في وقتنا المعاصر لم يعد ثمة فرق واضح بين السياحة نحو الشرق والسياحة نحو الغرب في شقيه الأوربي والأمريكي. لكن على وجه الخصوص لكل وجهة منهما تعني شيئاً غير ما تعنيه الأخرى، إلا أنهما يلتقيان في مسار واحد. إنما الفرق قد يتشكل واضحاً في جوهره، عندما تكون هذه السياحة فارغة من محتوى ومضمون هادف، وقد يتضح مع الأسطر القليلة القادمة متى تظهر أمامنا السياحة الفارغة أو السياحة الاعتباطية؟.
تظهر السياحة الاعتباطية بكل سهولة عندما ترى السيارات الفارهة، غريبة الأطوار، تحمل لوحات عربية مع أسماء بلدانها بلغة عربية، وتسعد بفرجة في مدينة أوربية مثل مدينة لندن، وغير هذا يحق لذلك السائق الشاب الثري أن يستعرض ويصخب ويخالف السرعات النظامية أو يقف في مواقف لا يسمح فيها الوقوف، كالأسواق أو الفنادق أو أمام أحد المقاهي على جنبات الطريق، ثم يقبل على دفع المخالفة بمحفظة مليئة بالنقود والبطاقات الائتمانية، ستعرف حينها أن هذه هي هواية السياحة الاعتباطية.
وعندما ترى امرأة تسير بمسيرة الخيلاء، في شوارع الشانزليزيه بعباءة مذيلة، وبجانبها فتاة شابة متبرجة تبرج استعراضي فاضح، بجسد مزين بالمساحيق والذهب اللامع، وعطورات تتطاير روائحها في منعطفات الطرقات، وتسكع ليس له أهداف واضحة، ستعرف حينها أن هذه هي هوية السياحة الاعتباطية.
وعندما تسمع أن رجلاً يتعذر بالاطمئنان على أبنه المبتعث للدراسة في إحدى الجامعات الغربية، ويشد حقائب السفر صيفاً، في حين أن الابن على مقاعد الدراسة، يبقى الأب وحيداً في السكن، ثم يخرج للشرفة يتمطى ويحك خصاه بشكل يومي، ثم يفاجأ بشكوى من أحدى الشرف المقابلة. ستعرف حينها أن هذه الزيارة هي سياحة اعتباطية.
وعندما تصبح السياحة تسوقاً بحتاً، وتوضع لافتات عربية في دول غير عربية، وتوظيف فتيات يتكلمن اللغة العربية، لتصريف البضائع المكدسة، وتمديد فترات العمل لمواعيد متأخرة، لبذل المال بسخاء، دون طلب ما تبقى من مال، أو بإكراميات سخية. وترى بعدها مسيرة من الخدم تحمل البضائع نحو سيارات تنتظر بالخارج. ستعرف حينها أن هذا الوضع هو مجاراة للسياحة الاعتباطية.
وعندما ترى رجلاً يكتسي لباساً عربياً، في مدينة غير عربية، ويتمايل في الشوارع الضيقة، المكتظة بالمارة، والتباري مع الآخرين بصرخات مقززة، بلغة عربية مختلطة بلغات أجنبية، ثم الجلوس بالزي العربي في أماكن هي مستنقع للرذيلة والفسوق. ستعرف حينها أن هذا هو سفير لثقافة السياحة الاعتباطية.
وعندما يكون الناس في سبات عميق، ويخرج شباب قد تواعدوا للسفر عبر الانترنت، لبلد شرقي أو حتى بلد عربي، بأموال شحيحة لا تكاد تكفي لليلة واحدة، يؤثرون على نوم الساكنين وإقلاق راحتهم في أنصاف الليالي، سواء بصراخهم، أو بصدى ضحكاتهم. ستعرف حينها أن هذه هي سهرات هزيلة للسياحة الاعتباطية.
إنها فرجة تكشف هوية بعض النفوس غير المندمجة مع ذاتها، لتمنع وصول الصورة الحقيقية التي انسلخت مع فضاء المعرفة الوضيع. فبطبيعة الحال ليس الكلام هنا بالمجمل، بل هناك من يقدر السياحة المحترفة، لتصبغ بصباغة جمالية راقية. متى تعود رحلة السفر التى تبنى على مبنى اطلاعي وثقافي، لا تبنى على هشاشة وسطحية وعبث.
وسلامتكم ،،،
سعد أحمد بن ضيف الله
التعليقات (0)