السندباد المصري
مرويات سعيف علي الظريف
ثم أن إيلافا الحجازي ابلغني أن ا لسندباد سيدخل مصر فأمسكت عن السفر. و رابطت في الميناء انتظر عودته. وكان الناس مثلي في اشتياق إليه بعد أن كانت أخباره تصل القاهرة .وكان مما حمل الناس على الشغف به و التعلق أن سير المتكلمين انعقدت فيه، و جرت الأخبار انه قد قارع طائر العنقاء و ارجع الخصب في ارض كانت جدبا ،
وكان مما يداوله العامة، أن أميرة دمشقية فتنت به فحبسته عندها، عقدا لا يغادرها حتى اشتاقت نفسه الرحيل وبطل ما كان قد أصابه منها من سحر. فعزم على الفرار في غطاء الليل فأوعز إلى من اصطفاه من ثقاته أن يجهز له قاربا و إسطرلابا.وقد كان له ما أراد فأبحر وكان البحر نجاته، حتى حط على ارض الشعر فأصابه فيها داء القول ومحنة المجاز فصا ر لا يرى الأرض أرضا ولا البحر بحرا،فكان يرتب مكنونات العالم ويركبها و يعيدها في ديباجة الإنشاء و يعيد تسمية الأشياء.
وكان مما طفق من الإخبار أن والي القاهرة أرسل في طلبه لما شح نهر النيل، و اجدب الزرع وكان وصله انه قد لا قي الخضر عليه السلام في سفر بعيد، و أقام عنده خادما يتبعه حيثما رحل ،.يحرسه ليلا و يأكل فضلة طعامه و يلبس من صوف الخرفان ولا يتزين إلا في العيد حتى أعطاه الخضر بركته و مسح على وجهه بيده فأصبح يرى مسافة يومين على ظهر بعير .وأشربه لبنا صافيا حتى ابيض منه اللسان فأصبح لا يقول إلا قليلا و لا يتكلم إلا لماما و لا يحدث إلا إشارة لكنه كان لا يرد إلا سلاما..سلاما.
وكان من بركته التي وصلت الوالي أن كلامه يفجر الينابيع الغائرة و يجري ماء الأنهار المجدبة ببركة من الله و كرامات الخضر، فلما ووصلته رسالة الوالي أطاع الرسالة و حن إلى ارض الكنانة و بكى حتى ابتلت ثيابه، و قام في ساعته يمشى إلى مصر على قدميه و رفض أن يسير في راحلة القصر، لكنه اخبرهم انه سيدخل مصر من البحر في الخميس الأول من ربيع الأول.
لكن الناس أقاموا في الميناء الخيام ينضرونه، و تنافسوا أن يكونوا قريبين من رصيف الميناء ليلمسوه و ينالوا بركته ، وكان الناس يفدون كل يوم حتى انه أن الوالي أمر أن يقطعوا الطريق على الوافدين و يغلقوا أبواب القاهرة بعد أن ضج الخلق و ماجو .
كنت قد حدثتكم أني قد ألغيت مسيري و قررت في داري أحاول الشعر، لمدح السند باد و شكره على كرمه و قيافته أن لب النداء، وجاء في عجل ليروي هذه الأرض ببركته و كراماته، لكني كنت كلما سودت ورقي بالمدح تبخر الحبر و انقسمت الريشة حتى أني جزعت ليلة كاملة لما سرى من خدر في يدي و تبدل الريق في فمي حنظلا ، لكني مكثت على عزمي في مدحه، و قومت شعري سبعا من الليالي احككه و أصلح قافيته، حتى استقام بما قدرني ربي و أعانني ثم حفظته عن ظهر قلب كآني يوم القيه يكون ابن ساعته، حديثا، سلسا. و كانت تلك عادتي لآني لم أكن استطيع الشعر على عواهنه.
كان يوم عودة السندباد يوما لم تره القاهرة من قبل. و لم تمتلئ فيه الساحات بمثل ما امتلأت ولا غص شارع قبلا بمثل ما غص، حتى منعت الراحلة و الجمال و الخيل الحمير و البغال عن التجول .
اصطف الناس على مشارف الميناء و صلوا الفجر جماعة في أماكنهم ثم بدؤوا جميعا التكبير و الصلاة على النبي صلى االه عيه و سلم و حملوا جرائد النخيل و عمموا استطاعوا من عطر. و تزينوا بأحسن أسمالهم . وكان الوالي قد أمر بخيمة له عظيمة فأقامها عند أول الميناء، و جهزها بالزرابي و الطنافس، و أقام فيها حوض زئبق يبهر البصر و يخلع الفؤاد . وجمع الخاصة من رجاله وأمرهم أن يحسنوا الاستقبال و يكثروا الثناء و يمتنعوا عن الخمر و الجواري و الغلمان أربعين ليلة يقومون فيها الليل إلا قليلا و يصوموا الاثنين و الخميس لان للسند باد فطنة و فراسة .
ولما استوت الشمس في السماء و استقر ت الضلال أسفل الاجسام ،رأى الناس في أفق البحر نورا عظيما، زاد في نور الشمس وسطع فكاد و هو يقترب أن يخفي الشمس في نوره، فبدأ الناس التكبير و هلل الصغار و أطلقت النساء الزغاريد و دق الدف في مدح النبي .
لم يعرف الناس هذا النور و ضنوا أنها سفينة مزجت من قوارير و زجاج صلد يعكس الأنوار ، لكنهم عجبوا و كادوا أن يفروا من الميناء حين رأوا رجلا شديد بياض الشعر يمشي على الماء و يرسل النور من وجهه. فزادوا التكبير و هللوا .و تأخر أهل الحيطة و الشيوخ وراء الخلق واستكانوا إلى الصمت. و قد هلعت قلوبهم من أن يكون القادم الدابة و توقوا أن تكون القيامة قد قامت . وسلم بعضهم على بعض و تمنوا النجاة من فتنة الدجال و أن يلتقوا في الجنة.
ثم بدؤوا بالصراخ و رددوا ا لشهادتين فلما سمعهم باقي الخلق سرى فيهم الرعب و الإشاعة و خافوا سوء المصير فبدؤوا الصياح، وتركوا جرائد النخل و بدؤوا الفرار من المكان و اختلط الجمع وتدافعوا حتى داس كبيرهم الصغير و صغيرهم الكبير ومات منهم خلق كثير.
أصبح الميناء مثل ساحة حرب و أقفر في سرعة غريبة الميناء، وشبح لسندباد يقترب في بطا كأنه يمشي و لا يمشي ، يقبل ولا يقبل، و يظهر و لا يظهر. واثر الوالي أن ينسحب إلى قصره و أمر و زيره بان يستقبله لكنه بدوره تمارض و أغمي عليه من الهلع و الرهبة لكنه بقي ممددا على الأريكة خوفا من بطش الوالي و من الموت .واخذ أعوانه بيده وأقاموه و هو لا يكاد يبين في كلامه. حتى جاءه الحاجب بان لسندباد قد وصل الميناء فكاد يبكي .
لا يمكن أن انسى هامة ذلك السندباد العجيب. كان حين رايته كأنه هو .لا طويلا و لا قصيرا، نحيفا لا يرى عليه اثر غبار و لا ماء . وكان أول كلامه أن طلب ماءا للوضوء ثم سجد سجدة شكر و قبل تراب مصر، ثم صلى الظهر صلاة فرد و سفر.
أطال السندباد الصلاة ،و نحن ننظر إليه في لهفة و العساكر يدفعون من بقي من القوم عنه .حتى إذا أكمل الصلاة و دعا تقدم الوزير إليه و البغتة على محياه و طلب منه أن يقوده إلى قصر الوالي لكنه عاجله أنه سيزور قبر أبيه ثم يذهب إلى القصر.
كان السندباد يمشي، و الناس يباعدون له الطريق، و يتركون له السبيل .كان يمشي الهوينى، و لا يسرع الخطى وكان الناس في حيرة زادها بزيارته المقابر، لما في ذالك من إشارات الموت و البعث و كانوا يخافون النفير. كنت اتبعه أراه ولا يراني...او هكذا حسبت، حتى وصل أول القبور، فالتفت إلي وأشار لي و طلب مني أن آتي برجال ليخدوا في قبلتها حفرة، وان لا يستعملوا في ذلك لا فأسا ولا معولا و أن يكون ذلك بين العصر و المغرب .فانطلقت في ساعتي و جمعت خمسين رجلا ليحفروا بأيديهم .انتظرنا العصر و انطلقوا في الحفر بهمة بعد أن ازجلت لهم العطاء .
أما هو فكان قائما على قبر أبيه يبكي بدمع غزير، و يقرأ القران و هو لا يكاد يبين من شدة البكاء .حتى إذا جاء وقت العصر صلى و قام يدعوا، ثم سار إلى قصر الوالي فلم يطل عنده المكوث، و طلب منه ان يحسن رعاية اهل مصر و يجزي لهم العطايا و لا يمنع عنهم خراجا و أن لا يخرج للنيل احد ،و أن يجمع الناس الأواني على جبل المقطم و أن يلزموا دورهم يصلون صلاة استسقاء
ثم انه عاد إلى المقبرة ،وكنا قد أكملنا الحفر، فدعاني إليه و قبض على يدي ثم أرسلها. وقال إذا كان يوم غد فاجمع رجلين و اعد ردم الحفرة قبل صلاة الفجر و سوها بالأرض فلا يعرفها احد ولا تلمس رداءا ابيض ستجده هناك.
ضل الناس في ترقب حتى إذا بان خيط النهار أرعدت السماء فجأة، و تجمع السحاب على جبل المقطم و نزل مطر غزير و الناس في دورهم يهللون و يشكرون الله أن انعم على هذه الأرض بالخير و حناها بكرامة ابنها السند باد المصري .
أما أنا فاني سهرت الليل أسوي الحفرة حتى استوت وأنا لا انظر ما فيها من خيفة و إطاعة لأمر السند باد. حتى إذا أصبح الصبح و تنفس النهار و كف المطر و علا نهر النيل و أتى بطميه خرج الناس في فرح و بهجة وكان النهار نهار عيد، و طفقوا يبحثون عن السند باد لكن أحدا لم يره بعد ذلك اليوم.
أما أنا فاني رجعت إلى الحفرة لكن اختلط على المكان اختلط علي و لم أجدها، و كان الرجال قد سبقوني مع الناس إلى هناك، وقد سرت الإشاعة أن السند باد قد مات ودفن هناك، ولكن أحدا لم يعرف مكانها، فمن قائل كانت هنا و قائل كانت هناك، وكادت تحدث فتنة لولا أن الناس راو في الأفق نورا يزيد في نور النهار.....
المروية الثالثة من مرويات سعيف علي الظريف
التعليقات (0)