على اساس المرونة العقلية والنفسية وشعورنا بالائتلاف حتى مع من نخالفهم الرأي من اجل أستحصال الثمرة الصحيحة من خلال التعاطي المستمر مع الاختلافات والرؤى الأخرى ، في محاولة منّا إحداث تغيير في الأجادة بالتنقيب والتنقل بين الافكار المتعددة والاراء المتباينة . ورغم ان المرونة العقلية والنفسية والشعور المحايد هي لياقة مكتسبه دائما ما تكون نتاجا حتميا لجهود ذهنية فكرية مبذولة في هذا الاطار تماما ، كما هو حالنا عندما نصبو الى لياقة جسدية عالية أخرى فاننا لن نحصل عليها دون تدريب وممارسة مستمرة لنشاطاتها الرياضية المختلفة ، فكلما مارسنا هذه النشاطات بشكلها الصحيح حصلنا على لياقة جسدية عالية في حين ان ممارستها بطريقة خاطئة قد يؤدي الى نتائج عكسية وهذا ما يحدث تماما مع لياقتنا العقلية التي علينا ان نكتسبها بشكل صحيح ونمارسها بطريقة سوية لتؤتي ثمارها . وعليه فان هذه المرونة والأنفتاح على الآخر هي مكسب حقيقي ندرك به التجديد والاصالة ونمارس به الحركة ونشعر معه بالتلاؤم والانسجام . أن المرونة الفكرية أشبه بالمَلكَه التي يرثها الشخص من أبويه أي ان هنالك أناس وهبهم الله سبحانه حسن الدراية وتقليب الأمور وطول النفس فإذا أجتمعت الملكة مع العلم الرصين أنتجت شخصية متزنة تنظر للماضي والحاضر والمستقبل بعين المتبصر مع فهم مقتضى الحال أي أن يُعامل كل فرد ومجتمع بحسب دينه وبيئته وثقافته وفكره وعقله أيضاّ . فالتفكير المرن الصحيح هو قدرة العقل أو الشخص المفكرعلى طرح الأفكار المختلفة بالوقت المناسب لكافة القضايا المعروضة عليه او المطروحة امامه والتعامل معها بِيُسر و انفتاح ومع الأمور المستجدة و المتغيرة و كذلك النظر إلى الوقائع والحوادث من زوايا متعددة و بالتالي إيجاد الحلول الإبداعية للمسائل التقليدية و المستجدة ، وذلك مع الحفاظ على الرؤية المحددة وجوهرها .. و تزداد الحاجة إلى طريقة التفكير هذه في عصرنا الحالي الذي يعج بثورة المعلومات و الاتصال والمتغيرات الهائلة .. ومن باب الحرص نرى لزاما علينا التمتع بهذا التفكير المرن الذي يمكننا من رؤية الأمور بمنظار الغير و التعامل معها بالشكل الأمثل و لكن دون أن ننفصل عن رؤيتنا ومبادئنا الثابتة .. وأن نُمارس هذا النوع من التفكير في جميع القضايا السباسية و الأجتماعية والفقهية والفكرية و هي ميزة حرّة ممنوحة لكل الأفراد والجماعات , فالفرد الذي يمتلك هذا النمط من المرونة والتفكير السليم يحقق نجاحا لنفسه ولأمته ، وكذلك الجماعات وصنّاع القرار في الدول ، فهم أول من يجب أن يمتلك أسلوب التفكير المرن لمواجهة مختلف القضايا و مستجداتها خدمة للصالح العام . على هذه الاساسات كان تناولنا ونقاشنا لبعض آراء السيد كمال الحيدري بدوافع عقلية وعلمية وفكرية مجردة فحسب ، وليس قصدنا الخدش او الأنتقاص من شخصه معاذ الله .
(*)اولاً : أ - في فهمه وتفسيره للآية القرآنية الكريمة " حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ "(1) . وقع السيد كمال الحيدري مرة اخرى بالخطأ والوهم والأشتباه! حيث أدّعى أنّ النملة اعترضت على النبي سليمان (ع) . وهذا وهمٌ آخر وقع فيه الحيدري كما في ظنّه وخطأه السابق حيث فسَّرَ تساؤل وأستفهام الملائكة (ع) حول إستخلاف الله سبحانه الأنسان في الأرض إعتراضا أعتبره الحيدري من أشّد الأعتراضات على الله سبحانه مما يعني ان ابليس لعنه الله كان اقل اعتراضا من الملائكة (ع) على الله سبحانه ! . والحقيقة لانعرف كيف فهم السيد الحيدري ان النملة كانت بمقام الأعتراض على نبي الله سليمان (ع) .فالنقرأ الآية الشريفة مرة أخرى ونرجو من القاريء الكريم ان يتمعَّن جيدا مَعَنا ويرى هل يوجد فيها ما يوحي على الأعتراض ؟ :( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ). الحقيقة البيِّنة التي تتجلى للفاحص بكل وضوح هي أن النملة كانت بمقام الأعتذار عن نبي الله سليمان (ع) وجنوده .. بأنهم إن مروا عليهم نبي الله سليمان (ع) وجنوده لم يكن مرورهم عن قصد الإيذاء .. بل يتضح جليا لو أنّهم مروا وحطموا النمل .. فإنما هو يكون بسبب غفلة النمل نفسه وليس لغفلة نبي الله سليمان (ع) وجنوده ! لذلك فهِمَت النملة هذا الأمر فتَنَبَّهت ونبَّهَت النملة النمل بألفاتَهم لهذا .. لنبي الله سليمان (ع) وجنوده لا لقصد ايذاء النبي سليمان (ع) وجنوده النمل . وبهذا يتضح أن لاوجود لأي أعتراض من النملة على نبي الله سليمان (ع) وجنوده اطلاقا .
ب - الجميل في كلام النملة وتأدُّبِها في ما ألهَمها الباري تعالى من حُسن الخطاب أنَّ كلامها على قُصرِه قد اشتمل على النداء والتنبيه وتعيين المنادى بقولها : (يا ايها النمل)، كما اشتمل على الأمر ومتعلقه والمخاطب به بقولها : (ادخلوا مساكنكم)، واشتمل على التحذير والمحذّر وتعيين المحذَّر منه بقولها : (لا يحطمنكم سليمان وجنوده) ، واعتذرت فكان منها كمال الأدب مع نبي الله سليمان (ع) فلم تخص النبي بنسبة عدم الشعور بقولها (وهم لا يشعرون) بل يُفهَم من هذا عدم الشعور كان لجنود نبي الله سليمان (ع) وهذا لا ينافي عدم فهمه كما يدعي السيد الحيدري او يخدش نبي الله سليمان (ع) او يُحل بعصمته ، بدليل تَبسٌّمِه (عليه السلام) ولِفَهمه كلام النملة الأمر الذي أستدعى معه وحقَّ شُكر نبي الله سليمان (ع)عليه الباري تعالى بقوله تعالى : " فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ "(3) . وهذه من مختصّات المعصوم في عقيدتنا ، التي فاتت السيد الحيدري او تناساها ، لأن الانبياء معصومون عن الصغائر والكبائر منزهون عن المعاصي قبل النبوة وبعدها على سبيل العمد والنسيان وعن كل رذيلة ومنقصة وما يدل على الخسة والضعة . وكذلك لا يجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة لا بالعمد ولا بالتأويل ولا بالسهو والنسيان ، وهذا مذهب الشيعة (2) ) ومن هذا يظهر مخالفة أهل السنة والتأويل للشيعة في عصمة الانبياء حيث جوزوا عليهم المعاصي قبل النبوة وبعدها ، وجوزوا عليهم السهو والغلط والنسيان .
ثانيا :فسَّرَ السيد الحيدري قوله تعالى (وهم لا يشعرون)بقوله : إن النملة تقول للنبي سليمان (ع) أنت لاتفهم . وهنا أوقعَ المُفسِّر نفسَهُ بمَطب كبير يؤخد ويُسجَّل عليه ، فضلا عن تجاوزه على النبي ! فهو لم يفرق بين ضمير الغائبين وضمير المخاطبين ، ولم يفرق بين ضمير الجماعة وضمير الفرادى ، كما فسر عدم الشعور بعدم الفهم .
ولتوضيح ذلك نقول :أ - في الآية الشريفة ضمير غائب (هم) ، وفسَّره المفسّر بضمير المخاطب (أنت) . فالنملة كانت تخاطب النمل ولم تخاطب سليمان (ع) وجنوده فالتبس على المفسر ولم يُفرّق بين النمل والبشر .
ب - في الآية الشريفة الضمير للجماعة وفسّرَه المُفسِّر إلى ضمير المفرد . وكان من أدب النملة أنّها لم تنسب عدم الشعور إلى نبي الله سليمان (ع) ولم تخصَّه بالذكر او تذكره في مقام عدم الشعور إلا أن المفسِّر أختلط عليه الأمر ووقع في المحذور وفسَّرَ الخطاب ووجَّهه لخصوص النبي سليمان (ع) .
ويختم المُفسِّر مقطعه بالتشدّق بأن بعض تلامذته يكتب بحثاً في أن القرآن نقل مقولات للكفار والحيوانات والملائكة فهل تُعتبر مقولاتهم هذه حجة أم ليست بحجة ؟ . والذي اعتبر هذا مِن أعقد المسائل القرآنية ، وهذا البحث يقوم به أحد تلامذته والذي يُشرف عليه ايضا أحد تلامذته . فاليتأمل المُتأملون والباحثون في عظمة هذا الرجل كيف أن كاتب البحث أحد تلامذته والمشرف على البحث أيضا أحد تلامذته ! وإننا نسأل في هذه الأثناء اين هي بحوث هؤلاء التلامذة من نظريات أستاذهم .. وهل نوقِشَت هذه النظريات في بحوثهم ... ؟ .
https://www.youtube.com/watch?v=H6L7igbiAR4&feature=youtube_gdata_playe
(1) النمل/18 .
(2) التستري/ إحقاق الحق/ ج2: 198 . الفخر الرازي/ عصمة الانبياء/ ص40 .
(3) النمل/19 .
صفاء الهندي
التعليقات (0)