بقلم/ مـمدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com
السياسة هي في الأصل مواءمة ومفاوضة وهي من ثم واقعية، لكن السياسي يصعب عليه أن يحصد تأييد الجموع ما لم يعدهم بـ "التغيير"، ومن هنا يدخل الحلم ساحة السياسة، حيث يطرح السياسي غالبا وعدا ما لجماهيره، ومن يتابع حملات السياسيين في التحارب الديموقراطية يجد تراثا عريقا من أدبيات مغازلة الأحلام، والكوابيس أيضا!
وقد شكل النجاح التاريخي للرئيس الأمريكي باراك أوباما نموذجا من نماذج التسويق الناجح للحلم، فقد كان من شعاراته الرئيسة أن "الحلم الأمريكي" ما زال حيا، كما شكل كتابه "أحلام من أبي" واحدا من أكثر الكتب مبيعا. وهذه الحقائق لا تمثل جزءا من مناخ انتخابي أو مزاج سياسي بل تمثل سمة لثقافة لم يتحول إحساسها بهذه المفردة إلى إحساس سلبي في قلب حضارة المادة والآلة والقوة ونفوذ المال وجماعات الضغط و....إلى آخر ملامح الصورة النمطية للثقافة الغربية، وبعبارة أكثر تحديدا، الثقافة الأمريكية.
وقد أطلق الحراك السياسي الذي تشهده مصر خلال السنوات القليلة الماضية قاموسا جديدا من التعبيرات السياسية صنعتها الأحداث، وحفل الخطاب التحليلي المصري باجتهادات – وأحيانا اتهامات – لوصف ما يحدث وتحليله واستشراف مآلاته.
وبطبيعة الحال انطوى هذا الخطاب على تفسيرات لأسباب الفشل والنجاح المحتملة للخيارات السياسية المختلفة، وبخاصة في سباق الانتخابات الرئاسية المنتظرة في العام القادم. لكن من الأفكار المثيرة التي طرحت في هذا السياق القول بسبب أراه غريبا جدا لتبرير افتقار الدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق لهيئة الطاقة النووية لأن يستحق الفوز بمنصب الرئيس.
والحديث هنا ليس عن الدستور والمواد القانونية المنظمة للمنافسة الانتخابية فهذا أمر مفروغ منه وعقباته معروفة سلفا، لكن الحديث هو عن اتهام البرادعي باتهام يستلفت الانتباه هو أنه "حالم"، وكأن الحلم مستبعد من ثقافتنا السياسية، وبالتالي من سلة خياراتنا، أو هكذا ينبغي أن يكون.
وقد لا يكون الدكتور البرادعي قادرا على تحقيق الشروط اللازمة للترشح، وقد يتجاوزها ولا يتمكن من الحصول على الأغلبية، كل هذه أبعاد للتقييم من المفهوم أن يتم تقييم المشروع السياسي للبرادعي في ضوئها أما وصفه – على سبيل الاتهام – بأنه "حالم"، فهذا هو الجديد!
وقد يكون الاتهام مؤشرا على اختلاف بين ثقافتين إحداهما ذهبت أغلبية ناخبيها لصندوق الانتخابات لصوت لـ "الحلم" انحيازا إليه كخيار سياسي للمستقبل، وأخرى ترى – أو على الأقل يرى بعض مثقفيها – أن الحلم "تهمة"!
التعليقات (0)