مواضيع اليوم

السينما العربية بين الحلول المشبوهة والحلول الساذجة

عبد الهادي فنجان الساعدي


لقد جرى التزاوج بين السذاجة والاستغفال ليحدد التوجه البرجوازي في السينما العربية، فبالرغم من النكبات التي مر بها العرب بكافة اقطارهم الا انهم لم يعوا ما وصلت اليه العلوم والتكنلوجيا في باقي انحاء العالم. وكان دور النقاد محدودا بسبب محدودية دور وسائل النشر اضافة الى السياسات الغبية التي كانت توجه تيارات النقد الادبي والثقافي بشكل عام وبالرغم من كل ذلك كان لا بد للنقد ودوره المعروف في تقويم الشكل النهائي للتوجه الثقافي الذي يشارك في بناء تلكم المجتمعات.
نحن نركز على اهمية النقد لأنه العنصر الاساسي الذي يلعب دور المراقب الموجه لكل التيارات الفنية. كنا نقول دائما بأن "النقد اذا فقد صدقه فقد المنجز الثقافي وظيفته".
لقد اصبحت القضية الفلسطينية بعد النكبة مباشرة في احضان السينما المصرية وذلك بسبب رسوخ السينما المصرية في الصنعة كما اسلفنا اضافة الى وجود الممولين الذين وجدوا في القضية الفلسطينية منبعا جديدا ينهلون منه من اجل الاثراء والارباح الفاحشة.
ففي العام نفسه اخرج محمود ذو الفقار فلم "فتاة من فلسطين" الذي يروي فيه قصة فتاة فلسطينية تهرب من وطنها بسبب الحرب لتذهب الى مصر كي تستقر هناك وتنسى مأساتها، بعد إن تتعرف على شاب مصري تبادله الحب فيتزوجها. وهذا الفلم الذي يعكس ما ظهر للوهلة الاولى من نتائج النكبة – نعني الابتعاد عن الأرض – ودون الغوص في مستوياتها الاكثر اهمية، يعتبر الاطلالة الاولى للسينما العربية على القضية الفلسطينية بعد إن ظلت غائبة طيلة سنوات عديدة(1).
إن غياب الفكر العقلاني في المجتمع العربي وهيئاته ومؤسساته وحكوماته ينعكس بشكل اكيد على السينما. فالمجتمعات المتقدمة هي التي تخلق المثقف المتميز وبهذا تستطيع هذه المجتمعات إن تخلق سينمائيين متميزين يعبرون ضفة التقليد الى ضفة الابداع.
في مقارنة بسيطة بين هذا الفلم والافلام العربية الاخرى التي تنحو نحوه مع الفلم الصهيوني نجد إن الفلم العربي (يحل التيه الفلسطيني حلا نهائيا من خلال رغد العيش في المنفى الاجباري"(2).
بينما الفلم الصهيوني يركز على ما هو عكس هذه القضية حيث إن حل التيه اليهودي يكون بأنشاء وطن قومي لليهود على ارض فلسطين بعد اخلائها من سكانها الاصليين، حيث انها اما تكون خالية او إن سكانها من العرب الذين لا يستحقون العيش على ارض اللبن والعسل وهذا هو النقيض في الطرح الثقافي الصهيوني ازاء الطرح العربي لقضية فلسطين.
إن ظهور النظريات الحديثة استطاع إن يقلب المفاهيم التلمودية تماما فقد استطاع الكثير من الكتاب والمفكرين إن يثبتوا بشكل مؤكد بأن ارض التلمود هي الجزيرة العربية وليست فلسطين وقد استطاعت هذه الدراسات الجادة والقيمة إن تثبت ذلك بينما فشلت كل الحفريات في مصر وفي فلسطين عن اثبات الحقائق الزائفة التي خلقها الكهنوت اليهودي واستندت عليها الصهيونية العالمية من اجل خارطة مفترضة للعالم على حساب تخلف الشعوب والاستناد الى منطق القوة ومنطق الواقع على الارض وفرض النظرية كما هي في اذهان المنظرين وليس كما هي في الحقيقة(3).
إن ما يسند وجهة نظرنا هذه ما قاله الناقد وليد شميط ((بأن السينما العربية وخاصة المصرية ظلت بعيدة كل البعد عن القيام بأي اهتمام حقيقي بالقضية الفلسطينية من شأنه مواجهة ادعاءات وافتراءات اكاذيب الاعلام الاسرائيلي وهذا لا يعود الى التخلف الفكري في السينما العربية فقط وانما يرجع ايضا الى طبيعة الانظمة السياسية التي كانت قائمة انذاك ونظرتها الى السينما ومنعها من اثارة كل ماله علاقة بالقضية الفلسطينية الا من بعض الجوانب العاطفية الهامشية))(4).
إن دراسة تجارب السينما العربية خلال العقود الماضية قد يعطي سينمائيينا الشباب الفرصة للخوض في تجاربهم الخاصة بوعي وشجاعة. اننا نؤكد على إن صناعة السينما تعتمد على الامكانيات المادية والفكرية ولكن في كثير من الاحيان نطلع على تجارب شبابية تتجاوز "المفروض" و "المستحيل" وتنتقل الى الضفة الاخرى بكل جرأة وشجاعة وهي تتسلح بثقافة سينمائية عالية وحس فني مرهف يتجاوز كل التصورات. كما يحدث الان في السينما الكوردية وما يقدمه السينمائيون العراقيون من العرب والاكراد في الخارج من تجارب بهرت النقاد واستحقت الجوائز التي نالتها واعادت الوجه الحقيقي للشباب الذين يقطنون هذه البقعة التي بقيت دون سينما حقيقية لعقود عديدة من عمر السينما.
الحواشي
1) يوسف يوسف/ السينما العربية والقضية الفلسطينية ص 29.
2) القضية الفلسطينية في السينما المصرية/ مجلة السينما العربية/ ع/ 405 ص 4.
3) راجع خفايا التوراة/ كمال الصليبي.
4) وليد شميط/ مجلة شؤون فلسطينية العدد 41/ 42، شباط 1975 ص 390.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !