مواضيع اليوم

السينما الصهيونية الكذبة التي صدقها العالم

عبد الهادي فنجان الساعدي
"ربما نعجب اذا سمعنا إن المقدرة والنبوغ في الفن هما نتيجة الكد الطويل(1)".
لقد عرفنا في الصناعة والتكنلوجيا إن الصناعة "عمر"، أي انها تقاس بالسنوات وكلما كان عمر البلد صناعيا طويلا كانت صناعته اكثر دقة ومتانة. والتجربة لها اهمية بالغة في هذا المجال. وعليه فقد سبقت الصهيونية ولا نقول اسرائيل العرب في مجال السينما لسنوات طويلة.
وكل عمل يحتاج ضمن ما يحتاج اليه فيض فكري وفيض مادي لكي يبدأ مسيرته الطويلة وللسينما تاريخ طويل بالنسبة للعديد من الفنون الحديثة وكفن هو احوج الفنون الاخرى الى الفيض المادي والفيض الفكري اضافة الى نوع الايديولوجيا التي تتبعها تلكم الدول، اضافة الى الجانب الاخلاقي والديني وما يترتب على هاتين القيمتين من نتائج سلبية وايجابية بحسب وجهة النظر التطبيقية.
"وايا ما كان الامر فان البلاد العربية والاسلامية يجب إن تتحرر من هذا الغل الخلقي التهذيبي وهو اخطر الاغلال لكي تنقذ ذوقها الفني"(2).
هنا نكتشف إن الاغلال التي رزحت على قلوبنا وعقولنا كانت من الاسباب الرئيسة في عدم انطلاقنا الحضاري وليس الفني فقط ولقد اكتشفت بقية الامم هذه الحلقة المفقودة واستطاعت إن تعيد العلاقة الحقيقية باديانها وقيمها الاخلاقية التربوية فازاحت عنها الغل الذي قيدها مئات السنين. اننا لا نقصد الوازع الاخلاقي لأن الوازع الاخلاقي يعتبر من عناصر البناء الحضاري المهمة ولكننا نقصد معامل التخلف في نظرية البناء الفني والجمالي.
"يؤكد البند الثالث من بنود برنامج العمل الذي اقره المؤتمر الصهيوني الاول الذي عقد في بازل عام 1897 على اهمية الاعلام والتثقيف في تنفيذ هدف خلق الدولة اليهودية في فلسطين. اذ نص على ضرورة نشر الروح القومية والوعي القومي بين يهود العالم وتنميتها" (3).
تصور هذه النصوص التي تعود الى عام 1897 فمنذ متى كان الحلم اليهودي يخلق كيانا اسرائيليا في فلسطين.
إن عناصر الصراع بدأت تتولد في نفوس الاسرائيليين منذ مئات السنين اما نحن فلم نستيقظ الا بعد هزيمة سنة 1948. نصف استيقاظ فوجدنا العدد ولم نجد العدة وهكذا بدأ صعود سيزيف دافعا الصخرة امامه الى اعلى الجبل حيث يلاقي سقوطه الحتمي المتكرر دون إن يفكر في ايجاد وسيلة لخداع الالهة.
"إن الاعلام الصهيوني ظل يسير عبر كل مراحله في خطين متوازيين. احدهما يتخذ من التوجه لليهود مسارا له والاخر يقوم على التوجه التاريخي "أي الاهتمام بالراي العام العالمي" وقد انسحب هذا الامر على السينما بسبب كونها واحدة من اهم ادوات الصهيونية الاعلامية. فهي منذ ولادتها في نهاية القرن التاسع عشر، لم تخرج عن الاطار العام للمبادئ الصهيونية.
ونستطيع القول مسبقا بأنها ولدت داخل الصراع. ولم تنفصل عنه فهي واحدة من الجبهات التي حاربت الصهيونية من خلالها لبث دعاوها وايديولوجيتها بصورة عامة. ولن نبالغ اذا قلنا بان الحركة الصهيونية اكتشفت اهمية السينما في وقت مبكر منذ عرف العالم هذه الصناعة))(4).
لقد استطاعت السينما الصهيونية إن توظف كل القضايا التي تعالجها او التي تتعرض لها لصالحها ومثال على ذلك فلم "قضية دريفوس" للمخرج جورج ميليه الذي يوضح المنطلق الاساسي الذي قامت عيله هذه السينما وصولا الى اهدافها في تحقيق الهم الصهيوني الاكبر وهو تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. إن فلم "قضية دريفوس" يعالج ما تعرض له الضابط اليهودي دريفوس في محاولة لتعميم ذلك على ما تعرضت له الطائفة اليهودية في اوربا. وحين نطلع على الفلم لن نكتشف غير قضية ضابط فرنسي يتهم بالخيانة، ولكن الفلم لا ينظر الى القضية من هذا الباب انما من منظور الفن الدعائي الصهوني العام، حيث يستغل حادثة صغيرة ليبني عليها مفاهيمه الجديدة من اجل بناء وطن قومي لليهود في فلسطين.
لقد سبق ذلك خلق سحابة ثقيلة من التضليل الدعائي وصولا الى استجداء العطف الانساني الذي يجد نفسه امام قضية كبيرة مفتعلة تصبح خير ستار لتمارس الصهيونية خلالها حججها ومنطقها التضليلي.
الفلم الاخر هو فلم " الماعز تبحث عن الحشيش" وهذا الفلم يعرض قضية عائلة يهودية تهاجر الى فلسطين فيحاول هذا الفلم إن يطرح الحق اليهودي في فلسطين كما انه يصور عائلة تبحث عن خلاصها من الانسحاق الذي كانت تحياه وتصور ذلك من خلال حبها للعمل واندماجها فيه. كل تلك المعتقدات تجري بعيدا عن النظريات والدراسات الاثارية والفكرية التي تظهر في العالم وتحمل تضادها الفكري الحقيقي مع المعتقدات التي خلقها التلموديون الكهنة بحسب معتقداتهم وبحسب ما يخدم ذلك مصالحهم دون النظر الى الحقائق العلمية على الارض والتي تختلف تماما هذه المعتقدات التلمودية التي لم تستطع الحفريات القديمة والحديثة إن تثبت صحتها على الارض(5).
وهذان الفلمان يؤكدان اثارة قضية اضطهاد اليهود من الاوربيين وطرح الاستيطان اليهودي في فلسطين والهجرة اليهودية المزعومة. اننا نعرف إن القومية تتشكل من مجموعة من الناس تجمعهم اواصر متعددة مثل اللغة والتاريخ المشترك والمصير الواحد والجغرافية في بعض الاحيان اما الدين فلا يشكل قومية ولكن الصهاينة بالرغم من ذلك استطاعوا إن يخلقوا من اليهود قومية او امة استطاعت الصهيونية إن توحدهم من خلال مجموعة من الاكاذيب روجت لها وصنعتها بمختلف الوسائل ومن اهم هذه الوسائل هي السينما حيث الفيض المادي من خلال الرأسمال العالمي الذي تسيطر عليه المؤسسات الصهيونية ورأس المال اليهودي الذي وضع بخدمة الفكرة.
((نحن نعرف بأن السينما الصهيونية ولدت مطابقة لقرارات مؤتمر بازل وهي لذلك استمدت من الصهيونية السياسية منطلقاتها الفكرية)).
لذلك فان التوجه الى يهود الشتات كشف عن امكانيات واسعة في استغلال الدين وتزييفه. وهذا هو عنصر الصراع الاول الذي كان على السينما الصهيونية إن تعمقه بين اليهود وكهم رئيسي. فانطلقت تنتج افلاما مستوحاة من التوراة والتلمود التي كتبت بعد السبي البابلي كما نعتقد وكما جاء في بعض الدراسات التاريخية المهمة. حيث المجال الخصب الذي وجدت فيه الصهيونية دعما لافكارها. وفي عام 1901 اخرج فرديناند زيكا فلم "الابن العاق" ثم اتبعه بفلم "شمشون ودليلة" بعد إن ظهرت مجموعة اخرى من الافلام المستوحاة من التوراة ..الخ))(6).
من المسائل المهمة التي يجب الالتفات اليها هي الوعود المذكورة في قراطيس الدين اليهودي ومنها ما يسمى بوعد "يهوه" الذي يطرح قضية تمليك اليهود ارض كنعان ومن هذا الوعد وغيره من الوعود المزدحمة في التوراة استمدت الحركة الصهيونية وثائقها في استملاك هذه الاراضي.
لقد اثبتت الدراسات المتأخرة بأن ارض كنعان هي ارض الحجاز؟؟ وما زالت الكثير من القرى والوديان والمرتفعات تحمل نفس اسمائها القديمة والتي اثبتت التطابق بينها وبين المسميات التلمودية صحتها وخطأ ما جاء من تفسيرات كهنوتية وسياسية عنصرية بأن ارض مصر هي ارض الكنعانين وارض فلسطين هي ارض التوراة(7).
سينمائيا فان افلام هذه السنوات تنقسم الى اتجاهين ((الأول ينطلق من الاساس الديني والثاني يستغل قضية الاضطهاد الذي تعرض له اليهود والذي كان اخره الاضطهاد النازي. والنوع الاول يركز على اثبات الحق التاريخي لليهود في فلسطين من خلال التوراة، اما النوع الثاني فأنه يميل الى اثبات هذا الحق بعد اضطهاد اليهود على ايدي النازيين))(9).
إن اشد الامور ايلاما هو إن تجد من ينظر للباطل ويجعله الحق ويجعل الحق باطلا من خلال نظريات يخلقها ليزرعها في عقول الاخرين وخصوصا الاوربيين الذي استغلتهم الصهيونية من خلال عقدة الذنب ومن خلال تصوير الدولة اليهودية على انها (( الجزء من السور الاوربي في قارة اسيا)).(10).
إن السينما بمفهومها العالمي الحديث هي الانسان وكل ما يتفرع عن هذا الكائن المقدس من كلمات ومفاهيم وقد خلقت الشعوب المتقدمة كل شيء من اجل الانسان بما في ذلك السينما وعندما استطاعت السينما إن تفرض نفسها كفن انساني استطاعت ذلك من خلال جعلها وسيلة لهذا الكائن لكي يتقدم ويبني حضارته التي يستطيع من خلالها إن يترك ما يفخر به امام اجياله اللاحقة.
الحواشي
1) شروط النهضة – مالك بن نبي – ترجمة عمر كامل مسقاوي – عبد الصبور شاهين ص 195.
2) المصدر نفسه ص 194.
3) القضية الفلسطينية في السينما العربية –يوسف يوسف ص 18.
4) المصدر نفسه ص 18.
5) راجع خفايا التوراة/ كمال الصليبي، كذلك فراس السواح.
6) يوسف يوسف –الصهيونية على جبهة السينما – دراسة مقدمة الى الحلقة الدراسية (اساليب السينما الصهيونية) التي عقدت ببغداد 10/ 12/ 1979، ص 7، كذلك راجع خفايا التوراة.
7) المصادر نفسه في هامش رقم (5).
8) المصدر السابق ، ص 22.
9) سمير فريد، السينما الصهيونية، بحث مقدم الى المهرجان الثاني لافلام وبرامج فلسطين ، ص15.
10) هرتزل.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !