السنة و مكانتها في التشريع الإسلامي
• بقلم الأستاذ محمد مبروك
• إن البحث في سنة النبي (ص) أمر على غاية من الهيمنة في بنية السلم الفكرية و مصادر
التشريع, فيه خاصة إذا وضعنا في الحسبان ما بنصب لمتنا من أحابيل و مكائد و تشكيك من دعاة
التبشير و لاستعمار و غيرهم من أهل الانحراف من مستشرقين و دعاة التغريب و ابتغاء الفتنة
وتصدع هذا الركن المتين من أركان التشريع السلمي .
و مما ل ريب فيه إن السنة تشترك مع القرآن الكريم من كونها وحي و لكل منهما مميزات =
فالقران الكريم قطعي الثبوت كله و قطعي الدلالة و هو مقطوع بصحته إجمال و تفصيل.
إما السنة المتواترة فهي قطعية الثبوت دون ريب و غير المتواترة (الحاد و المشهورة بلغة الأحناف
) ظنية الثبوت في تفصيلها, و السنة في مجملها بيان للقران و دليله .
فل تعارض في القران بوجه ما ومما جاء زائد في القران الكريم فهو تشريع مبتدع تجب طاعته فيه.
من كان من المسلمون في حاجة إلى معرفة بيان الرسول (ص) مع حاجاتهم إلى معرفة كتاب .
و لا يمكن إن يفهم القران الكريم على حقيقته و يعلم مراده من كثير من الآيات الحكام فيه إلا
بالرجوع إلى الرسول (ص) الذي انزل عليه الكتاب هدى و رحمة ليبين للناس ما نزل من ربهم.
. قال تعالى = <<و أنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما انزل إليهم >> بسورة النحل ص 44
المدلول اللغوي =
من سن سنة حسنة فله أجرها و » ( السنة في اللغة = الطريقة محمودة كانت أو مذمومة قال (ص
اجر من عمل بها غالى يوم القيامة و من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم
القيامة " أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي.
فمقال القول =
ما تحدث به النبي (ص) في مختلف المناسبات مما يتعلق بتشريع الحكام كقوله عليه الصلة و
السلم.
<< إنما العمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى........أخرجه البخاري و مسلم عن عمر و عن
ابن عمر.
و مثال الفعل =
ما نقله الصحابة من أفعال النبي (ص) فغي شؤون العباد و غرها كأداء الصلوات و مناسك الحج و
آداب الصيام و قضائه بالشاهد و اليمين .
<< صلوا كما أتيتموني أصلي >> أخرجه البخاري عن مالك بن الحويرث
<< خذوا عني مناسككم >> أخرجه مسلم عن جابر .
و مثال التقرير =
ما اقره (ص) من أفعال صدرت عن بعض أصحابه بالسكوت مع دلالة الرضي أو بإظهار استحسان
و تأييد من ذلك إقراره(ص) اجتهاد الصحابة في أمر صلة العصر في غزوة بني قريظة حين قال
لهم << لا يصلبن أحدكم العصر إلا في بني قريظة >> أخرجه البخاري و مسلم عن ابن عمر.
فقد فهم بعضهم هذا النهي على حقيقته فاخرها إلى ما بعد المغرب و فهمه بعضهم على إن المقصود
حث الصحابة على الإسراع فصلها في وقتها و بلغ النبئء (ص) ما فعل الفريقان فاقرهما و لم ينكر
عليهما .
فطاعة الرسول (ص) واجبة و أتباعه لما يؤمر و ينهي ملزم و هو ما يفسر العمل بها بالجماع و
أحسن الفترات الجماع هي فترات الصحابة كانوا يعملون بالسنة و يعلمون بها =
ما عبر عنه عبد الله بن مسعود صراحة قوله"إذا سألتم عن شيء فانظروا في كتاب إلا فان لم تجدوه
في كتاب إلا ففي سنة رسول الله (ص) .
بعض النماذج
لقد جاءت امرأة لبي بكر و قالت له مكني من ارثي وأنت القاضي فقال لها ما علمت لك في كتاب
الله من شيء ول علمت لك من سنة رسول الله من شيء وقال لكن اسأل الناس
وسال الصحابة فشهد المغيرة ابن شعبة و محمد ابن مسلمة إن النبئء (ص) أعطاها السدس فنفذه لها
ابوبكر اماعمر فلم يكن يعلم إن حكم المجوس في الجزية فاخبره عبد الرحمان ابن عوف إن النبئء
(ص) قال = سنوا لهم سنة أهل الكتاب = فعمل بذلك .
كذلك بقية الصحابة كانوا يقضون بالكتاب و السنة وكذا المر بالنسبة للتابعين و تابع التابعين الى يوم
الدين .
فالرجوع إلى السنة ضرورة لمعرفة الحكام معرفة تفصيلية واضحة خصوصا و إن آليات القران
الكريم كانت تنزل مجملة غير مفصلة مطلقة غير مقيدة كيف ل و الرسول ص) مبلغ عن ربه و
ادري بالخلق بمقاصد الشريعة الله وحدودها و مناهجها و مراميها يقول (ص) =ال إني أتيت
الكتاب ومثله معه ويدل على ذلك إن الله اوجب على المسلمين إتباع الرسول في ما يأمر و ينهى فقال
وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه انتهوا = اية 7 الحشر.
و قرن طاعة ال بطاعة رسوله (ص) في آيات كثيرة فقال وأطيعوا ال وأطيعوا الرسول لعلكم
. ترحمون سورة ال عمران 132
وحث على لاستجابة لما يدعوا فقال يا ايها الذين امنوا استجيبوا ل والرسول إذا دعاكم لما يحييكم
. الأنفال 34
وحذر من مخالفة أمره ,فليحذر الذين يخالفون عن أمر أن تصيبهم فتنة ويصيبهم عذاب اليم النور
.64
التسليم المطلق للتباع الكامل و التزام الكامل بالسنة دون تجاوزها إلى عمليات ذهنية توقع وتكاد
في المحظور و تشوش المعنى جاء في الحديث كل أمتي يدخلون الجنة ال من ابى قالوا يا رسول
إلله من يأبى قال = من أطاعني دخل الجنة و من عصاني فقد أبى فل غنى لكل مشرع عن الرجوع
الى سنة رسول ل من قول او عمل او تقدير لبيان ما انزله ال في كتابه من قواعد عامة او إحكام
مجملة او غير ذلك فل خلف بين العلماء في ان نصوص السنة على ثلث اقسام .
1)السنة الموافقة المؤيدة المؤكدة للقران =
جاء القران بالعقيدة و العبادات كلها و نهى عن الكبائر و هذه الموضوعات وردت في السنة وهذا من
باب التقرير و التأكيد و تواردت الأدلة لتوضيح ذلك نذكر مثل الأحاديث الذي تفيد وجوب الصلة و
الزكاة و الحج و الصوم من غير تعرض لشرائطها و أركانها في حديثه (ص) بني السلم على
خمس شهادة إن لإله الا الله و ان محمدا رسول ال و اقام الصلة و اتاء الزكاة و صوم رمضان
وحج البيت لمن استطاع اليه سبيل انه موافق لقوله تعالى و اقيموا الصلة واتوا الزكاة البقرة اية
.83
. مؤيدة لقوله يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم البقرة 183
. ومؤكدة لقوله و للله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيل ال عمران 97
2) السنة المبينة للقران =
حصل على أوجه =
منها توضيح تفصيل السنة لما ورد للقران مجمل مثل الأحاديث التي فصلت إحكام الصلة والصيام
و الزكاة و الحج و البيوع و المعاملات.
القران حث على الصلة و أمر بتأديتها في وقتها ولم يتعرض إلى قضية الجهر و السر و عدد
الركعات و الحكام التفصيلية وهذه الأشياء بينها (ص) في قوله وفعله صلوا كما رأيتموني أصلي
أخرجه البخاري عن مالك عن الحويرث .
فما جاء في القران مجمل جاء مفصل في السنة منها تخصيص السنة لعام القران من ذلك
تخصيص المورث و الوارث في اية الرث بصنف من الناس دون الآخرين و بالتالي إخراج
الوارثين و المورثين من جملة ممن شملتهم اية
(يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ الأنثيين )
فبينت السنة إن الأنبياء ل يورثون وكذا القاتل لقوله (ص) ل يرث القاتل.
ومنها تقيد السنة لمطلق القران من ذلك ما جاء في القران من أطلق الوصية .
فلها السدس من بعد وصية يوصى بها أودين
فقيدت السنة الوصية بكونها ثلث في دقة.
منها مسالة نسخ السنة للقران النسخ لغة لإزالة والنقل و التحويل واصطلحا هو رفع الحكم
. قال البيضاوي هو بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متراخ عنه
مثال ذلك لمن تجيزون النسخ قوله تعالى كتب عليكم اذ احضر أحدكم الموت ان ترك خيرا
الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف
فإنها نسخت بقوله (ص) ل وصية لوارث
3) السنة المستقلة المؤسسة المستحدثة =
ل نزاع بين العلماء في القسمين الأولين إي في أورودهما و ثبوت إحكامهما كونهما الغالب على
أحاديث السنة إنما اختلفوا في الثالث اي الذي اثبت إحكاما لم تثبتها القران ولم ينقلها و يعبر عن
ذلك الرأيان المواليان .
أصحاب هذا الرأي
ل مانع عقل من وقوع استقلل السنة بالتشريع طالما ان الرسول معصوم من الخطأ و النصوص
الداعية إلى وجوب إتباعه هي نصوص عامة ل تفرق بين السنة المؤكدة او المبينة او المستقلة .
أصحاب هذا الرأي
ل ينفون وجود إحكاما ليست في القران و لكن هذه الحكام هي من الباب إلحاق فرع خفي بأحد
المصليين الذين يتجاذبان ومنها ما اشتبه فبينت السنة حكمه.
كتحريم أكل لحوم الحمر وتحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.
فهذه الحكام ليست إحكاما زائدة بل هي زيادة الشرح على المشروح و ال لما كان شرحا .
فالخلف بينهما لفظيا او شبه لفظي و الجميع مجمعون على وجوب العمل بالسنة بأقسامها الثلاثة
المؤكدة و المبينة و المستقلة .
التفاق حاصل حول وجود إحكام جديدة لم ترد في القران نصا و ل صراحة.
يقول ابن القيم=
ما كان زائد عن القران فهو تشريع مبتدع من الرسول( ص) تجب طاعته فيه وتحرم معصيته و ليس
هذا تقديم على كتاب ال بل امتثال لما امر الله به من طاعة رسوله .و لو كان الرسول ل يطاع في
هذا القسم لم يكن لطاعته معنى و سقطت طاعته المختصة به.
• فل شك ان السنة المطهرة وهي ثانية مصادر التشريع السلمي و أوسعها فروعا و أحفلها نظما
وارحبها صدرا عنيت بشرح القواعد العامة في التشريع و الحكام الكلية التي وردت في الكتاب مما
جعله خالدا خلود الحق.ومن ثم لم يكن للمتسرعين من علماء السلم مندوحة من لاعتماد على السنة
و اللجوء إليها و لاسترشاد بإحكامها رغم ما يحاك من محاولة التشويه و التلاعب و التبديل و
التغيير ومؤامرات الدس على أصولها ومصادرها وخصوصا السنة المطهرة لهدم هذا الركن المتين
من التشريع السلمي .
ما يمكن ملحوظته إن إنكار حجية السنة و الدعاء بان السلم هو القران وحده ل يقول به مسلم
يعرف دين ال وإحكام شريعته تمام المعرفة وهو بصادم الواقع باعتبار ان إحكام الشريعة انما ثبتت
أكثرها بالسنة و ما في القران من إحكام إنما هي مجملة و قواعد كلية في الغالب و ال في اي قران
وجد إن الظهر أربعة ركعات و ان المغرب ثلث ركعات و ان الركوع على صفة كذا و السجود
على صفة كذي وبيان ما يجتذب في الصوم و بيان كيفه زكاة الهب و الفضة و الغنم و البل و
البقر و مقدار العداد المأخوذة منها الزكاة ومقدار الزكاة المأخوذة و بيان إعمال الحج من وقت
الوقوف بعرفة و صفة الصلة بها و بمزدلفة و رمي الجمار وصفة الحرام وما يجتنب فيه ….
و إحكام الحدود و صفة وقوع الطلق و إحكام البيوع و بيان الربا و القضية والإيمان و الاحباس و
العمرة و الصدقات و سائر أنواع الفقه( الحكام لبن حزم).
قصارى القول ان للسنة الثر الكبر في اتساع دائرة التشريع السلمي و عظمته و خلوده.
هذا التشريع العظيم هو ما حمل و يحمل أعداء الأمة و أعداء السلم في الماضي و الحاضر على
مجابهة السنة و التشكيك في حجيتها و صدق جامعيها ورواتها من أعلم الصحابة و التابعين فمن
بعدهم و على هذا التقى أعداء السلم من زنادقة الفرس و غيرهم مع أعداء السلم اليوم .
هذه السلسة المتتابعة من الجهود لم تنقطع منذ أربع عشر قرنا و ستظل قائمة طالما للسلم و الحق
أعداء يندفعون بعصبية عمياء لتهديم و تشويه و إفساد الحقائق المتصلة بالرسول ( ص) .
و تاريخ الحضارة السلمية ,اكبر دليل على ذلك و نحن ل نشك لحظة في ان هذه المعارك المتصلة
بين السلم و خصومه ستنتهي بهزيمتهم و كشف مقاصدهم الخبيثة .
•
• بقلم الأستاذ محمد مبروك__
التعليقات (0)