السنونو والوطن
تربطني بالسنونو والوطن نفس الذكريات فالسنونو عندي هو رابط ذكرياتي في الوطن
كنت انتظر صيف سورية بفارغ الصبر منتظرا رحيل الشتاء ,ارفع عيني مغرقا في سماء الشتاء الرمادية , باحثا عن السنونو
لانه علامة الربيع .
وفجاة يظهر ياتيك من حيث لا تدري ,اراه فاعرف ان الربيع قدم , اعرف انني اليوم ساجد بصيلات الزنبق قد شقت وجه الاديم ببسائلها , اعرف اننا سنلتقي بالزهور , واننا سنعود للمصايف , للهو واللعب , وستبدا الرحلات , وسنزور الشواطئ , والجبال .
اراه اليوم (السنونو) يعاودني ويحمل لي باقة ذكريات الامس الجميلة , فيطلق في عيني الدموع , وفي حلقي غصة طويلة , وفي صوتي حزن بطيئ, وغريب , فيه ابتسامة الوداع الحنونة .
يفتح في ذاكرتي نافذة اطل منها على ماض جميل , ناسه كلهم رحلو وغابو , وبقيت انا على الغربة في السفر البعيد .
اطل من هذه النافذة على حديقة جدي , وترشح صورتها من خلف جدران العقل الفاصة ما بين الحاضروالماضي ,احس من هنالك بدفئ الحب , اراه منهمكا بتحضير ادوات الحديقة ومستلزماتها وهو مبتهج بعودة الربيع , يفكر بانواع الزهورالتي سيزرعها في الحديقة هذا الربيع , ويتذكر ان جاره ابو سمير قال له ان بحوزته بذور لورود رائعة ,لابد ان يراه في المساء ليحصل على بعض منها .
وارا نفسي ازاحمه في الحديقة كعادتي متدخلا في كل شيئ , وهو ينبهني انتبه في هذا الحوض بذورلا تغرقه بالماء , وهنلك بصيلات فلا تقلب التراب , وكم افسدت له من نباتات الحديقة كان يعبس قليلا ثم بضحك قائلا , فداك يا جدي لكن انتبه .
يذكرني اسنونو بعيني جدتي الزرقاويين , بلون كلون سماء سورية التي تسبح في فضائها النسور تنظر الينا من خلف الزجاج .
كنت اذهب مرارا الى قلعةالحصن لاتفرج على النسورهناك ثابتة في السماء تعلن الشموخ .
ويرن في اذني صوت جدتي هيا ادخلو الطعام جاهز , يذكرني السنونو بتعاليمها وحكاياها , يذكرني السنون باصحابي وعشراء الزمان ,يذكرني السنون كل شيئ جميل في سورية ,يذكرني بحبيبتي التي غادرتهاعلى امل الرجوع ولم اعد.
يذكرني بعاصي الخراب والطاحونة الرومانية القديمة ,يذكرني ببساتين حمص وعاصيها منسابا, بين بقع الالوان كالثعبان .
يذكرني بالاشجارتشرب كالقطيع , بالتين والرمان والزيتون , بالجوز والفستق ,بالميماس والدوحة , يذكرني برياح كنت احبها في رباح, بعين المريزة ونبع عين الراهب , في تنورين ,يذكرني بجبالنا الشاهقة وبالغيم وامطار الربيع , بعبق الارض في مطلع الصباح وانا اشق طريقي في مسالكها الترابية , يذكر بالحب الذي عشته هناك .
اليوم انا في غربتي في منفاي البعيد يعرف السنونوكيف يجدني , ليطرح امامي جعبة الذكريات , يخطر من جانبي كعادته
فالتفت اليه , وتعلق عيني بحركته , وتنزل منها الدموع واساله بصمت , كيف حالك يا سنونو وكيف حال الوطن .
بقلم نبيل البحر
التعليقات (0)