السوبرمان قادم
يشير كورزويل في كتابه "حين يتسامى البشر" إلى اقتراب حدوث انكسار تاريخي جذري بالغ العمق من شأنه تغيير كل ما يؤلف طبيعة الكائن البشري .
فهو يتوقع نتيجة التطور السريع لقدرات الكومبيوتر والذكاء الصناعي المترافق مع التقدم هائل في مجال التحكم في المورثات ، أن يؤثر ذلك على عملية التطور البيولوجية ، وأن يصبح التحكم في التطور البيولوجي بيد المعارف العلمية.
وكذلك كان فون نويمان قد تنبأ بأن الجنس البشرى سوف يتطور بشكل سريع وغير متوقع نتيجة نمو التكنولوجيا وتطور الكومبيوتر.
وقال ستيفن هوكنج ما معناه: أدى نقل المعلومات عن طريق غير بيولوجي إلى أن يسيطر الجنس البشرى على العالم ، فقد حدث منذ حوالي سبعة آلاف سنة أن أنشأ الإنسان اللغة المكتوبة وهذا يعنى انتقال المعلومات دون الاتصال المباشر أو الشفاهية ، فقد توضعت المعلومات خارج عقل الإنسان وصارت هذه المعلومات تسير عبر الزمن وتنتقل إلى الآخرين بدقة وبعد موت منتجها بزمن طويل .
لذلك نحن الآن على مشارف عصر جديد سوف نتمكن فيه من زيادة تعقيد سجلنا الداخلي من دون أن نحتاج إلى انتظار عمليات التطور البيولوجي البطيئة والتي تحتاج إلى عشرات الآلاف من السنين .
ومن المرجح أننا سنتمكن من إعادة تصميم الإنسان بالكامل في الألف العام القادمة , إن لم يكن في زمن أقل .
السوبرمان قادم شئنا أم أبينا .
لقد كان من تصور وجود السوبرمان أنه لن ينشأ على الأرض بل سوف يأتي من عالم آخر أوكوكب آخر , فلم يتوقع ظهوره على الأرض . ولكن الأوضاع الحالية التي نلاحظها تشير أنه سوف يتشكل أو ينشأء على الأرض , وهو حفيدنا .
قد تصور بعض المفكرين في بداية القرن العشرين أنه سوف يحدث انقسام أو تطور البشر إلى أنواع أو أشكال مختلفة نتيجة الثورة الصناعية والحياة الاجتماعية المتوافقة معها , - طبقة عمال متدنية الثقافة والتفكير وفقراء , - وطبقة ميسورين ومثقفين ومتحكمين بالأمور وأرقى من الطبقة الأخرى . لكن الأمر ليس كذلك , فالثورة الصناعية و التكنولوجية لا يمكن أن تحدث فروق كبيرة بين البشر خلال لفترة صغيرة ( وهي فروق لا تورث بيولوجياً بل تورث اجتماعياً ) , والاختلافات كي تصبح مؤثرة يلزمها عدة أجيال 5 أو 10 لتحدث فروق في التربية والأفكار وطريقة المعيشة , بالإضافة لنشوء بنيات وأنظمة اجتماعية تدعمها وترسخها , ومثال على ذلك الديمقراطية وحكم المؤسسات وأنظمة الدولة الحديثة جعلت حياة الأفراد الذين يعيشون ضمنها متكيفين معها , وهذا لم يحدث إلا خلال فترة عدة أجيال تطورت خلاله الأفراد والبنيات الاجتماعية , الثقافية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية .
فالآن لم يعد تطور وارتقاء أفراد النوع الإنساني بيولوجياً فقط , لقد أصبح تطورهم وارتقاؤهم مرتبط بما نشأ من بنيات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية في المجتمع الموجودين فيه . فلقد أصبح الإنسان الفرد جزء من بنية اجتماعية تتطور وتنمو , وارتبط تطوره وارتقاؤه بطبيعة وخصائص البنيات الاجتماعية الموجود ضمنها , وأصبح لهذه البنيات الاجتماعية وخصائصها ومدى تطورها التأثير الأكبر على تطور الإنسان .
إن تطور والارتقاء للكائن الحي ناتج عن اكتسابه خصائص وأعضاء أو أجهزة , وتصرفات أو طرق استجابات , تمكن وتسهل للكائن الحي التوافق مع بيئته , والعيش والتكاثر واستمرار ذريته أو نوعه , في ظل ظروف وأوضاع متزايدة التنوع والاختلاف .
فقد نشأت في أول الأمر أوائل الكائنات الحية تنسخ نفسها , والتي تطورت إلى وحيدات الخلية عديمة النواة ثم تطورت إلى وحيدات الخلية ذات النواة , ثم تشكلت الكائنات الحية متعددة الخلايا ومنها الفقريات وكان أوئلها الأسماك التي تطورت إلى البرمائيات ثم إلى الزواحف التي تطورة إلى ثدييات , و تطورت الثدييات إلى رأسيات , وتطورت الرأسيات لتصبح قادرة على المشي على قدمين وتحررت يداها ونشأء الإنسان .
لقد كان التطور يحدث نتيجة تكيف الكائنات الحية مع الظروف و الأوضاع الموجودة ضمنها نتيجة بقاء الأفراد التي تحمل الجينات الوراثية المناسبة المتوافقة معها , وكان هذا يؤدي للانتخاب وحدوث توجيه التطور وحدوث الارتقاء . وكان تطور الكائنات الحية يلزمه عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من السنين أو ملايين من السنين . فكي يحدث التطور يجب أن يصبح موروث أي مسجل في الجينات الوراثية , وهذا يلزمه وقت طويل .
لقد تطور الإنسان كنوع متميز نتيجة الأوضاع والظروف الموجود فيها , وبشكل خاص أوضاع وظروف حياته الاجتماعية , وأصبح أرقى من باقي الكائنات الحية الأخرى , وأصبح الإنسان صانع للأدوات , وملك اللغة محكية ثم مكتوبة . ونشأت المعارف والمعلومات وصارت تتطور وتنمو وتزداد دقة , و نشأت البنيات التكنولوجية بكافة أشكالها بدء بالدولاب وحتى المحطات الفضائية والكومبيوترات والذكاء الصناعي , والتي صارت تتطور وترتقي باستمرار , وقام الإنسان بتطوير جسمه وفكره و ذاته .
هذا التطور والارتقاء لن يتوقف طالما هناك تفاعل وتكيف مستمر مع الأوضاع المتغيرة , لذلك لن نكون نحن الحلقة الأخيرة في تسلسل تطور الكائنات الحية .
يقول كارل بوبر عن فكرتا التوجيه والانتخاب :
" أنهما موجودتان في المستويات الثلاثة: المستوى الجيني والمستوى السلوكي والمستوى الكشف العلمي ( أي المعرفي ) , إن جوهر آلية التكيف هو ذاته في المستويات الثلاث : البنية الجينية للكائن الحي يناظرها في المستوى السلوكي , المخزن الفطري من أنماط السلوك المتاحة( الخيارات المتاحة) للكائن الحي , و يناظرها في المستوى العلمي , الحدوس الافتراضية أوالنظريات العلمية السائدة .
ودائماً تنتقل هذه البنيات عن طريق التوجيه (التعامل مع الخيارات المتاحة) في المستويات الثلاثة جميعها :
عن طريق تكاثر البنية (بالنسخ) الجينية المشفرة في المستويين الجيني والسلوكي .
وعن طريق التقاليد الاجتماعية .
والمحاكاة في المستويين السلوكي والعلمي .
و يأتي التوجيه من صميم البنية في المستويات الثلاثة جميعها .
أما إذا حدثت طفرات أو تحولات أو أخطاء , فثمة توجيهات جديدة (تغذية عكسية تصحيحية) , هي الأخرى تنشأ عن صميم البنية , أكثر من أن تنشأ من خارجها, من البيئة . ويوجز أطروحته فيقول أيضاً :
نحن نعمل " الآن " ببنيات متوارثة في سائر المستويات الثلاثة التي وضعناها في الاعتبار , المستوى الجيني والمستوى السلوكي والمستوى العلمي , هذه البنيات المتوارثة عن طريق التوجيه , إما من خلال الشفرة الجينية أو من خلال التقاليد أو من خلال المعارف .
تنشأ في المستويات الثلاثة جميعها بنيات جديدة وتوجيهات جديدة عن طريق محاولة التغيير النابعة من صميم البنية : عن طريق المحاولات المبدئية , الخاضعة للانتخاب الطبيعي أو لاستبعاد الخطأ . وعلى هذا النحو نستطيع أن نتحدث عن التكيف بواسطة "منهج المحاولة والخطأ ".
وعلينا أن ننتبه إلى أننا بشكل عام لا نصل أبداً بأي من تطبيقات منهج المحاولة واستبعاد الخطأ , أوعن طريق الانتخاب الطبيعي إلى حالة من التكيف ثابتة ومتوازنة تماماً , وذلك.
1 - لأنه من غير الممكن الظفر بمحاولة مكتملة و مثلى لحل المشكلة.
2 - وهو الأهم- لأن بزوغ بنيات جديدة أو توجيهات جديدة يتضمن تغيرأً في الموقف البيئي , قد تصبح عناصر جديدة في البيئة ذات علاقة بالكائن الحي , وبالتالي , قد تنشأ ضغوط جديدة وتحديات جديدة ومشاكل جديدة كنتيجة لتغير البيئة الذي نشأ عن صميم الكائن الحي . "
والملاحظ أن سرعة الدارات التفاعلات المصححه لبنية الكائنات الحية كي تتطور وتتوافق مع الأوضاع والظروف الموجودة ضمنها بطيئة جداً , فهي تستغرق آلاف أو عشرات الآلاف السنين . أما في حالات تشكل البنيات الاجتماعية , فتقدر سرعة الدارات المصححة للتفاعلات بعشرات أو مئات السنين . وأما في مجال المعارف والتكنلوجيا فهو يستغرق أشهر أو سنين .
إن الأوضاع التي نحن فيها تتطور باتجاه أومنحى يمكن التكهن به , فهي تعتمد في تطورها على عوامل أساسية يمكن تحديد أغلبها وهي :
سيطرت تأثير التقدم الهائل في مجال المعارف والعلوم والهندسة , والذي سمح بنشوؤه البنيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتطورة , بالإضافة للتكنولوجية المتطورة بكافة أنواعها والمتولدة بسرعة غير معقولة .
ازدياد سرعة التطورات نحو التعقيد في غالبية الأمور , تشكل بنيات جديدة بأنواع وأشكال مختلفة , وبشكل سريع .
الأوضاع الاقتصادية السياسية التي تعتمد على القيادات والإدارة الجماعية المنهجية المدروسة , فالقيادة والأدارة الفردية لم تعد كافية بتاتاً , وتنامي واتساع الوعي جماعي مقابل الوعي الذاتي الفردي .
هناك أربعة عوامل لتطور الإنسان الفرد الآن وهي :
1 - التطور البيولوجي والانتخاب الطبيعي , وهذا ما كان يحدث قبل للكافة الكائنات الحية بما فيهم الإنسان . وهذا بطيء جداً ويحتاج لأجيال كثيرة وآلاف السنين إن لم يكم ملايين , وتوجهه الظروف والأوضاع .
2 – التطور نتيجة الحياة الاجتماعية أكانت ثقافية أم اقتصادية أم سياسية أم عقائدية . .
3 – التطور الذي يمكن أن يحدث نتيجة المستجدات المعرفية والتكنولوجية في مجالات الوراثة , وإمكانية تنمية خلايا الدماغ والذاكرة والقضرات الفكرية بالتحكم بالجينات المناسبة . وهذا يكون بتوجيه الفكري والعلمي الهادف لتحقيق أفضليات جيدة للأفراد والمجتمع .
4 - التطور الذي يمكن أن يحدث نتيجة المستجدات المعرفية والتكنولوجية في مجالات الذكاء الصناعي وعلوم الكومبيوتر , وإمكانية ربط الكومبيوتر أو الشيبسات الإلكترونية بالدماغ وعملهما معاً .
إن التغيرات المتسارعة والمستجدات الطارئة التي يشهدها العالم , تثير كثيرا من علامات الاستفهام والتساؤلات عما سيكون عليه مستقبل المجتمع الإنساني و مصير الإنسان نفسه إزاء ارتياد العلم الحديث مجالات من البحث , لقد استطاع في الآونة الأخيرة أن يحطم كثيرا من تلك القيود , ويتدخل في أدق عمليات التكوين الفسيولوجي والبيولوجي لدى الكائنات الحية , لكي يستنسخ منها كائنات جديدة لها مواصفات وقدرات مختارة , على أن تمتد هذه التجارب إلى الإنسان نفسه بعد التغلب على الاعتبارات الأخلاقية والدينية , التي لا يزال الكثيرون يثيرونها احتراما لقداسة الكائن البشري .
ويتصور البعض صفات السوبرمان :
قدرات فكرية متطورة وواسعة مدعومة , بالشيبسات الإلكترونية , وما ينتج أن الثورة البيولوجية في مجال الوراثة , والتحكم في صنع خصاثص جسمية وفكرية متطورة , تمكنه من ملك أحاسيس ( أو تذوق أحاسيس ) واسعة متطورة وجديدة . و نشوء فنون جديدة متطورة .
عمر مديد نتيجة التقدم الهائل في مجال العلوم والتكنولوجيا البيولوجية .
قدرات واسعة بتحكم بالأشياء المادية عن طريق الفكر . فليس هناك داعي لزيادة القوة الجسمية . فكما هو الآن الدماغ يتحكم بعضلات الجسم ويقوم بتصرفاته , فسوف تمتد قدرات الدماغ على التحكم بالآلات التي تحقق له مجالات واسعة من التصرفات .
الانتقال عن طريق االفكر وامتداد الأحاسيس إلى مسافات كبيرة , فليس هناك ضرورة لانتقال الجسم .
أي بستطيع الانتقال ( الطيران ) ببصره وأحاسيسه عن طريق , والواقع الا فتراضي , أو عن طريق الكمرات والمجسات الحسية الصناعية المتطورة التي تنقل تأثرات المكان الذي يذهب إليه .
علاقات اجتماعية منظمة ومتطورة خالية من الصراعات الكارثية أو العنيفة , أي سباقات وتنافسات كالسباقات والتنافسات الرياضية الآن .
ومثلما نحن موجودون مع الأنواع الأخرى من الكائنات الحية ( طبعاً يحدث انقراض للكثير من الأنواع ) .
كذلك سوف يكون السوبرمان موجود ضمن باقي الجماعات التي من مستويات مختلفة , كما هو حاصل ومشاهد الآن . إي لن نكون كلنا سوبرمانات .
التعليقات (0)