السُنّة الحقيقية والسُنّة المُزيّفة
افتراق"الأمم" حق إلهي
لا يمكن تحييد بعض صفات ومَلَكات الإنسان الأزلية كالنزعة والغرور والغضب والأدلجة والطمع والنفاق وحب الظهور وغيرها عن حالة افتراق الأمم عامة وافتراقهم داخل المجتمعات الدينية خاصة، فالقرآن يوضح بجلاء أن الخِلاف "منبع الإفتراق"..هو حُكم إلهي لحكمة يعلمها الله بقوله تعالى.." ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"..فالإتفاق يعني عدمية الصراع..والصراع هو أصل وجود الخير والشر في هذا العالم، لذا كان افتراق الأمم حالة تتسم بالبداهة..
ولكن هناك من استخدم هذه الحالة لتعيين الخير والشر، ومن الطبيعي أن تنشأ فكرة الخير لدى الداعي في نفسه وأن الآخر هو الشر بل أفكاره هي منبع الشرور...من هنا يأتي الصراع ومن هنا يأتي افتراق الأمم....كانت هذه مقدمة لتبيان أصل الإفتراق وحُكمه في هذا العالم..ببيان موجز يُدحض فكرة من اعتقد بأن أصل الإفتراق هو الحديث المشهور الذي تبين كَذِبه سنداً ومتناً، وأوضحنا أيضاً استغلال دُعاته في غرس الكراهية والتمييز بين بني البشر وخاصة في المُجتمع المسلم..
السُنة المزيفة لا يَمَلّ أتباعها من غرس الدونية والتمييز بأنهم الأحق والأعلم..لا يُفرقون في العادة ما بين الجوانب السياسية والدينية..فالأمور لديهم مُختلطة فيعتقدون بأن حِزبهم السياسي هو الذي يحمل لواء الدين ويدافع عنه، كذلك يعتقدون بأن مذهبهم الديني هو أصل الخير وبدونه يفنى العالم،وبالتالي فهو الأحق بالجنة من غيره من دُعاه العِصيان والشر..هكذا يُفكرون، ولا أخفي سراً أنني اعتقدت هذا الإعتقاد في زمن ما لم يستمر معي سنوات قليلة بفضل الله ومنته..طبيعي ان يكون اعتقادي نتيجة لمناهج التدريس على أيدي الشيوخ، وهنا وبصفتي كنت عضواً في جماعة الإخوان المسلمين أشهد بان الجماعة بريئة من هذا الإعتقاد الأحمق..وأن ما تعلمته من دونية وتمييز لم يكن إلا على سماع وقراءة محاضرات مشايخ السلفية الذين سلّمت لهم عقلي في يوم من الأيام.
ولكن مع هذا فقد رصدتُ في الفترة الماضية ظواهراً لا تخلو من تغلغل الفكر السلفي التقليدي -الممثل الرسمي للسُنّة المزيفة-داخل جماعة الإخوان المسلمين،وظهر ذلك واضحا في تمدد النزعة الطائفية والمذهبية في كثيرٍ من الكوادر، رغم أن هذه النزعة كانت من أولى أعداء الإمام حسن البنا –مؤسس الجماعة-والتي قام بمحاربتها عن طريق نشر الإسلام الوسطي الداعي إلى الوحدة والتقريب بين كافة المسلمين....وفي الوقت نفسه أستغرب عدم وجود هبّة عُلمائية داخل المجتمع الإخواني تواجه هذه الأفكار المنحرفة التي وإن وُجدت في مجتمع فهي إنذار صريح بُقرب انهيار هذا المجتمع واستبداله بمجتمع قائم على العنف والتمييز والإنحطاط الخُلقي وانعدام القيم.
أما السُنّة الحقيقية فهي التي تنشر السلام والمحبة بخلفية ليست وصائية كفكرة السماحة مثلا..فهذه الفكرة في ظاهرها الرحمة وفي مضمونها الوصاية..هي التي تجعل من المرء أكثر تحفظاً نحو فعل الخير مع الناس، وأن ما يفعله لا يعدو إلا كونه تنازلاً للآخر قد يسلبه منه وقت ما يريد، والأصل في ذلك أن السُنّي الحقيقي يوقن بأن الآخر له حق القبول كوجود بدني وفكري وديني وحقوقي غير منقوص، وأن قبول الآخر لديه شرط مقدس من شروط السُنّة الحقيقية المتملثة في منهجه المقاصدي، هذا المنهج الذي لا يجعل من الرأي ديناً..بل يضع كلٌ في نِصابه...
التعليقات (0)