الشجاعة الانثوية:
بعد عقود طويلة من الركود السياسي في العالم العربي،جاءت شرارة الثورات العربية المعاصرة لتكون اخر الاقاليم الكبرى في العالم التي تجتاحها رياح الحرية الحمراء ولكن بتكاليف مادية ومعنوية تفوق الجميع،فأقل تكلفة ثورة كان عدد الضحايا فيها يفوق ضحايا جميع الثورات في شرق اوروبا في اواخر الثمانينات!وهو ناتج بالتأكيد من اسباب عديدة،ولكن تبقى درجة الخطورة العالية لمن تحدثه نفسه في ان يقوم بثورة او حتى احتجاج ما لتحرير شعبه من الاستبداد الذي تجاوز الحدود الغير معقولة لفترة طويلة جدا!وهي درجة قياسية لا يمكن نكرانها وبالتالي فأن الثائرين الان هم شجعان بأعلى المستويات المتعارف عليها ولا مجال ابدا للاستهانة بهم حتى لو كانت اهداف او سيرة البعض الماضية مشينة وتختلف عن الغالبية الثائرة التي كانت تكتم غضبها!... الاستهانة بالروح لتحرير الذات والاخرين من العبودية هو اسمى الاعمال واكثرها تقديرا ،وهذه العملية المثالية ذات مدلول سحري وجمالي خلاب يتحول بموجبه الفرد الى قوة كبرى من مزيج مادي وروحي يذوب في عوالم الحرية والحق والعدالة التي هي سمات دائمة...نعم هنالك اناس ليست لديهم المقدرة على وعي تلك المعاني السامية بدرجة عالية، وتفاعلهم معها يبقى محدودا ولكن للتغيير الجديد عالمه السحري الذي يزيد الوعي والادراك للجميع الى مستويات اعلى يتلقفها المرء بتلهف العطشان للماء.
الثوار الشجعان الذي يتقدمون الصفوف ويقدمون قرابين الحرية بلا حدود وهم يعرفون انهم يواجهون قوى وحشية في غاية النذالة والحقارة والجبن هم اسمى الحاضرين في المشهد العالمي واكثرهم نقاوة في زمن يزداد تلوثا!...لقد زالت الصورة السوداء المرسومة على جباه شعوبنا المستضعفة بتضحيات وبسالة هؤلاء الثائرين واصبحت نظرة الاخرين مختلفة الى درجة الاعجاب الشديد!.
وفي المقابل فأن الحكام وحواشيهم والسائرين بمنهجهم والقابلين بفتاتهم والراكعين تحت اقدامهم والمهاجمين للثائرين في بلادهم،اثبتوا للجميع انهم بجدارة من احط المخلوقات واكثرها لؤما لانعدام الاحاسيس والمشاعر الانسانية التي تتحرك بسهولة عندما يرى المرء سقوط هذا الكم الهائل من الشهداء ومن مختلف الطبقات وبطرق وحشية في غاية الارهاب والقسوة وهم ثابتين كالجماد في مواقفهم المشينة!.
عندما نرى بجانب الشباب الكثير من الاطفال وكبار السن يواصلون المسيرة دون خوف او رعب،فأن النفوس سوف تكون مطمئنة للانتصار الحتمي الذي ينهي الحقب السوداء ويبشر بمستقبل واعد لامجال للارهاب والاجرام والفساد والكذب والتدليس وغسل الادمغة فيه...واي شيء اعظم من ان نرى تلك الجموع الثائرة وهي مولودة في زمن غسيل الدماغ والعبودية المطلقة وهي تتفاعل مع الحياة بطريقة مثالية تحسدها اجيال تربت على جو من الحرية المطلقة!انها بالفعل ارادة الشعوب التي لا تقهر والتي تهزم اعتى الطغاة واكثرهم ارهابا واجراما!.
ميدالية البطولة الخاصة:
تميزت الثورات المعاصرة بصفة مميزة وهي مشاركة انثوية واسعة الى درجة تواجدها في كل الاماكن بل وتصدرها في البعض منها بالرغم من حالة الخطورة القصوى!...وهذه المشاركة لا تنحصر ببلد ما بل الغريب ان حالة التمدد الثوري قد اجتاح الجميع بدون استثناء وجعلهم متقاربون في كل شيء! والامثلة على ذلك غير محدودة...انها بالفعل يقظة مفاجئة للجميع وجائت بفعل شرارة لم تكن في الحسبان ابدا...ان تلك المشاركة البطولية التي لا يعرف معانيها العالية الا من خبر وعرف طبيعة الانظمة العربية واجهزتها الامنية والعسكرية المتشبعة بروح وقيم النذالة والقسوة والهمجية والضئالة الذاتية الى درجة تنعدم فيها مبادئ الفروسية والشجاعة والنخوة والتفاني والوطنية!والتي كانت السبب الرئيسي في الهزائم المنكرة على كافة الجبهات...هذه الصفات الرذيلة اذا اجتمعت عند فئة متحكمة ومتسلحة هدفها الاوحد هو البقاء لاجل غير مسمى فأن امر الخروج عليها وبخاصة من النساء يعتبر بطولة مستميتة لا مثيل لها لان الخروج من دائرة الرفض والتمرد والعودة سالمين هو بحق معجزة فكيف اذا كانت للمرأة خصوصية في المجتمع الشرقي وهي مهددة بأسلحة قذرة تمس شرفها وكرامتها وحقها في الحياة الحرة الكريمة،انها بلا شك مجازفة لاجل الحرية والكرامة التي تستحق تلك التضحية بلا شك كما يستحق افرادها التكريم!.
ان تلك المشاركة البطولية قد اخرجت المرأة في العالم العربي من الاتهام المتعسف والمتمثل بالجهل والتخلف واللهو والعبث والابتعاد عن التصدي للمشاكل العامة،وهي اثبتت بذلك انها قدوة حسنة ووريثة شرعية لكل النساء اللواتي برزن في التاريخ الاسلامي بخاصة في الشجاعة والعلم او تاريخنا المعاصر وبخاصة المجهولات منهن!.
ان ما قامت به بصورة خاصة الدول المنتسبة للنادي الثوري القديم! مثل ليبيا وسوريا من اغتصاب وقتل وتعذيب على نطاق واسع للعناصر الانثوية الثائرة لهو بالامر المخزي والمتوقع ويثبت انه ليس لتلك الانظمة علاقة باليسار او القوى الثورية كما ان النظام الطائفي في البحرين اثبت هو الاخر انه نموذج اخر لتلك الممارسات المشينة وايضا للمؤيدين له وبالتالي لن يخلو نادي المنتهكين لحقوق الانسان وبخاصة المرأة من انتماء تلك الانظمة، فالعضوية مفتوحة للجميع وليست مقيدة بموقع جغرافي او سياسي بل شرط الانتساب الاساسي هو المحافظة على العرش بكل ما اوتي للمرء من قوة وخبث وفساد!.
ان تلك الثورات العربية المعاصرة قد أسست لنهضة عربية شاملة سوف لن يتخلف عن ركابها احد بسبب جنسه او لونه او عمره ! فالجميع سواسية ولهم حق المشاركة كما لهم حق الانتفاع بثمرات تلك الثورات المباركة،والمرأة احق من غيرها بذلك نظرا للظلامية الطويلة التي مورست بحقها وفق التفسيرات الخاطئة المتوارثة،فالحقوق الدينية والانسانية تكفل لها ذلك وهي اثبتت جدارتها في الجهاد والنضال كما هو في العلم والعمل،وفي التجربة خير برهان على وجودها.
على الجميع بذل اقصى ما في الجهد لتحقيق العدالة بحق المنتهكين لحرمة الابرياء وبخاصة النساء...فزمن الذل والعبودية انتهى.
المجد والخلود للمرأة الثائرة التي تشارك في رفع راية الحرية لتواصل المسيرة بجانب الاخر،والخزي والعار لكل من انتهك حرمتها وخصوصيتها وكرمتها وانسانيتها...
التعليقات (0)