عبد الهادي فنجان الساعدي
إن السينما العربية لا تتحمل مسؤولية الصراع من وجهة نظر الصهيونية كصراع ديني جغرافي، وانما هو صراع بين العرب كأمة وكقيم اجتماعية وحضارية وبين امم او مجموعات اخرى تحاول اخلاء هذه المنطقة من العالم واحلال اقوام اخرى محلها. ان الصورة التي قدمتها السينما العربية للصراع الدائر هي صورة خارجية وهامشية للصراع ولا تحمل مدلولات ذلك الصراع الذي يحمل ضمن مكوناته الصراع الفكري والمعطيات الحضارية والانسانية التي تكون من شروطه الاساسية.
إن ما يتطلبه النهوض بالسينما الشرقية عموما هو إن تسود النظرة العلمية التحليلية في هذه السينما الفقيرة وان يكون همها الاول هو الانسان المسحوق من حيث اهمية التفكير العلمي ( ذلك إن قوانين الصراع وحركته وبالتالي الاستعداد له هو خير ضمان لادارة هذا الصرع والحرب لم تعد مجرد فن خاص كما كانت من قبل اذ غلب عليها التحليل العلمي وتشابك العوامل النفسية والقوى الاجتماعية في داخل المجتمعات المتصارعة الى جانب الموارد وتأثيرات الرأي العام العالمي)(1).
إن معرفة السير على الطريق الصحيح اولا تبدأ قبل الخطوة الاولى من مسيرة الالف ميل وذلك يوجب علينا إن نترك وراءنا تجارب وافلام ما بعد هزيمة حزيران، وكذلك النمط المتخلف من افلام (المغامرات السطحية). إن السينما المناضلة هي السينما البسيطة التي تعكس صورة الانسان الشرقي البسيط بكل اصالته وكل تراثياته الجميلة اضافة الى صلابته في المواقف التي يتخذها من اجل قضيته في النضال المشروع حيث يستطيع إن يخاطب الانسان الاوربي من خلال ما تركه الاحتلال النازي على تلكم الشعوب والمآسي الكبيرة التي تركتها الحروب العالمية لنثبت لهم من خلال ذلك اننا امم تحب السلام ولكنها في نفس الوقت تكره الاحتلال والتشريد واغتصاب اراضيها.
يقول الناقد صلاح دهني (عندما شاهدت فلم "رؤى فلسطينية" لعدنان مدانات اعتراني فرح كبير. فبالاضافة الى الحرفية العالية التي يتمتع بها فانه ايقظ في اعماقي حنين الفلسطيني الى ارضه، وحالة اليقظة التي اوجدها الفلم تشعبت في تطلعاتها نحو مواسم الحصاد، وايام البيادر، وخيرات فلسطين واغانيها الشعبية ونحو تلك الفئة المسحوقة من الفلاحين التي أنتمي اليها في حركتها اليومية وتطلعاتها.
لقد نسيت تماما انني امام لقطات ومشاهد منقولة من عين هذه الاله الجهنمية التي تسمى الكاميرا. ولذا وجدت نفسي تنغمس مع نغمات العود وما تتضمنه من اللوحات المرسومة التي تقوم عليها حركة الفلم. والانغماس هنا في حقيقته ولوج في عالم التذكر والثورة. لقد وجدت ذاتي هنا للدرجة التي جعلتني اواصل رسم العديد من الصور التي بدأت تداهم مخيلتي كفعل متمرد على واقع يحاول إن يذيب هويتي ويدعوني للاندماج فيه، رغم انه اندماج واحد ولكنها السوسيولوجيا الفلسطينية وعذابات المنفى)(2).
إن أي دراسة للسينما العربية القديمة والحديثة خصوصا لا يمكن إن تتجاوز الفلم التسجيلي او ما يسمى الوثائقي، فهو الفلم الذي يتصف بقلة التكاليف وتكثيف المعالجة وهذا ما يناسب السينمائي الشرقي عموما، والفلسطيني بشكل خاص ولكنه بحاجة – كما اسلفنا – للرؤية التحليلية التي يستطيع بواسطتها إن يوصل ما يريد الى المشاهد من خلال تكثيف الاحداث او استخدام الصورة والوثيقة والحدث وحتى الفلم الحي الذي يصور احداثا مأساوية جرت في هذا العصر ولكوارث معاصرة.
كل هذا يضاف الى الفلم الروائي الذي يكون اكثر كلفة واوسع في معالجة المواضيع المطروحة الا انه يعطينا رؤية واسعة لجوانب عديدة من الحدث المعاش ويقول الناقد الانكليزي ج. أ. ويسلون "ليس من واجبات السينما إن تزودنا بمعرفة العالم الذي نعيش فيه فحسب، وانما إن نخلق ايضا القيم التي نعيش فيها".(3)
الحواشي
1) وليد شميط/ مجلة شؤون فلسطينية / العدد 41-42/ شباط 1975 / ص 390.
2) صلاح دهني / دعوة الى السينما ، مكتبة النوري دمشق، ص56.
3) السينما التسجيلية عند جريرسون/ تأليف فوزي هاردي، ترجمة صلاح التهامي/ المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر.
التعليقات (0)