السلطة في بلادي تتواطأ مع الإسلاميين لقمع الحريات
علي مغازي: لا بد من رحيل وزيرة الثقافة الجزائرية
جدد الشاعر الجزائري علي مغازي مطالبته بإقالة وزيرة الثقاقة خليدة تومي من منصبها ومحاسبتها على استغلالها لمنصبها لتصفية حسابات شخصية. واتهم مغازي في حوار خاص مع موقع "آفاق" الوزيرة برفع تقرير وصفه بـ"المجحف" إلى رئيس الجمهورية أفضى إلى إقالة مدير المكتبة الوطنية الروائي أمين الزاوي.
وعما إذا كان هجوم جمعية العلماء المسلمين على الشاعر السوري أدونيس يدخل في سياق الصراع بين الدين والعلمانية في الجزائر، قال مغازي "لا أظن ذلك، فهذه المرحلة من الترف لم نبْلغها بعد...". ونفى مغازي وجود علمانيين حقيقيين في الجزائر، وقال "هناك مثقفون حداثيون يحلمون بالعيش في مجتمع جزائري أصيل تلتقي فيه كل الأطراف على موقف فلسفي حر واع ومسؤول، أي ما يشبه "ميثاق شرف" يرضى به الجميع بحيث لا تُحسم الأمور فيما بيننا بالعنف والقمع والإقصاء".
وأكد مغازي على تواطئ السلطة مع الإسلاميين لقمع المثقفين في الجزائر وقال "... الحقيقة تتكشف تباعا، ويظهر جليا أن استراتيجية إخافة المثقفين ببعبع الإسلاميين، ليست كذبة نلصقها بالنظام الجزائري بل هي حقيقة نلمسها كل يوم، هناك تواطؤ بين قوى السلطة والهيئات المنتخبة والمؤسسات الأهلية وشق كبير من الإعلام وحشود الغوغاء ضد المثقفين الذين هم بدورهم كانوا ينتظرون أن تفي السلطة بوعودها، لكنها كذبت عليهم وهي اليوم تكشر عن أنيابها".
وفيما يلي نص الحوار:
أجرت الحوار- ياسمين صلاح الدين
من هو علي مغازي؟
نعم... هو ذلك الذي يدّعي أنه يكتب لأنه لا يريد أن يكون إلا نفسه، لا يتبّشه خشية أن يتشوّه، يستثمر لغته في الهامش، يراهن على الطرق المسدودة، ويختار المكان الأقلّ توقعا، هناك "في جهة الظل" حيث يمتعُه عادةً أن يتسلّى بمنظر الأقمار وهي تبدو على طاولته في هيأة صراصير مقلوبة، ويتأمّل بازدراء منظر الحشود وهي تهرول إلى "جنة السيرك"، حيث يهنأ بحياته المثقف الدّاجن والسياسي الأجير والمعارض المذعن المكلّف بتزيين الواجهة والشاعر المُملى عليه والمفكِّرُ المُفَكَّرُ له والمواطن المتذاكي الحذق الملم بشروط اللعبة.
صدر لي كتاب واحد هو "في جهة الظل" 2002، عن اتحاد الكتاب الجزائريين، للأسف لم يوزّعْ حتى في المكتبة المقابلة لمبنى هذا "الاتحاد" المُتخَاصمُ عليه اليوم من قبل مقاولي الثقافة (في بلادي)، المتحايلين بختم المؤسسة على أعباء السجل التجاري،
ولدت فعليا في 28 يناير 1970، بمدينة صغيرة تسمى "الدوسن"، جنوب الجزائر، وأعيش فيها اليوم مع عائلتي الصغيرة، وهي تشبه كثيرا مدن الريف العراقي، وأهلها بسطاء وطيبون. بدأتُ الكتابة منذ عشرين عاما، وسأكتب لعقود أخرى، ما لم يخذلني قلبي، لأن الكتابة جوهر وجودي، وهي الحياة الموازية، أواجه بها الواقع.. الواقع الذي أقرأه في كل لحظة، وأعد لإمكانيةِ أن أكون جزءً واعيا من تهديد محتمل للمنظومات التي تحكمه اليوم.
لديّ مجموعة شعرية قيد الطبع، أسميتها "حبيباتي" ومجموعة أخرى انوي اقتراحها على دار نشر مشرقية، عنوانها "وضعية زرقاء". إضافة إلى أعمال سردية مركونة في أدراجي.
هنالك في الجزائر من يقول أن الأدب مقسم إلى قسمين: أدب الظهور ( أي الشهرة على حساب الإبداع الحقيقي) و أدب الإبداع ! كيف ترى نفسك إزاء التقسيمين؟
لنستبعدْ مبدئيا مسألة الشهرة، (بالمقاييس المتعارف عليها)، فلا أحد بالجزائر قادر أن يكون مشهورا، سوى لاعبي كرة القدم، ونجوم "الراي"، أما إذا جازَ أن نقسم الساحة الأدبية كما تقترحين، فأقول أن هناك فريقا أولا من الكتاب المبدعين، ينتجون نصوصا بالغة الجودة، خاصة في مجال الشعر، لكنهم مُغيّبون تماما ولا يُذكرون إلا على مستوى بسيط جدا، وهذه الفئة بعضهم يفتقدُ إلى موهبة التواصل، وبعضهم الآخر زاهد في التعبير عن نفسه ولا يسعى لذلك، أو يعتبرُ الكتابة هما شخصيا، فيما هناك من يعاني ظروفا قاسية كالمرض أو الفقر الشديد، وبالتالي فإنه ينسحب من الساحة بصمت. رغم ذلك فإن هذه الفئة منشغلة بالإبداع وتحترق داخليا. أما الفريق الثاني فهم فئة كبيرة من الكتاب لم يعد همّهم الإبداع أبدا، فقد فهموا إلى أين تسير الأمور واكْتفوا بما حقّقوا من رصيد متواضع يستغلونه اليوم في الحصول على مناصب إدارية وسياسية وامتيازات مختلفة، وأغلبهم نجح في ذلك وصار يعمل لحساب المؤسسة الرسمية التي هي بدورها تمنحه فرصة احتكار المشهد، وتمثيل الجزائر في كل المناسبات. هؤلاء صاروا هم الأبناء البررة لأي سلطة تكون. أما الفريق الثالث فإنّ أغلبهم من الشباب يخوضون على المستوى الإبداعي تجارب مختلفة، يجرّبون كل الأشكال ويطورون أداتهم، لكنهم يرفضون الإذعان للواقع، ويحاولون باستمرار تبني موقف نضالي زيادة على الإبداع، إنهم يختلفون عن الفريق الأول بكونهم لا يكلّون من محاولة تصحيح الوضع، ويختلفون عن الفريق الثاني بكونهم لا يقبلون اقتناص الفرص ولا يداهنون ولا يشيدون ولا ينشدون. إنهم كتاب الهامش، أصدقاء الرّيح.. المرحبون بالجنون وباللعب، بتبنون أسئلة الحداثة كمغامرة فكرية تدفعهم إليها أرواحهم الحرة.. هؤلاء أدّعي أنني واحد منهم.
أشير لك فقط أن هذا التقسيم لا يخص الكتّاب الكبار، أعني الرموز الأدبية المعروفة عربيا وعالميا، فهؤلاء يطول الحديث عنهم، لكن أظنّ أنّهم لا يتذكرون آخر صباح أيقظتهم فيه أشعة الشمس ليكتبوا قصائد مسترسلة... تصوري نحن لا نزال نفعل ذلك وبمتعة كبيرة.
هذا يقودني إلى سؤالك كيف تقيم الساحة الأدبية و الثقافية في الجزائر؟
الجزائر تكتنزُ ركاما من النّصوص الجيدة، وتزخرُ بأسماء رائعة لم تُعطَ حقها، كما ذكرتُ سابقا، والجميع ـ من الطاقات الجادة ـ يخوض تجارب مختلفة، بمعنى أن النص الجزائري، خاصة الحداثي منه متنوع وغير مستنسخ، (كما هو الحال في المغرب مثلا)، رغم ذلك فإن هذا النص لا يصل إلى المتلقي ولا يُحْتضن نقديا، بسبب غياب مؤسسات تشتغل على هذا الأمر. فعلى المستوى الرسمي وشبه الرسمي نجد أن وزارة الثقافة منشغلة بتزيين الواجهة على حساب الإبداع، تنشر مئات الكتب لتقدم حصيلة أرقام دون التفكير في مدى جودة هذه الكتب أو مصيرها، وتمول مهرجانات بائسة، بغرض الظهور لا أكثر، أما في مؤسسة كاتحاد الكتاب الجزائريين، فإنها لا تزال مجرد مبنى، تم الاستيلاء على بعضه، وما تبقى منه لا يصلح سوى أن يكون مكانا يلتقي فيه الكتّاب صديقاتهم ويشحنون بطاريات هواتفهم ويراقبون المارة في شارع ديدوش مراد. ناهيك عن الاتحاد يشهد صراعات لا قيمة لها، وصلت إلى أروقة المحاكم بين فئتين كل واحدة هي أسوأ من الثانية. وفي أحسن حالاته فإن اتحادنا لا يدخله الكتاب باللغة الفرنسية، أو باللغة الأمازيغية، أما المكتبة الوطنية فقد كانت مركز إشعاع حقيقي لسكان مدينة الجزائر العاصمة (وما جاورها). وتم استضافة أسماء مشاغبة من الخارج أعطتْ للجزائر صورةً مبهرة، وعندما جاء "أدونيس" وخرج عن السيناريو المعدّ سلفا، انْكشف كل شيء وسقطت أعمدة المعبد، وظهر أن الوزيرة تخاف على الله من كلام "أدونيس"، لا بد لهذه السيدة أن ترحل ليرتاح الجميع.
هذا عن المؤسسات، أما فيما يخص الإعلام، فعلينا أن نستبعد الشق الرسمي منه لأنه بقايا الحزب الواحد، ولا طاقة له للخروج من هذه الدائرة المعتمة. أما إعلام القطاع الخاص، فإنه لم يطرح أي مشروع واضح لاحتضان النص الإبداعي الجزائري، وباستثناء أسماء إعلامية معروفة، تجتهد من تلقاء نفسها، فإن أغلب الجرائد تعين على القسم الثقافي، صحفيات وصحفيين لا تجربة لهم، يتلقون مقابلا زهيدا لقاء عملهم، وعندما يجدون البديل ينصرفون، ثم أن النشر على صفحات الجرائد الجزائرية أمر لا جدوى منه، فالنصوص الإبداعية تنشر تغطية لغياب الصفحة الإشهارية، وبالتالي فالأدب ليس في جدول اهتمام ناشري الجرائد لذا لا يمكن أن تكرس تقاليد مؤسساتية في هذا المجال، تضمن ديمومة الفعل الإبداعي بالشكل المطلوب. ثم أن هناك غيابا تاما للإعلام الالكتروني الثقافي الأدبي في الجزائر.
من جهة أخرى ألفت الانتباه أن السياسة الثقافية العامة في الجزائر قاصرة، لا تحسن التعامل مع المُنتج الثقافي ولا تستثمر في رمزياته، وهي بالتالي لا تعتبر الكاتب منتجا، لهذا فإنها لا تهتم بتنظيم العلاقات التي تحكم أطراف العملية الإبداعية من خلال قوانين واضحة، تحمي المبدعين وتحفظ حقوقهم.
في ظل هذا وأكثر، ماذا يمكن أن نقول عن الساحة الأدبية؟ إنها بائسة لولا وجود أدب راق وأدباء يستحقون أكثر مما هو متاح لهم.
إن ما طرحتُه من معوقات النهوض بالعمل الأدبي يتعلق بالأساسيات الأولى التي إذا توفرت تفضي إلى نقاش أوسع حول مسألة الحرية في التعبير، التي انتُهكت هذه المرة بالهجمة غير الحضارية التي تعرض لها الشاعر الكبير "أدونيس"، وبالتقرير المجحف الذي رفعته خليدة تومي إلى السيد الرئيس، فانتهى الأمر بإقالة الروائي أمين الزاوي من منصبه، وهذا ما آلمنا جمعيا وصدمنا في أعماقنا.
طالبت في رسالة احتجاجية من وزارة الثقافة الاعتذار للشاعر أدونيس، وإعادة أمين الزاوي إلى منصبه، حدثنا عن رسالتك تلك؟
نعم طالبت الوزارة بذلك، وسأطالب.. لكن ليس بالاعتذار بل بإقالة خليدة تومي، حتى نرتاح جميعا.. ونبدأ صفحة جديدة. ما حدثََ يعدّ كارثة حقيقية تنذر بكوارث أكبر. أما فيما يخص مطلبي بعودة أمين الزاوي، فهذا هو القرار الأصوب المطلوب اتخاذه، لتصحيح الوضع، فلا وجود لذنب حتى نتساءل من يتحمله، ولا وجود لخطأ إداري أو سياسي حتى نبحث عمن ارتكبه، كل ما في الأمر أن لخليدة تومي خلافات مع مدير المكتبة الوطنية، طالما لمّحتْ لها الصحافة، وقد استغلت الوزيرة هجمة جمعية العلماء المسلمين على ما طرحه "أدونيس" من أفكار وآراء، فما كان منها إلا أن نفّذت مشروعها برفع تقرير مشوب بالمغالطات أفضى إلى قرار الإقالة، وهذا سلوك بعيد عن روح المؤسسة وثقافة الدولة، أدعو لمحاسبة الوزيرة عليه، وإنصاف أمين الزاوي بإعادته إلى منصبه. أنا جدّ متأسف وحزين، لأن صورة الدولة تنتهك ثقافيا من قبل سيدة دولة على رأس مؤسسة سيادية دورها رعاية الحقل الرمزي للثقافة الجزائرية، المتنوعة المشارب، المتعددة الامتدادات.
جمعية العلماء المسلمين أول من هاجمت وجود أدونيس في الجزائر، هل تعتقد أن المسألة تدخل في سياق الصراع بين الدين و العلمانية في الجزائر؟
لا أظن ذلك، فهذه المرحلة من الترف لم نبْلغها بعد، فجمعية العلماء المسلمين، لا تزال تستثمر في الاسم الذي ورثته عن الرواد، وتكتسب مشروعيتها من دلالاته ورمزياته التاريخية، في غياب أي مشروع تتبناه أو رؤية تتطلع إليها انطلاقا من هويتها الفكرية والحضارية، التي هي في الغالب مستنجِدة بالماضي لإعادة صياغة صورة الحاضر والمستقبل، ولهذا فإن عجزها يتجلى في محاولتها سحب الأضواء إليها بمهاجمة "أدونيس". بالمقابل لا وجود لعلمانيين حقيقيين في الجزائر، هناك مثقفون حداثيون يحلمون بالعيش في مجتمع جزائري أصيل تلتقي فيه كل الأطراف على موقف فلسفي حر واع ومسؤول، أي ما يشبه "ميثاق شرف" يرضى به الجميع بحيث لا تُحسم الأمور فيما بيننا بالعنف والقمع والإقصاء. أن تختلفي مع رجل دين هذا لا يعني أنك تريدين القضاء عليه، بل ربما تريدين فقط إنقاذه من نفسه، بحيث يكفُّ ما ستطاع عن محاولاته للهيمنة عليك، وهذا ما يحدث تماما، بعض الناس في الجزائر لا يردون أكثر من الحق في حرية أن يكونوا متدينين أو لا، بمعنى آخر على الحكومة أن تكون محايدة وألاّ تمنح امتيازات لمن يلبسون عباءة الدين فيما تقصي الآخرين. إن "عبد الرحمن شيبان" لم يأت بفكرة مختلفة، لم يقدم دلائل ولا حججا، إنه باختصار استعمل تأثيراته الدينية. لتحريض الغوغاء، ودعانا لأن نذوب فيه مادام يعتقد بأنه (وحده) المحصن بقدسية التعاليم الجاهزة. من أعطاه كل هذه الشرعية ليتكلم بالنيابة عن الله ويكون " الوسيط والحكم" بيننا وبينه، من سمح له باستخدام الرموز الدينية في شأن مدني؟ نقاشنا على الأرض وليس هناك، حيث تباع الأحلام السماوية للقاصرين والمعتوهين..
وكيف تفسر صمت المثقفين الجزائريين على ما جرى؟
المثقف في الجزائر مغلوب على أمره، لأنهّ تعرض إلى خديعة تاريخية كبرى، جعلته يتأخر في قراءة التحولات التي تعصف بالداخل والخارج، وانتظر أن تبادر السلطة بتغيير أسلوب عملها.. ولكن الحقيقة تتكشف تباعا، ويظهر جليا أن استراتيجية إخافة المثقفين ببعبع الإسلاميين، ليست كذبة نلصقها بالنظام الجزائري بل هي حقيقة نلمسها كل يوم، هناك تواطؤ بين قوى السلطة والهيئات المنتخبة والمؤسسات الأهلية وشق كبير من الإعلام وحشود الغوغاء ضد المثقفين الذين هم بدورهم كانوا ينتظرون أن تفي السلطة بوعودها، لكنها كذبت عليهم وهي اليوم تكشر عن أنيابها.
قلت في رسالتك الاحتجاجية أنك تطالب من رئيس الجمهورية بإقالة وزيرة الثقافة خليدة تومي، هل تعتبر أن وزيرة الثقافة أساءت إلى الثقافة في الجزائر؟
نعم أعتبرها كذلك لأنها لم تتصرف بروح المؤسسة ولم تكن محايدة، واستغلت ظروفا ما لتصفي حساباتها الشخصية مع كاتب جزائري بريء من كل ما اتهمته به في تقريرها، ولتدعي بأن تكفير أدونيس والتهجم عليه هو موقف الشعب الجزائري، رغم أنها وصلت إلى السلطة ليست بقاعدة الأغلبية تحكم بل بقاعدة الأقلية تغلب، ثم أنها أخرجت الثقافة من ثوبها الشفاف وألبستها جلباب الدين.
كيف؟
موقف "خليدة" يعتبر فتوى لا تختلف عن الفتاوى الصادرة في أم الدنيا ضد عدد كبير من الكتاب أو تلك التي صدرت أخيرا في الأردن ضد الشاعر إسلام سرحان. أَولى بخليدة أن ترتدي الجلباب وتنضم إلى جمعية العلماء المسامين رفقة الشيخ عبد الرحمان شيبان وتشتغل بالدعوة، لتترك لغيرها مهمة تسيير الوزارة، ثم أن المسألة لا تتوقف هنا، بل بضرورة إعادة النظر في عمل المؤسسات الثقافية في الجزائر وبضرورة استحداث قوانين تمنح الكتّاب حريتهم الكاملة في التعبير دون استئذان أحد.
أنت شاعر مقيم في الجنوب الجزائري، في سيرتك الذاتية عبارة " حامل شهادة معوز" من السلطة المحلية، كتاب واحد و أحلام مؤجلة؟
نعم صحيح، كتبتُ هذا في موقعي، وذكرت عديد المهن التي مارستها في حياتي.. فلاح، صحفي، بواب، حداد، مصحح في جريدة، تاجر جملة، عامل مقهى، رئيس تحرير جريدة أسبوعية، مهرب بضائع في السوق السوداء، كاتب شكاوى، مصور فوتوغرافي، مستشار في المكتبة الوطنية الجزائرية وأمين تحرير مجلة "الثقافة"، مقاول من دون رخصة، عامل يومي، رئيس تحرير مجلة "صدى الزيبان" ورئيس تحرير جريدة "فيسيرا". وكل هذا حقيقي وأعتز بكوني ربيت أولادي وجعلتهم يدخلون المدرسة ويمارسون حياتهم الطبيعية، رغم صعوبة هذه الحياة التي طالما أدارت لي ظهرها، وأنا لا أهتم، فعلى حد تعبير أحد الأصدقاء فإن الحياة هي الخاسرة لا أنا.
في كل يوم مئة سبب يسرق الحب والحرية من كلماتنا ويغرينا بالحقد، هل يمكن أن يكون الحقد دافع للكتابة؟.... إنه لسؤال جدير بالاهتمام..
في كل يوم نشعر أننا كمواطنين (كما قال الشاعر مولود خيزار) "مجرد كائنات تدفع الضريبة".
في كل يوم يطرق (المحضر القضائي) أبواب بيوتنا ويسرق ما تبقى من الدفء لدينا، مطالبا إيانا بالإيجار وإلا فإن المحكمة ستأمر بطردنا إلى الشاعر، ولهذا فعلينا أن نعمل ما نستطيع لندفع جزية بقانا على هذه الأرض. لقد حدثت حالات مأساوية لكتاب جزائريين، ولا تزال تحدث اليوم، بينما أموال الدولة تصرف على الهرج والمرج... ويقال بعد ذلك إننا نهتم بالثقافة... عن أي ثقافة يتحدّثون..؟
أما شهادة المعوز فهي عبارة عن تصريح شرفي يقدمه أولياء التلاميذ العاجزون عن التكفل بالحقوق المدرسية لأولادهم، بحث يقرّون فيه بأنهم فقراء، وأن المعلومات التي يقدمونها صحيحة، لتنشر أسماءهم فيما بعد على لوحة إعلان المدرسة ثم يأتون طوابير.. طوابير.. ليحصلوا على300 دينار أي حوالي خمسين دولارا. وأنا أعترف بأنني أحصل كل سنة على هذه الشهادة مضطرا. (هذا كل ما في الأمر فقط).
من الذي يحقق الأحلام بالنسبة للمثقف، السلطة أم الحرية؟
أكيد الحرية.. فلا شيء يستحق أن يموت من أجله المثقف أكثر إلا الحرية..
لكن السلطة كثيرا ما تقف في وجه الحرية. فما الذي يتبقى للكاتب في غياب الحرية وحضور السلطة بمعناها التضييقي؟
الحرية هي ما يبقى لنا عندما نفقد كل شيء، ولا تستطيع السلطة النجاح دائما في التضييق على المثقف، إلا إذا كان المثقف هو نفسه يتمتع بحرية وهمية وليست حرية الروح والعقل.
و ما هي أحلام علي مغازي؟
ليست لدي أحلام مبالغ فيها، فأنا لست منفصلا عن الواقع، ولا أنطلق من بياض، إذْ أن إيماني شديد بأن أجنحة ما ستنبت في داخلي ذات يوم وتتعجلني للتحليق، كما حلّقَ أدونيس ومحمد أركون وابن رشد والمعرّي وكل أحفاد الشنفرى في الوطن العربي الذين صارعوا بعقولهم المتنورة وأرواحهم المتمردة هذا العبء التاريخي الثقيل حتى يقرروا مصائرهم بأنفسهم.. وقد حان الأوان لتنصهر تلك التجارب الفريدة وتشَكّل رؤية جيل بكامله يذهب باتجاه المستقبل حاملا كفن الآلهة، انتصارا لقيم الحرية والحب والجمال..
أحلم بهذا، وسيتحقق حلمي ذات يوم، لأن لدي صديقات وأصدقاء "يتحدّرون من سلالة المجانين والملعونين"، في المشرق والمغربي العربيين وفي أرض المهجر يتقاسمون معي هذا الحلم وسينتفضون قريبا لأنهم يستندون إلى معرفة عميقة بتحولات التاريخ ولن يكرروا تجربة أبي حيان التوحيدي الذي وإن لم يستسلم للتيار إلا أنه لم يستطعْ صده، وأنا أحلم بأن أساهم في صد هذا التيار، بل وفي تحويله...
التعليقات (0)