مواضيع اليوم

السهوة فى تحريم القهوة

انور محمد

2011-09-23 12:50:09

0

السهوة فى تحريم القهوة

-------

    الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، كلمة لها بريق يخطف القلوب والأبصار ، ويثبت الدماء فى العروق ، فلا تملك ردا ولا صرفا ، ولكن وراء تطبيقها كثيراً من المغالطات ، وذلك أنها تخالف قاعدة فقهية أصيلة فحواها ، أن الحكم فرع للتصور ، فأنت لا تملك أن تحكم على شيء إلا عندما تكون قد رأيته ، أو سمعت عنه أو تصورت حدوثه ، وفى كل يوم يأتى لنا الزمن بالمستحدث من الأشياء والأمور ، فكيف يحكم السابق الذى لم ير ولم يسمع ولم يتصور ، على مالم يره ومالم يسمعه ومالم يتصوره ، كذلك فهم سلف  معناه أننا قيدنا المطلق وهو كلام رب العالمين بالمقيد وهو فهم جيل معين وهذا محال ، ولا يطعن ذلك فى كريم محتدهم ونبيل مقصدهم ، وأيضا هو حكم جائر يعنى أن الأجيال التالية لا تملك فهما صحيحا للنص ، وينطوى على احتكار الحقيقة لجيل بعينه ، وهو إغفال لشمولية الإسلام لكل الأجيال ، إن هذه المعانى رصدناها فى عديد من القضايا ؛ كقضية حكم الصيام فى الدول التى يبلغ فيها النهار أكثر من عشرين ساعة فى اليوم ، حيث ينعدم هنا الحكم بفهم السلف ، إذ أن هذا خارج عن تصورهم كما ذكرنا ، ويذكرنى ذلك أيضا بحكم الفقهاء بتحريم الطباعة والقهوة وما أكثر عجائب الفتاوى من أمثال السهوة فى تحريم القهوة .

    اخترع الالمانى يوحنا جوتنبرج آلة الطباعة ، وبعد ثلاثين عاماً من انتشارها ، طرح موضوع الآلة الطابعة عند السلطان العثماني با يزيد الثاني ، ثامن الخلفاء العثمانيين من أجل استقدامها .


   وكانت الدولة العثمانية في تلك الفترة هى مقر الخلافة الإسلامية القوية ، حتى وصلت الغزوات في عهد بايزيد إلى البندقية.
بينما كانت أوروبا تعانى من التخلف والجهل ، وقد بدأت للتو مرحلة النهوض ونفض غبار هذا التخلف ، وكان اختراع الآلة الطابعة قد أعلن تدشين عهد جديد وثورة علمية في أوروبا.
وفي المقابل تصدى شيوخ الدين من الفقهاء في تلك الفترة لهذه الفكرة التغريبية في نظرهم.
وأعلنوا تخوفهم من استخدام الطباعة حتى لا يتعرض القرآن الكريم للتحريف ، قالوا ذلك دون مراعاة حاجة المجتمع إلى طباعة كتب أخرى، بالإضافة إلى تخوفهم من أن تتسبب هذه الآلة في قطع أرزاق الخطاطين والنساخين وتهميش دورهم ، فتم تحريم استخدام آلة الطباعة وصدرت فتوى بتكفير من يقوم باستخدامها .
وبالفعل أصدر السلطان العثماني فرماناً يقضي بمنع إدخال هذه المعجزة البشرية والتي ساهم اختراعها في تقدم العلوم والمعارف في أوروبا ، فقد أصبح من السهولة طباعة الكتب العلمية والبحثية ومدارستها ونشرها ، وتخلف المسلمون عن مضمار هذا التقدم بعد أن كانوا متساوين مع الغرب في تلك الفترة ، لقد وصل الجهل الأعمى بهؤلاء الفقهاء وشيوخ الأمس أن أصدروا حكماً بالإعدام على من يقوم باستخدام هذه الطابعة .
فيما عمل رجال الدين المسلمين على تحريم وتكفير مستخدمي هذه الآلة، كان رجال الدين المسيحيين يقومون بنشر معارف وعلوم المسلمين من خلالها وهو ما ساهم بتنوير أوروبا، إضافة إلى استغلاله في التبشير ونشر التعاليم المسيحية.
عندما استقبل العثمانيون العرب واليهود الفارين من محاكم تفتيش اسبانيا، دخل أحد اليهود على السلطان وأقنعه بإعطاء اليهود حق تشييد المطابع من أجل حفظ ديانتهم، ولاقى طلبه قبولاً من الخليفة، وتم استثناء اليهود من الفرمان السابق، فكانت مطابع اليهود هي أول المطابع التي تم تأسيسها في العالم الإسلامي!
حيث قاموا بطبع التوراة ومبادئ اللغة العبرية ، بينما حرم ذلك على المسلمين وذلك في عام 1494م ولم يتم تحليل استخدام هذه الآلة إلا في عام 1716 م وذلك بعد نقاش بعيدعن القيد السابق .

    إن أكثر من قرنين من عمر هذه الأمة قد تراجع وضاع هباء بسبب فتوى أصدرها أولئك الذين حاربوا كل ما يمت بصلة إلى الحداثة واستمر نسلهم يحرمون بعدهم ما دخل من مخترعات حديثة قبل أن يعودوا ويرفعوا عنها التحريم مثلما حدث بتحريمهم التلفاز والدش والتصوير وبعد أن يتجاوزهم الناس والزمن يعودون لتحليله من جديد! ولكن من الذي سيعوض الأمة عن هذين القرنين الشاسعين من التخلف والرجوع إلى الوراء .
 إن الدعوى بفهم السلف يتناقض مع فعل السلف أنفسهم ، وهم الذين لم يرجعوا للخلف فى كل شيء بل نظروا للإمام ، ولما يستحدث من مستقبلهم بل راعوا ما يتغير من عوامل تدعو للتغيير فى فهم النص عند من سبقوهم ، كم اختلط العرف القائم وقتها بفهم السلف المزعوم ، من أمثلة ذلك النظر للمرأة حيث ذهب رجل للزواج فأراد النظر إلي الفتاة ، فمنعوه فلما أخبرهم أن النبى قد أمر بذلك سمحوا له بعدها ، وهذا يعنى أن الحجاب ومنع مشاهدة المرأة ليس أصلا فى الدين ولكنه من العرف الموجود وقتها ، وهو ما طغى على النص بعدها ونجده فقط عند من يزعم العمل ليس بفهم السلف ولكن بلفظ السلف .

   ومما يروى أيضا أنه فى القرن العاشر من الهجرة ، شهدت القاهرة ومكة حملة دينية شرسة لتحريم شرب القهوة بإعتبارها حرام ، وقالوا فيها : إن شاربها يحشر يوم القيامة ووجهه أسود من قعور أوانيها ، كل ذلك أن العرب قديما كانت تطلق اسم القهوة على الخمر ، وكان ظهور القهوة على يد يمنى يدعى الذبحانى كان يعمل كاتبا باليمن وقد سافر فى مهمة من عدن إلى بلاد العجم ونقلها معه إلى اليمن لما وجده فيها من خواص الذهاب بالنعاس والكسل وإكساب البدن خفة ونشاطا ، ولأن الذبحانى كان من أتباع الصوفية فقد إستخدم القهوة مع زملائه حتى تعينهم على ذكر الله .. ثم انتشرت منهم إلى سائر الناس ، حتى وصلت إلى رواق اليمنيين بالجامع الأزهر بمصر حيث كانوا يشربونها بداخل الرواق فى حلقات الذكر كل ليلة اثنين وجمعة حيث كانت القهوة توضع فى ماجور كبير من الفخار الأحمر يأخذ منه النقيب ويسقيهم الأيمن فالأيمن فتذهب النعاس حتى يصلوا الصبح .

 
    ومن رواق اليمنيين بالجامع الأزهر شقت القهوة طريقها إلى كل الأنحاء حتى وصلت إلى مكة وشربت بداخل الحرم حتى كان عام 917 هـ حينما جاء الى مكة رجلان من مصر فى أواخر دولة الغورى ، إدعيا علما بالفقه والطب وأدخلا على الأمير خاير بك محتسب مكة تحريم القهوة حتى كتب إلى السلطان فى مصر يطلب مرسوما سلطانيا بذلك ، ولم ينتظر رد السلطان فأرسل مناديا فى الأسواق بقرار التحريم ، ثم هاجم أحد البيوت بعدما بلغه أن صاحب المنزل يحتسى القهوة وقام بجلده والطواف به فى الأسواق  لكن رد السلطان جاء من مصر بعد عام بإباحة شرب القهوة ، فعاد الناس لشربها وأطلقوا النكات فى صورة أبيات على المحتسب .
 

     وجاء السلطان المظفر سليم شاه من مصر الى مكة وقتل الرجلين بعد بلوغه أنهما يتقولان على الله كذبا ، الغريب أنه بعد مرور جيل كامل على هذه الواقعة ، عاد تحريم القهوة من جديد ولكن هذه المرة من داخل الجامع الأزهر حيث أفتى العلامة السنباطى بحرمة شرب القهوة لما يترتب عليها من مفاسد وأنها مسكرة ، كان ذلك فى عام 941 هـ ـ 1541 م حيث خرج الناس من الجامع الى بيوتهم وكسروا أوانيها وضربوا بعد ذلك من رأوه يتناولها فى الأسواق وكادت تحدث فتنة بسبب القهوة لولا تدخل قاضى مصر الشيخ محمد بن الياس الحنفى الذى أمر بصنعها فى منزله فى حضور العلماء واختبر تأثيرها وأقر شربها ، لكن مشكلة القهوة لم تنته عند هذا الحد ، وظلت سنين طويلة بعد ذلك محل جدل وخلاف ومصدر مشاكل فى القاهرة ومكة وذهب البعض فى تفسير ذلك إلى ارتباطها بمجالس المناقشات السياسية .
                             والله من وراء القصد

                                          بقلم

                                         أنور محمد أنور

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !