محمد الكاظم
لم يستطع حسني السيد مبارك ان يرسل ولده محمد الى الكلية التي لايستطيع تحمل مصاريفها فهو لم يكن اكثر من منادي على القضايا يقف في باب قاضي محكمة البداءه في المنوفية، ثم عمل مساعدا بسيطا لدى احد الباشوات ليزيد من دخله ويتمكن من اطعام عائلته الفقيرة الحال . وتمكن بوساطة من الباشا ان يدخل ابنه الى كلية القوة الجوية التي كانت تؤمن السكن والطعام لطلابها ليتخلص من نفقات دراسته. ولان الكلية كانت حكرا على اولاد الذوات والمتنفذين الذين يزورون اولادهم بسيارات فارهة وبدلات انيقة فقد كان محمد يتجنب مقابلة والده الفقير الحال حينما كان يزوره في الكلية لئلا يعرف زملاؤه بفقره ، وحين علم عميد الكلية ان محمدا يتجنب لقاء والده وبخه بشدة. اما زملاؤه فقد احتقروه منذ ذلك الوقت .ثم صار محمد حسني السيد مبارك طيارا ، وتدرج في سلك الطيران حتى جاءت اللحظة التي لاتزال غامضة على الكثيرين فقد تم ابعاده عن الطيران رغم كونه من ألمع الطيارين خصوصا ان مصر كانت في حرب استنزاف مع اسرائيل . وقيل وقتها انه اتهم بمخالفات مالية . اما بعض الذين نبشوا سيرة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك فلديهم شكوك قوية في ان المخابرات اكتشفت اشياء في تصرفات مبارك وعلاقاته اثارت ريبتها فأوصت بإستبعاده ، مايزيد من حدة هذه الشكوك ان مبارك قفز قفزة واحدة الى منصب القائد العام للقوات الجوية المصرية بعد موت جمال عبد الناصر وتسلم السادات الحكم. ثم اصبح نائبا للرئيس بعد عام 1973.
الذين قرأوا سيرة مبارك لاحظوا تأثير حياة الفقر التي عاشها في بداياته على علاقته بالمال لذلك لم يستغربوا ميله لجني الثروات الطائلة خلال فترة حكمة وقيامه باعمال تعتبر نوعا من السمسرة الدولية لجني الارباح . وقد لايبدو مفاجئا القول ان الطاغية صدام حسين والقذافي كانا ابرز زبائنه. فخلال الحرب العراقية الايرانية كانت مصر تزود العراق بالأسلحة رغم ان العلاقات كانت مقطوعة رسميا بعد توقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد ، وكان مبارك الذي وصل الى سدة الحكم عام1981 هو عراب تلك الصفقات التي استمرت لسبع سنوات ، اما من اين كانت تلك الاسلحة تأتي فهو السؤال الاكثر اثارة . فقد كانت مصر تستلم مامقداره مليارا ونصف المليار من المعونات والقروض الامريكية لمصر على شكل اسلحة حسب اتفاقية كامب ديفيد والاتفاقية المصرية الامريكية الا ان جزءا كبيرا من هذه الاسلحة كان لايدخل الى مصر بل كان يتحول الى الجبهة العراقية الايرانية بعد ان يجري بيع الاسلحة في البحر، والثمن يدفعه العراق لصالح مبارك . هذا مايقوله دارسو سيرة مبارك الذي مثّل الجانب الليبي في فترة سابقة باعتباره طيارا في صفقة شراء طائرات فرنسية كان القذافي يريدها لبناء قوة جوية ليبية، وتغاظى مبارك عن الكثير من العيوب والنواقص في الطائرات الفرنسية مقابل رشوة كبيرة دفعتها فرنسا له ليعطي رأيا ايجابيا في الطائرات مما يمكّن القذافي من قبول الصفقة التي تمت فيما بعد ليحصل مبارك على الملايين. ثم استغل مبارك الحصار الذي فرضه الغرب على مشتريات السلاح الليبي فقام بدور الوسيط في شراء الاسلحة التي دعم بها القذافي المتمردين في دارفور وتشاد وغيرها .
ومع بداية عصر الانفتاح الاقتصادي في مصر اخذ ابناء مبارك وعائلته يديرون مئات الصفقات المريبة التي وصلت قيمتها الى 70 مليار دولار، اضافة الى ارصدة وممتلكات واستثمارات اخرى قد لاتتاح الفرصة لرصدها او التعرف عليها لكثرتها .
اتذكر هذه السيرة الطويلة من السمسرة والمضاربة وتقاضي العمولات والعبث بمصائر الناس وانا اقرأ الاخبار التي تتحدث عن احتضار مبارك وهو مريض وسجين وكبير في السن ومخلوع من السلطة وملعون من شعبه ويتعرض لسخرية الجميع . اللهم لاشماته. اللهم اطلعنا على سيرة السماسرة الآخرين .
التعليقات (0)