مواضيع اليوم

السلطة الخامسة: الفيس بوك يلغي أدوار الوسائط التقليدية

محمد غنيم

2009-10-18 13:34:47

0

لا توجد عبارة جاهزة أكثر انطباقا على الفيس بوك في جانبه "الاعلامي" –إذا سلمنا جدلا بأنه يتوفر فعلا على هذا الجانب في أدنى تعريفاته ووظائفه أي نشر المعلومة وإيصالها إلى شريحة واسعة من المتلقين- .. لا توجد عبارة أفضل من "سلاح ذي حدين"، فكما أن "مالئ الدنيا وشاغل الناس الجديد" يستطيع أن يكون أداة مثلى للقفز على حواجز الإعلام الحكومي المتخشب، ومن بينه الإعلام العربي، فإنه يستطيع أن يكون مرتعا خصبا للإشاعة والمعلومة المضللة ومن ثم بث الوعي الموهوم.

بل أكثر من ذلك لا شيء يمنع الحكومات، التي يُطرد إعلامها من الباب، أن تعود من شبّاك الفيس بوك لتروج لسياساتها بطرق شتى وغير مباشرة.

وعن الفيس بوك باعتباره إعلاما بديلا يروج كم كبير من الطروحات المتناقضة بين من يعتبره خير من يستطيع القيام بدور هذا الإعلام المنشود وبين من ينفي عنه كل إمكانية للقيام بذلك الدور.

في هذا الباب يتساءل الصحفي محمد أبو زيد مستغربا: "من كان يتوقع انه سيأتي يوم تستطيع فيه جمع أصدقاء صباك وزملائك في العمل، واقاربك، وربما كل من عرفته في حياتك في مكان واحد؟.. ليس هذا فحسب، بل والحصول على اشتراك مجاني في "وكالة انباء" تزودك بالمستجدات في حياتهم، أولا بأول؟".

وتلفت الباحثة إيناس شري إلى دور الشبكات الاجتماعية ومن بينها الفيس بوك في نحت الوعي المعاصر باعتبارها بديلا معقولا عن التواصل الإنساني المباشر".

وتقول "لقد أثبتت الكثير من الوقائع والدراسات مدى تأثير هذه الشبكات على وعي الإنسان وتصرفاته ولعل السبب الأول في ذلك يعود إلى التفاعل مع الآخرين والاطلاع السريع على الأحداث العالمية".

وتعتبر "هذه الشبكات سيفاً ذا حدين، ففي الوقت الذي جعلت فيه الإعلام والإعلان بحاجة ماسة إلى صناعات إبداعية جديدة يواجهان بها التحديات ويجذبان المستهلك، خلقت سبل تواصل جديدة بين الناشرين والمعلنين من جهة والجمهور من جهة أخرى".

وعن علاقة الشبكات الاجتماعية بالأزمات السياسية ترى أنه "لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الذي لعبته الشبكات الاجتماعية في انتخابات الولايات المتحدة، وكذلك في حرب غزة، ولكن الأمر بدا بارزا جدا في الأحداث الأخيرة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الإيرانية والتي طرحت سؤالا مهما حول دور الشبكات الاجتماعية في نقل الحدث وتوصيفه، حتى إن البعض طرح سؤالا حول دور هذه الشبكات في تغيير الأنظمة وتحديد شكل العالم الجديد".

وتذكر الباحثة كمثال "ما قاله رئيس وزراء بريطانيا غوردون براون من أن السياسة الخارجية ستتغير بفضل الإنترنت واصفا حقبة الإنترنت بأنها أكثر صخبا من أي ثورة اقتصادية أو اجتماعية، معتبرا أن الإنترنت أو ثورة المعلوماتية كانت لتمنع الإبادة الجماعية لأن أي معلومة ستخرج إلى العلن بسرعة والرأي العام سيتحرك".

وتمضي معلقة "في الأحداث الأخيرة بإيران تحول الفيس بوك والتويتر واليوتيوب إلى إعلام أبطاله أو نجومه مواطنون عاديون بدلا من المراسلين الذين منعتهم السلطات الإيرانية من العمل".

وترى أن مواقع الشبكات الاجتماعية تحولت إلى مصدر أساسي للمعلومات ولأشرطة الفيديو وشهادات الناس، فلجأ "المواطن الإعلامي" إلى تصوير الأحداث على جواله أو كاميرته ومن ثم وضع أشرطة الفيديو على الشبكات الاجتماعية حتى باتت مؤسسات إعلامية كبرى مثل الـ"سي.أن.أن" والـ "بي.بي.سي. نيوز" تأخذ قدرا كبيرا من المعلومات الموجودة على "التويتر" وعددا من الأشرطة المحملة على "اليوتيوب"، وهنا نذكر على سبيل المثال طلب الـ "سي.أن.أن" من مستخدمي "تويتر" أن يدلوا برأيهم في مدى نجاح التظاهرات في تغيير مسار الأوضاع في إيران مستقبلا.

وفي رأي الباحثة إيناس شري "لم يقتصر دور الشبكات الاجتماعية على الإعلام أو نقل الحدث إلى الخارج، بل لعبت دورا أساسيا وحاسما في تنظيم العديد من المعارضين في الانتخابات الإيرانية وفي تحديد أماكن التظاهرات وجمع وتبادل المعلومات.

لقد ساعدت هذه الثورة بعض المواقع العالمية والتقنيين المعروفين نذكر منهم على سبيل المثال الموقع المعروف "ذي بيرات باي" والذي وضع على صفحته عبارة "ادعم إيران"، كما نذكر "ندى نت" هو الموقع الذي أنشأه الأميركي إريك ريموندس والذي يحمل اسم ندى سلطان آغا الشابة الإيرانية التي قتلت في 20 يونيو الماضي أثناء الاحتجاجات التي تلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

وتذكّر بأن مشروع "ندا نت" بدأ مع إنشاء شبكات من "بروكسي سيرفرز" وبرامج للتصفح المخفي بهدف تمكين المحتجّين من التواصل مع المتعاطفين معهم في مختلف أنحاء العالم بحرية.

وفي السياق نفسه تذكر ذات الباحثة برنامج "هايستاك" الذي أنشأه متخصص في المعلوماتية هو أوستين هيب بهدف تخطي رقابة السلطة الإيرانية والسماح للإيرانيين بالدخول إلى المواقع المحجوبة.

ومن جانبه يرى الصحفي ياسر أبو الريش أن المدونات أصبحت الآن نداً لوسائل الإعلام التقليدية، بل ونداً عنيداً تصنع الخبر وتؤثر في القرارات، وهذا ما تؤكده الكثير من الشواهد. ويقدر عدد المدونات العربية بحوالي 490 ألف مدونة، وحلت مصر في المركز الأول من حيث عدد المدونين على مستوى الوطن العربي.

ويبلغ مجموع عدد المواقع العربية المسجلة على الإنترنت 41745 موقعاً "إحصاء 2007" وقد ظهرت لهم اتحادات وأحزاب وتجمعات لتدافع عن حقوقهم.

ويتساءل أبو الريش:هل المدونات فعلاً هي البديل الأمثل للإعلام التقليدي، أم أنها احد أدواته، وهل هي فعلاً السلطة الخامسة كما أطلقوا عليها؟

إجابة على ذلك يقول المدون المغربي المصطفى أسعد أن التدوين كصنف إعلامي هو سلطة رابعة وليست خامسة لأنه يمثل نوعاً من أنواع الصحافة العادية ولكن إذا نظرنا له كصوت للناس ومكان للتعبير عن الرأي نظرا لبساطته فهو أخطر بكثير من الصحافة إذ له قوة الوصول وحرية الكتابة وانعدام الرقيب، بحيث لا يوجد له لا رئيس تحرير ولا رئيس قسم ولا مدير نشر فأنت المسؤول عن كل ما تكتب.

كما أن العلاقة بين المدونين والتعليقات وجمعيات المدونين المحلية والدولية وتجمعات المدونين الإلكترونية مثل فيس بوك وتويتر جعلت الأمر أكثر من سلطة خامسة بل أقوى تأثيراً من الصحافة بحيث بساطة الكتابة والصورة والفيديو والصوت كلها عوامل للخروج بسلطة المواطن الصحافي وهذه هي "حلاوة الإعلام الشعبي" في رأيه.

غير أن سعيد الأمين رئيس تحرير إحدى الجرائد الإلكترونية يرى من المبكر القول بتحول الفيس بوك إلى إعلام بديل في العالم العربي نظرا لضعف القراءة وقلة مستخدمي الانترنت مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى نتيجة العوز المادي الذي تعاني منه فئات واسعة جداً من المجتمعات العربية.

ويقول:تصور معي كم نسبة العرب الذين يمكنهم القراءة "أقصد هنا غير الأميين"، ومن هذه الفئة كم عدد الذين يطالعون بشكل دائم أو شبه دائم، ومن هؤلاء بدورهم يستخدمون الانترنت، هذا بالطبع إن كانوا يستخدمونه لغرض غير الترفيه والتسلية ويطلعون فعلا على ما يرد بالمدونات.

بيد أن سعيد الأمين يؤكد بالمقابل أن التدوين هو "سلطة خامسة" مذكرا بأن أول من استخدم العبارة إغناسيو راموني، رئيس التحرير السابق لصحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية ومؤسس جمعية "أطاك" العالمية، وكان يأمل بهذه السلطة إيجاد دور بديل للدور الذي كانت تلعبه السلطة الرابعة "الصحافة والإعلام التقليدي" قبل أن يسيطر عليها رأسمال الدولة والشركات الكبرى اللذان أفقداها استقلاليتها وأصبحت في رأيه أكثر تبعية لأباطرة المال والساسة منه للشارع والمواطن العادي.

لذلك تحدث راموني عن أهمية أنماط إعلامية اجتماعية جديدة يمكن أن يحدثها المجتمع المدني وأن يلجأ إليها المواطن بدون وسيط وبشكل مباشر، وهنا تمت الإشارة إلى الانترنت والفيس بوك تحديدا.

إن معالم تحول الفيس بوك إلى إعلام بديل تبدو واضحة ويكاد الأمر يكون محل إجماع الباحثين، غير أن سؤالا جوهريا يرافق ذلك، وهو: من يمنع الحكومات –والعربية منها- التي يفر المواطن من وجه إعلامها من احتلال موقع لها على الفيس بوك واستغلاله بكل ما تملك من كفاءات بشرية وإمكانيات تقنية كقناة إضافية من قنوات إعلامها التقليدية.

السؤال تشرّع له وقائع ملموسة ومن ذلك لجوء الحزب الوطني الحاكم في مصر إلى الفيس بوك للترويج لسياساته ورموزه وعلى رأسهم جمال مبارك رئيس لجنة السياسات في الحزب.

وكانت معلومات راجت بشأن انتهاج الحزب الوطني ما أسمتها "طريقة باراك أوباما"، في استخدام المواقع الاجتماعية و"فيس بوك" في الانتخابات الأمريكية الأخيرة.

وذكرت إحدى الدراسات عن"الفيس بوك والإعلام البديل " ان شباب الحزب الوطني استغلوا موقع "فيس بوك" لإنشاء مجموعات مثل "محبي ومؤيدي وعشاق جمال مبارك"، التي شارك فيها 3000 عضو، معتبرين ترشيحه للرئاسة"مطلب كل شاب يحلـم بالتطـور والرخــاء والتنمــية، وأنه خير من يمثلهم واصفين إياه بـ"صوت الشباب".

وأشارت الدراسة إلى أنه ظهرت مجموعات عديدة أطلقت حالة من الحوار والجدل حول ترشيح "جمال مبارك" لرئاسة الجمهورية، من بينها "نعم أو لا لترشيح جمال للرئاسة"، "جمال مبارك ليه لأ.. فكرة قبل كده؟"، "مبارك هو الأفضل حالياً لحكم مصر، وبعده جمال.. قول وجهة نظرك"، "مين عاوز جمال رئيساً للجمهورية"، و"ليه ما يبقاش جمال الرئيس".

وقال مراقبون إن الحزب الوطني في مصر انتبه الى الأهمية القصوى لسلاح الانترنت والذي أصبح يشكل احد البؤر التي تشكل صداعا مزمنا في رأس الحزب والحكومة خاصة وانه اندلعت منه شرارة الاضراب الشهير وظهور ما يسمى بحركة 6 ابريل او الحملات المنددة بالتوريث او المعارضة للحزب، لذا ابتعدت الحكومة عن مداهمة وحظر تلك المدونات ومطاردة القائمين عليها بل انتهجت طريقة اخرى وهي سياسة الند للند.

وقد أكدت مصادر داخل الحزب ان هناك شبكة اتصالات الكترونية تتابع اتجاهات الرأي العام وتعليقات زوار المواقع وصفحات الفيس بوك والمدونات مع وضع خطة للتحرك الحزبي تهدف للتفاعل مع شباب الحزب على جميع المستويات.

وكخلاصة فإن الفيس بوك بكل ماله وما عليه يبقى مؤهلا ليكون بديلا عن الاعلام التقليدي بكل ما له وما عليه أيضا، قد يلغي بعض مساوئه مثل سيطرة الدول والحكومات عليه ولكنه قد يعوضها بأخرى مثل غياب المسؤولية وقلة موثوقية الخبر.

ومثلما يذهب إلى ذلك الدكتور شريف درويش أستاذ الصحافة الإلكترونية بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فإن التصاعد السريع في استخدام الانترنيت "يبشر بعصر الإعلام البديل عن عصر الإعلام التقليدي السائد والذي يخلق مجالا عاما ومضادا للأفكار التي يسوقها الإعلام السائد"، متطرقا في الآن ذاته إلى ما يثيره موضوع الاستخدام السياسي للفيس بوك من جدل واسع يدعمه في ذلك رأي الباحث يوسف الورداني الذي ينبه إلى أن في حركات الاحتجاج على النت تكفي 18 ثانية على الإنترنت ليتحول الغاضب بعد ذلك إلى مشارك مجاني لا يتحمل تكلفة المشاركة والنزول إلى الشارع!..

وكنتيجة لكل ذلك يطرح الفيس بوك على الحكومات العربية تحديا كبيرا وغير مسبوق، وهو تحدي تطوير إعلامها وتخليصه من اللغة المتخشبة وإكسابه المزيد من المصداقية وتخليصه من الدعاية الفجة لها، لأنها بوجود بدائل مثل الفيس بوك لن تجد نفسها معزولة إعلاميا فحسب، ولكنها قد تجد نفس هدفا لهجومات قد يصدر بعضها عن حسن نية وبدوافع وطنية، كما قد يصدر بعضها الآخر عن سوء نية وعداوة لها ورغبة في زعزعة استقرارها وبث الفرقة في مجتماعاتها التي تبدي ممانعة ضعيفة للإشاعة ولا تملك حصانة ثقافية وحضارية قوية تتيح لها التمييز بين الصادق والمغرض.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات