 1415، 1995م – دار الكتب العلمية ، بيروت.
6- حياة المحرر الأعظم الرسول الأكرم ، ج1 ص111.
7- تاريخ الطبري ، تاريخ الأمم والملوك ج3 ص 75- أبي جعفر محمد بن جرير الطبري.
8- حياة المحرر الأعظم الرسول الأكرم ، ج1 ص94.
9- يمكن أن تنظر في ذلك ، المجالس السنية للسيد محسن الأمين ج2 ص26 – ط2 ، 1413هـ ، نقلا عن أمالي الشيخ الصدوق (قده). وكذلك بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج22 ص507- 508. 
                                                                                                                                                                                                                       محمد المبارك - الاحساء

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !