تحت لهيب الشمس الحارقة ، كنت واقفا أنتظر ما يقلني وأنا خارج من الجامعة ، بالقرب مني نساء أجنبيات من جنسيات مختلفة يدرسن في قسم اللغة العربية لغير الناطقين بها ، مر بينهن شاب عربي ذو قامة معتدلة وجسم رياضي ، يعلو وجهه ذلك الخلق الهجين من الغرور والحياء ، توسط الجمع النسوي ثم قال : ” السلام عليكم ” بابتسامة عريضة .
لم يكد المسكين ينهي سلامه ، حتى انبرت له سيدة افريقية بلغت من العمر عتيا وهي تقول بأحرف عربية ومخارج جديدة ، ينبغي أن تقول السلام عليكن ، ثم واصلت العجوز حديثها عن نون النسوة واستخداماتها ، لم يُعجب الشاب بالحديث فخرج .
حاولت أنا أن أزيح عني كآبة القيلولة وأنا اتقي حر الشمس بدفتر مترهلة ، فابتسمت ابتسامة خفيفة من نتيجة اللقاء وأنا أرى ذلك الخلق العجيب على وجه الشاب يتحول فجأة إلى شرارة قاتلة وهو يقلب كفيه في غضب يحاول أن يبتعد عن الجمع قبل أن ينفجر .
واصلت ابتسامتي التي لم تساعدني ملامح وجهي التي اسبلتها الشمس ، وألقى عليها سلطان النوم بثقله في أن أطورها إلى ضحكة ، لكنّ عنادي لم يدع تلك الابتاسمة تذبل لعل وعسى أن تأتي وسيلة نقل فأ ستريح من حر الشمس وأطلق العنان لفمي ليأخذ مداه ضحكا ، و أحيانا يأتيك الفرج ، جاءت سيارة أجرة ، فأخذت مكاني خلف السائق ، لكن اسئلته الكثيرة قتلت الابتسامة التي كانت في حالة موت سريري منذ ساعة تقريبا ، حاولت بشتى الوسائل أن أعيد لها الحياة لكني فشلت ، أحسست بامتعاض شديد ولعنت السائق في سري ، ثم أعدت التفكير في القضية ، أخذتني نفسي بعيدا إلى الجانب الجدي فيها هذه المرة ، أترى هذه الإفريقية معها حق ؟ نظريا كلامها منطقي جدا ، لكنني لم اسمع في حياتي من يقول السلام عليكن ، بل إنني رأيت أناسا يدخلون منازل لا أحد فيها ويقولون السلام عليكم .
بدأت أجوب غياهب الذاكرة المترهلة كدفتري الذي كنت أتقي به حر الشمس ، أجمع فيه كل شيء بفوضوية تامة لأنني لن أعود إليه ، إلا أنه كان هنالك بصيص أمل في أن أجد شيئا ما يساعد على حل هذه المعضلة ، تذكرت رأيا لسيبويه يقول بأنه إن كان بين المخاطبين ذكر فنخاطبهم كأنهم ذكور ، إلا أن هذا لا ينطبق على حالتي فالمخاطبات كلهن إناث .. إنتهى بي المطاف إلى الفشل ، قبل أن أنزل من سيارة الأجرة تمنيت لو أن سيبويه هذا مازال حيا ، إلا أنني أدركت بعد لحظات أن ذلك من المستحيل ، فعلى افتراض أن سيبويه عاش في هذا العصر ، لكان حوكم وأعدم قبل سنوات بناء على رأيه السابق في تغليب المذكر على المؤنث .
بقيت الجدلية لم أجد لها حلا وإن كنت أميل لرأي العجوز ، إلا أنني تركتها على المقعد خلف السائق وترجلت وحيدا ، فلدي من الهموم والمشاكل ما يغني عن درس ألقته عجوزإفريقية عرضا على شاب لا يريد سماعه .
التعليقات (0)