مواضيع اليوم

السياسة ومشتقاتها

محمد الطاهر

2011-07-29 19:34:08

0


تعالت في الآونة الأخيرة الدعوات إلى ضرورة الإلمام بمفاهيم مجالات المعرفة ،لأنه بات مطلبا أساسـيا للنخب العربية القادرة على تكويـن العقل العربي النخبوي  وتنميـة مهاراتـه ، وزيـادة قدرته  على الإنتــاج المعـرفي . خصوصا  مع تقـدم العلـم  وتكنولوجـيا المعلومـات واتسـاع شبكة التواصل الإنترنيت التي تحول معها العالـم إلى قرية صغيـرة . ويعـزو أصحاب هـذه الدعـوات أن السبب الرئيسي إلى دعـواتهم ، كـون مثقفي العالم العربي وسياسيه لازالـوا بعيديـن عن هذا التطور لأنهم لا يولون للمعرفة ما باتت تستحقه    من اهتمام كبير من قبل النخب الغربية ، مفكرين ،مثقفين وسياسيين .غير النخب العربية ،المثقفـون – بشكل محدود – والسياسيون  في أغلبيتهم ، يـرون في التنـوع الفلسـفي المعـرفي غــزوا للهويـة العربيـة الإسلاميـة ومصدر تهديد لها وليس موردا  معرفيا  ثريا  يمكن أن يساهم في بناء الهوية الثقافية ويستجيب لمطالب مجتمع المعرفة ويكسر القوالب الجاهـزة لفكر اجتــراري محنــط لا يواكب  تـطور المجتمع المدني . وإنما يخدم فئة مثقفي السـلطة ووعاظـها دبـا على كراسيـهم وامتيازاتـهم . وهـذا الموقـف يؤكـد بما لا يـدعو مجـالا للشك أن النخبـة المثقفة في العالـم العربي على وجـه التحـديد ، تتــوزع حسب أدوارها إلى أصناف منها : بائع الأوهـام وغائب مغيب وبطل مناضل . الأول يقـدم مبررات النظـام القائـم ويدافـع عن شرعيته بشتى الوسائل الممكنة ويتفنن في الزخرف اللفظي حتى يكون للتخدير مفعوله القـوي على فئات عريضة من المجتمع . ظنا منه أن الشعب سـاذج صامت يتلذذ بتزييـف الحقائـق لأنه أضحى مهيأ لقبـول جميع أنـواع المغالطات وتـزييف الحقائـق . هـذا الصنـف من النخب ، يشكلـون قطيـعا ضـاريا من مثـقفي السلطة ووعاظ السلاطين حيث اكتسبوا مهارات قلب الحقائق وإلباس الحق بالباطل وهم يعلمون وإرجاع كل حركة أو تمرد أو احتجـاج إلى الدسائـس والمؤامـرات التي يحيكها أعـداء الوطـن المسخرين من قبـل قوى خارجية ؟ . أما الغائبـون فهم الذين خافـوا على أنفسهم ومصالحهم فعمدوا إلى الهجرة ليستقـروا في مناف اختيارية وقع عليها اختيارهم سواء للإقامة أو اللجوء السياسي أو العمل أو التجنس مستنفديـن من الأجـواء الديمقراطيـة في بلدان أوروبا أو أمريكا . أما المغيبـون فهم فئـة المثقفين الذيـن ظلـوا في الداخـل ولكن اعتـزلوا السياسة والسياسيين في اعتكاف على الذات على غـرار المتصوفة ، وقد برز هذا الميل الصوفي لدى البعض في الانتاجات الفكرية والإبداعية الفكرية والإبداعية. وأما النخب المناضلة فهم الذيـن ظلـوا على عهـدهم ووعـدهم ، وظلـوا أوفيـاء لمبادئهم ، أوفيـاء لقضايا الجماهيـر وما استكانـوا .  مارسوا شغبهـم وتمردهم بنـوع من العنـاد فتجرعــوا التنكيل والسجـن والقتـل ،  وتعرضـوا لكـل أنــواع الاغتيـال الفكـري الاجتماعي فحرفت نوايـاهم ونضـالا تهم وشوهت أفكـارهم في إطـــار ما يسمى بلعبـة الصـراع الإيديولوجي . ولكن ما يحـز   في النفـس أحيـانا، أن الجماهيـر التي يناضلون من أجلها لا تسايـر توجهاتهم الفكرية والسياسية ، سواء كان ذلك بشكل عفوي تلقائي ، نتيجة غياب الوعي وانتشار الأمية أو بسبب الحملات المضادة التي يقوم بها رعيـل السلطة من أجل تسفيه وتشويه أفكارهم وتطلعاتهم. وقد تجد هذه الحملات المضادة من يصدقها ويؤيدها ، كون هذه النخب المحتجة لا تملك برامج سياسية اجتماعية عملية ملموسة يمكنها تلبية المطالب الملحة للفئات الشعبية ، وإن وجدت فإنها تكون طــوبــاويــة ويغلب عليها طابــع الفورية والاستعجال ، ناهيك على أن الجماهيرلا تتفاعل معها في أحيانا كثيرة لأنها تستبعد التغيير ولم تعد تصدق، لأن النخبة بلا برنامــج اجتماعي عملي تحكمه الواقعية والمنطق ، ومن جهة أخرى بسبب صعوبة التواصل بين الجماهير والنخبة التي تتولى الدفاع عنها . إن الخطاب الذي تتواصل به هذه الفئـة مع جماهيـرها هو نخبـوي ويعتمد لغة محنطة ذات جهـاز مفاهيمي عصـي على الفهـم . وهـذا التخبـط هو نتيجـة غـيـاب معرفـة علمية دقيقة بالواقــع . إن هذا الفهم للنخب لا يمكن أن يعـمم على الواقـع العربي عامة وإنما يخـص البلدان التي تعـرف تعـددية ثقافية وسياسية والتي عرفت انفـراجا مهما وهوامـش من الحريـة والديمقراطيـة . ولكن لازالت عـدة عـوائـــق تحاصــر النخب الثقافيــة السياسية سواء منها التي تدعي الاستقلاليـة أو التي هي منخرطـة في اللعبـة السياسية للدولة ، وهي عوائق معرفية قد تكون حاسمة  في شتى الاختيارات المستقبلية . إن ما حصل ويحصل في الوطن العربي من اغتراب للنخبة المثقفة التي تأمل التغيير وتعارض الواقع السياسي العنيد وتتمرد عليه . كما تعمد إلى استنهاض الهمم والعزائم والضمائر الحية من جماهيـر الأمـة وشبابـها بغـد مغاير ينعـم فيه الإنســان العربي بالحريـة والكرامـة والعدالـة . وهـو أمــر بعيد المنـــال في الظـروف الراهنـة بسبب تفشي الأميـة ، وبسبب كـون الفكـر السيـاسي لازال واقـعا في فـخ الصــراعـات الإيديولوجية كما لا زال أسير ممارسة لعبة إدارة الأزمات بأساليب بالية تقوم على طرق احتواء الأحداث . وهـذا ما عجل بتشرذمه بسبب الصعوبـات التنظيرية الناجمـة عن التـطور المعرفي في زمـن التقـدم التقني المعلومـاتي الأمر الذي أدى إلى تقويض دعائم التنظيـر السياسي التقليـدي بسبب تهافت النخب السياسيـة على مكاسب ريعيـة خاصـة بدل الاستثمار في رأسمال بشري لكي تحقق تحولا نحو ملكية فكرية تؤسـس لفكر جديد من شانه أن يقدم فهما علميا رصينا لواقـع الحال المـأزوم في المجتمعات العربية الحالية. وإنما تتعمد النخب السياسية تبخيس دور المجتمعات العربية أو هكذا تفكر بأنها لازالت لم تبلغ سن الرشد بعد وربما قد يعترض البعض على مثل هذا الرأي ودحضه معتقدا إن الحراك السياسي الذي تعرفه المجتمعات العربية بعد انتصار الثورة في تونس ومصر ؟.. ويمكن القول بان ما حصل في مصر وتونس لا يعدو أن يكون مجرد احتجاجات ذات بعد وطني انتهت بمجرد ما تنحى الرئيس المصري وهرب التونسي لتتولــى السلـطـة نخب سياسية عسكرية ، كانوا بالأمس القريب من حاشيـة الرئيسين السابقيـن وكان بعضهم يمـارس السلطة . بل كانـوا من المباركيــن لسياسـة الرئيس السابق ومن وعاظــه المخلصيـن . الذيــــن يبحثـون على غطـاء سيـاسي سيتحـول مع مرور الوقت إلى فولكلـور سيـاسي يساير تطلعـــات المحتجين ويتظاهر بالرضـوخ لمطالبـهم وينحي أمــام شغبهـم . وما عليــهم إلا انتظـار الـذي قد يتحقق بعضــه أو لا يتحقق كله ؟ إن كل ما يحصل في الوطـن العربي هو يخدم أجنـدات سياسية عالمية تستهـدف التكتــلات الإقليمية وتعمل على تشرذمها والحيلولة دون وجودها حتى لا يصبح لنظام الحكم المستقل ، عقل منظم قادر على استيعاب وتدبير التنوع الثقافي المعرفي .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !