مواضيع اليوم

السودان والسياسات العرجاء للسلطة

حسن الطوالبة

2012-05-18 08:01:24

0

 كم كانت فرحتنا كبيرة عندما وقع السودان اتفاق نيفاشا مع الحركة الشعبية في جنوب السودان , لان الاتفاق اوقف نزيف الدم الذي مضى عليه عشرين سنة , في حرب داخلية بين ابناء الشعب السوداني المتعدد الاعراق والاديان , وكان الامل ان يستريح الشعب السوداني من ويلات الحرب , ويتفرغ لعمليات البناء والنهضة , واستثمار موارد السودان الكبيرة الزراعية والمعدنية ومنها النفط في المناطق المتنازع عليها . وكان من اخطر نقاط اتفاق نيفاشا هو " حق تقرير المصير " لشعب جنوب السودان . لانه بات في حكم المؤكد ان اي شعب اواقلية تضطهد من الحاكم تمني النفس بالانفصال عن عن هذا الحاكم عندما تلوح اول فرصة لتحقيق هذا الهدف .

فرح السودانيون ايضا واقاموا الاحتفالات عقب توقيع ذاك الاتفاق , وظهر الرئيس السوداني عمر حسن البشير ونائبه ( جون جرنق ) الذي مات في حادث تحطم طائرته , وخلفه (سلفا كير ) , ومنذ الايام الاولى والسلطة الجنوبية تعد العدة ليوم الاستفتاء على حق تقرير المصير , واعلان الاستقلال الذي تحقق في شهر تموز من العام الفائت 2011 .

مضت خمس سنوات على الاتفاق وحكم الشراكة مع الحركة الشعبية في جنوب السودان , ولم يتمكن الحكم السوداني من حسم القضايا العالقة بين الطرفيين , رغم علم الجميع ان الجنوبيين سوف يختارون الانفصال عندما يتحقق الاستفتاء . لم يتمكن الرئيس البشير واركان حكمه ان يحلوا قضايا النفط العالقة , ولا قضايا السكان من كلا الطرفين الذين يعيشون في الشمال وهم من الجنوب , او الشماليين الذين يعيشون في الجنوب . ولم يحلوا مسألة المناطق المتداخلة بين البلدين المستقلين .

الخطير في الامر ان الاستقلال تحقق للجنوبيين , وباركته السلطة في الشمال , وتبادل زعماء البلدين الزيارات , والتقطا الصور التذكارية في اشارة على حسن العلاقات بين البلدين , ولكن هذه المظاهر الشكلية سرعان ما انتهت "  وذاب الثلج وبان الذي تحته " . واخذت الاطماع تراود كل طرف , وتسعى قوات الطرفين العسكرية لفرض الامر الواقع على الارض , وخاصة فوق الاراضي الغنية بالنفط في ( ابين ) ومنطقة النيل الابيض .

الاخطر من هذا القرارات الاخيرة التي اتخذها البرلمان السوداني " باعتبار جنوب السودان عدوا للسودان "  , وتبعه تصريح الرئيس السوداني عمر البشير وعزمه " على تحرير جنوب السودان من الحركة الشعبية " . واذا كانت الحكومات السودانية المتعاقبة وطوال عشرين سنة من القتال , لم تتمكن من القضاء على الحركة الشعبية عندما كانت حركة متمردة في حكم القانون الدولي , لانها تقاتل الحكومة المركزية المعترف بها دوليا , وعندما كانت محدودة الامكانيات العسكرية .. فكيف سيتم القضاء على الحركة الشعبية اليوم وهي تمثل دولة معترف بها عالميا ومدعومة من دول كبرى مثل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ؟؟ . ان مجرد دخول القوات السودانية الى ارض الجنوب سيعد اعتداء على بلد مستقل ذو سيادة , وعندها سيتصرف مجلس الامن وفق ميثاق الامم المتحدة في المادتين 39 و42 من الفصل السابع الملزم , وقد يدفع المجلس بقوات دولية وفق " نظام الامن الجماعي " لحماية جنوب السودان . وعندها هل يتمكن الجيش السوداني من مجابهة اية قوة دولية ؟ .

ان اعلان البشير تحرير الجنوب كان مقبولا قبل توقيع اتفاق نيفاشا , ولكن الحرب طالت ولم تتمكن القوات السودانية النظامية من حسم المعركة لصالحها , كما أن الحكم السوداني لم يتمكن من حسم القضايا العالقة بين الطرفين بعد الاتفاق . وهذه نقاط تؤشر تخبط النظام السوداني في سياسته الداخلية , وعدم اشراكه القوى السياسية الفاعلة في الحكم , او في حل القضايا المصيرية . ولو فعلها قبل اتفاق نيفاشا لكان كل الحق معه , كما كان الحال عندما حسم علي عبدالله صالح الموقف بالحفاظ على على وحدة الشمال اليمني مع الجنوب , وطرد قوات الجبهة القومية من البلاد . وهذا الدرس كفيل بان يتعظ به كل القوى والقوميات في الوطن العربي التي تفكر بالانفصال , وان تحسم كل القضايا العالقة مع دولة المركز .

الحرب مشتعلة في المناطق المتنازع عليها , وكل طرف يدعي الحق في عمله العسكري , لان قيادة كل طرف تعبئ بالاتجاه الذي يحقق طموحاتها في السيطرة على الثروات . وكم من الدماء سوف تسيل , ولن تحل المشكلات بين الطرفين , وسوف تتدخل القوى الدولية لوقف الحرب , ويتم توقيع اتفاقيات جديدة دون ايجاد حلول ناجعة لكل القضايا . والخاسر هو الشعب السوداني في الشمال والجنوب . ( 19/4/2012)  




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !