فاجأت الثورات العربية العالم . لقد قامت الثورات العربية بالمناداة بالديمقراطية في منطقة بقت مكبلة بالدكتاتورية عقودا طويلة رغم تحرر معظم مناطق العالم الثالت وأوربا الشرقية وقيام دول ديمقراطية حرة فيها بما فيها الدول الأسلامية ، وأستقبل الغرب والعالم الثورات العربية بالترحيب على أمل أن تنظم الدول العربية إلى مجموعة الدول الديمقراطية في العالم . إن الدول الغربية التي تحالفت مع الأنظمة الدكتاتورية طوال العقود الماضية ،على إعتقاد بان ذلك ضمانة لأستقرارالمنطقة والمحافظة على مصالحها الأستراتيجية والاقتصادية في هذه المنطقة الحيوية من حيت مصادر الطاقة والوضع الجغرافي الفريد والمتوسط بين قارات العالم، قررت أخيرا تغيير سياستها وتجاوبت مع أراء مفكريها الليبراليين الذين كانوا ينادون بخطأ سياسة التعاون مع الانظمة الدكتاتورية لأنها ضد الحريات وحقوق الأنسان ، وأن تشجيح الحكم الديمقراطي في المنطقة العربية يتمش ومتطلبات حقوق الأنسان ويخدم مصالح الدول الغربية في المدى الطويل . من هذا المنطلق شجعت الدول الغربية بعض الثورات العربية وأطلقت عليها الربيع العربي لقيامها في مطلع فصل الربيع وإستبشارا ببزوغ فجر الحريات والديمقراطية في الوطن العربي. ورغم تشجيع أمريكا والدول الغربية لهذه الحركات العربية الثورية إلا أنها لاحظت أن من قام بهذه الثورات هم الشباب والزعماء الليبراليين المعارضين السابقين للأنظمة الدكتاتورية ، وهذه الفئات تعتبر جديدة في المجال السياسي الوطني وغبر منظمة وليس لها قاعدة شعبية تمكنها من الفوز في أية إنتخابات قادمة . لهذا بدأت الدول الغربية في جس نبض الأحزاب والطبقة التي كانت في الحكم أثناء الحكم الدكتاتوري والتي إستمرت في الحكم بعد الثورة وتجاوبت مع الثوار حماية لمصالحها ، وقادة الجيش الذي بقى في كامل قوته ولم يتأتر بالثورة وخاصة في مصر وتونس اللتين تختلفان عن وضع ليبيا . كان واضحا أنه على رأس هذه الفئات التي إتصلت بها الدول الغربية كان الأسلاميون أو الأخوان المسلمين والسلفيون . وقد سارعت أمريكا والدول الغربية إلى التفاوض معهم مقدما حتى لا تجد نفسها أمام دولة حماس كبرى في مصر وتونس لا تحترم إتفاقات السلام وترفض الاعتراف بوجود إسرائيل ، وهي السياسة التي تلتزم بها الدول الغربية إلتزامها بأمنها القومي ولا قبول فيها للمساومة . وقد أظهر الأسلاميون ذكاء وبراعة سياسية وعرفوا إن وصولهم إلى الحكم لن يتحقق بأصوات الشعب فقط بل لا بد من ضمان حياد وتأييد أمريكا والدول الغربية . ولهذا طمن زعماء الأخوان المسلمين والسلفيون وبقية الجماعات الاسلامية في إتصالاتهم السياسية مع أمريكا والدول الغربية بانهم إذا تولوا الحكم فلن يجروا أي تعديل جوهري في سياستهم الخارجية أوإتفاقيات السلام مع إسرائيل . ورغم تعهد زعماء الأسلاميين هذا إلا أنه لا أحد يعرف مدى قبول القاعدة الشعبية الأسلامية واعضاء البرلمان الجدد لهذا التعهد ، ولهذا إستمرت أمريكا والدول الغربية في تقوية علاقاتها وتعاونها العسكري والمالي مع قادة الجيش لأنها تعرف أنهم أحرص على التمسك بألتزام دولهم بالأتفاقات الدولية وخاصة العسكرية منها والصلح مع إسرائيل . كما أن دور الجيش التقليدي سواء في مصر أو في تونس في الحكم لن يختفي بأنتخاب حكومات مدنية لفترات طوبلة قادمة . لهذا أرى أن الحكومات الأسلامية التي ستتولى الحكم في البلاد العربية بعد الثورة العربية لن تكون حكومات متطرفة فستحاول التجاوب مع السياسات الدولية وستكون ليبرالية في تنقيذ الشريعة الأسلامية بشان الحدود والقوانين التجارية والمالية والحريات السياحية وألا تعرضت لما تعرضت له حماس وطالبان من مقاطعة وحصار الشئ الذي لا تسطيع مصر أو تونس تحمل نتائجه في وضعها الراهن المتدني إقتصاديا . ولا أعتقد أن الساسة الأسلاميين الذين قاسوا قمع الأنظمة الدكتاتورية و صعوبة حياة المهجرفي موقف يسمح لهم بخوض معركة مع الغرب .
وضع ليبيا
أما الوضع في ليبيا فرغم أن الثورة ضد القذافي كانت تشبه الثورتين المصرية والتونسية في أنها قامت على سواعد وأجساد وأرواح الشباب وزعماء المعارضة الليبراليين مع مشاركة أحيانا من شباب الحركات الأسلامية ، إلا أن الثورة الليبية لم تتمكن من قتل القذافي إلا بعد خوض معارك شرشة في كل بقعة من ليبيا وسقوط الاف الضحايا أدت إلى سقوط نظام الطاغية بكامله بما في ذلك القوات المسلحة والامن . فالثوار لا زالوا متمسكين بسلاحهم والقوة السياسية الوحيدة في البلاد . أما الوضع في مصر وتونس فقد إستمرت الحكومات المتعاقبة من العهدين الماضيين في تسيير أمور البلاد حتى تسليمها لبرلمان منتخب وبقاء الجيش وجهاز الأمن أداة لحفظ الأمن والنظام . بينما في ليبيا رغم قتل القذافي وبعض أبناؤه ومساعدوه ورجال حكومته الأقربين فقد تولى حكم البلاد المنشقون عن القذافي والصف الثاني من مسئولي نظامه السابقين وجماعة أبنه سيف الاسلام الذين ساهموا في وضع نظريته لتلميع حكم والده بعد فوات الاوان . إن سياسة المجلس الأنتقالي والحكومة الأنتقالية التي تعلن تباعا تقوم على نفس السياسة التي رسمها القذافي وأبنه سيف ، والتي تركزالأعتماد على العنصر الاجنبي في تسيير أمور البلاد وأنشطة التنمية والأعمار، وأهمال العنصر الوطني وفتح البلاد أمام عرب الجوار والأفريقيين ، والاستعانة بنفس الأيادي الذي كانت تسئ الى الليبين وتنشر الفساد في جميع مجالات النشاط السياسي والأقتصادي والاجتماعي . ورغم توفر حريات إبداء الراي والأنتقاد بعد الثورة في ليبيا إلا ان رجال العهد الحالي لا يسمعون نصيحة أحد ولا يقرأون ما يكتب من أراء ومقترحات ويصرون على قراراتهم الخاطئة وتصريحاتهم الاستفزازية الغريبة ، وكانهم يقولون ما كان يقوله القذافي من أنتم ؟ أنتم لم تنتخبونا فلماذا تتكلمون وتنتقدون ؟ وهم من إنتخبتهم المرابيع وسهريات الشاهي في غفلة من الزمن ويتمسكون بالمثل القائل أعمل ودن طرشة وأعمل ما تريد . وهي نفس سياسة مبارك في سنواته الأخيرة حيث سمح بحرية الكلام والأنتقاد حتى في تحضير ولده للخلافة ، ولكن كان يعمل ما يريد ويعمل ودن طرشة أيضا لما يقال . وهذه السياسة هي أحد أسباب قيام الثورة المصرية . فقد فضحت وسائل الاعلام المصري فساد نظام مبارك للرأي العام المصري فلم يعد أحد يؤيده أو يثق فيه . وليبيا اليوم لا زالت يسيرها أنصار القذافي وتجار ورجال مال عهده ولا زالوا هؤلاء يواصلون نشاطهم في وضح النهار بل يدعون الثورية ويطمحون في تأليف الأحزاب وتولي الحكم ، واللجان الشعبية والثورية لا زالت تعمل تحت أسماء مختلفة مثل مجالس المدن ومجالس الثوار. كما أن مساعدي القذافي الأساسيين وأصحاب البلايين من رجاله لا زالوا يعيشون وينشطون في مصر وتونس والجزائر مبجلين محترمين . والمسئولون الحاليين في ليبيا غير مهتمين ولا يطالبون الدول المضيفة لهم بتسليمهم للقضاء الليبي أو لا يرغبون في رجوعهم لان رجوعهم قد يضر بوضعهم الحالي لتشابك مصالحهم مع مصالح هذه الفئة الهاربة . والشئ الوحيد الذي شمله التغييرفي ليبيا هو بقاء الثوار المسلحين في السيطرة على الامن ومتابعة فلول القذافي والطابور الخامس ووقوفهم حجر عثرة في وجه محاولات الألتفاف على الثورة . وقد دعوت في تعليق سابق إلى بقاء الثوارالحقيقيين بسلاحهم أوتوحيد من يريد البقاء منهم في سلاح مستقل كقوة أمنية تساعد قوات الامن والجيش في حفظ الأمن وحماية الحدود في المرحلة الأنتقالية ،ويدرب ويدارهذا السلاح تحت سلطة رؤسائهم وإشراف وزير الدفاع وفقا لقانون يوضع ويوضح مسئولياتهم ومجال مشاركتهم في أمن البلاد ، وتخصص تكنات لهم مستقلة خاصة بهم ولا يسمح لهم بالخروج بسلاحهم إلا لمهام مساعد ة قوات الامن والجيش كلما أحتاجا لهم ، وتخصيص لهم مرتبات عادلة والبقاء كضمان حتى لا يلتف أحد على الثورة حتى يتم إنتخاب البرلمان الدستوري . خاصة أن المجلس الأنتقالي والحكومة الليبية المؤقتة بدأوا في تفصيل قانون إنتخاب لأختيار أعضاء مؤتمر شعب جديد من بقايا عهد القذافي تحت مسمى المؤتمر الوطني للثورة الذي نصت عليه وثيقة الدستور المؤقت ، وصياغة الدستورالذي يريدون ويضمن إستمرارهم في حكم ليبيا كما كان عليه الحال في عهد القذافي الذي فقد الشباب الليبي الألاف من افراده للتخلص منه . وكما نسمع في الأخبار يخطط المسئولون في المجلس الأنتقالي والحكومة للتخلص من الثوارالمسلحين بأساليب وطرق مختلفة أهمها تدريبهم للأنضمام ألى قوات الجيش والأمن وإغرا ئهم بأرسالهم بعشرات الألاف إلى الأردن وتركيا والسودان وأوربا وأمريكا للتدريب تخلصا منهم والأستفراد بحكم ليبيا كما يشاءون . وقد أنتقد البعض مقالي السابق في المناداة ببقاء الثوار المسلحين أوتنظيمهم في قوة وطنية مستقلة خلال المرحلة الأنتقالية على أن يضموا الى الجيش وقوات الأمن بعد إنتخاب برلمان حقيقي يتولى شئون البلاد ، ولم يلتفت هؤلاء الذين إنتقدوني إلى هدفي في حماية الثورة الليبية من مصير الثورتين المصرية والتونسية اللتين إلتف عليهما الجيش والاسلاميون في حلف غير مقدس ، وثم التخلص من ثوار ميدان التحرير وثوار تونس وأصبحوا متهمبن بانهم بلطجية وفوضاويين ويقتلون ويجرحون بأيادي قوات الجيش والأمن أمام عدسات الأعلام العالمي والوطني كما كان الحال في عهد مبارك وبن علي بشكل يمكننا تسميته بالشتاء العربي . لا نريد للثوار الليبيين هذا المصير ونريد منهم المشاركة في بناء الدولة والمحافظة على الثورة ، لا ضمهم للجيش وقوات الأمن للمشاركة في قمع الشعب وحرمانه من الحرية ومن ثرونه التي حباه الله بها .
التعليقات (0)