الشاعر رمضان عمر شعاع النصر من مشكاة العقيدة |
لا بد لمن يسعى لتحقيق هدف مقدس من أن يتمتع بإرادة قوية وعزم متين وإلا ضاع الهدف ووهنت الأيدي دون تحقيقه, ولا يشد العزيمة مثل عقيدة راسخة تحفز صاحبها للوصول إلى هدفه مهما وعر المسلك وتكاءدت العقبات. فما بالك إن كانت أمة تسعى لتحرير أرضها المحتلة وعودة شعبها المشتت المفرق في أنحاء الأرض إليها وإنقاذ مقدساتها من أيدي مغتصبيها؟ فهنا يبرز دور الأدباء والشعراء في استنهاض الهمم, وتكون اليراعة رديفا للبندقية والمدفع. أراكَ بعيني قلبي إن العزيمة والثقة تتجليان على لسان شاعرنا حين يفصح عن التحدي العجيب, فجرح المنكوب يتحدى بطش المجرم وينذره بالرحيل عن الأرض التي تقبحه وتلعنه, وإلا ستكون مقبرته : وجرحي يطاردُ بطشَك, فارحل وأدرك الشاعر وظيفة الشعر في إذكاء شعلة الكفاح ضد المحتل وأهمية الشعر الملتزم في هذا الميدان فأطلق صيحته لهجر الغزل العبثي الذي لا طائل منه في زمن تشتد فيه حاجة الأمة إلى رجال تترسخ العقيدة في صدورهم, وشعراء يحملون هم أمتهم ودعا هؤلاء الرجال ليستمعوا إلى كلام ربهم فيكون هو حافزهم للفداء (الكامل) : دعْ عنكَ ليلى ويظهر لنا عمق إدراك شاعرنا لدور الإعلام الهادف فيدعو هنا إلى الإصغاء إلى صوت كوكبة ممن يشتغلون بطلاب العلم أو تعليمه يتلون آيات كتاب الله تعالى وأحاديث نبيه عليه الصلاة والسلام, وربما يبدو أنهم يستمعون إلى الذكر من الإذاعة وهذا هو الإعلام الهادف الذي يشحذ الهمم من خلال بث آي الذكر الحكيم وأحاديث الإسلام التي تدعو إلى الهدى, ومقالات العلماء والفقهاء والأعلام الأفذاذ الذين يُخرجون الناس من الظلمات إلى النور, إنها هي التجارة الرابحة؛ التجارة مع الله : هنا الإذاعةُ حيث شيخ مقرئٌ إن السحر الحلال المتدفق من كلام الله العذب البديع المنزل من السماء يُسقط كل ما قاله الفصحاء من الأدباء والخطباء والشعراء من أهل الأرض, فيبدو أدبهم كالمسخ القميء مهما سمت قاماتهم وعلت مراتبهم : ما شطَّ الفؤادُ ولن يلام ولعلي قد سرحت - وأنا أقرأ لشاعرنا هذا المقطع - بقول الوليد بن المغيرة, وشتان مؤمن وكافر ولكن الوليد أنصف حين قال في كتاب الله تعالى : "إنه لمثمرٌ أعلاه، مغدقٌ أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليَحطِم ما تحته" : هنا يصير الشعر وتحضرني هنا مقولة : "أعذب الشعر أكذبه" ليتضح لنا فارق مهم جدًا بين الشعر وبين كلام الله الذي يفيض عذوبة وبهاء بينما هو الصدق عينه وهو الحقيقة ذاتها : هنا الحقيقةُ كلُّها ثم يبدو لنا أن الشاعر يباهي بإخوان له تخرجوا في مدرسة أو معهد نهلوا فيه من علوم دينهم وجنوا رحيق العقيدة والإيمان, وذاقوا شهد الفضيلة والأخلاق والخصال الإيمانية التي يحفل بها كتاب الله تعالى ثم من بعده أمهات كتب العقيدة والبلاغة والسيرة, وقد استعرضها شاعرنا بأسلوب لطيف لا يوحي بالمباشرة الفجة, بل كساها ثوبا من الشاعرية يشف عن نفسه المتألقة الشاعرة : هُنا الذين تخرجوا بدلائل الإعجاز إنهم كوكبة من الذين جمعتهم أخوّة الإيمان, أهل الحق, أبناء مدرسة الهدى, فليمضوا على درب الحق إلى الأمام دون تردد أو توقف : بورك جمعكم يا وفي الآفاق حيث نور الهداية ينتشر من أم القرى يجول خيال الشاعر مع لمحات الفتح وعودة الرسول الكريم وصحابته إلى مكة مسقط الرأس ليلتئم شمل المؤمنين بعد جفوة طويلة وغياب مديد (الرمل) : بضع ليلة وبأواصر العقيدة المطهرة يربط الشاعر ثلاثة أطيب بقاع الأرض : مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف هذه هي البلاد, وغيرها زائف الحسن, وإلى تلك الأراضي تشد الرحال : ما زلتِ يا بكةُ أحلى ويفيق الناس على رائحة أرجٍ فواح كالمسك يضمّخ الأرض المقدسة, فإذا به ريح دم الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي أعجز من فوق كرسيه ذي العجلات قوات الاحتلال, تهريقه غدرًا الأيادي الأثيمة الحاقدة, وتعصف بالأهل عاصفة من الحزن والغبطة في آن معاً, ويسكب الشاعر عبراتِه الحارةَ قوافيَ شامخة مفعمة بالإباء والإصرار على الثأر من القتلة الغادرين : لكنه الشيخُ الجليلُ وفي لحظة من الأسى يعجب الشاعر كيف تتهور الأيادي الآثمة فتمتد إلى عرين ذلك الليث الهصور الذي لم يقدروه حق قدره, فما دروا أن أسودا رباها الياسين سوف تدرك ثأره : لكنه الياسينُ ولا يفل الحديد إلا الحديد فلتُعدّوا للثأر أيها الرجال ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل لزلزلة الأرض تحت الغادرين تحت راية (الله أكبر) ولتسر الجحافل على طريق الشهادة طريق جنة الفردوس, فخيل العقيدة حمحمت طالبة الثأر : ما كان يكفي أنْ ويحلق بنا الشاعر إلى صفحة مشرقة من تاريخ النبوة يوم هزم الله الأحزاب وحده في غزوة الخندق بعد أن بلغت القلوب الحناجر, في محنة نقضت خلالها بنو قريظة عهدها المبرم مع رسول الهدى والسلام, فإذا بالقرار التأديبي الحازم يعلنه النبي في أصحابه : " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ", وأعز الله المسلمين وأذل الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه : قد أدار لنا العدو مجنهُ إن الثأر لقادم ولا بد أن يعود التاريخ من جديد طالما توافرت العزيمة الحق, والحق لا يموت : إن العين بالعين ما أجمل الالتفات وخطاب الشهيد, فليطمئن القائد أنه وإن غاب جسده فلن تغيب روحه؛ روح الجهاد التي بثها في نفوس الملايين, وهذا هو الشعب الأبي الذي لا بد من أن يثأر, إنه شعب العز, شعب الإسلام المارد الذي سينتفض ليذيق أعداءه ما يحذرون : قصدوا غيابكَ - همسة من محب |
التعليقات (0)