الاسرة و المجتمع - استطلاع |
الشباب العربي وأزمة القراءة
استطلاع نعيمة الزيداني
لاشك أن عالمنا العربي يعيش أزمة قراءة يمكن أن نعتبرها سببا رئيسا يكرس للتخلف والتبعية ويجعلنا عاجزين عن إيجاد حلول ناجعة لمشاكلنا المتعددة المادية والسياسية والاجتماعية،فالمجتمع الواعي مؤسسة قوية قادرة على تخطي كل الصعاب ومواجهة مختلف التحديات، لهذا فإن عزوف الناس عن القراءة يشكل إعاقة حقيقية يتعذر معها تشكيل منظومة مجتمعية فاعلة وإيجابية.
في استطلاعنا لهذا العدد، سنحاول مقاربة هذه المشكلة من خلال استقراء مجموعة من الآراء مستهدفين على الخصوص الشباب الذين هم في طور التكوين والذين من المفترض أن تكون القراءة الجادة والهادفة والمتنوعة رافدا رئيسا يساهم في تشكيل ذواتهم.
إنها أسئلة عديدة تطرح نفسها: لماذا لا نقرأ؟ ماذا نقرأ؟ هل أصبح الكتاب الإلكتروني بديلا للكتاب الورقي؟ لماذا أصبح شبابنا حبيس المقررات الدراسية فقط؟ ولماذا ينظر الطالب العربي للقراءة كحالة مؤقتة تنتهي بانتهاء فترة الامتحانات؟
أليس من الواجب إعادة النظر في منظومتنا التربوية على العموم لعجزها عن زرع حب القراءة والإطلاع في قلوب أجيال متعاقبة؟
الأستاذ وجدي حمايل من فلسطين يقول:
أسباب عزوف الشباب عن القراءة عديدة أهمها "استخدام وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت والفيس بوك، استخدام محركات البحث الإلكترونية بحيث أصبح بإمكان الشباب متابعة الأحداث بشكل مستمر والوصول دون عناء إلى المعلومة، كثرة الفضائيات العربية وسرعة انتشار الخبر الصحفي."
أما الآثار السلبية للعزوف عن القراءة فتتمثل في: "عدم معرفة الطرف الآخر-الرأي والرأي الآخر-، عدم تعلم الثقافات الأخرى، الجهل وعدم معرفة الحقائق إضافة إلى سلبيات أخرى تعتبر في مجملها من أسباب التخلف والجهل في العالم العربي."
سلمى النوري"فاعلة جمعوية من العاصمة المغربية الرباط" تقول:
لقد اطلعت السنة الماضية على إحصائيات دولية مخيفة حول معدلات القراءة في العالم تبين أن معدل قراءة المواطن العربي سنويا ربع صفحة، بينما معدل قراءة الأمريكي 11 كتابا، والبريطاني 7 كتب في السنة، وهي فعلا أرقام خطيرة تقول أننا أمة لا تقرأ، لذا أريد أن ألفت نظر الجميع إلى أن مقارنتنا كعرب بالأوروبيين وغيرهم أمر غير منطقي حاليا، ولا يجوز الحكم علينا بلغة الأرقام لأن نسبة كبيرة منا لازالت تعاني من الأمية، وهنا أحب أن أدق ناقوس الخطر وأنبه إلى أنه يتوجب علينا أولا أن نفكر كيف نعلم الجميع قراءة الحروف قبل أن نتحدث عن قراءة الكتب.
وترفض ليلى الكداري" طالبة بكلية الحقوق بالدار البيضاء" أن يتخذ الشباب من ظروفه المادية مبررا يسوقه لتبرير عزوفه عن القراءة قائلة:
يتعذر الكثير من زملائي بعجزهم عن اقتناء الكتب لضيق ذات اليد، طبعا هذا غير صحيح لأنهم ينفقون مبالغ هامة لاقتناء أحدث أجهزة الهاتف المحمول والتدخين والجلوس في المقاهي وغيرها من الأشياء، ثم إن بإمكان من هم فعلا فقراء اقتناء كتب قديمة بأسعار مناسبة أو الذهاب إلى المكتبات العامة مثلا... والحقيقة المرة هي أننا لا نهتم بالقراءة، ولا ندرك أهميتها مما يجعلنا فريسة سهلة لبعض وسائل الإعلام التي تجد فينا عجينة خاما تشكلها كيفما تشاء لخدمة إيديولوجيات معينة عكس الإنسان الأوروبي الذي ليس من السهل استهدافه أو تطويعه لأنه ببساطة يقرأ كثيرا ولديه مصادر متعددة للمعلومة تتيح له تكوين رؤية خاصة به.
أما زميلها أشرف فيعتبر عالم النشر الالكتروني هبة من السماء فبفضله تمكن من نشر قصائده، وصارت تربطه علاقات فكرية وثقافية بمجموعة من الكتاب الشباب من مختلف دول العالم العربي.
يقول: لولا الإنترنت ما كنت تمكنت من قراءة هذا العدد الهائل من القصص والقصائد، علينا أن نعترف أننا نعيش في زمن النشر الإلكتروني، وأن علينا الاستفادة من هذه الثورة المعلوماتية الهائلة التي أصبحنا نمتلكها بضغطة زر.
ويضيف أشرف:إذا كان ولابد من الحديث عن أزمة قراءة، فأنا أوجه أصابع الاتهام أولا إلى الأسرة التي لم ترسخ في عقلية الطفل حب القراءة منذ نعومة أظفاره، وأيضا مناهجنا التعليمية التي تعتمد على التلقين وتثقل التلميذ بالواجبات المدرسية التي تأخذ كل وقته ليصبح سجين المقررات الدراسية دون أن تهتم بالحوار والنقاش والتعليم التفاعلي الذي يجعل التلميذ أو الطالب شريكا فاعلا في العملية التعليمية دون أن ننسى المؤسسات الحكومية التي من المفروض أن تشجع على تنظيم معارض شهرية للكتاب,و أن تدعم الكتاب والناشرين ماديا ومعنويا ليصبح ثمن الكتاب في متناول الجميع .
أيمن عبد الله من لبنان يرى أن المشكلة الأساسية هي في الشباب الذي لم يعد يهتم بالعلم والمعرفة لأن طموحه تراجع بسبب اليأس والإحباط، وأيضا لتأثره المباشر بالظروف السياسية والاقتصادية الحالية. أما عدم الإقبال على شراء الصحف والمجلات فهو في نظره أمر طبيعي يرجع إلى ارتفاع أسعارها في حين يقدم الإنترنت بديلا مجانيا للراغبين بمتابعة آخر المستجدات على الساحة السياسية العربية خصوصا أن الحاسوب ينقل المعلومة بشكل أسرع ويفسر أكثر.
ومن الأردن، ريم صفوان تقول: هناك تراجع كبير في مبيعات الصحف والمجلات الورقية في الوطن العربي بسبب الصحافة الالكترونية، وأيضا لأن الفضائيات العربية تقدم برامج سياسية وحوارية تلبي حاجة الفرد المتعطش للحقيقة خصوصا في زمن الثورات والانقسامات أو كما أحب أن أسميه زمن الخريف العربي، أما فيما يخص الكتب فلا يمكن أن يقدم الإنترنت البديل فلكي أقرا كتابا يلزمني على الأقل شهر لذا ليس من المنطقي أن اقضي شهرا من القراءة وعيناي على شاشة الحاسوب، الكتاب الورقي يمنحني فرصة جيدة للتركيز والتفكير أكثر للخروج بنتيجة تضيف لي درجة جديدة من الوعي.
من جهتها تتهم ريم الحضري" طالبة جامعية من مصر" الإنترنت بأنه السبب المباشر في عزوف الشباب عن القراءة لأنهم صاروا لا يفارقون الفيس بوك ومواقع الشات، ويقضون معظم أوقاتهم في تحميل الأفلام والأغاني والبحث عن التسالي...
تقول ريم: إذا جاز لنا أن نصنف القراءة بين هواياتنا كشباب فإنها حتما ستأتي في المرتبة الرابعة بعد الرياضة ومواقع التواصل الاجتماعي والتلفزة والموسيقى.
للأسف، مشهد القراءة شبه غائب عنا بينما نجده حاضرا في كل مكان في الدول الأوروبية، في المقاهي والقطارات والحدائق وقاعات الانتظار...
تراجع نسبة القراء في عالمنا العربي ربما يرجع إلى تعودنا على الخمول والاستكانة واكتفائنا بالمعلومة الجاهزة التي تقدمها لنا محركات البحث الإلكترونية، حتى القلة القليلة التي تقرأ غالبا ما نجد نسبة مهمة منها تنتمي لتيارات سلفية مما يحدد مسبقا إقبالها على كتب دينية معينة تكرس لما تعتقد به متجاهلة كتب الفكر الإسلامي والمؤلفات الداعية للاجتهاد,وهنا في نظري تكون القراءة بعيدة عن التكريس للمعرفة الشمولية والتعددية الثقافية والتلاقح الحضاري الذي أعتبره ضرورة يفرضها علينا العصر الراهن لنجد لنا مكانا بين الدول المتقدمة.
وفي حديث سابق لفرح، قالت الشاعرة الجزائرية سمراء متيجة: صحيح أنّ بلادنا العربية تعاني أزمة مقروئية خطيرة وأسبابها الاقتصادية والاجتماعية معروفة، وكذا نظرتنا للكتاب لم تعد كما كانت في السابق. والمواطن العربي الله يعينه، جريه وراء تأمين لقمة العيش جعل من الكتاب ترفا يمكن الاستغناء عنه،و للأسف هو الحال الذي نعيشه.
هذا لا يعني أن الكتاب الورقي انقرض، أبدا..يظل هو السيّد ومهما زاحمته وتزاحمه التكنولوجيا هو باقٍ، وأكبر دليل على ذلك توافد الناس الهائل على معارض الكتب التي تقام في مختلف مدن و عواصم الوطن العربي لاقتنائه. أنا شخصيا لا تحلو لي المطالعة إلا من الكتاب الورقي وعدا ذاك لا متعة في المطالعة.
ومن السويد، يرى الكاتب والمهندس العراقي محمد بياتلي أن الشباب حاليا سواء العربي أو الأوروبي يقضي معظم وقته مع جهاز الحاسوب، والذي غالبا ما يستغله بطريقة سلبية حيث تكون التسلية هي الهدف الأول بينما تتقلص المساحة الزمنية المخصصة للقراءة والبحث.
وينبه إلى أن عزوف الشباب العربي عن القراءة يرجع إلى عدة عوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية دون أن نغفل الجانب التربوي والذي تتحمل فيه الأسرة والمدرسة المسؤولية الكبرى لعجز هاتين المؤسستين عن إنتاج أجيال تعشق الكتاب والعلم والاطلاع.
وسعيا منها لإعادة الشباب إلى عالم القراءة والمعرفة، تقول القاصة السورية فاديا عيسى قراجة: "لقد اقترحت العديد من الحلول وهي ليست بمعجزة كما كان يأتيني الرد، فقلت مثلاً يجب أن نضع في منهاجنا التعليمي حصة خاصة للمطالعة.. والشيء الآخر إجراء مسابقات حقيقية للنابغين الأطفال في الشأن الأدبي، وعندما أقول حقيقية يعني بعيداً عن المحسوبيات...
وأيضاً إجراء مسابقات في القراءة، وزيارة دورية للمكتبات العامة وإطلاق يد المبدع كي يلتقي بأطفال المدارس ويستمع لأفكارهم كي تتهذب الذائقة الأدبية لديهم... ولكن للأسف تُصرف ملايين الدولارات من أجل مدرسة لانتخاب ملكات الجمال والرقص والغناء رغم أنني لست ضد هذه الأفكار، ولكن يجب أن يوازيها نفس الحرص على تكريس القراءة كحالة عامة...ولكن لاحياة لمن تنادي...
المدرب السعودي "محمد خالد عزوز" يقدم تحليلا خاصا لمجلة فرح
وأخيرا، في حديث خاص لفرح، يقول المدرب السعودي/ محمد خالد عزوز"مدرب معتمد من الحياة السعيدة البريطانية وعضو لجنة مستشارين الحياة حلوة للاستشارات الأسرية والاجتماعية" :
يجب أن نعيد المشكلة إلى جذورها وهي عزوف الآباء عن القراءة لأطفالهم في مرحلة الطفولة المبكرة إذ كيف تفرض على المراهق أو الشاب شيئا لم يتعود عليه في صغره و لم ينشأ عليه ؟؟؟
يرى الخبراء أنه يجب أن يقرأ للطفل من سن الستة أشهر لأن ذلك يساعد على توسيع مداركه اللغوية وزيادة خبراته فالعزوف عن القراءة له جذور قديمة، ولكن يمكن كسر هذا الحاجز خلال مرحلة المراهقة بعدة طرق:
1- طريق معرفة ما يحب المراهق وما يفضله سواء كان كرة قدم أو ألعاب الكترونية، وتشجيعه على تنمية هذه الهواية بالقراءة عنها أكثر إما عن طريق الكتب أو حتى عن طريق الإنترنت و المواقع.
2- إعطاؤه فكرة مبسطة عن شيء مشوق وترك الباب مفتوحاً له للبحث عن هذا الشيء والحصول على معلومات كاملة عنه.
3- إهداؤه بعض الكتب الشيقة ذات الأسلوب السهل و الصور التي تتناغم مع مزاجه و ما يهوى.
4- طلب مساعدة المراهق في البحث عن شيء معين أو موضوع معين إما عن طريق الإنترنت أو عن طريق الكتب فهذا يكسبه الثقة في النفس أكثر.
5- عمل مسابقات تعتمد الإجابة فيها على البحث و تكون الإجابة على شكل موضوع مختصر عن" كيف بدأ الإنترنت؟ "أو "صناعة السيارات" مثلاً.
بهذه الطريقة نتمكن من كسر الحاجز بعيدا عن التسلط ودون فرض رأينا على المراهق أو توجيه الموضوع له بصيغة الأمر. نحن بهذه الطريقة نزرع فيه حب القراءة التي سوف يتعود عليها لأن عقل الإنسان قابل للتطوير بالفطرة، و القراءة توسع مداركه وخبراته وسوف يشعر بذلك بنفسه لأن هذا التصرف نابع من داخله وليس مفروضا عليه.
التعليقات (0)