مواضيع اليوم

الشاعر أحمد عبد الكريم :

نوارة لحرش

2009-02-07 21:32:00

0

الشاعر أحمد عبد الكريم :

(من الصعب أن تستمر في الحياة بروح الشاعر)

 

أحمد عبد الكريم، من شعراء الجيل الجديد، يعد أحد شعراء جيل الثمانينيات المتميزين، وهو من المؤسسين للحساسية الصوفية في الشعر الجزائري. شاعر بهيُّ المفردة ،وسيمُ العبارة، أنيقٌ في جمله وفي شعريته..شاعر يذهب ذهابه الأجمل نحو برزخ الكلمات،يقولها/ يغردها، يهدهدها/ يدندنها ،فتحتفي به المواويل والأغنيات.صدر له حتى الآن  كتاب الأعـسر (نص سردي) ومجموعتان شعريتان: "تغريبة النخلة الهاشمية" و"معراج السنونو" التي ترجمت إلى الفرنسية، وينتظر أن تصدر له رواية "عتبات المتاهة" عن رابطة كتاب الاختلاف.

في هذا الحوار الذي اعترف لنا باستثنائيته وقوة أسئلته وعمقها،يتحدث الشاعر عن تجربته وجيله وقضايا أخرى إشكالية تثير سجالا في الوسط الثقافي ،كما تحدث عن تجربته الروائية الجديدة.و نحن هنا بمنتهى الفخر والمحبة نقدمه للقراء الذين يعشقون الحرف والشعر ، فهنا الفراشاتُ لا تنتهي عبثا،و هنا العصافير لا تغرد خارج البهاء مطلقا.

 

حـاورتـه / نـوّارة لـحـرش

ما الذي يمكن أن تقوله عن تجربتك الشعرية وعن مشهديتها الإبداعية ؟

أحمد عبد الكريم :  سؤالك يعود  بي إلى البدايات الأولى في منتصف الثمانينيات ، حيث دخلت عتبات الشعر المقدس.. السياقات السوسيوثقافية كانت مختلفة عما هي عليه الآن ، في تلك اللحظات بدأ تشكل لوعي جديد على أكثر من صعيد ، ربما كانت أحداث الخامس من أكتوبر إحدى ثماره،على صعيد الكتابة حدث انتقال كبير في النظر إلى وظيفة الكتابة وطريقة التعاطي معها بشكل عام.وإذا كان هناك من أهمية لجيل الثمانينيات فهي أنه فرض رؤية جمالية مغايرة تماما لما كان مكرسا خلال السبعينيات بشكل مسطح و أيديولوجي .أما شعرية الثمانينيات فهي شعرية تكاد تكون طقسية على صعيد الممارسة ، وشعرية مغامرة تنزع إلى الذهاب بعيدا ،اختبار إمكانات اللغة وتفجير طاقاتها الدلالية والإيحائية ، بالاستناد إلى رؤية إشراقية فلسفية مسائلة لكل المسلمات والإطلاقيات بعيدا عن كل الطابوهات والأسئلة المسكوت عنها..أنا كنت وليد هذه السياقات الصعبة، وكنت أحد المساهمين بتواضع، في التأسيس للمشروع الشعري لجيل الثمانينيات، بالطبع بخصوصية معينة تميزني عن غيري..هذا الجيل الذي أجهض مشروعه الشعري لأسباب كثيرة ، وهوما يفسر المآل التراجيدي الذي انتهى إليه شعراؤه: الاغتيال ، الهجرة ، الصمت ، الانسحاب العبثي ...أتذكر كيف أن القصيدة العمودية انحسرت كثيرا وتقلص دورها، مثلما انحسر دور القصيدة الإيديولوجية.

هناك أسماء شعرية مكرسة في المشهد الثقافي عندنا وأسماء أخرى مهمشة، لماذا  يحدث هذا برأيك ؟ ولماذا يتم تكريس المكرس أكثر وتهميش المهمش أكثر؟. 

أحمد عبد الكريم : الأمر صحيح ، كثير من الأسماء لا تفرض نفسها بقوة النص ، وإنما حضورها يأتي من معايير لا صلة لها بالإبداع ، ومن خارج شروط إنتاج النص ، قد تكرسها ظروف ورهانات سياسية معينة، وقد تكون مستندة في شرعيتها إلى قوة مراكز القرار التي تحتلها، هناك أمر آخر يشكل سببا في تكريس الأسماء بشكل غير مؤسس ،بل وبشكل مفضوح، هو مركزية الثقافة الجزائرية وتمركزها في العاصمة التي لا تنتج الثقافة وإنما تسوقها. ومن ثمة فالملاحظ إن هناك احتكار للكثير من المنابر و الوسائل. التي تمر عبرها أسماء معروفة من أجل ألا تقول شيئا، وإنما كنوع من الإشهار لأسمائهم. وإذن فالجغرافيا الداخلية ،أو ما يسمى بالجزائر العميقة هي مناطق منسية، مناطق ظل لا يمكن أن تطالها الإستراتيجيات الثقافية المسطرة من قبل سدنة العاصمة..هذا هو الذي أدى بي إلى أن أصدر بيان البِؤس الجنوبي ، في فترة سابقة ..

تقول دوما بأنك من أنصار أسماء الهامش، هل لأنك تشعر بأنك واحد من أسماء الهامش، أم لماذا تحديدا؟

أحمد عبد الكريم : بالتأكيد، أنا واحد من أسماء الهامش المغيب ،لكنني لا أنطلق من نفسي في تناولي لهذه المسألة، وإنما أتناولها دائما من خلال أسماء ،تشكل بنظري أمثلة على صوت الهامش المقموع والمنسي ، بقصد أو بدون قصد ، بحسن نية أو بسوء نية ، أجدني دائما منحازا لهذه الأصوات الاستثنائية ، وهي تغرد كطيور البجع وهي في لحظات تماس مع الموت..بعيدا عن الضوء ، من الغريب ، أن تتناول وسائل الإعلام مثلا ، كتبا أو مشاريع كتب، بالعرض والتنويه، وهي مازالت في رحم الغيب ، في حين تغض الطرف عن إبداعات ناجزة ومفلقة لكتاب ، فقط لأنهم من طينة المهمشين ، هؤلاء ينتمون إلى مؤسسات وشلل تدافع عنهم وتحمي ظهورهم ، وأؤلئك عزل إلا من جدران المقاهي..غريب أمر الثقافة في بلادنا، يصاب كاتب بنزلة برد  في الشمال فيظهر على شاشات التلفزة بالصوت والصورة..و يتلف عقل شاعر في نقطة منسية من وطننا ولا أحد يحرك ساكنا..حتى بعض المؤسسات والهيئات الثقافية عندما تتعاطف أحيانا مع أحد من هؤلاء المهمشين، فلكي تتاجر بمعاناته ونصه ،لا لكون ذلك حقا طبيعيا له ،وهو واجب منوط بتلك المؤسسة، وهو واجب عليها تجاه هذا الكاتب أو ذاك ولا مزية لها في ذلك..في الكثير من الأحيان وجدتني أمام أسماء مكرسة وكبيرة إعلاميا تمثل دور المصغي إلى الصوت المهمش ،وهي في حقيقة الحال لا تصغي إلا لنفسها..من واجبنا جميعا أن نلتفت إلى معاناة كثير من الكتاب والشعراء المهمشين إنسانيا واجتماعيا في أقاصي الجزائر،وسبب معاناتهم تعود إلى لعنة الكتابة...من جانب آخر هناك تقصير من هؤلاء المهمشين ،فيما يتعلق بإسماع صوتهم ،وهذا لا يعفيهم من الاستماتة والاستبسال في الدفاع عن نصوصهم وكينونتهم.

هل هناك أسماء معينة ترى فيها إبداعية حقيقية و أكيدة ، وبأنها ستذهب بعيدا في مشروعها الشعري ؟  

أحمد عبد الكريم : للأسف الشديد الممارسة الشعرية عند الكثير من شعرائنا مازالت تفتقد إلى كثير من الاحترافية، أي أنها مازالت بمستوى الهواية، بمعنى أن الشعر لا يشكل اهتماما جوهريا في حياة الشاعر ، ولا يشكل انشغالا أساسيا في يومياته ، والأمر متروك للمناسبات وللنفحات التي قد تأتي وقد لا تأتي ..الشعر والمشروع الشعري يحتاج إلى اشتغال مستمر وتعاط دائم مع الشعر: كتابة ،وتأملا،وقراءة..ومن هنا ،فأنا أقول ،وهذا الرأي سبق وأن عبرت عنه في مناسبات سابقة ، بعدم وجود شعراء جزائريين يِؤسسون لتجارب أو مشاريع شعرية ، والغريب أن هناك شعراء جزائريين وليس هناك شعر جزائري منتظم في حركة لها علاماتها وآلياتها ومؤسساتها ومنابرها ، بمعنى آخر هناك حالات شعرية معزولة عن بعضها البعض ، تستند إلى النزوة وإلى المزاج والراهن أكثر مما تستند إلى رؤية إلى العالم والأشياء ، كما تستند إلى تراكم شعري نفتقده في تاريخنا الشعري كما تستند إلى خلفية معرفية وفلسفية يفتقر إليها الكثير من شعرائنا. فضلا عن أن السياقات السوسيوثقافية عندنا لا تسمح بتطور هذه المشاريع الشعرية لأنها تحتاج إلى الكثير من الوسائط والمؤسسات والإستراتيجيات المتزامنة مع لحظة إنتاج النص. من قبيل النشر والتوزيع..ربما المشروع الشعري الوحيد والمجهض يكمن في شعر الثمانينيات، وهي تجربة مبتورة لم يكتب لها الاستمرار.

لماذا النص الشعري الجزائري غير متواجد بكثافة عبر النشر الإلكتروني ،عكس النص المشرقي الذي يحقق تواجده بشدة عبر هذه الفضاءات المفتوحة وبهذا يحقق مشهدية وجودية حقيقية ،لماذا الشاعر والكاتب الجزائري على قطيعة تكاد تكون تامة مع هذه الفضاءات؟ أين يكمن الخلل ؟

أحمد عبد الكريم : يجب أن أشير أولا ، إلى أن النشر الإليكتروني وسيلة غير متاحة لكثير من الكتاب والشعراء في المدن والمناطق الداخلية للجزائر ، وإذا كانت هذه المناطق إلى غاية الآن تعاني من مشكل الكتاب وتأخر وصول الجريدة ، وانعدام شبكة الهاتف فما بالك بالإنترنيت والنشر الإليكتروني ، وما رأيك بمن يقطع مسافة 20 كلم لكي يطلع على بريده الإليكتروني ..أليس في هذا نوع من العبثية ..؟ كثير من الكتاب لديهم مشكلة مع الخبز والقوت ،وإذا كانت لديهم مشكلة مع النشر الورقي التقليدي ، فما بالك بالنشر الإليكتروني .وحتى وإن وجدت شبكات الإنترنيت وشبكات الألياف البصرية فمصاريفها لا قبل لهم بها إلا من رحم الله. من جانب آخر هناك تخوف من نشر النصوص قبل نشرها ورقيا ، خشية السرقة والانتحال ، لأن المعروف أن نشر النصوص عبر شبكات الإنترنيت يأتي في مرحلة تالية لنشرها عبر وسائد ورقية ،وهذا ما نلاحظه عند كبار الكتاب الذين لا يغامرون بنشر نصوصهم قبل ظهورها في كتاب. هذا لا يعني أن هناك جهلا بهذه الوسيلة وإمكانياتها من طرف كثير من كتابنا، وعدم معرفة باستخدامها، ولذلك تبقى الوسائل التقليدية في نشر الشعر من خلال الحبر والورق، ومن خلال المنابر والإنشاد ،هي المتحكم في تلقينا للشعر وتذوقه.

تحضر الصوفية بشكل واضح وجلي في نصوصك الشعرية /هل هذا راجع إلى البيئة و المحيط مثلا أم إلى اختيار واع ومسبق ؟ 

  أحمد عبد الكريم : لا إطلاقا..الأمر لا يعود إلى اختيار واع ،على الأقل في البدايات حيث جاء الأمر بشكل تلقائي ،بالنسبة لي الصوفية بمسلكياتها وطقوسها ومتونها ولغتها وطريقة رؤيتها للعالم شكلت جزء من مخيالي في الطفولة،على اعتبار أنني ابن منطقة معروفة بزاويتها وبتقاليدها وطريقتها الصوفية الرحمانية ،وما كان لها من أتباع ومريدين، يؤمونها باستمرار لإقامة حلقات الذكر والأوراد ، وبالتالي فلم أحس في يوم بأنني طارئ على التصوف أو دخيل عليه ،ولم أتصور في البداية أن ما كنت أقوم به من تمثل للرؤيا واللغة الصوفية بشفافيتها واختزالها..سيتحول إلى حساسية كان لها شأنها في الشعر الجزائري ،لكن وعيي بهذه الصوفية لم يأت إلا فيما بعد.حين بدأ النقد يشير إليها،ويتناول خصوصيتها،وفي كل مرة كان يشار إلى اسمي بوصفي أحد الأسماء المؤسسة لهذه الحساسية الصوفية في الشعر الجزائري الجديد ، مما حملني مسؤولية المزيد من الوعي بها ، واستثمارها في نصوصي بشكل أو بآخر .

  

أخبرتني منذ أيام بأنك انتهيت  من كتابة رواية و بأنك دفعتها للنشر ،ما الذي يمكن أن تقوله عن هذه التجربة الأولى في مجال الفن السردي ؟

أحمد عبد الكريم : هذه الرواية التي عنوانها "عتبات المتاهة"، سبق لي أن شاركت بها في جائزة مالك حداد للرواية،وقد أشادت لجنة التحكيم بهذا النص ،ولقيت استحسان إدريس الخوري ،الكاتب المغربي المعروف وأحد أعضاء لجنة التحكيم،وقد اقترحت علي رابطة كتاب الاختلاف مشكورة نشر هذه الرواية ،في إطار برنامج الجزائر عاصمة الثقافة العربية فوافقت باعتزاز، فقط أتمنى أن تكلل هذه التجربة بالنجاح. الرواية هي اشتغال على موضوعة الذاكرة والتصوف والمكان والإنسان من خلال الحالة الجزائرية بتاريخها وعشريتها السوداء التي عشناها جميعا ،وما أفرزته من شروخ عميقة في الروح ،وهي تراهن على الحكاية وشعرية السرد ولغته..

لماذا هذا الاتجاه للسرد الآن بالتحديد ؟

أحمد عبد الكريم : هذه المحاولة في الكتابة الروائية حتى وإن كانت قريبة في لغتها وهواجسها من نصوصي الشعرية،إلا أنها نبهتني إلى صعوبة الذهاب من الشعر إلى الرواية، وما يتطلبه ذلك من مكابدة ومعاناة جوانية لم أكن متعودا عليها في التدفق والتداعي الذي تمليه القصيدة على الشاعر خلال صيرورة إبداع النص..في حين أن الأمر مختلف تماما مع الروية التي تتطلب نوعا من التخطيط والعقلانية...منذ وعيت وقعت تحت إغراء السرد، هذا الإغواء هو الذي جعلني أكتب نصي كتاب "الأعسر" الذي هو نص شبه سردي، يضم نصوصا في مقاربة الذاكرة والمكان والصوفية بلغة شعرية إلى حد ما..وإذن فإن روايتي عتبات المتاهة هي امتداد طبيعي لكتاب الأعسر الذي أصررت على أن يكون أول إصدار لي، بل أكثر من ذلك  هي صياغة جديدة لهذا النص بشكل أكثر اهتماما بالجانب الروائي.

هل يعني هذا تحولا نهائيا إلى الكتابة الروائية ؟ 

أحمد عبد الكريم : لا أكتمكِ أنني مررت في السنتين الأخيرتين بمرحلة حاسمة في حياتي،وحين قمت بجرد لما أنجزته على أكثر من صعيد خلال الأربعين سنة التي هي عمري البيولوجي ،لا أكتمكِ أنني وجدت الكثير من الخراب الإنساني والوجودي الذي يعود في أساسه إلى الشعر، لأنه من الصعب أن تستمر في الحياة بروح الشاعر ،وأنت مخير حين ذاك بين الانتحار أو الجنون. أنا لا أقول هذا الكلام هكذا للاستهلاك، وإنما أنا من النوع الذي يخجل من دموع الآخرين، أنا أعشق عمري لأني أخجل من بكاء من أحب لأجلي.. في العام الماضي وأثناء الاحتفال الذي أقامه الأصدقاء لي في تيبازة بمناسبة احتفالي بعيد ميلادي الأربعين،أعلنت عن اعتزالي للشعر بقصيدة نشرتها إحدى الصحف..القرار لم يكن سهلا، وحقيقة لا أعلم إلى ألآن مدى جدية ما أقدمت عليه، لكنني منذ ذلك الحين أعيش الشعر ولا أكتبه..أنا الآن منشغل بتأثيث حياتي ببعض الأحلام الصغيرة التي يبدو أنني نسيتها في غمرة الشعر وصخبه.. أن أعيش حياة سوية بلا حساسية زائدة، أتمنى فقط أن أوفق في دراستي الجامعية، ولا يهم أن أصل متأخرا..رجوعا إلى سؤالك بعد صدور روايتي "عتبات المتاهة" سأستطيع أن أجيب على سؤال طالما راودني هل كان يمكنني أن أنجح ككاتب روائي،هل أنا روائي أخطأ طريقه إلى الشعر؟ في جميع الأحوال لن أخسر شيئا وسأواصل طريقي بشكل أو بآخر.

كيف تقرأ المشهد الثقافي عندنا ،وكيف تقرأ المنجز الروائي للجيل الجديد ؟ 

أحمد عبد الكريم : المشهد الثقافي عندنا يشوبه الكثير من الخلل، ويفتقد إلى الكثير من الصدق والجدية والمحبة والإنصاف لما هو إبداع حق، هناك جدل عقيم حول مسائل لا معنى لها وهناك لغط إعلامي كبير حول نصوص لا تستحق كل ذلك الاهتمام.و بالمقابل هناك تعتيم على تجارب روائية خاصة لكتاب الجيل الجديد يجب أن تأخذ حقها من الاهتمام..وكمثال على ذلك أنا أراهن كثيرا على المشروع الروائي للروائي بشير مفتي ،الذي يؤسس لمساره بوعي وبدأب ، ينقص الكثير من نظرائه،كما أنه يسهم في التأسيس للكثير من الأشياء الجميلة في حياتنا الثقافية من خلال "الأثر" أو من خلال مجهودات رابطة كتاب الاختلاف التي أسست للكثير من الأشياء المشرقة في واقعنا الثقافي.

ماذا عن الشعر الآن ، وهل من جديد بعد معراج السنونو ؟

أحمد عبد الكريم : معراج السنونو هو التجربة الثانية لي بعد تغريبة النخلة الهاشمية الذي يعد تجربتي التأسيسية الأولى ، وهو تجربة قرائية فيها الكثير من الإحالة على التجارب التراثية ، لغة ومحمولا ، من حيث الاعتماد على لغة متوترة ومشحونة بالصوفية ..أما معراج السنونو فهو تجربة أكثر تجريبا ومغامرة باتجاه استثمار منجزات الحداثات الشعرية،من حيث التشكيل واللغة والرؤيا..وأكثر تماهيا مع الراهن. لدي الكثير من النصوص المتناثرة هنا وهناك، كتبتها في فترات مختلفة،ولا أفكر في الوقت الحالي في نشرها ،لأن رؤيتي لما يجب أن ينشر وبالشكل التقليدي،حيث نجد في المجموعة الواحدة حالات ونصوص متباينة لا يربط بينها رابط أصبح في حكم ما لا يجب.

ما هي أهم خلفياتك الفكرية والشعرية و بمن تأثرت أكثر من الشعراء؟

أحمد عبد الكريم : ككل أبناء جيلي من الجنوبيين ثقافتي هي ثقافة أصولية تقليدية، تعتمد على تراكمات تراثية يشكل الشعر العمودي التقليدي أحد أهم روافدها ، بل جوهرها الأبقى لدرجة أننا في منطقتنا نشيع الميت إلى مثواه الأخير بالقصيدة الميمية المسماة بالبردة لذلك فذائقتي تربت على هذا التراث العربي الزاخر بالنصوص الجميلة.. طبعا يأتي المتنبي في طليعة الشعراء الذين أقرأ لهم دون أن أتمكن من استنفاد قصائده، ونصوصه لها قدرة عجيبة على توليد المعاني والتجدد بين اللحظة والأخرى..في إطار مشروع لي لانجاز كتاب عن اللون في الشعر العربي ،بوصفي أشتغل على النقد التشكيلي، توقفت عند احتفاء المتنبي باللون الأسود ، لدرجة انزياح كل الألوان باتجاه الأسود ، فالشمس عنده سوداء، والثلج أسود..وكل هذا يشير إلى شخصيته القلقة والعميقة والمتأنقة في كبريائها ومعاناتها.كما أنني كتبت نصا أسميته المتنبي أميرا، استوحيته من خطاب العنف في شعره، ومن الروايات التي تقول بأنه كان قرمطيا أو خارجيا..كما كتبت نصا آخر عنوان صور أخرى للمتنبي..لذلك فنحن مدينون للمتنبي بالكثير من الأشياء الجميلة في حياتنا،ولكن مشكلتي الشخصية تكمن في الذاكرة فليست لدي قدرة على حفظ نصوصي حتى.

أخيرا غرد كما تشتهي أن تغرد ؟

أحمد عبد الكريم : شكرا لكِ كثيرا على هذه الفرصة المتاحة لي للحديث ،فهذه أول مرة تستوقفني أسئلة بهذا العمق والقوة والإستثناء، وهذه الأبيات هدية لكل القراء:

هيت لك..

زهرة اللوز،

خلجات الكمثرى..،

جسد الياسمينة فوق زندك.

مكتنزا باللذائذ..

هيت لك،

بجع ينقر صدرك الاستوائي..

يقود شفاهك العمياء إلي سرة السر،

أصابعك عكاز الضرير..

رأى نمشا على الظهر،

رأى زغبا في الظلام فأجهش

هيت لك..

خض نعاس النبيذ

هز خدر النهد،.

لك تأتأة تذكي مجاز الجسد..

لك لهاثك الأخرس

رأساكما أنشوطة فوق المخدة الوحيدة..

جسداكما المضفوران كما الطغراء..

يصعدان رويدا رويدا إلى شخرة كالغياب.

(مقطع من قصيدة شخرة)

 ----------------

 

جريدة النصر الجزائرية في 27 فبراير 2007

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !