لا اقصد طبعا بالسلفية من ينتمون إلى السلف الصالح رضوان الله عليهم، لكن اقصد الذين تشبهوا بالمظهر، وتركوا الجوهر، أخذوا الظاهر، تاركين الباطن، فالسلف الصالح كان تدينهم مثالا للحركة بهذا الدين ومن أجله.. كان تدينهم يدفعهم إلى الإنكار للمنكر مهما كان حجمه، وعلا قدر فاعله، ولو أدى إلى حتفهم.. الذين كانوا يحركون الجماهير للإنكار، ويقودونهم للإصلاح، ويدعونهم للجهاد.. كان تدينهم تدينا يحي الحياة، ويغير وجه الدنيا، فلا يدع فيها مظلوما إلا انصفوه، ولا منكوبا إلا واسوه، ولا مجروحا إلا ضمدوه، ولا جائعا إلا أطعموه، ولا عاريا إلا كسوه..
ذلك كان فهمهم للدين، وتلك كانت طبيعة تدينهم، التي أخذوها عن رسول الله – صلى اله عليه وسلم – دين النصيحة ، دين الأمر بالمعروف والنهى بالمنكر، دين الدعوة إلى الله وتقويم الحاكم المعوج ولو بالسيوف، وقولة الحق في وجه الظالم..
أما سلفنا الجدد –أقصد من يدعون السلفية- فإنهم يسكنون المتحرك، ويفسقون المنكِر، ويبدعون المطالب بالحرية، ويشككون في نيات المصلحين، ولهم في ذلك عبارات مشهورة مثل: طاعة أولى الأمر، وعدم الخروج عن الحاكم، والرضا بقضاء الله، والزهد في الدنيا، يقول لك وقد طوى من الجوع واكتوى بنار الغلاء: ألم يبت الرسول الكريم طاويا ؟ ألم يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال ولم يوقد في أبيات رسول الله نار فان قلت له: كان يفعل رسول الله ذلك زهدا وليس فقرا أو عجزا، وقد عرض عليه أن تكون جبال مكة ذهبا، والزهد هو أن نترك بعد أن نجد، وان نمتنع بعد أن نمنح، قال لك بكل ثقة واطمئنان: ولماذا لا نزهد مثل رسول الله ..
تقول له: إن الله حرم الظلم وأمر بمقاومة الظالمين يقول لك: إن هذا قضاء الله ولا بد من الرضا بقضائه، تقول له: إن ما يحدث للمسلمين من ظلم اجتماعي وفقر اقتصادي ليس من قضاء الله؛ لأن الله لا يرضى لعباده الظلم، ينظر إليك بغضب شديد، مزمجرا، متمتما بكلمات الاستغفار، لا تقل هذا، كيف تقول إن الله لا يرضاه وكل شيء بقضاء الله؟
هؤلاء هم الذين وصفوا الظالم يوما بأنه أمير المؤمنين، وكتبوا له وثيقة مبايعة علنية؛ ليستمر في حكم البلاد، وظلم العباد، وتعطيل الشريعة، وقالوا: هذا ولى الأمر الذي تجب طاعته، ولا تجوز مخالفته فان قلت لهم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قالوا لك وكأنهم لا يفهمون: وهل أمرك الحاكم بمعصية؟
وهل تعطيل حكم الله ليس بمعصية؟ وهل الظلم ليس بمعصية؟ وهل الإعلام الفاسد ليس بمعصية؟ وهل الربا ليس بمعصية ؟ وهل الفساد الإداري والمالي ليس بمعصية؟ وهل نهب المال العام ليس بمعصية؟ وهل أخذ الناس في جوف الليل بلا ذنب أو جريرة ليس بمعصية؟ وهل أخذ الناس من الطريق العام بالشبهة ليس بمعصية؟ وهل تعذيب المواطنين في أقسام الشرطة حتى الموت ليس بمعصية؟ وهل الثراء الفاحش من المال العام ليس بمعصية؟ وهل بيع أملاك الدولة لرجال الأعمال بابخس الأثمان ليس بمعصية؟ وهل بيع الشركات الوطنية للأجانب مجهولى الهوية ليس بمعصية؟ إذا لم تكن هذه معاصي فماذا تكون المعصية إذن؟
قال لك ببلاهة يحسد عليها: وهل منعك الحاكم أن تصلى؟ وهل منعك أن تذهب للمسجد؟ وهل منعك أن تطلق لحيتك؟ قلت وما يضيره من صلاتك وذهابك للمسجد ولحيتك إذا كنت تسير مع القطيع تهتف له بالروح بالدم نفديك يا.....
إن صلاتك لا تعنيه طالما حبستك عن الحياة، وتركتك تغرق في حالة روحانية سلبية، وتدعو لولى الأمر أن يديم الله بقاءه، ولماذا يعارضك إذا كنت تحصر تدينك في شخصك، وتترك الدنيا لهم يفعلون بها ما يشاءون..
أنت بهذا مواطن صالح.. متدين.. تقي.. تعرف الله..لا تخلط الدين بالسياسة.. فاثبت على ما أنت عليه، وإياك أن تغرك الدنيا فتطالبهم بها، أو يغويك الشياطين فيوحون إليك أن تطالب بالحق، أو تدفع الظلم، إن هذا ما يجلب لك الهم والغم، ويعكر صفوك، بل قد يجلب لك ما تخاف، فهل تريد أن تحرم من أولادك ووظيفتك وتكون في مكان لا يعرف طريقه أحد إليك؟ هل تريد أن تكون وراء الشمس؟
هؤلاء يحرك هاماتهم مخبر لا قيمة له إلا في بلد الظلم والطغيان، يقول لهم: افعلوا، فيفعلوا.. سبوا فلانا، فيسبوه.. بدعوا فلانا، فيبدعوه.. فسقوا فلانا، فيفسقوه.. مجدوا فلانا، فيمجدوه.. وكيف لا يجيبون وهو ولى الأمر، وطاعته من طاعة الله ورسوله.. المخبر أصبح وليا للأمر لعلماء السوء، أصحاب اللحى الطويلة، والجلابيب القصيرة، التي تهفهف في وجهك ببياضها، فتبهرك، لكنها على أجساد خاوية العقول والأفهام..
هؤلاء هم من يخدرون الناس، ويدفعونهم إلى السلبية باسم الدين، فدينهم جميل لطيف، ليس فيه ما يعكر الصفو، أو يحرم من الأموال والأهل، دين لا يطالبك بتضحية، ولا يدفعك إلى عمل جليل..
دين بلا جهاد ولا نفقة، ما أجمله يريح الضمير، وان شئت فقل ينيم الضمير، فما أبغض هذه السلفية، انك تستطيع أن تسميها أي شىء ملوخية ..طعمية ..إلا أن تكون سلفية ..
التعليقات (0)