مواضيع اليوم

السمات المشتركة في "إيقاعات للزمن الآتي"

nasser damaj

2009-05-06 22:36:18

0

السمات المشتركة في

"إيقاعات للزمن الآتي"

 

القاصان حاولا الخروج من شرك الواقعية المفجعة بالاتكاء

على اللغة الشعرية وإضفاء المناخ الرومانسي على قصصهما

 

بقلم: طارق حسان

 تتفتح البنية المضمونية للمجموعة القصصية المشتركة للقاصين: كلثم جبر، وخليل الفزيع والمعنونة بـ "إيقاعات للزمن الآتي" على دلالات اجتماعية وإنسانية تتباين في عمقها وفي هشاشتها، في تجذرها الإنساني بين الشخوص الرئيسية وفي تسطحها الوجداني في بعض الأحيان.

توحي المجموعة القصصية التي تضمنت 10 قصص قصيرة بينها أربع قصص للكتابة كلثم جبر للمتلقي.. إن ما تحمله القصص من وقائع وحكايات هي من صلب الحقيقة وذلك بسبب الجنوح البادي نحو الواقعية المفرطة التي تحاكي نمط الحياة اليومية، بيد أن القاصين حاولا الخروج من شرك الواقعية المفجعة بالاستناد إلى اللغة الشعرية ـ أحيانا ـ وإضفاء المناخ الرومانسي على قصصهما، وتكشف القصص عن أن المجموعة المشتركة ليست مجرد وعاء يحمل نتاجات مغايرة لأدباء متعاونين، إنما تعني التواصل بين نتاجات تتموضع حول خط فني واحد وتتحد في سبيل توصيل معان إنسانية معينة وإبراز سمات فنية مشتركة ومتعددة تتعانق فيما بينها من أجل الكشف عن عمق هذه المعاني الإنسانية.. نحاول هنا استجلاء الغبار عنها بهدف الكشف عن خطوطها الرئيسية وروافدها الفنية من جهة، ومناقشة مضمونها الدلالي من جهة أخرى.. مع الوقوف بشكل أساسي عند السمات المشتركة للكاتبين، وهي كثيرة نتوقف عند البارز منها.

تتمحور "إيقاعات للزمن الآتي" ـ في جل قصصها ـ حـول الحياة الزوجية الرومانسية غالبا، وصورة كل من المرأة والرجل في عين كل منهما للآخر، وبغض النظر عن وجود الأطفال كملمح أساس في كثير من قصص المجموعة إلا أنهم ظهروا وكأنهم شخوص تكميلية لا يتجاوز وجودها الإفصاح عن السعادة الأسرية وبالتالي كرر الكاتبان وجودهم في كثير من المشاهد التي جمعت الزوجين.. أي أنها جاءت جزءا تكميليا في بناء المشهد الأسري للبيت الذي تغمره السعادة وهي الرؤية المضمونية التي سعى إليها الكاتبان.

لقد تجلت صورة الرجل في قصص كلثم جبر عبر ثلاث صور مختلفة، هي: صورة الرجل/ الزوج، صورة الرجل/ الصديق، وصورة الرجل/ الحبيب الضائع، وذلك على الترتيب في قصص: "امرأة أخرى ـ أبجدية حزن ـ الموت مرتين" فيما تموضعت خمس قصص عند خليل الفزيع حول الحياة الزوجية التي غالبا ما تتسم بالرومانسية ويبدو ذلك في قصص: "ويزداد القلق ـ قبلتان ـ المأزق ـ الحركة الأولى".. والمرأة في قصص الفزيع هي الزوجة التي تتجلى دائما في صورة الصديقة والحبيبة والسكن.

وقلما تكون جافة وسليطة كما في قصة "الغريب" في المقـابل توجد قصة واحدة لكلثم جبر هي "الموت مرتين" يبدو الرجل فيها بصورة الحبيب الضائع.

البناء السردي:

تتباين مستويات البناء في القص الفزيعي ويتجلى البناء التقليدي للحدث على مستوى السرد والزمن وتصاعد الأحداث من خلال الاعتماد على المكونات الأولية لبنية القص: (البداية، النهاية، الحبكة) إلى جانب الارتكاز على الوصف المشهدي ورسم الشخوص الفنية.

وتجيد كلثم جبر رسم الشخوص الفنية لقصصها وتتعامل معها بدقة ووعي شديدين.. تقول مثلا في قصة "امرأة أخرى" : (.. توارت من أمامه لتدعو صبيحة لإعداده وهي زنجية متوسطة القامة، حالكة اللون، سريعة الحركة وتتمنى دوما وأبدا أن تتزوج) في هذه القصة تتخطى الكاتبة رسم الشخصية خارجيا (الطول ـ اللون ـ الحركة) إلى الحالة النفسية للشخصية من خلال اجتراح هم أنثوي عام هو الحلم أو الرغبة في الزواج وفي قصة "الموت مرتين" يتضافر الوصف المكاني مع رسم الشخوص الفنية ويتقاطع الزمن بطبقاته المختلفة مما يشكل نسيجا سرديا ناضجا يجعلها من أهم قصص المجموعة كلها.. تقول: (كنت أعلن البحث عن قامتك الفارعة حينما استدار وجه أخي مبتسما وهو يهم بمغادرة المكان.. معلنا انتهاء الجلسة، ودقات الساعة تعلن الثانية عشرة ليلا).. يتداخل مع الرسم الجزئي للشخصية المحورية وصف زمكاني مواز للحدث. والمقطع على الرغم من قصره تضمن عدة ركائز وسمات تؤدي إلى اتساع المشهد الفني ودفعه مثل الحركة والمكان والزمن والشخوص الفنية مما يؤكد اعتماد الكاتبة على التركيز والوصف المكثف للحدث، وإذا كانت الدكتورة كلثم تهتم بالبناء داخل المشهد ورسم الشخوص الفنية، فإن الفزيع يعتمد على الوصف المشهدي ورسم الأمكنة من خلال الارتكاز على عناصر المكان الجمالية على نحو خاص.. يقول مثلا في قصة "البااب" (.. الجدران مطلية باللون القرمزي.. النوافذ مغطاة بستائر حمراء مزركشة.. الأبواب مدهونة باللون الأخضر.. السقف متناهي البياض تتدلى منه مصابيح بألوان قوس قزح.. التنافر صارخ بين الألوان) وفي قصة "المأزق" يقول: (.. لقد استهواهما هذا المطعم المصمم على الطراز الاسباني.. بجوه الرومانسي وأكلاته البحرية اللذيذة، وزبائنه الذين يشكل الأجانب غالبيتهم. قالت وهي تتصفح قائمة الطعام بعد أن استقرا في احد أركان المطعم.. بقرب نافذة مطلة على حديقة مليئة بشتى أصناف الزهور، وشجيرات البرتقال والزيتون، وأشجار الأرز العملاقة، وقد أضفت الإضاءة على الحديقة جوا يبعث على الطمأنينة والحبور).

هكذا يتنقل الفزيع بين أركان المشهد راصدا عناصره وبنياته الجمالية بيد أنه قد يتجاوز هذا الرصد الخارجي للمشهد إلى الشخوص الفنية كما فعلت د. كلثم في قصة "امرأة أخرى" وذلك بالتواصل مع الشخصية سيكولوجيا ومحاولة تتبعها ورصدها كما في قصة "ويزداد القلق": عاد متأخرا في تلك الأمسية الشتائية.. جسده يرتعش.. دقات قلبه كاد يسمعها.. الغثيان ينتابه بعنف لم يشعر بالعطش كما يشعر به الآن، لسانه كقطعة من فخار".. إلى آخره أيضا في قصة "الغريب" التي يرصد فيها مسيرة الشخصية المحورية وهي في أوج مأزقها النفسي يترقب حركات البطل وينقلها.. (شعر بوطأة الحمى والزكام .. أنهكته الحرارة والغبار.. جلس على عتبة أحد المعارض التجارية.. النهار في منتصفه.. المتاجر مغلقة.. الشوارع تكاد تخلو من المارة.. الشمس ترسل سياطا من لهيب حرارتها.. الهواء العاصف المحمل بالأتربة يقتلع أسباب الراحة من نفسه.. تلثم بشماغه ليتحاشى الغبار، وزحف إلى الظل ليتفادى حرارة الشمس.. تمنى قطرة ماء يبل بها ريقه .(

على الرغم من أن المجموعة احتوت على قصة جيدة للكاتبة كلثم جبر هي "الموت مرتين" فقد احتوت كذلك ـ للكاتبة نفسها ـ على قصة لا علاقة لها بفن القص لا من قريب ولا من بعيد، هي "أبجدية حزن" فهي كلمة تأبينية رقيقة ألقتها الكاتبة عشية افتتاح المؤتمر الأول للأمن الاجتماعي والطفولة بالقاهرة في عام 1993م وهي مهداة الى العالم المصري جمال حمدان "إيقاعات للزمن الآتي" مجموعة تتميز ببنيتها المضمونية التكاملية كونها مجموعة مشتركة لا ينعزل كاتباها ـ فنيا ـ عن بعضهما البعض، وتحمل في الوقت نفسه العديد من السمات الفنية المشتركة.. قاربت بعضها والبعض الآخر أدعو القارئ لتلمسه من خلال مطالعته المجموعة.

                                 (جريدة اليوم ـ الدمام ـ الأربعاء 24/7/2002)




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات