السلطة الفلسطينية و معظلة الحوار الوطنى الشامل
البشير عبيد
صرح فى المدة الاخيرة الامين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين السيد نايف حواتمة أن حركة حماس ما كن عليها أن تشترط حوارا ثنائيا مع حركة فتح قبل أن يشمل هذا الحوار جميع الفصائل الفلسطينية, لأن هذا التصريح يعتبر من وجهة نظر حواتمة تضخيما لحجم حماس واستنقاصا لجميع حركات المقاومة التى تختلف معها فى المقاربة السياسية وكيفية التعاطى مع الوضع الراهن بجميع تداعياته وملابساته.
ما من شك أن القضية الفلسطينية معقدة الى حد الارباك, لكن على الدارس والمحلل والمتابع, أن يسبر أغوار المسألة و يضع على الطاولة فى اعتباره جميع المعطيات والحيثيات المتصلة بالموضوع , فحركة حماس بانقلابها المفاجئى على السلطة فى غزة, فقدت الكثير من بريقها السياسى والنضالى, رغم أن من حقها مواصلة الحكم تطبيق برنامجها الانتخاع,
بعيدا عن اقصاء الآخر وشطب المقاربة المغايرة,لأن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة ومن شيم " الكبار" الانصات الجيد لجميع الأصوات المخالفة حتى وان كانت خاطئة. بالطبع هذا المسار السياسى لم تسلكه حركة حماس,باعتبارها حركة دينية اسلامية, دخلت معترك النضال السياسى بعد أن كانت جمعية خيرية اصلاحية فى بداياتها. وتبعا لهذاالمسار اختلط الدينى "المقدس بالسياسى "المدنس" القابل للنقاش والمراجعة فى كل لحظة. فسيطرة حركة حماس على المجلس التشريعى الفلسطينى ( البرلمان) وتشكيل حكومة بقيادة اسماعيل هنية, جعلت الصراع يتحرك فى اتجاه معاكس امصلحة القضية. فحكومة حماس راهنت دائما على المقاومة المسلحة ولها ما يبرر مقاربتها السياسية بحكم طبيعة الكيان الصيونى الغاصب المرتكز على التقتيل والتشريد والسلب والنهب وابادة الكائن الفلسطينى المراوح بين الحياة والموت. أما حركة فتح فقد راهنت منذ مجئ محمود عباس الى السلطة , على المفاوضات بكل ملابساتها وتعقيداتها.
مفاوضات "السلام" العبثية.
يعرف القاصى والدانى أن حركة فتح التى يتزعمها الرئيس الفلسطينى, راهنت منذ انعقاد مؤتمر أسلو على المفاوضات مع الكيان الصهيونى وقد بينت السنوات واللقاءات الماراطونية بين الطرفين أن الدولة العبرية لا تعير أى اهتمام للحقوق الفلسطينية كعدم اعترافها بحق عودة اللاجئين الموزعين فى دول الشتات( المشرق العربى وأوروبا) واعلانها دائما أن القدس هى العاصمة الأبدية لاسرائيل دون نسيان مواصلتها لسياسة الاستيطان المتناقضة حتى مع اتفاق أسلو. ولايخفى على أن الكيان الصهيونى دائم "الوفاء" لتوجهاته الايديولوجة ومرتكزته الفكرية المبنية على التقتيل والتشريد وتجرف الأراضى واعتقال النشطاء من كل الحركات السياسية والتيارات الفكريةالمناهضة لمشروعه العنصرى. وأمر بديهى أن يسلك هذا الكيان نهج العنف الدموى طالما أنه تأسس على الاغتصاب وافتكاك حقوق أصحاب الأرض والتاريخ والحضارة. وتبعا لهذه التركيبة الفكرية/ الايديولوجة, لايتصور المرء أ يتغير هذا الكيان الغاصب ولو جزئيا, لأنه وان تغير يصير كيانا مختلفا ومخالفا للمشروع الصهيونى . من هذه الزاوية نفهم السر الكامن وراء فشل مفاوضات " السلام " واللقاءات المتكررة والفاقدة لأى مصداقية بين مدمود عباس و ايهود أولمرت. لأن هذه الجلسات التى تبدأ وتنتهى بالقبلات والمصافحات والابتسامات, لم تخرج عن هذا الاطار ولم تبتعد عن هذا السقف الموضوع لها سلفا من قبل الادارة الأمريكية بالتنسيق مع الحكومة الاسرائيلية. ومثلما قال الكاتب الصحفى الفلسطينى عبد البارى عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربى, أن هذه اللقاعات صارت عبثية الى حد لا يطاق مما أضر بالقضية الفلسطينية وجعلها تدور فى دائرة الغيم. فكم من مرة شاهدنا قوات الاحتلال تعتقل وتغتال وتهدم البيوت على أصحابها فى نفس اللحظة التى يجتمع فيها عباس/ أولمرت.
بامكان الأيادى أن تتصافح لحظة انعقاد " المفاوضات ", لكن حتما تتقاطع المصالح وتتضارب. اذن هذا المسار الذى اتبعته حركة فتح الذى دشنه عرفات/ رابين أدى الى كثير من التنازلات وأوصل القضية الى نتائج كارثية ولا أحد بامكانه التكهن بما ستؤول اليه الأوضاع وهل من سبيل للخروج من النفق المظلم الكبير.
الجمرة لاتحرق الا موضعها
هذا النهج السياسى الذى تحدثنا عنه سلفا واتبعته السلطة الفلسطينية ولم تعترف بنتائجه الوخيمة, انتقدته منذ البداية جميع الحركات والفصلئل, وكان لحركة المقاومة الاسلامية " حماس " نصيب الأسد من هذا الانتقاد, الأمر الذى حفزها على المشاركة فى الانتخابات البرلمانية, ومعلوم أنها فازت وسيطرت على المجلس التشريعى وشكلت حكومة فلسطينية وفق برنامجها الانتخابى ومقاربتها السياسية.. فكان أن قامت قيامة أمريكا والغرب واسرائيل وبعض دول " الاعتدال العربى ".فى النهاية, صار قطاع غزة قطاعا محاصرا من كل الجهات لأن مشروع حماس السياسى المرتكز على المقاومة واسترداد الحقوق المغتصبة بقوة السلاح, يتناقض كليا مع المشروع الأمريكى فى المنطقة الذى يستند الى السيطرة الأبدية لاسرائيل على الشرق الأوسط وبعث مبادرات " سلام " بين الفينة والأخرى لسب الوقت مع الاعتراف ببعض " الحقوق " لأهلنا فى فلسطين مع التغاظى نهائيا عن حق العودة والستيطان وتهويد القدس.. هذا ما فهمته جيدا حركة حماس,خاصة عندما شكلت حكومتها وبدأت تمارس السلطة, فاختلطت الأوراق ولم تفرق بين الدينى/المقدس والدنيوى/ المدنس.صحيح أن خيار المقاومة خيار صائب ولا مفر منه,لكن تاريخ الحركات المناهضة للاستعمار, علمنا أن الكفاح المسلح لابد أن يسير فى نفس الاتجاه مع خيار المفاوضات. ان التقريب بين المقاربات السياسية واستبعاد الاقتتال الداخلى نهائيا وتجريمه يستوجب من السلطة الفلسطينية وجميع الفصائل والحركات اقامة حوار وطنى شامل حول أهم القضايا بعيدا عن لغة اقصاء الآخر وشطبه من الخارطة السياسية ولن ينجح هذا الحوار الا اذا توفرت العزائم الصادقة وتوجه الجميع لمنظمة التحرير لتفعيل مؤسساتها المترهلة والقضاء نهائيا على الفساد المالى والادارى وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتكلم أمام العالم بخطاب واحد: كلنا من أجل فلسطين..نعم للمقاومة والمفاوضات فى نفس اللحظة.
التعليقات (0)