|
|||||
في مجموعته الشعرية الأخيرة <<ألبوم العائلة>> يليه <<العابر في منظر ليلي>> لإدوارد هوبر, يستمر الشاعر بسام حجار في تقديم حيوات مختبره الشعري الخاص التي أثبتت فرادتها ونكهتها عبر ثلاث عشرة مجموعة شعرية: مشاغل رجل هادئ- 1980 لأروي كمن يخاف ان يرى - 1985, فقط لو يدك- 1990, صحبة الظلال- 1992, مهن القسوة- 1993 مجرد تعب- 1993, معجم الأشواق- 1994, حكاية الرجل الذي أحب الكناري- 1996, مديح الخيانة- 1997, بضعة أشياء- 1998, كتاب الرمل- 1999, سوف تحيا من بعدي - 2001. من خلال تمعن قليل في معنونات مجموعاته الشعرية يمكن الوصول الى استنتاج مفاده استنطاق البسيط من الكلمات في ترابطات لها وقع خاص بما لها من بساطة. والقارئ لمجموعاته سوف يتفرد ايضا في تلمس خيط حساس, فاصل ودقيق في ترسيخ خصوصية هادئة او قل تتهادى كمن زادت حمولة تعبه في فرز كنوزه المتعبة. والأمر اللافت في تجربته اشتغاله على رهط قليل من المفردات مستخدمة في شؤون حياتية ومهملة في الكتابة-.. عاملا على انتشالها من سيرتها العادية واعادة بث الروح في حقولها واستعمالها في آفاق الكتابة وتأسيسها لخلق جمالي وشعري شفيف والتلذذ في ترجيع الكتابة بها وصوغ اشياء متروكة التدوين لهيئتها وتفعيل المجرد من غرائزها. والأمر الآخر اللافت في تجربته ميله في تضمير ثقافته الواسعة ضمن دواخل قصائده على صورة هشاشة تتباهى بتفككها. بسام حجار الشاعر وبسام حجار المالك لمناطق ثقافية مترامية في امور المكتوب وفن الترجمة عن لغات الغير مغنيا بها صفحات الجرائد والمكتبات- يمكنك الخوض في ذلك وذاك باب آخر. في <<ألبوم العائلة..>> يطلعنا بسام حجار على منحى أفعال حياتية مكرورة في إفعال التأمل بشكل آني وقابل الاستحداث بشكل دائم مستمر ويقدر على إعطائها حس حار لسلب اشياء بسيطة من خلال توزيع المفردات على كل فعل وربطها مع بعضها البعض في مفاصل حميمة ذات طابع شعري خالص في فضاء النص: <<طرف مائدة أطباق وكؤوس ما زالت نظيفة أشخاص أعرفهم جيدا عند الزاوية اليسرى, على الطاولة علبة تبغ معدنية وقداحة من فضة مطرقة قديمة على العلبة مبسم سيجارة عاجي وكرسي شاغر وكانوا في غيابه ريثما يعود>> (ص29) ويعيد هاتيك المواضيع من زوايا ذات رؤى مختلفة يبدو الشعر عند بسام حجار على هيئة مملكة خاصة وملاذ وجودي يلجأ إليها كلما أراد البوح عما يدور في شعوره تجاه ما يحدث أو سيحدث في الحياة من شروخ وتصدعات ما حدث, وفقدان كائنات ذات التصاق في تسير حالة العيش المشترك. الشعر عنده صعب حتى ولو ظهر في إطارات متواضعة لصور الابيض/ الأسود.. نلاحظ مثلا كيفية خلقه لفضاءين زمنيين على الورقة البيضاء من خلال أدوات: كان/كأن/ كنت/كانوا: (سألت الرجل الذي كنته قبل عام لم لا أراني بينهم?) (ص 14) بهذه الطريقة وشقيقاتها ذات الالتفاف على نفسها ينسج أسرة مشتركة لغرف شعرية معتمة وينيرها باستحواذه على السرد الحكائي والتخييلي والتصوير ذي الطابع الراهني. ويخلق عتبة شعرية بين ماض وحاضر بأسلوب يبدو مفترضا في ايجاد واجهة النص الشعري وسرعان ما تظهر في مقاسات النص مسحة معاشة عميقة ونقية ويتراوح ذلك بين الحوار والتأمل في طقوس الاشياء المحيطة بها. ويطل بأناقة الفقيه على أفقه الشعري ويترجل ذهابا الى ترتيب شؤون حياتية وازالة الغبار عنها وربط علائقها المستحدثة مع المنظور الشعري كحالة تنبأ متعدد الحضور: (كانت تحدق في المكان البعيد كأنها تراني وكنت أعلم أني, هناك في المكان البعيد, حيث تراني) (ص21) يمنح بسام حجار قصائده احتمالات من أجل الحصول على إحساس وقوة الاختزال والتواجد الثنائي مع المسافة المفترضة الفارقة بينهما على طاولة النص معتمدا على طاقات تصويرية خلاقة وشحنات شعورية مؤلمة وحارقة... والامساك بأشياء صعبة وعميقة تتواجد في دواخل معظم الناس: (قالت لها: أنزلي الصورة عن الجدار وامسحي زجاجها برفق بالقماشة الحرير التي في الخزانة والإطار وانتبهي الى ثنية الياقة وربطة العنق ورطبي شفتيه وشعره بالماء البارد ضعيها على الكنبة, في صدر الدار, قليلا وافتحي الباب فالطقس جميل) هامش ألبوم العائلة يليه العابر في منظر ليلي لإدوارد هوبر تتصدرها لوحة للفنانة ريم الجندي صادرة عن المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء- المغرب - 2003 في 112 صفحة. |
التعليقات (0)