الشارقة مدينة المتاحف المبهرة
غير بعيد عن دبي توجد إمارة الشارقة، فعلا فهي اسم على مسمى فهي مشرقة على الدوام بأناسها الطيبين وتسامحها الكبير، لكن الذي أبهرني فيها هي العدد الهائل من المتاحف التي تتوزع في المدينة، ففي الشارقة أكثر من عشرين متحفا، كلما دخلت إلى أحدها إلا وتجد التاريخ أمامك يتكلم بلغات كثيرة، وتجدها تتحدث عن حقب تاريخية متعددة بالصورة والصوت والتحف الموضوعة بإتقان داخل صناديق زجاجية غاية في الجمال والروعة، وهي متاحف لا تتحدث فقط عن تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن تتجاوزه إلى الحديث عن تاريخ الشرق الأوسط، والدول الضاربة جذورها في التاريخ، بل إن بعض المتاحف تؤرخ للتاريخ البشري منذ نشأته إلى الآن، وذلك بالصور البيانية، والتماثيل والتحف والوثائق التاريخية المهمة، بل إن متحفا أثار إعجابي كثيرا، يؤرخ لوجود الأرض حتى ما قبل التاريخ، والعصور الغابرة التي عاشت فيها مخلوقات انقرضت الآن، فعندما تقوم بجولة في هذا المتحف العظيم تحس وكأنك تعيش هذه الحقبة بشكل حقيقي، لأنك تدخل في متاهات ومغارات عديدة، وتسمع أصوات الديناصورات وغيرها من الحيوانات الأخرى، أما حدائق الحيوانات في إمارة الشارقة فتلك قصة أخرى، فقد استطاعت الدولة والإمارة الحفاظ على أنواع نادرة من حيوانات الخليج العربي، كانت تعيش في المنطقة قبل الزحف الكبير للبنايات والمعامل، مع ظهور ثورة النفط في المنطقة، فلمدة ساعتين ونحن نتجول في حديقة للحيوانات، فيها الكثير من الحيوانات الفريدة من نوعها، مع تعريف واف ومفصل لكل نوع، فرغم الحرارة المفرطة التي تعرفها المنطقة، فإن الكثير من الحيوانات كالغزلان والسباع وغيرها، استطاعت أن تتكيف مع حرارة الجو، وتبقى على قيد الحياة لمدد طويلة من الزمن، لقد كانت جولة المتاحف في إمارة الشارقة بحق رحلة في أعماق التاريخ، تعرفنا فيها على العديد من الحقائق التاريخية التي كنا نجهلها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أموالا طائلة خصصت لتشييد هذه المعالم التاريخية، وما أعجبني كثيرا وأدخل السرور إلى قلبي، هو أنني وجدت في أحد متاحف الشارقة صورة عملاقة لصومعة الكتبية في مراكش، وإلى جانبها تعريف مفصل بالصومعة، والدولة التي بنتها، وصدقا وأقولها بدون خجل قرأت معلومات في ذلك المتحف عن الكتبية ودولة المرابطين لأول مرة أسمع بها في حياتي، فكانت دهشتي كبيرة.
رغم أن البنايات الشاهقة في دولة الإمارات تعطي انطباعا على أن الدولة قضت على كل ما هو تقليدي، إلا أنه لا يمكن إنكار أن نفحة من الأصالة والتراث تصادفك أينما حللت وارتحلت، ففي الشارقة مثلا تمر على ميناء صغير يضفي عليه الطابع التقليدي، ويعطي للزائر إحساسا بأنه في فترة الستينات من القرن الماضي، باختصار فدولة الإمارات والقائمين عليها يدركون بأن الحفاظ على الهوية أمر أساسي، لذلك لم تستهوهم الآلة المعاصرة التي تحصد الأخضر واليابس، وتعاملوا بعقلانية مع كثير من المجالات المتعلقة بالبناء والتشييد وتعليم الإنسان، وعلى ذكر تعليم الإنسان، فدولة الإمارات تتوفر على عدد غير قليل من الجامعات التي أثبتت قوتها، ففي إمارة الشارقة، عندما تدخل إلى المدينة الجامعية، تخال نفسك أنك داخل إلى مدينة لإسكان الناس، فلمدة 20 دقيقة نتجول بالسيارة، ونحن نمر قرب الكليات التي تتشكل منها الجامعة، فهناك الجامعة الأمريكية وكلية الفنون الجميلة، والطب، والآداب، وغيرها من الكليات المتميزة وكم هي أنيقة هذه المدينة الجامعية، وكم هي كبيرة وشاسعة الأطراف، فلا غرابة فحاكم الإمارة دكتور كبير ورجل مثقف من المستوى العالي.
التعليقات (0)