لم يکن بمقدور رئيس الوزراء العراقي نوري المالکي من البقاء فترة أطول من تلك التي قضاها خلف دثار الاعتدال و عدم التعصب و الانغلاق الطائفي، إذ ان مرور سنوات عديدة من عمره بين أحضان أکثر نظم العالم إنتاجا و تصديرا للتطرف و العنف الطائفي کان کافيا لصقل فهمه و شخصيته بالکيفية و الصورة التي تتلائم و تنسجم مع تلك التربية و التوجيه الطائفي الخاص جدا، وهو کان يدعو بالضرورة لهکذا إنقلاب سياسي ذو بعد طائفي بحت کالذي حدث مع نائب رئيس الجمهورية السني طارق الهاشمي.
الهجمة الطائفية لنوري المالکي والتي يريد إضمارها خلف برقع الارهاب، يمکن وصفه بشر البلية، إذ إن التضارب و التطاحن الطائفي الذي شهده العراق في الاعوام المنصرمة و التي وصلت الى حد القتل على الهوية بل وحتى مجرد الظن و الشبهة، هي مرحلة دفعت بمعظم قادة العراق الجدد"شيعة و سنة"، الى التورط بصورة أو بأخرى في وحل الطائفية و غرف کل واحد منهم عدة أو بضع غرفات کافية من المستنقع النتن للطائفية البغيضة، بل وان بعضا منهم قد صار بحق بطلا طائفيا لما أصدره لسانه و وقعت يداه من أوامر سوداء بالقتل و إرتکاب جرائم إبادة طائفية بحق الطائفة الاخرى، ولاريب أن السعي لجعل طارق الهاشمي و من بعده صالح المطلق و کذلك أياد علاوي(الشيعي اساسا لکنه يختلف مع النظام الايراني)، لجعلهم أکباش فداء و بدء مرحلة جديدة هي مرحلة حکم"الاکثرية"الشيعية او بتعبير أکثر وضوحا و دقة الحکم الفردي لنوري المالکي او من ينوب من بعده من رجالات الشيعة الموالين للنظام الطائفي المتطرف في طهران.
الغزوة الطائفية للمالکي لم تکن مطلقا بمعزل عن الاوضاع السياسية و الامنية الحرجة و القلقة التي تمر بها المنطقة و تلقي بظلالها الداکنة على طهران، وان تفاقم الاوضاع الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية في داخل إيران و وصول قيمة الريال الايراني الى الحضيض، هو أمر يسعى رجال الدين لحله و معالجته عبر الحقن و المسکنات الخارجة خصوصا وان حليفهم الاکبر بشار الاسد يمر بمرحلة أشبه ماتکون برفسات الذبيح أما صنيعهم و رأس حربتهم حسن نصرالله و حزبه الطائفي المجند کليا للنظام الايراني، فهو أشبه مايکون بالمجرم الذي ينتظر صدور قرار حکمه بالاعدام و غلق ملفه للأبد، هذه الامور، إشارات مخيفة أرعبت ملالي طهران و قم و دفعتهم الى حظيرتهم الخلفية الاهم في الوقت الحاضر و ضرورة إعادة النظر في مسألة إعدادها و تهيأتها من جديد لکي تواکب المرحلة الاخطر التي ستشهدها المنطقة بسقوط نظام بشار الاسد و إختناق و وأد حزب الله في لبنان، لکن النظام الايراني الذي ربى و أنشأ تلاميذه و صنائعه بروحية مشبعة بالطائفية المنغلقة على نفسها، يريد دمج هدفه الاستراتيجي ذاك بهذا الهدف الموکل بالمالکي وفي النهاية يتلاقى الهدفان.
إصرار نوري المالکي على المضي قدما في قضية جرجرة طارق الهاشمي الى قفص الاتهام، هو في الحقيقة جر الطائفة السنية العراقية برمتها لذلك القفص و محاکمتها بتهمة حکم العراق منذ عام 1921 و لحد عام 2003، خصوصا وا أدبيات المجالس الخاصة للأحزاب الشيعية العراقية التابعة للنظام الايراني او المصنعة من قبلها تؤکد دوما على هذه النقطة و تعض على نواجذها لکي تنتقم لما فاتها من عقود مديدة بعيدا عن دست الحکم و السلطة، وان طلب وزارة الداخلية العراقية رسميا من حکومة إقليم کردستان تسليمها طارق الهاشمي و عناصر من حمايته يعني فيما يعني أن حکومة المالکي تنوي الذهاب أبعد من ذلك الذي يتصوره القادة الکرد والذين يبدو انهم قد باتوا يخشون من العواقب و التداعيات الناجمة عن قضية إتهام طارق الهاشمي بالارهاب بل وان التصريحات"الناعمة"وذات الطابع التطميني الذي أطلقها المالکي بخصوص إنتهاء المشکلة الکردية في العراق و دعوته للحکومة الترکية کي تعالج المشکلة الکردية بالطرق السلمية، لم تکن کافية لکي يشعروا بالاطمئنان اللازم و الکافي من ذلك الشخص الذي ينفذ سياسة تصب في النهاية في صالح النظام الايراني دون سواه، وقد يخطأ القادة الکرد خطئا تأريخيا لايغتفر لو وضعوا يدهم في يد المالکي خلال هذه الازمة المشبوهة من کل الجوانب و الاجدر به ان يتحسبوا منها و يتوجسوا من أية إغرائات او إمتيازات قد تمنح إليهم على هوامش هذه المسألة، فستکون لها صلة و تواصل لن تخدم الکرد أبدا.
التعليقات (0)