ألقى العلامة د. السيد محمد علي الحسيني خطبة عبر منبر نداء الجمعة من بيروت، تناول فيها معاني الالتزام الإسلامي بالأنظمة والقوانين، مركزا على قانون السير، نظرا لأهميته في الحفاظ على الانتظام العام وعلى أرواح البشر .
واستند الحسيني إلى الآية الكريم ﴿أفحسبتم أنما خلقناکم عبثاً وأنکم إلينا لا ترجعون﴾ ، ليؤكد أن عملية خلق الإنسان ليست عملية عبثية لا طائل من ورائها، إنما هي عملية غائية، تسير باتجاه تکامل الأهداف والغايات الأساسية التي تکمن خلفها، ذلك أن الإسلام هو دين النظام والقوانين، حيث جاء ليسيِّر أمور الحياة وجميع شٶونها من کل النواحي، كما أنه دين التناسق الذي جاء ليهتم بجوانب الحياة باعتدال، لا يزيد في جانب على حساب آخر، فهو دين الشمول ، حيث غطى الحياة كلها برحمته وتوازنه ونظامه ودقته، فلم يترك شاردة ولا واردة إلّا وله فيها قول وأمر ونهي.
وأضاف السيد الحسيني: الإسلام أعدّ العدة للاهتمام بالإنسان ورعايته منذ ولادته وحتى مغادرته الدنيا وهذا الاهتمام لا يشمل الجانب الفردي من حياته فقط، بل الاجتماعي أيضاً ولذلك فقد وضع الإسلام ما يمکن وصفه برنامجاً حافلاً من الأنظمة والقوانين التي تنظم جميع شٶون الحياة الإنسانية، حيث أن الإنسان يحتاج إلى أنظمة وقوانين، تحدد علاقاته وتوضح واجباته وعندما تختل النظم وتختفي القوانين من حياة الناس، تحدث الفوضى التي تستخدم القوة والعنف.
وذكر السيد الحسيني أن البلدان الإسلامية في زمن الحضارة العربية الإسلامية سباقة في الاهتمام بتطبيق الأنظمة والقوانين ورعاية العلوم والآداب والقضايا الفکرية و الفلسفية والأخلاقية.
وأردف الحسيني : اليوم نجد في خضم التقدم الصناعي والتقني، لا سيما الإنتاج الکبير للسيارات بمختلف أنواعها، أن قضية رعاية قوانين السير والالتزام بها واحدة من القضايا الحيوية الهامة لعلاقتها القوية بالحياة اليومية للإنسان وبشکل خاص في المدن المزدحمة وقد يتساءل البعض هل للإسلام موقف ورأي في هذا الشأن الحياتي؟
يجيب السيد الحسيني : نعم، إن الإسلام وضع قبل کل شيء آداباً للطريق ويقصد بآداب الطريق، السلوكات التي يجب على من يسلك طريقاً أو يجلس فيها أو يقف عند شيء منها، أو يکون ساکناً بعقار فيها أن يراعيها ، کما جاء في حديث أبي سعيد الخدري عن النبي “ص” قال: (إياکم والجلوس في الطرقات ، قالوا: يا رسول الله ما لنا بدّ من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله”ص”: فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه ؟ قال: غضّ البصر وکفّ الأذى وردّ السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر."
كما أن للفقه الإسلامي أدلته أيضاً على الطريق العام، الذي ينتفع الناس جميعاً منه، حيث لا تکون هناك خصوصية انتفاع فردية بهذا الصدد، فليس لأحد مثلاً أن يجعل مظلة تضر بالمرور بالطريق، أو يشغل الطريق بشيء يضر بالمارين به.
وفي هذا السياق أشار الحسيني إلى الحديث النبوي: ( لا ضرر ولا ضرار ) ولأن المرور في الطريق العام مقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه.
ورأى الحسيني أن هذا يبيِّن بمنتهى الوضوح کيف أن الإسلام وقبل 14 قرناً من الآن ، في وقت لم تکن هناك ازدحامات مرورية خانقة وکل هذه السيارات بأنواعها وأشکالها المختلفة ، وضع نظاماً وقانوناً أساسيّاً للسير والتعامل مع الطرقات، حريّ بنا ونحن نعيش في عصرنا هذا، أن نعلم دائماً بأن الالتزام بقوانين المرور، خصوصاً فيما يتعلق بتنظيم المرور وترتيبه وتنسيقه عبر الإشارات الضوئية أو الخطوط والعلامات الأرضية ، ذلك أن التقيد بکل ذلك يعني التزامنا بما قد أمرنا به النبي”ص” وبطبيعة الحال فإن الالتزام بقوانين السير والمرور فيه منفعة ومصلحة عامة للجميع، مثلما أن مخالفتها تلحق ضرراً کبيراً بالنظام وتخلق حالة فوضى تضر بالمصلحة العامة وتزهق الأوراح كما نشهد في أيامنا هذه.
وتطرق السيد الحسيني إلى الشأن السياسي العام للأمة، فجدد دعوته للمسلمين خصوصا إلى التوحد ورص الصفوف خلف أولي الأمر، كما دعا العرب عموما إلى التكاتف لمواجهة التحديات التي تعصف بالأمة .
وأكد الحسيني أن المركب العربي واحد وإذا تعرض للخطر وللغرق فلن ينجو منه أحد ، ودعا إلى ضرورة تداعي قادة الأمة في كل حين إلى توحيد الموقف وإيجاد الحلول السريعة لوقف نزيف الدم في بلداننا العربية ، خصوصا في سوريا واليمن وليبيا .
كما اعتبر السيد الحسيني أننا اليوم بعيدون جدا عن زمن الحضارة العربية والإسلامية التي سبق ذكرها، لأننا نستهلك طاقاتنا في النزاعات والصراعات والحروب، ما تسبب بتدخل الأمم الأخرى في شؤوننا، فتعمل وفقا لمصالحها الخاصة، فتزدهر وتقوى وتغيب المصلحة العربية ، فنتراجع ونتخلف عن الركب الحضاري .
وختم الحسيني خطبته بالقول: إن القمة الاقتصادية التنموية العربية المقررة في بيروت قريبا، هي فرصة سانحة للقاء القادة العرب من أجل بحث الحلول المطلوبة للأزمات العربية ولإطلاق عجلة التنمية التي تحتاجها الاقتصادات العربية المستنزفة بالحروب ويحتاجها المواطن العربي من أجل حياة كريمة ومزدهرة .
بيروت الجمعة ١٢ /١٠/ ٢٠١
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------
النص الكامل لخطبة السيد د. محمد علي الحسيني عبر منبر نداء الجمعة تحت عنوان :
قانون السير وأهمية التقيد به لما فيه من نظم ومخالفته فوضى
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه المنتجبين
قال الله سبحانه وتعالى في کتابه الکريم:﴿أفحسبتم أنما خلقناکم عبثاً وأنکم إلينا لا ترجعون﴾ في هذه الکلمات القليلة لفت الباري عزَّ وجلَّ أنظار الأمة الإسلامية ککل إلى حقيقة بالغة الأهمية ، وهي أن عملية خلق الإنسان ليست عملية عبثية لا طائل من ورائها، وإنما هي عملية غائية، تسير باتجاه تکامل الأهداف والغايات الأساسية التي تکمن خلفها، ذلك أن الإسلام هو دين النظام والقوانين، حيث جاء ليسيِّر أمور الحياة وجميع شٶونها من کل النواحي، وهو كذلك دين التناسق الذي جاء ليهتمّ بجوانب الحياة باعتدال ، لا يزيد في جانب على حساب آخر، وهو دين الشمول ، حيث غطى الحياة كلها برحمته وتوازنه ونظامه ودقته ، فلم يترك شاردة ولا واردة إلّا وله فيها قول وأمر ونهي.
فالإسلام أعدّ العدة للاهتمام بالإنسان ورعايته منذ ولادته وحتى مغادرته الدنيا ، وهذا الاهتمام لا يشمل الجانب الفردي من حياته فقط، بل الاجتماعي أيضاً، ولذلك فقد وضع الإسلام ما يمکن وصفه برنامجاً حافلاً من الأنظمة والقوانين التي تنظم جميع شٶون الحياة الإنسانية، حيث إن الإنسان يحتاج إلى أنظمة وقوانين، تحدد علاقاته وتوضح واجباته، وعندما تختل النظم وتختفي القوانين من حياة الناس، تحدث الفوضى التي تستخدم القوة والعنف، وتسعى وراء المصلحة على حساب القيم والأخلاق ، وعندها تفسد الحياة وتصبح جحيماً لا يطاق ، فلقد خلق الله هذا الكون وأبدعه وبناه على نظام دقيق، وأحكمه حتى لا يتقدم فيه مخلوق على آخر، ولا يتأخر مأمور عما أمر به.
أيها الإخوة المٶمنون والمٶمنات،
عندما کانت الحضارة العربية الإسلامية تشع بنورها الوهاج على البشرية والعالم کله، فإن الأنظار کلها کانت متجهة إليها باعتبارها رمز اً للتطور والحياة المثالية، خصوصاً عندما کان يمنح الاهتمام لتطبيق الأنظمة والقوانين ورعاية العلوم والآداب والقضايا الفکرية والفلسفية والأخلاقية، وکان العالم کله منبهراً بالتقدم الحضاري الکبير الذي يشهده العالم العربي الإسلامي، ولذلك فقد صارت البلدان الإسلامية قبلة للباحثين والدارسين وطلاب العلوم ، وکيف لا ، وقد وضع الإسلام لکل أمر شرعة ومنهاجاً ، واليوم نجد في خضم التقدم الصناعي والتقني ، ولا سيما الإنتاج الکبير للسيارات بمختلف أنواعها ، فقد صارت قضية رعاية قوانين السير والالتزام بها واحدة من القضايا الحيوية الهامة لعلاقتها القوية بالحياة اليومية للإنسان ، وبشکل خاص في المدن المزدحمة، وقد يتساءل البعض هل إن للإسلام موقفاً ورأياً في هذا الشأن الحياتي؟
الإسلام وضع قبل کل شيء آداباً للطريق ، ويقصد بآداب الطريق ، الأمور التي يجب على من يسلك طريقاً أو يجلس فيها أو يقف عند شيء منها، أو يکون ساکناً بعقار فيها أن يراعيها ، کما جاء في حديث أبي سعيد الخدري عن النبي “ص” قال: (إياکم والجلوس في الطرقات ، قالوا: يا رسول الله ما لنا بدّ من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله”ص”: فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه ؟ قال: غضّ البصر وکفّ الأذى وردّ السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر). کما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: (قضى النبي “ص” إذا تشاجروا في الطريق بسبعة أذرع). ورواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله”ص”: (اجعلوا الطريق سبعة أذرع) ، وهذا يعني بأن الرسول الأکرم “ص” قد أمر بأن يکون عرض الطريق سبعة أذرع، وذلك لدخول الأحمال والأثقال وخروجها، وفي ذلك مراعاة لمصلحة جماعية للناس حتى لا يتضرر المارة. وإن للفقه الإسلامي أدلته أيضاً على الطريق العام، الذي ينتفع الناس جميعاً منه حيث لا تکون هناك خصوصية انتفاع فردية بهذا الصدد ، فليس لأحد مثلاً أن يجعل مظلة تضر بالمرور بالطريق ، أو يشغل الطريق بشيء يضر بالمارين به. قال د.وهبة الزحيلي في كتاب “الفقه الإسلامي وأدلته”: "فإن ترتب عليها ضرر أو أذى وجب إزالتها ، فيزال المسيل القذر في الطريق العام، ويمنع حق الشرب إذا أضر بالمنتفعين ، ويمنع سير السيارة في الشارع العام إذا ترتب عليها ضرر، كالسير بالسرعة الفائقة، أو في الاتجاه المعاكس، عملاً بالحديث النبوي: ( لا ضرر ولا ضرار )، ولأن المرور في الطريق العام مقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه".
إخوة الدين والإيمان:
في أهمية آداب الطريق والالتزام بما قد أمرنا الإسلام به على لسان الرسول الأکرم "ص" يبدو بعد النظر للإسلام بأهمية الطريق وما يمثله من قيمة حضارية وتجارية ، وحتى تربوية للفرد والمجتمع على حدّ سواء. وقد قال رسول الله”ص” :( الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلّا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق )، وجاء في حديث شريف آخر: (إماطة الأذى عن الطريق صدقة ). وهذا يبيِّن بمنتهى الوضوح کيف أن الإسلام وقبل 14 قرناً من الآن ، حيث لم تکن هناك ازدحامات مرورية خانقة وکل هذه السيارات بأنواعها وأشکالها المختلفة ، وضع نظاماً وقانوناً أساسيّاً للسير والتعامل مع الطرقات، حريّ بنا ونحن نعيش في عصرنا هذا، أن نعلم دائماً بأن الالتزام بقوانين المرور، خصوصاً فيما يتعلق بتنظيم المرور وترتيبه وتنسيقه عبر الإشارات الضوئية أو الخطوط والعلامات الأرضية ، ذلك أن التقيد بکل ذلك يعني التزامنا بما قد أمرنا به النبي”ص”. وبطبيعة الحال فإن الالتزام بقوانين السير والمرور فيه منفعة ومصلحة عامة للجميع، مثلما أن مخالفتها تلحق ضرراً کبيراً بالنظام وتخلق حالة فوضى تضر بالمصلحة العامة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه المنتجبين.
التعليقات (0)