السياسة.. والفن المسرحي
بقلم: خليل الفزيع
هناك رأي مفاده إن الكوميديا في المسرح لا علاقة لها بالسياسة، وإن هذه التهمة إنما تلصقها السلطة الحاكمة في بعض الدول كلما طرح المسرح قضية وطنية هامة، وما ذلك إلا من باب (تخويف) الفنانين من الخوض في تلك القضايا الوطنية الهامة، وإن كانت بعض السلطات تحاول تمرير بعض هذه القضايا عن طريق المسرح أو غيره من الفنون السمعية والبصرية، وذلك بهدف امتصاص الاحتقان الناتج عن الضغوط التي تمارسها على شعوبها، أو لمعرفة اتجاهات الرأي العام باعتبار هذه الوسيلة أحد مقاييس نبض الجماهير وموقفها من السلطة الحاكمة.
ولأن كل الآراء قابلة للنقاش فإن نفي السياسة عن الكوميديا الملتزمة قول فيه نظر، فهذا الرأي قابل للنقاش خاصة إذا عرفنا أن السياسة في اللغة تعني: القيام على الشيء بما يصلحه، وساس الوالي رعيته إذا أصلح أمرها، ومنها سائس الخيل الذي يقوّم جموحها ويروضها، وبهذا المعنى يصبح المسرح سياسيا إذا تناول شأنا من شئون الأمة بهدف إلى إصلاح أمرها، وفي هذا السياق نقول عن فلان من الناس إذا نجح في مهمة حوارية، أو توصل إلي حل مشكلة قائمة: إنه سياسي.. وهذا ينطبق على جميع الفنون ومنها الكوميديا المسرحية أو السينمائية الملتزمة، فليس من الضروري اللجوء للطرح المباشر للمواضيع السياسية، بل يكفي طرح موضوع له علاقة بالشأن العام وهموم الناس وقضاياهم المصيرية ليصبح هذا الطرح سياسيا، طالما الهدف منه الإصلاح وتنبيه السلطة على الخلل الذي نجمت عنه تلك الهموم والقضايا، وفي كل الأحوال فإن محاولة السلطة منع هذا الطرح تعني وبشكل تلقائي تسييس هذا الموضوع، ونقله من إطار النقاش المحدود، إلي دائرة الاهتمام الرسمي، وهي دائرة تتسع بحجم الاهتمام الرسمي بها، والحقيقة التي لا يمكن إلا التسليم بها هي أن السياسة أصبحت زادا يوميا لكل الناس شاءوا ذلك أم أبوا، ففي هذا العصر الذي تعددت فيه وسائط الاتصال لا مجال للإنسان أن يعيش على هامش الأحداث، لأن هذه الأحداث تؤثر علي حياته بشكل أو بآخر، لذلك تعددت مسميات السياسة وأهدافها بحيث لا يمكن حصرها في العلاقات الدولية فقط، بل أصبح هناك ما يسمي السياسة الداخلية، وتحت هذا المسمى تتفرع السياسة إلي اقتصادية وثقافية وتنموية وغيرها من المسميات، وبعد أن أصبحت السياسة تعنى في جانب من جوانبها تمرير المواقف، أضحى من السهل أن تمرر الدول الكبرى مواقفها على الدول النامية، والدول النامية تمرر مواقفها على الدول الفقيرة، والدول الفقيرة تمرر مواقفها على الدول الأشد فقرا، والأكثر من ذلك أن تمرر الدول مواقفها على شعوبها، والشعوب تمرر مواقفها على مجتمعاتها، والمجتمعات تمرر مواقفها على أفرادها، والأفراد يمررون مواقفهم على أفراد أسرهم، وهكذا تصبح الحياة كلها سياسة في سياسة.
والمسرح الكوميدي الملتزم بقضايا الأمة هو في قلب السياسة وليس على هامشها، فلا ضرر من الاعتراف بعلاقة المسرح بالسياسة، التي أصبحت الزاد اليومي لمعظم الناس.. يتناولونها في كل صباح ومساء.
التعليقات (0)