على كل الذين يختبئون خلف شعار: " الإسلام هو الحل" أن يشرحوا لنا أي إسلام يريدونه لهذه المجتمعات. على هؤلاء أن يتحدثوا بوضوح و بدون كليشيهات جاهزة. هل هم يقدمون الحل الناجع لأزماتنا المزمنة أم يهدفون إلى مصادرة حرية الناس باسم الدين؟.
الواقع أن القاسم المشترك بين الأحزاب الدينية في العالم الإسلامي هو الحنين إلى تجربة السلف في تدبير شؤون المسلمين. و على الرغم من نجاح بعض هذه التيارات في المشاركة السياسية عن طريق صناديق الإقتراع في بعض الدول، فإن التخوف يرتبط بمواقفها الحقيقية من طبيعة القوانين الجاري بها العمل في الدولة الحديثة. ذلك أن المرجعية الدينية لهذه الأحزاب تجعلها تؤمن بأن نظام الحكم ينبغي أن يتأسس على ثوابت الشريعة الإسلامية. ومن تم فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ماذا لو نجحت هذه التيارات في الوصول إلى السلطة؟ ماذا لو تكرر المشروع الطالباني مرة أخرى في أي بلد من بلدان العالم الإسلامي؟. إنه السؤال الذي قفز إلى ذهني بإلحاح عندما كنت أشاهد الشريط المصور للمرأة التي تئن تحت سياط الجلادين في السودان. هذا الشريط الذي تداولته وسائل الإعلام بقوة خلال الأيام الأخيرة، يعبر عن صورة تخلو من كل آدمية و لا تنضبط لمعاني المشاعر الإنسانية. لكنه يعبر أيضا عن طبيعة الحلول التي يقترحها تجار الإسلام السياسي لتجاوز مشكلاتنا.
لا يمكن أن نلغي دور و حضور الدين في أي مشروع يتوخى الإرتقاء بالمجتمع، فقد فرض الدين الإسلامي نفسه كمكون أساسي في النسيج العام لمجتمعاتنا، بل إنه جزء لا يتجزأ من مقوماتنا الهوياتية . لكن حضور الدين في وجدان المسلمين ينبغي أن لا يتحول إلى كابوس يهدد الحريات و يلغي الإختلاف و يرهن الحقوق و يصادر الأفكار. الدين علاقة روحية تجمع الإنسان بربه و تساهم في تقوية القيم الأخلاقية عندما تكون الأفعال مرآة تعكس الأقوال و تترجمها عمليا. وهكذا فهو يلعب دورا رئيسيا في التربية و التوجيه السلوكي السليم. غير أن الزج به في الممارسة السياسية يعني تحويل الإيمان الروحي إلى أداة للإكراه و وسيلة للوصاية. و لا يمكن لشروط الدولة المدنية الحديثة و رهاناتها أن تزدهر في ظل تربة تكفر أدبياتها الأساسية المتمثلة في الديموقراطية و القوانين الوضعية.و بما أن المسلمين غير قادرين اليوم على تحقيق التجديد الديني المنشود الذي يتكيف بموجبه الإسلام مع متغيرات العصر و مستجداته، فإن أي نجاح لنموذج الإسلام السياسي يعني نكوصا مدويا نحو التطرف و الماضوية و محاكم التفتيش.
إن صمام الأمان في الإختيارات الديموقراطية المؤسسة على الحرية والعدالة و الكرامة الإنسانية هو المؤسسة القضائية. و لأن الشأن اليومي للإنسان ينبني على علاقات اجتماعية تكون مادة لتجاوز و خرق القوانين المعمول بها في كثير من الأحيان، فإن الإرتباط بروح القانون هو الذي ينبغي أن يكون الفيصل في الحكم. لكن هذا القانون يتحول من ضامن لحقوق الناس إلى مهدد لها عندما ينزع نحو التماس الشرعية الدينية، ويرهن حقوق الناس بقراءة أحادية تشرعن الإرهاب و القمع و العنف، و تسيء إلى كرامة الإنسان باسم تطبيق شرع الله. و بذلك يتم ضرب مبدأ " لا إكراه في الدين " و كل ما يرتبط به من معاني الحرية الإنسانية في الصميم. و على هذا المستوى تحديدا يصبح الإسلام السياسي خطرا حقيقيا لأنه يستغل الجانب السيكولوجي للإنسان المسلم لتصريف خطاب الوعد و الوعيد، و تمرير ثقافة المصادرة و الوصاية لتلقى القبول عند العامة تحت وطأة التخويف.
إن آهات و آلام تلك المرأة السودانية و هي تتلقى ضربات جلاديها في الشارع العام، تؤكد أن لا صوت يعلو على صوت السوط في مشاريع أوصياء الدين القسري. و الخطير أن ذلك المشهد اللاإنساني سيصبح حدثا اعتياديا لو نجحت التنظيمات المتطرفة في الوصول إلى السلطة... محمد مغوتي.20/12/2010.
التعليقات (0)