مواضيع اليوم

السيد محمد علي الحسيني الإنسان مصدر اهتمام الأديان


الإنسان مصدر اهتمام الأديان

لا شك أننا إذا تدبرنا في القرآن الکريم، نجد أنه قد اهتم بشكل كبير بالإنسان من مختلف النواحي ورکز عليه بصورة دقيقة ومفصلة، خصوصا أن الإنسان محور وأساس وبوصلة الحياة الدنيا، لاسيما وأن القدرات الظاهرة والخفية التي أنعم الله تعالى عليه بها لاحصر لها، حيث أن استغلالها وتوظيفها بالشکل الصحيح قد تجعل منه قدوة ومثلا أعلى والعکس صحيح.


*التشريع الإسلامي يكرم الإنسان بالأدلة والبرهان

يقول تعالى في محكم تنزيله :"ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من کل مثل وکان الانسان أکثر شئ جدلا"، فالانسان لا ولم ولن يكون کأي مخلوق آخر، فهو لحوح وفضولي يسعى لاستباق الأمور وإن مجادلته للأنبياء والرسل والفلاسفة والحکماء تدل على أنه يريد أن يعرف الحقيقة ويتأکد منها حتى وإن کانت ماثلة أمامه، ومن هنا فقد وصفه القرآن الکريم بالعجول والجهول والکفور والضعيف وأنه"على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره"، لذلك فمن المهم جدا أن نوليه"أي الإنسان" ذلك القدر من الاهتمام الذي يستحقه کما حدده القرآن الکريم خصوصا عندما کرمه الله عزوجل"ولقد کرمنا بني آدم".


*الحياة الاجتماعية الصحية لا تتحقق إلا بالتواصل الإنساني بين البشر

عندما نتأمل قليلا في الآية الكريمة :"ياأيها الناس إنا خلقناکم من ذکر وأنثى وجعلناکم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أکرمکم عند الله أتقاکم إن الله عليم خبير"، نجد أن الإنسان يشکل أساس ورکيزة کل الشعوب والمجتمعات والقبائل في العالم، ما يعني أن كل مايبدر عنها من نشاطات وتحرکات وفعاليات تعکس مدى ونوعية ودرجة ومستوى الوعي والإدراك الإنساني لديها، وإن ذلك المستوى من الوعي مرتبط بالضرورة القهرية بوعي الأفراد، أي الإنسان کوحدة أساسية، والذي يجب أن نلتفت إليه هنا ونأخذه على محمل الأهمية والجد، هو أن الإنسان کلما کان متقاربا ومتواصلا مع الافراد الآخرين فإن ذلك سينعکس إيجابيا عليه من مختلف النواحي، وهنا يکمن المعنى العميق للتعارف الذي حدده سبحانه في الآية الکريمة أعلاه والتي تدعو للأخوة الانسانية.


*رغم تنوعها..الحضارة الإنسانية واحدة مصدرها الإنسان

إن اختلاف الأديان والأعراق واللغات والأجناس، هي نقاط وعوامل تمنح القوة للوعي الإنساني وتوسع من مدارکه، إذ کلما اطلع الإنسان على حضارة وثقافة وفکر قوم أو شعب فإنه يضيف الجديد من العلوم والمعارف إلى مافي جعبته، والذي يجب أن ننتبه له هو أن الإنسان کلما ازدادت وتوسعت مدارکه وعلومه وثقافته، فإنه يزداد تواضعا ورقبا والتصاقا بالآخرين وهو مايوضح معنى الألفة والتحابب الذي دعا وحث عليهما القرآن الکريم.


 مفهوم"الأخوة الإنسانية" أشمل وأوسع وأعمق من الأخوة الدينية والمذهبية

إن الانسان باعتباره کائنا اجتماعيا محکوم عليه قهريا بالترابط والتعايش والتواصل والتعامل مع أقرانه الآخرين، فإن شکل ومضمون کل ذلك هو من سيحدد سلبية أو إيجابية الأمر، وإن التکتلات السياسية والفکرية والثقافية وحتى الدينية لايمکن أبدا أن ترقى إلى مستوى مفهوم"الأخوة الإنسانية"، لأنها الأشمل والأوسع والأعمق والأنسب والأقرب والأکثر احتواءً للجميع، فالأخوة الإنسانية تضع معظم الاعتبارات الأخرى جانبا وترکز على الأصل الأساسي أي الإنساني، إذ أن البشرية کلها قد انحدرت من أبونا آدم وأمنا حواء، وهذه حقيقة ليس بوسع أحد نفيها وإن الإمام علي ابن أبي طالب عندما يقول:"الناس صنفان؛ إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"وعندما يقول صنفان ويضع المعيار الديني قبالة المعيار الإنساني، فإن ذلك يدل على القيمة الکبرى للمعيار الإنساني في الإسلام وهذا القول يتطابق تماما مع الآية الکريمة"وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين"، فالإسلام يرفض رفضا قاطعا قطع أواصر الأخوة الإنسانية بسبب من الدين والمذهب وماإليه، کما يفعل المتطرفون الذين لم يفهموا ولم يستوعبوا المقاصد الإنسانية واسعة النطاق في الاسلام.


*الإسلام الضامن الأكبر لحقوق غير المسلمين.. دين خير ومحبة للناس أجمعين

إن الإسلام الذي اشترط على المسلمين جميعا ضمان حقوق غير المسلمين ورعايتها من خلال عدم التعرض لمعتقداتهم وعدم غشهم واتباع أسلوب التسامح والعفو معهم والتعاون معهم على البر والإحسان والإسلام أکد لغير المسلمين حقوقا على المسلمين، نظير حق الحرية والاعتقاد وحق العدل والمساواة وحق حفظ الدماء والأعراض والأموال وحق الأمن والحماية من الاعتداء وحق الکرامة الإنسانية وحسن المعاشرة، ومن هنا، فإن الغلاة من الذين لايفقهون بأن الإسلام دين الرحمة والتواصل والألفة  وکذلك المتطرفين الذين يبدو أنهم قد قدموا خدمة کبيرة لأعداء الإسلام فقد جاء في الحديث النبوي الشريف:"أحب للناس الخير أن تکون مسلما"، وهو مايثبت بأن الاسلام دين خير ومحبة للناس جميعا.


*أصحاب الفكر الضال هدفهم تشويه الإسلام..

التنظيمات المتطرفة التي هي أدواة مشبوهة بيد أصحاب الفکر الضال من الذين يسعون لأجل تحريف الأصول والمباني الإسلامية والتلاعب بالنصوص من أجل الافتاء بما لايرضي الله تعالى أولا ولايمکن أن يتفق مع النهج الاعتدالي التسامحي للإسلام، کما أنه لايخدم أبدا المصالح العليا للأمة الإسلامية والتي کما نعلم جميعا هي فوق کل الاعتبارات، ومن هذا المنطلق فإن التصدي لأصحاب هکذا توجهات ولأفکارهم الضالة المضلة وتبيان الحق من الباطل ودحض رٶاهم وطروحاتهم بموقف يجمع عليه علماء وفقهاء الأمة الإسلامية من مختلف المذاهب، کانت وستبقى المهمة الملحة التي يجب العمل من أجلها بمختلف السبل، ولاريب من أن النهج الاعتدالي ـ التسامحي الذي نتبناه وندعو علماء وفقهاء الأمة کي يدلو بدلوهم ويثروا ويغنوا هذا النهج المستمد من روح أصالة الإسلام ومعاصرته لمختلف الظروف والأوضاع.


*في معادلة الحروب الخاسر الأكبر هو الإنسان.. والأخوة الإنسانية قدر البشرية ليعم السلام والوئام

دعونا نتساءل في ظل المآسي الذي تعرضت لها الإنسانية؛ مالذي جنته على مر العصور من الاختلافات والحزازات ومن ثقافة الکره والتباغض وإقصاء الآخر غير الحروب وسفك الدماء والدمار؟  وخطابنا موجه لأتباع الأديان کافة ولکل الأعراق والأمم والشعوب دونما استثناء، ونسأل الجميع؛ من الذي انتصر خلال کل تلك الاختلافات والحروب؟ ليس هناك من دين منتصر وآخر مندحر مثلما ليس هناك من عرق منتصر وآخر مندحر، بل هناك مهزوم وحيد وهو الانسان أولا والإنسانية ثانيا ونقول بأن الإنسان أولا لأنه هو اللبنة الأساسية في بناء الصرح الإنساني وبقدر ماکان محکما ومثاليا فإن ذلك سينعکس على ذلك الصرح، ذلك أن تراجع ثقافة التسامح والعفو والتعايش مع الآخرين والقبول بهم لايعني هزيمتها، بل هزيمة من لايٶمن بها حتى وإن توهم بانتصاره، وإن الإنسان خاصة والبشرية عامة محکومة قهريا وبالضرورة القصوى للعودة إلى نبع الأخوة الإنسانية وجعله الاساس في التعامل والتعاطي بين مختلف شعوب وأمم العالم، وکفانا حروبا وسفكا للدماء وتدميرا لمعالم الوجود والحضارة ونحن نرکض خلف وهم الأقوى والأفضل والأعظم ذلك أن الأخوة الإنسانية قدر البشرية الحتمي.

* د.السيد محمد علي الحسيني




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات