بقلم: المجلة المصرية
noonmagazin@gmail.com
تنعي دار نون للنشر والإعلام وفاة البطل المصري العربي رئيس اركان الجيش المصري السابق ( بطل العبور ) القائد سعد الدين الشاذلي ـ الذي توفاه الله يوم الخميس الموافق في ( 10ـ2 ـ 2011 )، تغمد الله الفقيد بالرحمة وأدخله فسيح جناته، ونحتسبه شهيد الأمة الذي كان أحد ابنائها الذين أعادوا لها الكرامة.
|
الفريق سعد الشاذلي
|
الفريق سعد الدين الشاذلي مؤسس وقائد أول فرقة قوات مظلية في مصر (1954-1959).
قائد أول قوات عربية موحدة في الكونغو كجزء من قوات الأمم المتحدة (1960-1961).
ملحق عسكري في لندن (1961-1963).
قائد لواء المشاة (1965-1966).
قائد القوات الخاصة (المظلات والصاعقة) (1967-1969).
قائد لمنطقة البحر الأحمر (1970-1971).
رئيس هيئة أركان القوات المسلحة المصرية (1971-1973).
سفير مصر في بريطانيا (1974-1975).
سفير مصر في البرتغال (1975-1978).
حياته العسكرية
حظى بشهرته لأول مره في عام 1941 عندما كانت القوات المصرية والبريطانية تواجه القوات الألمانية في الصحراء العربية، خلال الحرب العالمية الثانية وعندما صدرت الأوامر للقوات المصرية والبريطانية بالانسحاب. بقى الملازم الشاذلي ليدمر المعدات المتبقية في وجه القوات الألمانية المتقدم.
اثبت الشاذلي نفسه مرة أخرى في نكسة 1967 عندما كان يقود وحدة من القوات المصرية الخاصة المعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء ووسط أسوأ هزيمة شهدهاالجيش المصري في العصر الحديث وإنقطاع الاتصالات مع القيادة المصرية وكنتيجه لفقدان الاتصال بين الشاذلي وبين قيادة الجيش في سيناء، فقد اتخذ الشاذلي قرارا جريئا فعبر بقواته الحدود الدوليه قبل غروب يوم 5 يونيو وتمركز بقواته داخل الاراضي الفلسطينيه المحتله بحوالي خمسة كيلومترات وبقي هناك يومين الي ان تم الاتصال بالقياده العامه المصرية التي اصدرت اليه الاوامر بالانسحاب فورا. فاستجاب لتلك الاوامر وبدأ انسحابه ليلا وقبل غروب يوم 8 يونيو في ظروف غاية في الصعوبة، باعتباره كان يسير في أرض يسيطر العدو تمامًا عليها، ومن دون أي دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن، واستطاع بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلى الشط الغربي لقناة السويس (حوالي 200 كم). وقد نجح في العوده بقواته ومعداته إلي الجيش المصري سالما، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% إلى 20%. فكان اخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء.
|
في الجيش الثاني مع اللواء (سعد مأمون).
|
بعد هذه الحادثه اكتسب سمعة كبيرة في صفوف الجيش المصري، فتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، وقد كانت أول واخر مرة في التاريخ المصري يتم فيها ضم قوات المظلات وقوات الصاعقة إلى قوة موحدة هي القوات الخاصة.
تعيينه رئيساً لأركان القوات المسلحة
في 16 مايو 1971، وبعد يوم واحد من إطاحة الرئيس السادات بأقطاب النظام الناصري، فيما سماه بـثورة التصحيح عين الشاذلي رئيسًا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، باعتبار أنه لم يكن يدين بالولاء إلا لشرف الجندية، فلم يكن محسوبًا على أي من المتصارعين على الساحة السياسية المصرية آنذاك.
بقول الفريق الشاذلي : كان هذا نتيجة ثقة الرئيس السادات به وبإمكانياته، ولأنه لم أكن الأقدم والمؤهل من الناحية الشكلية لقيادة هذا المنصب، ولكن ثقته في قدراته جعلته يستدعيه، ويتخطى حوالي أربعين لواء من اللواءات الأقدم منه في هذا المنصب.
دخل الفريق الشاذلي في خلافات مع الفريق محمد أحمد صادق وزير الحربية آن ذاك حول خطة العمليات الخاصة بتحرير سيناء، حيث كان الفريق صادق يرى أن الجيش المصري يتعين عليه ألا يقوم بأي عملية هجومية إلا إذا وصل إلى مرحلة تفوق على العدو في المعدات والكفاءة القتالية لجنوده، عندها فقط يمكنه القيام بعملية كاسحة يحرر بها سيناء كلها.
وجد الفريق الشاذلي أن هذا الكلام لا يتماشى مع الإمكانيات الفعلية للجيش، ولذلك طالب أن يقوم بعملية هجومية في حدود إمكانياته، تقضي باسترداد من 10 إلى 12 كم في عمق سيناء.
|
يتفقد الجنود في ميدان المعركة 1973
|
بنى الفريق الشاذلي رأيه ذلك على أنه من المهم أن تفصل الإستراتيجية الحربية على إمكانياتك وطبقا لإمكانيات العدو. وسأل الشاذلي الفريق صادق : هل لديك القوات التي تستطيع أن تنفذ بها خطتك ؟ فقال له: لا. فقال له الشاذلي : على أي أساس إذن نضع خطة وليست لدينا الإمكانيات اللازمة لتنفيذها؟.
أقال الرئيس السادات الفريق صادق وعين المشير أحمد إسماعيل علي وزيراً للحربية والذي بينه وبين الفريق الشاذلي خلافات قديمة
خطة المآذن العالية
يقول الشاذلي عن الخطة التي وضعها للهجوم على إسرائيل واقتحام قناة السويس التي سماها "المآذن العالية" إن ضعف الدفاع الجوي يمنعنا من أن نقوم بعملية هجومية كبيرة.. ولكن من قال إننا نريد أن نقوم بعملية هجومية كبيرة.. ففي استطاعتنا أن نقوم بعملية محدودة، بحيث نعبر القناة وندمر خط بارليف ونحتل من 10 إلى 12 كيلومترا شرق القناة".
وكانت فلسفة هذه الخطة تقوم على أن لإسرائيل مقتلين : المقتل الأول هو عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية نظرًا لقلة عدد أفرادها. والمقتل الثاني هو إطالة مدة الحرب، فهي في كل الحروب السابقة كانت تعتمد على الحروب الخاطفة التي تنتهي خلال أربعة أسابيع أو ستة أسابيع على الأكثر؛ لأنها خلال هذه الفترة تقوم بتعبئة 18% من الشعب الإسرائيلي وهذه نسبة عالية جدًّا.
ثم إن الحالة الاقتصادية تتوقف تمامًا في إسرائيل والتعليم يتوقف والزراعة تتوقف والصناعة كذلك ؛ لأن معظم الذين يعملون في هذه المؤسسات في النهاية ضباط وعساكر في القوات المسلحة ؛ ولذلك كانت خطة الشاذلي تقوم على استغلال هاتين النقطتين.
|
قال (الشاذلي) إنه يعتز بهذه الصورة كثيرا بين الجنود يوم 8 أكتوبر.
|
الخطة كان لها بعدان آخران على صعيد حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية يقول عنهما الشاذلي: "عندما أعبر القناة وأحتل مسافة بعمق 10: 12 كم شرق القناة بطول الجبهة (حوالي 170 كم) سأحرم العدو من أهم ميزتين له؛ فالميزة الأولى تكمن في حرمانه من الهجوم من الأجناب؛ لأن أجناب الجيش المصري ستكون مرتكزة على البحر المتوسط في الشمال، وعلى خليج السويس في الجنوب، ولن يستطيع الهجوم من المؤخرة التي ستكون قناة السويس، فسيضطر إلى الهجوم بالمواجهة وعندها سيدفع الثمن فادحًا".
وعن الميزة الثانية قال الشاذلي: "يتمتع العدو بميزة مهمة في المعارك التصادمية، وهي الدعم الجوي السريع للعناصر المدرعة التابعة له، حيث تتيح العقيدة القتالية الغربية التي تعمل إسرائيل بمقتضاها للمستويات الصغرى من القادة بالاستعانة بالدعم الجوي، وهو ما سيفقده لأني سأكون في حماية الدفاع الجوي المصري، ومن هنا تتم عملية تحييد الطيران الإسرائيلي من المعركة.
مبارك حاكم الفريق الشاذلي خوفاً من شعبيته
حوار - مصطفي عبيد
|
شهدان، ناهد، سامية بنات الفريق سعد الشاذلي
|
هل كانت مجرد مفارقة.. أن يرحل بطل حرب أكتوبر ومخططها محمولاً علي أعناق ألوف من محبيه في نفس الساعة التي رحل فيها مرؤوسه في تلك الحرب عن سلطته للأبد محملاً بلعنات الساخطين عليه.. ين سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر والذي شيعته الجماهير في جنازة عسكرية حاشدة ومهيبة إلي مثواه الأخير يوم الجمعة الماضي، وبين الرئيس السابق حسني مبارك الذي شيعته الجماهير أيضاً في نفس اللحظة إلي خارج قصره غير مأسوف عليه مسافة بعيدة علي مشهد واحد، قارب فيه بين الرجلين لحظة قتال كان فيها الأول قائداً، بينما الثاني مرؤوساً، ثم باعد بينهما تحول الثاني بحكم رئاسة مصر إلي صاحب كل عطر النصر بضربته الجوية الأولي، بينما تحول الأول إلي سجين بتهمة إفشاء أسرار عسكرية..
تعرض الشاذلي لاضطهاد غريب من زميل الحرب اللواء طيار حسني مبارك بعد أن اعتلي رئاسة الجمهورية فحاكمه وسحب منه نجمة سيناء، وسجنه، ثم فرض عليه حصاراً من العزلة والتجاهل حتي مرضه الأخير.
شارك الشاذلي في الحرب العالمية الثانية ثم أسس في الخمسينيات من القرن الماضي أول فرقة مظلات مصرية ، وشاعت شهرته خلال حرب 1967 لأنه لم ينسحب بفرقته وتوغل داخل إسرائيل ونجا بكامل معداته من خلال طرق غير معتادة.. ثم اختير الشاذلي رئيسا لأركان القوات المسلحة عام 1972 ووضع خطة الهجوم التي عرفت بـ "المآذن العالية" وحققت خطته نجاحا باهرا ثم اختلف مع الرئيس السادات حول تطوير الهجوم واختلف ايضا حول تصفية الثغرة واختاره السادات سفيرا لمصر في لندن ثم البرتغال وهناك قدم الشاذلي بلاغا للنائب العام اتهم فيه السادات بتزوير التاريخ والكذب عندما حمله في كتاب البحث عن الذات مسئولية الثغرة . وسافر الشاذلي الي الجزائر وعاش هناك 13 عاما كتب خلالها مذكراته وعندما عاد عام 1992 تم القبض عليه وأودع السجن بعد محاكمة صورية، وعاني اضطهادا واسعا من نظام مبارك حتي الرحيل.
|
خلال حضوره أحد التدريبات العسكرية
وبجانبه المارشال (جريشكو) وزير الدفاع السوفيتي
والفريق (الليثي ناصف) قائد الحرس الجمهوري .
|
في هذا الحوار الاستثنائي الذي خصت به شهدان سعد الدين كريمة بطل اكتوبر الراحل الكبري "الوفد الأسبوعي" نكشف كثيرا من المواقف والاسرار الخاصة بمحاكمة والدها واضطهاده، وتستعرض جوانب عديدة من حياة والدها خلال الحرب وبعدها، فضلا عن ذكريات انسانية تدل علي نبل الوطنية والانحياز للديمقراطية. وتكشف شهدان قصة منع مذكرات والدها عن حرب اكتوبر وملاحقته خلال فترتي مبارك والسادات.
سألتها: كيف كان الراحل في أيامه الاخيرة ؟
قالت: كان في السنوات الأخيرة هادئا، مهتما بالقراءة والاطلاع، ومتابعا للحياة السياسية وكان يستيقظ مبكرا وكنت أذهب معه إلي النادي ليمارس رياضة المشي وكانت صحته جيدة حتي عامين لأنه لم يكن مدخنا ولم يكن يشرب سوي الشاي. وكان يحب السؤال عن أقاربه وأصدقائه حتي بدأت أمراض الشيخوخة تباغته، وقبل ثلاثة أسابيع أصيب بأزمة حادة نقل علي أثرها الي مستشفي المركز العالمي حتي توفي الخميس الماضي.
< كيف كانت علاقة الفريق الشاذلي بمؤسسات الدولة وبالرئيس السابق مبارك؟
- كان يتمتع بمحبة واحترام كبيرين من القوات المسلحة، وقد ظهر ذلك بشكل عظيم في جنازته التي حرصت القوات المسلحة أن تكون جنازة عسكرية وأن يشارك فيها قيادات عظيمة علي الرغم من الظروف التي تمر بها البلاد، وكان من الجميل أن ثوار التحرير الذين تجاوزوا مليوني شخص صلوا عليه، كما صلي عليه أكثر من مليون متظاهر في الإسكندرية والاسماعيلية والسويس وكان ذلك أبلغ تكريم من الشعب المصري. أما علاقة والدي بالرئيس مبارك فكانت سيئة وكان والدي يندهش من اصرار مبارك علي اضطهاده ومحاكمته وسجنه وفرض حالة من العزلة عليه رغم أن معظم دول العالم تكرم أبطاله وقادة النصر بها. والغالب أن كراهية مبارك لوالدي كانت بسبب شعبيته ومحبة الناس له وربما كان مبارك يتصور والدي خصما له. وكثيرون لا يعلمون أن الذي حاكم والدي هو حسني مبارك وليس السادات وهو الذي سحب منه نجمة سيناء وسجنه.
|
مع الرئيس انور السادات في غرفة عمليات الحرب
|
< ما أصل قصة المحاكمة ؟
- الجميع يعلم قصة خلاف الرئيس السادات مع الفريق سعد الشاذلي والتي تطورت من خلاف في وجهات النظر الحربية بشأن تطوير الهجوم خلال حرب اكتوبر وهو القرار السياسي الذي أصر السادات علي اتخاذه واعترض الشاذلي وأثبتت التجربة أن وجهة نظر الشاذلي هي الصحيحة ثم الخلاف الاشهر بسبب الثغرة وكيفية تصفيتها، حيث قرر السادات إقالته من رئاسة الأركان وتعيينه سفيراً في لندن ثم لشبونة، ليفاجأ ذات مرة بخطاب للرئيس السادات يهاجمه فيه ويدعي أنه كان منهاراً يوم الثغرة فقرر كتابة مذكراته لكشف الحقيقة. الغريب أن السادات لم يحاكم والدي بسبب تلك المذكرات لكن حسني مبارك وبعد أن جاء لسدة الحكم أمر باحالته الي المحاكمة العسكرية عام 1983 بتهمة إفشاء اسرار عسكرية رغم أن عددا من قادة حرب اكتوبر بينهم الجمسي نشروا مذكراتهم دون أدني مشكلة، ليصدر ضده حكم بالسجن ثلاث سنوات بعد محاكمة تضمنت شاهدا واحدا برتبة نقيب لم يشارك في حرب 1973 أصلاً.
< ولماذا عاد الشاذلي إلي مصر وهو يعلم أن هناك حكماً قضائياً بسجنه؟
- كان والدي قد سافر بعد خلافه مع السادات الي الجزائر ولاقي تكريما عظيما هناك وقد اعتذر الوالد عن قبول دعوات من زعماء دول الخليج وليبيا والعراق وكان الجزائريون يحبونه ويسمحون له بحرية الحركة وطرح الرأي في مختلف القضايا حتي بدأت الأزمة السياسية في الجزائر بعد انتخابات البرلمان وصراع الاسلاميين والسلطة في بداية التسعينيات، وقتها طلبت السلطات الجزائرية من والدي عدم لقاء شخصيات معينة داخل المجتمع الجزائري وهو ما دفع والدي الي العودة الي مصر . ورغم أن محاميه وقتها الاستاذ عبد الحليم رمضان طلب منه عدم العودة فاستعنا بمحام عسكري هو جلال الديب الذي نقل إلينا رسالة من دوائر مقربة من مبارك ترحب بعودة الشاذلي، وعندما عاد تم القبض عليه من مطار القاهرة، وبقينا ثلاثة أيام لا نعرف مكان احتجازه. وفيما بعد علمنا انه مودع في مستشفي سجن الهايكستب حيث توافد عشرات الضباط لزيارته، الأمر الذي أغضب مبارك فأمر بإخلاء المستشفي، وقد تبنت عدة صحف علي رأسها الشعب والوفد والاحرار المطالبة بالافراج عن والدي لكن مبارك رفض الاستجابة وعرض علي والدي أن يطلب العفو وهو ما أصر علي رفضه مفضلاً البقاء في السجن.. وقتها قرر مبارك سحب وسام نجمة سيناء الذي منحه له السادات دون تكريم أثناء خلافه الشخصي معه، ولجأنا للقضاء المدني الذي حكم بالافراج عن الشاذلي وإعادة جواز سفره المصادر، لكن مبارك أبي تنفيذ حكم القضاء.. لنفاجأ في أحد الايام بخروج أبي من السجن بعد قضاء عام ونصف العام بسبب حسن السير والسلوك.
|
خلال زيارته لمواقع الفرقة الثانية مشاة يوم 8 أكتوبر.
|
< هل كانت ثمة مشكلات بين الشاذلي ومبارك ؟
- لم تكن هناك أي مواقف سلبية خلال عهد الرئيس السادات . كل ما هنالك أن الشاذلي كان يتمتع بمحبة واعجاب معظم القادة العسكريين وعندما اختلف السادات والشاذلي معاً بعث السادات مبارك للشاذلي يخبره أنه تم ترقيته لرتبة فريق وتعيينه سفيرا لمصر في لندن، فاعتذر والدي حتي التقي مع السادات وحاول إرضاءه فقبل، وغير ذلك لم تكن هناك مواقف بين مبارك والشاذلي.
< هل كان الفريق الشاذلي يتوقع قيام ثورة علي نظام مبارك؟
- بهذا الشكل لا، ولكنه كان دائما يري حسني مبارك حاكما مستبدا ينفرد بالرأي ويتشبث بالسلطة، وكان كثيرا ما يطالب بالديمقراطية والحريات وهو ما دفع مبارك إلي فرض نوع من العزلة عليه ولم يكن يسأل عنه أبدا حتي مرضه الاخير اكتفي بخبر في الصحف يشير الي سؤال الرئيس مبارك عن الشاذلي في صحوة ضمير لا تتكرر. وكان والدي يشعر بنكران جميل غريب من جانب مبارك لذا فكانت معظم انتقاداته له علنية .
< ما قصة كتاب مذكرات حرب اكتوبر.. ولماذا تم منعها في مصر ؟
- القصة هي ان والدي بدأ كتابة مذكراته في 1978 عندما وجد السادات ينشر حكايات غير صحيحة ويحمله كثيرا من الوقائع والاخطاء، وقد كنت وقتها مديرة أحد صناديق الاستثمار في البورصة الانجليزية وأخذت الكتاب من والدي وذهبت به الي أحد الكتاب الكبار في الاوبرفر ووعدني بنشر الكتاب وظل يماطلني عدة أيام ثم أخذت الكتاب وعرضته علي ناشر آخر وأخبرني أن الوقت غير مناسب لنشر الكتاب، فأخذت الكتاب وذهبت الي أمريكا ورفض معظم الناشرين نشره وهو ما دفعني في النهاية أن أنشره بنفسي واستعنت بمحرر عسكري انجليزي اسمه جون بيري من جريدة صنداي تايمز وتم نشر الكتاب في امريكا ولاقي توزيعا جيدا، وقد صاحب نشر الكتاب ظهور الانترنت نهاية السبعينيات فاشتري موقع "امازون" حق نشر الكتاب إلكترونيا وكتبت معظم الصحف الكبري في العالم عن الكتاب وكانت من أفضلها جريدة الايكونوميست التي اطلقت علي سعد الشاذلي لقب "الرأس المدبر لحرب أكتوبر" وتم ترجمة الكتاب للعربية ودخل جميع الدول العربية عدا مصر والسعودية.. وفي الحقيقة أنه لم يصدر حتي الآن قرار رسمي بمنع تداول الكتاب داخل مصر لكنه ممنوع من الدخول ربما بتعليمات من حسني مبارك نفسه، لأنني كنت بصدد الاتفاق مع ناشر مصري لطبع الكتاب قبل سنوات وبيعه إلكترونيا وفوجئت به بعد فترة يخبرني بأن ذلك غير ممكن.
|
وهو قائد للكتيبة العربية في الكونجو عام 1960.
|
< هل تعرضتي أو أحد أفراد عائلة الفريق الشاذلي لمضايقات أو مشكلات بسبب آراء والدك ومواقفه؟
- ليس بالشكل المباشر. لقد أنجب والدي ثلاث بنات أنا أكبرهن وهناك سامية وناهد وكان يقول دائما إنه ليس حزينا أنه لم ينجب ذكورا، وكان يقول إننا أقوي من أي رجال وقد ربي فينا والدنا الشجاعة والاعتماد علي النفس والصلابة، لذا فقد كنا علي استعداد دائم لمواجهة أي موقف مسيء.. والحقيقة أنني فوجئت بعد نشر كتاب والدي بأشرف مروان رحمه الله وكان صديقا وأخا عزيزا يقول لي وكنت وقتها في واشنطن: »لا تذهبي إلي مصر« وبالفعل التزمت بنصيحته، وكانت أختاي تنتقلان بيسر بصحبة زوجيهما.
< كيف كانت حياة والدك في الجزائر؟
- قضي الفريق سعد الشاذلي 13 عاما بالجزائر وكان يتمتع بمحبة واسعة بين الجزائريين وكتب هناك اربعة كتب هي »مذكرات حرب اكتوبر«، و»4 سنوات في السلك الدبلوماسي«، و»الخيار الاستراتيجي«، و»الحملة الصليبية الثامنة« حول حرب الخليج الثانية. وكان منزله في العاصمة الجزائرية مزار كبار الشخصيات العربية وكبار القادة الجزائريين وقد رفض وقتها والدي عروضاً عديدة لصدام حسين للسفر للعراق.
< كيف كان سعد الدين الشاذلي الإنسان؟
- كان والدي رجلا طيب القلب، هادئا، ملتزما بشدة بقضية العدالة، متدينا، حريصا علي الاطلاع علي العالم الخارجي، ومهتما بالمعرفة والقراءة خاصة في السياسة والعلوم العسكرية والتاريخ. وكان أبرز من يقوم بزيارته والسؤال عنه حسين الشافعي وعبد القادر حاتم واحمد حمروش.. كما كان والدنا حريصا جدا علي تعليمنا قيم العدالة والديمقراطية والاعتماد علي النفس، لذا فقد كان يوكل لكل فرد في الاسرة مهمة محددة عندما كنا نسافر لقضاء إجازة الصيف وكان يهتم بوضع توقيتات لكل شيء. وأذكر اننا كنا نقضي إجازة الصيف في الإسكندرية فطلبنا ذات مرة أن نذهب إلي بورسعيد لنلتقي بأصدقائنا فقرر التصويت علي القرار من أفراد الأسرة الخمسة وكانت الاغلبية لي ولأختي فنزل علي قرار الاغلبية وذهبنا الي بورسعيد.. كان حريصاً علي أن يختار كل منا ما يريده، ولم يمانع في أن أسافر إلي أمريكا بعد دراستي للاقتصاد وأن أعيش هناك.
|
الفريق سعد الدين الشاذلي خلال حرب أكتوبر 1973,
وهو الذي وضع إدارة هذه الحر
|
التعليقات (0)