مواضيع اليوم

الشاعر رمضان عمر شعاع النصر من مشكاة العقيدة

د. رمضان رمضان

2014-02-09 17:21:04

0

 

الشاعر رمضان عمر شعاع النصر من مشكاة العقيدةPDFطباعةأرسل لصديقك
بقلم: د. محمد توكلنا

د رمضان عمر

لا بد لمن يسعى لتحقيق هدف مقدس من أن يتمتع بإرادة قوية وعزم متين وإلا ضاع الهدف ووهنت الأيدي دون تحقيقه, ولا يشد العزيمة مثل عقيدة راسخة تحفز صاحبها للوصول إلى هدفه مهما وعر المسلك وتكاءدت العقبات.

فما بالك إن كانت أمة تسعى لتحرير أرضها المحتلة وعودة شعبها المشتت المفرق في أنحاء الأرض إليها وإنقاذ مقدساتها من أيدي مغتصبيها؟ فهنا يبرز دور الأدباء والشعراء في استنهاض الهمم, وتكون اليراعة رديفا للبندقية والمدفع.
وشاعرنا الذي نحتفي به اليوم صاحب عقيدة وإيمان, همه الأول أن يرى أرضه وقد تحررت, ومقدساته وقد استرجعت من أيدي غاصبيها, وشعبه عاد إلى وطنه لينعم بالأمان والحرية فيه. إنه رمضان عمر؛ شاعر يعيش داخل الأرض المحتلة فيرى عن كثب كل مشاهد الظلم والبطش والقهر ومحاولات محو الهوية العربية والإسلامية عن أرض هي من أقدس المقدسات, ويرى حوله مشاهد المقاومة والفداء وتضحيات شعبه الذي يقف في وجه العدوان ومخططاته, فرأى بعيني قلبه المستقبل الذي يحمل الأمل في زوال عصر الظلام واندحار المحتل ورحيله عن أرضه (المتقارب) :

أراكَ بعيني قلبي
تغادرُ أرضي وترحلْ
أراك ولستُ إخال بأني أراك
وُجودكَ حَنْظَلْ

إن العزيمة والثقة تتجليان على لسان شاعرنا حين يفصح عن التحدي العجيب, فجرح المنكوب يتحدى بطش المجرم وينذره بالرحيل عن الأرض التي تقبحه وتلعنه, وإلا ستكون مقبرته :

وجرحي يطاردُ بطشَك, فارحل
أراك لأنك مثل الظلام
وكلِّيَ نور
فغادِرْ
تسربلْ
هي الأرض تلفظ فيك الوجود
وتلعن فيك الجدود
وتحفر كل الخدود
ستُدفن حيا
وإلا سترحل

وأدرك الشاعر وظيفة الشعر في إذكاء شعلة الكفاح ضد المحتل وأهمية الشعر الملتزم في هذا الميدان فأطلق صيحته لهجر الغزل العبثي الذي لا طائل منه في زمن تشتد فيه حاجة الأمة إلى رجال تترسخ العقيدة في صدورهم, وشعراء يحملون هم أمتهم ودعا هؤلاء الرجال ليستمعوا إلى كلام ربهم فيكون هو حافزهم للفداء (الكامل) :

دعْ عنكَ ليلى
والحكاياتِ
السخيفةَ
والهيامْ
وبعضَ أوسمةِ
الكلامِ
الشاعريِّ
عن الغرامْ
وقل: تجلى ربُّنا بجلاله
أرهف له السمعَ المصفى
كن وقورَ القلبِ
يا هذا
فذاك هو المقامْ

ويظهر لنا عمق إدراك شاعرنا لدور الإعلام الهادف فيدعو هنا إلى الإصغاء إلى صوت كوكبة ممن يشتغلون بطلاب العلم أو تعليمه يتلون آيات كتاب الله تعالى وأحاديث نبيه عليه الصلاة والسلام, وربما يبدو أنهم يستمعون إلى الذكر من الإذاعة وهذا هو الإعلام الهادف الذي يشحذ الهمم من خلال بث آي الذكر الحكيم وأحاديث الإسلام التي تدعو إلى الهدى, ومقالات العلماء والفقهاء والأعلام الأفذاذ الذين يُخرجون الناس من الظلمات إلى النور, إنها هي التجارة الرابحة؛ التجارة مع الله :

هنا الإذاعةُ حيث شيخ مقرئٌ
للآي في صوت ندي
بانتظامْ
وهنا البراعة
في حديثِ المِسكِ مِن هَديِ النُّبوّة
ها هنا صرحٌ
مِن النُّجباء
والفقهاء
والأعلام
في ستٍ خلَونَ من السنين
تجارة في الله

إن السحر الحلال المتدفق من كلام الله العذب البديع المنزل من السماء يُسقط كل ما قاله الفصحاء من الأدباء والخطباء والشعراء من أهل الأرض, فيبدو أدبهم كالمسخ القميء مهما سمت قاماتهم وعلت مراتبهم :

ما شطَّ الفؤادُ ولن يلام
هنا تساقطتِ المقاماتُ الرفيعة
لم يعد يزهو مع النص المقدس
مسخة في القول
عجز في الكلام

ولعلي قد سرحت - وأنا أقرأ لشاعرنا هذا المقطع - بقول الوليد بن المغيرة, وشتان مؤمن وكافر ولكن الوليد أنصف حين قال في كتاب الله تعالى : "إنه لمثمرٌ أعلاه، مغدقٌ أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليَحطِم ما تحته" :

هنا يصير الشعر
لا وردًا ولا زهوًا
ولا ألْقًا سماويّا
هنا
تغفو المساحيق البليدة
تندثِر
وهنا سينقشع الغمام

وتحضرني هنا مقولة : "أعذب الشعر أكذبه" ليتضح لنا فارق مهم جدًا بين الشعر وبين كلام الله الذي يفيض عذوبة وبهاء بينما هو الصدق عينه وهو الحقيقة ذاتها :

هنا الحقيقةُ كلُّها
فاقرأ
مع القرآن
يرتفع المقامُ

ثم يبدو لنا أن الشاعر يباهي بإخوان له تخرجوا في مدرسة أو معهد نهلوا فيه من علوم دينهم وجنوا رحيق العقيدة والإيمان, وذاقوا شهد الفضيلة والأخلاق والخصال الإيمانية التي يحفل بها كتاب الله تعالى ثم من بعده أمهات كتب العقيدة والبلاغة والسيرة, وقد استعرضها شاعرنا بأسلوب لطيف لا يوحي بالمباشرة الفجة, بل كساها ثوبا من الشاعرية يشف عن نفسه المتألقة الشاعرة :

هُنا الذين تخرجوا بدلائل الإعجاز
بالنص الإلهي المقدس
بالفضائلِ
بل هنا خيرُ الأنام
هنا الذين تمسكوا بعقيدة التوحيد
بالحبل المتين
من الأوائل
بالزمام
هنا الذين تعاهدوا
في عزة بالعصر
بالحجرات
بالإسراء
بالأنعام

إنهم كوكبة من الذين جمعتهم أخوّة الإيمان, أهل الحق, أبناء مدرسة الهدى, فليمضوا على درب الحق إلى الأمام دون تردد أو توقف :

بورك جمعكم يا
سادةً في الحقِّ يا أركانَ
مدرسةِ الهدى
فإلى
الأمامِ
إلى الأمامِ
إلى الأمام

وفي الآفاق حيث نور الهداية ينتشر من أم القرى يجول خيال الشاعر مع لمحات الفتح وعودة الرسول الكريم وصحابته إلى مكة مسقط الرأس ليلتئم شمل المؤمنين بعد جفوة طويلة وغياب مديد (الرمل) :

بضع ليلة
والورى تهجع في بطحاء مكة
خشعا في صمتهم
والدجى يرسل ظله
جاء وعد الحق
في أبهج حلة
……….
كان وحده
في العلا يحدث أمره
والعروس البدر يا أرضا
تلقي ، نبأ
بل خير بشرى
إنه الزين الكريم المصطفى
يا للمسرة
فافرحي
بل أرسلي الخيلاء
وانتفضي مسرة
أواه ما أحلى اللقاء
أواه ما أزكى لمام الشمل
يا بدر المدائن
هو ذا الرسول فعانقي

وبأواصر العقيدة المطهرة يربط الشاعر ثلاثة أطيب بقاع الأرض : مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف هذه هي البلاد, وغيرها زائف الحسن, وإلى تلك الأراضي تشد الرحال :

ما زلتِ يا بكةُ أحلى
ما زلت أنت الارجوان
والكلُّ حولَك زائفاتُ الحسنِ
كاذبةٌ مزاعمُ كيدِهن
والقدسُ مثلُكِ والمدينة
والروضة الغراء تنتظر الرجال
والترب غذي بالدماء
لكي نسافر
وعلى خطا الأعمال ترتسم الممالك والمآثر
والفوز من حظ الذين تعاهدوا في الله
أحباب النبي وصحبه
أهل البصائر
والبشائر

ويفيق الناس على رائحة أرجٍ فواح كالمسك يضمّخ الأرض المقدسة, فإذا به ريح دم الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي أعجز من فوق كرسيه ذي العجلات قوات الاحتلال, تهريقه غدرًا الأيادي الأثيمة الحاقدة, وتعصف بالأهل عاصفة من الحزن والغبطة في آن معاً, ويسكب الشاعر عبراتِه الحارةَ قوافيَ شامخة مفعمة بالإباء والإصرار على الثأر من القتلة الغادرين :

لكنه الشيخُ الجليلُ
القائدُ العملاقُ
سرُّ الخصبِ
في بحرِ الجهادِ
…. 
أبيُّ نفسٍ
ما وَنتْ يوماً
لظلمٍ
إنه العلَمُ
الإمامُ
المرشدُ

وفي لحظة من الأسى يعجب الشاعر كيف تتهور الأيادي الآثمة فتمتد إلى عرين ذلك الليث الهصور الذي لم يقدروه حق قدره, فما دروا أن أسودا رباها الياسين سوف تدرك ثأره :

لكنه الياسينُ
لو عرفوا المكانةَ
كيف يجرؤ عابثٌ
متهورٌ
مسَّ العرينِ
اللاهبِ المسجورِ
قد- والله- حانَ الموعدُ

ولا يفل الحديد إلا الحديد فلتُعدّوا للثأر أيها الرجال ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل لزلزلة الأرض تحت الغادرين تحت راية (الله أكبر) ولتسر الجحافل على طريق الشهادة طريق جنة الفردوس, فخيل العقيدة حمحمت طالبة الثأر :

ما كان يكفي أنْ
نصدَّ الطعنةَ النجلاءَ
بالكفِ البريئةِ؛
أسرجوا كلَّ الخيولِ
الفاتناتِ.
تقدموا…
بقذائفِ القسام
بالألغامِ
بالردِ المزلزلِ.
إنها الثاراتُ؛
ما فل الحديدَ سوى الحديد
وكل ردٍ يرعدُ
…….
الله أكبرُ يا جحافلنا الفتيةَ،
يا ألوفَ العاشقينَ
لجنة الفردوسِ،
قد طاب اللقاءُ،
وهمهمت
خيلُ العقيدةِ.

ويحلق بنا الشاعر إلى صفحة مشرقة من تاريخ النبوة يوم هزم الله الأحزاب وحده في غزوة الخندق بعد أن بلغت القلوب الحناجر, في محنة نقضت خلالها بنو قريظة عهدها المبرم مع رسول الهدى والسلام, فإذا بالقرار التأديبي الحازم يعلنه النبي في أصحابه : " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ", وأعز الله المسلمين وأذل الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه :

قد أدار لنا العدو مجنهُ
وصلاة عصرِ الغاضبين
بصحن خيبرَ….
لا نجوت إذا نجوتم
يا يهودَ
الشؤمِ.

إن الثأر لقادم ولا بد أن يعود التاريخ من جديد طالما توافرت العزيمة الحق, والحق لا يموت :

إن العين بالعين
وإن السنَّ بالسنِّ
وإنا قد عزمنا أمرنا
والكونُ يشهد

ما أجمل الالتفات وخطاب الشهيد, فليطمئن القائد أنه وإن غاب جسده فلن تغيب روحه؛ روح الجهاد التي بثها في نفوس الملايين, وهذا هو الشعب الأبي الذي لا بد من أن يثأر, إنه شعب العز, شعب الإسلام المارد الذي سينتفض ليذيق أعداءه ما يحذرون :

قصدوا غيابكَ
حينَ نُوريكَ الترابَ
فليت شعري!!!!
كيف تسلوك الملايينُ التي
رضعت تعاليمَ الجهاد!!!
تجندت في واحةِ الياسين
كانوا واهمين!!؛؛
لأنَ شعبَ العز يعرفُ
كيف يستلُّ الردودَ
من الوريدِ
وكيفَ يختلق المعاييرَ
الرديفةَ للجريمة.
إنه الإسلامُ
وا إسلام
نعم الماردُ

- همسة من محب
ما أكثر ما كانت مشاعر السعادة تأخذ بمجامع قلبي وأنا أحلّق في سماء قصائد الشاعر وأحطّ عند كل مشهد من مشاهد الثقة بالنصر في زمن خيم اليأس على الكثيرين, وأنتشي طرباً وأنا العقيدة الراسخة في نفس الشاعر, تلك العقيدة التي هي المشكاة التي تنبثق من خلالها أول خيوط أشعة النصر والعودة, ولكن تقطع علي نشوتي بعض هفوات منها لغوي ومنها عروضي, فأما اللغوي فمنه قوله : "أواه ما أزكى لمام الشمل" بمعنى لمّ الشمل. وفي تاج العروس اللمة: (الشعر المجاوز شحمة الأذن) ج : لِمم ولِمام, واستعماله (أورى) بمعنى (وارى) في قوله : "حينَ نُوريكَ الترابَ" وفي التاج أيضاً يقال الزند الواري الذي تخرج ناره سريعا, وأوريته أنا اهـ وكذا قوله (السودوية) بمعنى السوداوية في قوله "خلف منوال الليالي الحالكات السودوية" وهذه لم أجدها بهذا اللفظ ومن ذلك قوله "ألحان شدية" وفي التاج : (شدا الشعر: غنى به أو ترنم) ، وكذا شدا غناء. والشادي: المغني من ذلك.اهـ ولكن لم أجد شدي في هذه المادة. ومن ذلك قوله: "فاتنات الحسن ريات المآصل" ولفظة (المآصل) لم أجدها, ولا أدري فربما قصد بها (الأصول) ومن ذلك قوله " تعشق الحرث وتهوى البحش من نصل المعاول" قال في التاج (بحشوا، كمنعوا: اجتمعوا، أهمله الجوهري. قاله الليث في العين، ونصه: بهشوا وبحشوا، جميعا: اجتمعوا، وخطئ، أو الصواب: تحبشوا وتهبشوا، كما سيأتي قريبا، قاله الأزهري، قال: ولا أعرف بحش في الكلام اهـ.
وأما العروضي فمن ذلك قوله : " نحن في عرف الذين تجبروا" وهو مكسور عند تاء تجبروا ويستقيم لو كانت التاء ساكنة, وقد تكرر مثله في القصيدة ذاتها " غير أن الآه في أعماقنا صنعت قضية" و "سوف يبني المجد يوما كي تظل لنا الهوية" و"هذه السوح التي عشقت هوانا" 
ومن ذلك استعماله متفاعلن مكان مستفعلن في البحر البسيط كما في قوله "حُزَمُ الهزائمِ من عجزٍ ومن سقمِ" و "ركبوا السّباقَ ففازوا عند ملتحمِ" 
ولقد يعذر لشاعرنا بعض الهفوات كل ما قدم للمكتبة العربية من قصائد حافلة بالإيمان والعزم وصدق الإحساس مما تفتقده الساحة الشعرية وأن يراعته كانت رديفا للبندقية في ميادين النضال ضد المحتلين.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !