تماما كما الحاكم العربي نجد ان معظم ( ولا اقول جميع ) مدراء دوائر الدولة في دولنا العربية يتصرفون بدكتاتورية . ومن خلال الواقع ومن خلال البرامج والمسلسلات اللتي تبث على القنواة العربية على اختلافها واللتي تناقش هذه الظاهرة . عرفت ان الموضوع عربي وليس محلي . (( مما يؤكد نظريات القوميين العرب القائلة بوحدة العرب الفسيولوجية ))
فعندما يصل أي شخص الى كرسي (( الحكم )) عفوا اقصد كرسي الأدارة في بلداننا نجد ان الاقارب والأصدقاء يتقدمون صفوف المهنئين . كما ان المدير يستقبل تهاني هؤلاء وهو يعرف تماما معنى هذه التهنئة . وأول ما يقوم به المدير الجديد هو الدعوة الى الأجتماع (( بالشعب )) اقصد الموظفين لكي يبين لهم ان عصر التسيب والفشل الأداري قد انتهى الى غير رجعة وان اخطاء الماضي يجب تجاوزها وان افكاره وطريقة ادارته الفريدة هي السبيل الوحيد لنجاح المؤسسة الحكومية اللتي اصبح مديرها . ثم تبدأ مجموعة التملق بالقاء بعض الخطب في مدح المدير الضرورة وينتهي الحفل بتوزيع بعض المشروبات الغازية اذا كان المدير بحبوحا طبعا والا فسينتهي الحفل على الناشف .
ثم وبعد اسبوع الى اسبوعين يبدأ السيد المدير بمراقبة الموظفين اللذين لاتربطهم به أي نوع من انواع العلاقة الشخصية , وخاصة اللذين هم على رأس اقسام حساسة لها علاقة بالتخصيصات المالية والمخازن والأقسام المسؤولة عن معاملات المواطنين المرتبطة بالرشوة . وبعد تجميع عدد لابأس به من الأخطاء ضد هؤلاء واكثرها تافهة يبدأ السيد المدير بعملية التطهير الضروري لأصلاح مؤسسته واستبدال هؤلاء الموظفين بمن هم اهل للثقة . وطبعا سيكون اهل الثقة كلهم من الأقرباء والأصدقاء . ماعدا منصب السكرتيرة . فهذا محرم على الأقارب لأن التحرش باحدى القريبات امر لا يقوم به العربي مهما كان فاسدا لا خوفا من الله بل من العشيرة طبعا .
ولا ينسى المدير العربي ابد في بداية استلامه لمهامه تأسيس شبكة المخابرات الخاصة به والتي تتكون من بعض الموظفين المتطوعين ومن عدة فراشين ينتشرون في ارجاء المؤسسة وظيفتها جمع المعلومات عن الرعية من الموظفين والتبليغ عن أي نقد خفي يوجه لسيادته من قبل بعض الحاقدين واعداء الأدارة والمؤسسة , واللذين دائما ما يكون مصيرهم السجن في احد فروع المؤسسة الموجودة في احدى البلدات البعيدة عن الحضارة او في قسم حفظ الملفات ( الأرشيف ) اذا كان الحكم مخففا . وهنا تكمن الأسباب اللتي تجعل من فراش المدير مديرا ونص .
اعتقد ان الدويلات الدكتاتورية الصغيرة المتمثلة بدوائر الدولة صغيرها وكبيرها هي اللتي تؤسس للدكتاتوريات الكبيرة اللتي نعيشها في جميع بلداننا العربية بدون استثناء وليس العكس كما يتوهم البعض .
دائما ما اسئل نفسي . ماذا لو اصبحت انا مديرا يوما ما, فهل ساتصرف كما يتصرف هؤلاء المدراء اللذين انتقدهم ؟ . هل ساقوم بتعيين اقاربي واقربهم واجعل من المؤسسة اللتي ساديرها مملكة خاصة ؟ . ودائما ما اجيب نفسي بلا ادري . ولن اعرف الجواب الا بعد ان اخوض التجربة , فانا عربي تربيت على قيم البداوة اللتي من اهم شعاراتها ( انصر اخاك ظالما او مظلوما ) ( وكلب الشيخ شيخ ) .
لن نستطيع ان نتخلص من الدكتاتورية ونحقق الديمقراطية في بلداننا الا بعد ان نجعل من الديمقراطية سلوكا يوميا نسلكه في البيت وفي العمل وفي الشارع وحتى في طابور شراء الخبز . فالشعوب الأوربية لم تؤسس ديمقراطياتها لأن ملوكها وكهنتها كانوا ديمقراطيين بالطبيعة . بل على العكسع فالأنانية اللتي هي اس الدكتاتورية طبيعة بشرية مزروعة في كل البشر . ولولا تأثير الأفكار الليبرالية في شعوب اوربا اللتي امنت واستوعبت افكار الفلاسفة الليبراليين واللتي ادت الى ثورة هذه الشعوب على دكتاتورياتها لما قام ملك واحد من ملوك اوربا بالتنازل لشعبه عن صلاحياته في الحكم .
التعليقات (0)