السلفية الأخرى

في الحالة الاجتماعية هناك مفهوم للحياة يختلف تماماً عن مفاهيم الحداثة والتقدم والتطلع إلى المستقبل! ذلك المفهوم هو المفهوم السلفي للحياة فالسلف تعني الماضي وطريقة القدامى في تعاطيهم مع الحياة آنذاك، تلك السلفية ليست حكراً على مجتمع معين أو دين أو ثقافة معينة، بل هي حالة متكررة وموجودة في كل مجتمع وطائفة ودين وثقافة، هناك فئات لا تستطيع أن تتقدم خطوة إلى الأمام دون النظر في تفاصيل الماضي فتبدأ في البحث َالتنقيب لعلها تجد دليلاً أو نصاً أو قصةً تدعم تقدمها وإن لم تجد رفضت التقدم ووقفت ضد من عزم على المضي قُدماً.

مارتن لوثر راهب وعابد ألماني وقائد الإصلاح في أوروبا وقف ضد صكوك الغفران وناضل من أجل تحرير العباد من ظلم وبهتان الكنيسة التي كانت تسرق أموال البسطاء بطريقةِ فجه، ذلك العابد لم ينجح إلا بعدما خاطب العقول ووضعها أمام اختبار حقيقي اما التحرر من التسلط الفكري والانطلاق نحو الواقعية ومن ثم المستقبل واما البقاء بكنف الخديعة والانصياع لها وتوريث تلك الخديعة ذات الصبغة الدينية للأجيال القادمة والبقاء خارج التاريخ مستقبلاً!

بعد أن خاطب العقول وبعد صراع بين العقل والعاطفة خرجت المجتمعات من دائرة الخديعة إلى بساتين الحياة فتحررت وحررت ولم تلتفت لمن حاول ويحاول إعادتها لسيرتها الأولى، تلك القصة تنم عن توغل الفكرة السلفية بالعقل البشري فالسلفية توريث لأفكار وطرق معينة لابد أن يلتزم بها الفرد ليبقى في مأمن من اللعنة الربانية...

السلفية في مجملها ليست عيباً بل هي ظرف ثقافي تاريخي وليس من الحكمة توريث ذلك الظرف الثقافي التاريخي بشكلِ مستمر والاستمرار في تحصينه من التطوير والتحديث بما يتناسب مع المتغيرات التي تعيشها المجتمعات، المجتمعات الحيه هي التي تحافظ على اصالتها ولا تغفل عن مستقبلها والفكرة السلفية لا تؤمن بالمستقبل بمعطياته المختلفة إنما تؤمن بواقع مشابه لما كان عليه الأوائل الذين لو كانوا بيننا لقالوا دعو السلفية فإنها لم تعد مُجديه .. ..

@Riyadzahriny