مات النحاة وشيخهم ، وسيموتون ، وبقي وسيبقى في نفوسهم شيء من " حتى " ..
ويبدو أن كل السياسيين الذين ماتوا ، والذين سيموتون ، سيبقى في نفوسهم " أشياء " من هذه " اللعينة " .. شأنهم في ذلك ، شأن النحاة ، وإن كان كل منهم يغني على ليلاه ..
وما قيل ، وما سيقال في السياسة ، لا يوازن ذرةً منه كلُّ ما قاله أبو نواس في الخمرة ، مضموما إليه شعر شعراء العالم منذ أول قصيد إلى آخر قافية ..
وربما لا تكون السياسة أكثر المجالات جدلا ، أو إثارة للجدل ، فكرا وممارسة ، لكنها بالتأكيد أحد أكثرها .. وأحد أخطرها نظرا للنتائج التي تترتب على سلوكيات السياسيين وأدوارهم ومعتقداتهم وأفعالهم التنفيذية ..
ثم إن التقنيات الحديثة وانتشارها على كافة الصعد ، وفي معظم أنحاء العالم ، قد سهلت على السياسة والسياسيين لعب أدوار متنوعة ، لتحقيق مصالح ومكتسبات ..
فإذا كانت السياسة " فن الكذب " ، فهل نستطيع أن نفترض بأن كل السياسيين كذابون ؟
ولو كانت السياسة " فن الصدق " ، فهل نستطيع أن نفترض أن كل السياسيين صادقون ؟
وإذا كانت السياسة " حربا تُشَنُّ بلا جيوش ولا أسلحة " ، لكنها هي السبب الأهم لنشوب الحروب التي تستلزم تجييش الجيوش والتسليح والتسلح والتبعات الأخرى المتصلة بذلك ..
ولا بد من نتيجة بعد الحرب : فثمة خاسر ورابح على الأغلب ، وقد تكون الوساطات والمفاوضات وأنصاف الحلول نتيجة أخرى لها ..
ولا بد في كل الأحوال من " عملية سياسية " تؤطر وتقونن نتائج الحرب العسكرية ..
أما الثمن الباهظ الذي يدفعه الطرفان فهو عدد الضحايا التي يحتاجها الانتصار لموقف ، أو الدفاع عن موقف ..
وهذه المواقف ، هي سياسية بالدرجة الأولى ، وكثيرا ما لا يكون لضحاياها ناقة فيها ولا جمل ..
فهذا ينتصر على جثث الضحايا ، والآخر ينهزم على جثث الضحايا ..
توصيفات سياسية :
وتبعا للأهداف المتوخاة من كل سياسة ، يمكن أن نسوق بعض أنواعها التي لا تعد ولا تحصى ، فيقال :
سياسة صادقة وكاذبة وعادلة وجائرة ومستقيمة ومعوجّة ومأجورة وعميلة .
سياسة وطنية ، وسياسة قومية .
سياسة محلية ، وسياسة إقليمية ، وسياسة عالمية .
سياسة نفاق وغش وغدر وخيانة وتخاذل .
سياسة خديعة ومكر ودهاء وانتهاز واستغلال .
سياسة تلفيق وتآمر ومداهنة .
سياسة مسلحة ، وسياسة عزلاء .
سياسة دنيئة وحقيرة ومكشوفة ومفضوحة .
سياسة عليا ، وسياسة دنيا .
سياسة حقوق مشروعة ، وسياسة ذرائع وأباطيل .
سياسة ممانِعة ، وسياسة ممالِئة ..
سياسة سامية ، وسياسة وضيعة .
سياسة هجومية ، وسياسة دفاعية .
سياسة تحررية ، وسياسة تقدمية ، وسياسة رجعية .
سياسة منغلقة ، وسياسة منفتحة .
سياسة نظيفة ، وسياسة قذرة .
سياسة عدوانية ، وسياسة وقائية .
سياسة وصاية ، وسياسة حماية .
سياسة تخريب ، وسياسة إعمار .
سياسة تأييد ، وسياسة رفض .
سياسة داخلية ، وسياسة خارجية ........
سياسة " سياسية " ، وأخريات : اقتصادية وزراعية وتجارية واجتماعية وجغرافية وعسكرية وفنية وثقافية وعلمية وتربوية ........... إلخ ....
أين هي حدود السياسة ؟؟
أهي محدودة بالإنسان وما له ، وما عليه ؟
أم تجاوزته إلى مخلوقات أخرى ؟
ما مدى وجود السياسة في عالم البحار والفضاء والحيوان والفيروسات والتقانة والنوويات ؟؟
وإلى أي مدى يمكن أن تمارس الحيوانات سلوك السياسة بالتطبع لا بالغريزة ؟؟
ولو مارست الحيوانات السياسة ، فهل ستتطابق في ممارساتها مع الأشكال التي يمارس الإنسان سياساته عبرها ؟
وهل السياسة عصا قذرة ، كيفما أمسكت بها تلوثك ؟
أين الخلل ؟ في النظرية أم في التطبيق ؟
أين المصيبة ؟ في الفكر أم في الممارسة ؟
أهي فن الممكن فقط ؟
أم هي فن التحايل على المستحيل وشبهه ، للتمكن من بعضه ؟
أهي فن الوصول إلى أهدافك بأي ثمن ، وبأي طريق ؟
أهي إقدام وقت الحاجة ، وتراجع وقت الضرورة ؟
أليس لها غاية سوى المصالح ولو كانت ضيقة ؟
أهي علم أم فن ؟
أم هي كل ما سبق ؟؟؟؟؟
الأحد ـ 15/05/2011
التعليقات (0)